recent
جديد المشاركات

الحكم القضائي القطعي وشرط وجوده

الحجم
بإعتبار أن منطوق الحكم القضائي هو وسيلة التعبير عن الإرادة الظاهرة للقاضي والقانون، فإنه يتعين للوجود القانوني للحكم فضلاً عن وجود ذلك المنطوق أن تكون هذه الإرادة قطعية، وذلك بأن يأتي المنطوق والأسباب المكملة له جازماً حاسماً للنزاع بصورة جازمة وقاطعة وناجزه غير معلقاً على وقائع تالية لصدوره أو وارداً على سبيل التخيير، وإلا كان الحكم منعدماً، وهذا الشرط خاص بالأحكام القطعية فقط دون الأحكام غير القطعية كالأحكام التمهيدية أو التهديدية. وترتيباً على ذلك يكون الحكم القضائي منعدماً إذا ورد منطوقة أو الأسباب المكلمة للمنطوق على سبيل التخيير بين أمرين، أو جاء معلقاً على وقائع تالية لصدوره كتعليقه على يمين المدعى عليه أو استيفاء أي دليل من أدلة الإثبات أو تعليقه على مشيئة الخصوم أو أحدهما؛ لأن ذلك التخيير أو التعليق يجعل الحكم غير جازماً وغير حاسماً للنزاع، ما يفقد الحكم وظيفته الأساسية المتمثلة بحسم النزاع بصورة جازمة وقاطعة وناجزه، ومن ثم فلا يكتسب هذا الحكم حجية الأمر المقضي به التي تحوزها الأحكام القطعية الفاصلة في الموضوع، ولا يستنفذ سلطة المحكمة التي لا تستنفذها سواء الأحكام القطعية الموضوعية أو الإجرائية دون الأحكام غير القطعية، كما أن ذلك التخيير أو التعليق من شأنه أن يؤدي إلى تعذر التنفيذ. وهذا بخلاف الحكم إذا جاء منطوقة مضافاً إلى أجل، فإن هذا لا يعيب الحكم لا بالانعدام ولا بالبطلان، وإنما يجعله غير قابلاً للتنفيذ قبل حلول الأجل.
 وهذا ما قرره المشرع اليمني، فالمتأمل لنصوص قانون المرافعات اليمني يجد أن المشرع قد اعتبر الحسم عنصر لازم لوجود الحكم القضائي، ويتجلى ذلك من خلال ما نصت عليه المادة (12) مرافعات من أنه: (لا يجوز للقاضي أن يفتح نزاعاً حُسم بحكم قائم)، فقد أكدت هذه المادة على عنصر الحسم بلفظ (حُسم)، ويدل مفهوم مخالفة هذا النص على أنه يجوز للقاضي أن يفتح نزاعاً سبق صدور حكم فيه إذا لم يكن ذلك الحكم حاسماً للنزاع، لأن النص القانوني جعل حسم النزاع شرط للقول بحجية الحكم التي تمنع الخوض في الخصومة مجدداً، وأن تخلف هذا الحسم يحول دون تمتع الحكم بالحجية، ما يعني أن الحكم الذي أفتقد إلى عنصر الحسم يعد حكماً منعدماً لا جود له، لان الحكم المنعدم هو الذي لا يكتسب الحجية، وهذا هو ذات ما أكده المشرع اليمني في المادة (233) من قانون المرافعات اليمني. ويتجلى ذلك أيضاً من خلال ما نصت عليه المادة (237) من قانون المرافعات اليمني من أن: (الأحكام تقرر ثبوت الحقوق أو عدم ثبوتها وتنشئ المراكز القانونية أو تزيلها أو تغيرها...)، فقد أكدت هذه المادة على عنصر الحسم بما أكدته من أن الوظيفة الأساسية للحكم القضائي هي تقرير ثبوت الحقوق من عدمه وإنشاء المراكز القانونية أو تعديلها أو إزالتها، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان الحكم قطعياً حاسماً للنزاع محل الخصومة. وهذا ما يتفق مع مقررات الفقه الإسلامي الذي أشترط لوجود وصحة الحكم القضائي أن يكون قضاءه بصفة تدل على الحسم والإلزام، فإذا جاء قضاءه بصفة لا تدل على الإلزام فان الحكم يكون باطلاً لا ينتج أي أثر شرعي؛ لان حقيقة وظيفة الحكم وطبيعته هو حسم النزاع بين المتخاصمين، وهذا الحسم لا يتحقق إلا بالإلزام. 
إعلان منتصف المقال
وهذا هو ذات ما أفصحت عنه المحكمة العليا اليمنية في الكثير من أحكامها، فقد قضت بقولها:( تعليق الحكم على يمين المدعى عليه أو على استيفاء أي دليل من أدلة الإثبات يعد عيباً جوهرياً يحول دون تحقيق الحكم وظيفته الأساسية في تقرير ثبوت الحقوق من عدمه، وبالتالي فلا تكون له أي حجية، لأن الأحكام التي تحوز حجية الأمر المقضي به هي الأحكام القطعية الفاصلة في الموضوع وفقاً لأحكام المواد (217،233،234،237) مرافعات، الأمر المستوجب معه نقض الحكمين الابتدائي والاستئنافي المؤيد له وإرجاع ملف القضية إلى محكمة أول درجة لإعادة النظر فيها مجدداً بحكم ناجز حاسم).  طعن مدني يمني رقم (30195) لسنة 1428هـ جلسة 28/5/2008م وطعن مدني يمني رقم (30833) لسنة 1428هـ جلسة 6/7/2008م مجموعة القواعد القانونية العدد الثالث عشر  ص110،239، طعن مدني يمني رقم (19371) لسنة 1425هـ جلسة 3/8/2004م، طعن مدني يمني رقم (20282) سنة 1425هـ جلسة 4/12/2004م - مجموعة القواعد القانونية العدد السادس ص19،25،214.
google-playkhamsatmostaqltradent