قد يرتبط النزاع المتفق على التحكيم بشأنه بآخر مطروح على القضاء، سواءً بين ذات الخصوم أو بينهم وبين خصوم آخرين ليسوا أطرافاً في إتفاق التحكيم، وكان هذا الأرتباط غير قابل للتجزئة، وحسن سير العدالة يقتضي أن تفصل فيهما محكمة أو جهة واحدة منعاً لتناقض الأحكام وتحقيقاً للإتساق، فيثور التساؤل عن مدى جواز الإحالة للأرتباط بين قضاء الدولة وقضاء التحكيم؟.
لم ينظم المشرع اليمني الإحالة بين قضاء الدولة وقضاء التحكيم لا في قانون المرافعات ولا في قانون التحكيم، وقد ذهب جمهور الفقه إلى عدم جواز الإحالة للأرتباط بين محاكم جهة القضاء العادي وقضاء التحكيم، فلا يجوز إحالة قضية مطروحة على محكمين إلى محكمة أو العكس؛ ويرجع ذلك إلى أن الإحالة لا تكون إلا داخل نفس الجهة القضائية، لأن الإجراءات المتبعة أمام القضاء تختلف من جهة إلى أخرى، كما أن الطابع الإتفاقي للتحكيم يقف عقبة أمام هذه الإحالة.
ويترتب على عدم جواز الإحالة بين قضاء الدولة وقضاء التحكيم أن الأرتباط لا يكون له أي دور في مد اختصاص المحكم إلى مسائل أخرى غير المسائل الواردة في إتفاق التحكيم، وفي ضوء ذلك يثور التساؤل عن أثر هذا الأرتباط على إتفاق التحكيم، فهل من شان ذلك الأرتباط أن يؤدي الى إلغاء إتفاق التحكيم وإمتداد اختصاص القضاء لنظر الدعويين معاً، أم أن إتفاق التحكيم يحتفظ بأثره في اختصاص هيئة التحكيم بحيث يستقل كل من القضاء وهيئة التحكيم بنظر ما طرح أمامه دون الإعتداد بالارتباط؟
ذهب أغلب الفقه إلى أن الأرتباط الذي لا يقبل التجزئة يلغي أثر اتفاق التحكيم، بحيث يعود الاختصاص بنظر المنازعات المرتبطة إلى القضاء العادي؛ وذلك لأن الطابع الإرادي للتحكيم من شانه قصر اختصاص المحكم على المنازعات الواردة في إتفاق التحكيم دون غيرها من المنازعات فلا يتصور اختصاص المحكم بالنزاع المرتبط دون رضا الأطراف، كما أن اعتبارات حسن سير العدالة تقتضي أن يفصل في الدعاوى المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة جهة واحدة منعاً لتناقض الأحكام ويتعين تغليب اعتبارات سير العدالة لصالح القضاء باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في حسم المنازعات، إضافةً الى أن القواعد العامة للاختصاص المحلي في قانون المرافعات تغلب فكرة عدم تجزئة النزاع على إرادة أطراف النزاع الذين اتفقوا على اختصاص محكمة معينة وبالتالي فإن فكرة عدم التجزئة تغلب على إرادة الأطراف المتمثلة في إتفاق التحكيم. وبدورنا نتفق مع هذا الرأي، فالتحكيم يعد نظاماً استثنائياً، فلا يجوز جلب النزاع القائم أمام القضاء أمام التحكيم، حيث أن سلطة هيئة التحكيم سلطة استثنائية تقتصر على النزاع الذي حددته إرادة الأطراف دون غيره، وبالتالي تغلب إعتبارات العدالة لصالح القضاء صاحب الاختصاص الأصيل في حسم المنازعات في كل حالة يتعذر معها إعمال إتفاق التحكيم لإرتباط النزاع المتفق بشأنه على التحكيم بنزاع أخر منظور أمام القضاء ارتباطاً لا يقبل التجزئة، وذلك إستناداً لنص المادة (51/ج) من قانون التحكيم اليمني.
إعلان منتصف المقال
الجدير بالذكر أنه إذا أتفق الخصوم على منح المحكم سلطة الفصل في جميع الدعاوى المرتبطة بالدعوى الأصلية التي ينظرها بالنسبة لأطراف إتفاق التحكيم أنفسهم، فإن اختصاصه بنظر الدعاوى المرتبطة يكون نابعاً من إتفاق التحكيم.
المحامي الدكتور/ هشام قائد الشميري.