إن جزاء الانعدام المنصوص عليه في قانون المرافعات اليمني الجديد رقم(40) لسنة2002م يمتد مجال إعماله أيضاً أمام قضاء التحكيم الذي تنظمه قواعد قانون التحكيم رقم (22) لسنة 1992م المعدل بالقانون رقم (32) لعام 1997م، وسندنا في ذلك الآتي:-
1- أن قواعد قانون المرافعات تعتبر الشريعة العامة للقوانين الإجرائية يرجع إليها في كل ما لم يرد به نص في قانون التحكيم، ومن هذه القواعد قواعد الجزاء الإجرائي المقررة في قانون المرافعات منها جزاء الانعدام، وذلك إعمالاً لقواعد التفسير التي تقرر أن القانون الجديد يلغي القانون القديم، وقانون المرافعات الذي يُعد الشريعة العامة للقوانين الإجرائية الصادر عام 2002م يُعتبر هو القانون الجديد بالمقارنة بقانون التحكيم الصادر عام 1992م والمعدل عام 1997م، وهو في ذلك مثله مثل إعمال جزاء الانعدام المنصوص عليه في قانون المرافعات الصادر عام٢٠٠٢م أمام القضاء الجنائي الذي تنظمه قواعد قانون الإجراءات الجزائية الصادر عام ١٩٩٤م ولو على حالات البطلان القانونية المنصوص عليها صراحة في قانون الاجراءات الجزائية.
2-المشرع اليمني في المادة (55) من قانون المرافعات حدد المحل الذي يرد عليه جزاء الانعدام بالعمل القضائي، وأن حكم التحكيم عند الفقه الغالب يعد عملاً قضائياً كونه يُعد بمثابة حكم بمعناه الخاص يحوز حجية الأمر المقضي به شأنه شأن الحكم الصادر من محاكم الدولة، وتتجلى هذه الطبيعة القضائية لأحكام التحكيم من خلال نصوص قانون التحكيم اليمني، فقد اعترف المشرع اليمني لأحكام التحكيم بالطبيعة القضائية بما قرره في المادة (56) من قانون التحكيم والمادة (12) من قانون المرافعات من تمتع أحكام التحكيم بذات الحجية التي قررها للأحكام الصادرة من محاكم الدولة، وهو بذلك قد اعتبر حكم التحكيم عملاً قضائياً يرد عليه جزاء الانعدام. كما أن المشرع في المادة (12) مرافعات التي رتب في المادة (15)من ذات القانون على مخالفتها الانعدام قرر ضمناً انعدام حكم المحكم الذي فصل في مسألة سبق الفصل فيها بحكم قضائي أو حكم محكم.
3-أن المشرع اعتبر الولاية شرط من شروط تمتع العمل القضائي بحجية الأمر المقضي به، ومقتضى ذلك أن حكم التحكيم الصادر من شخص ليس له ولاية في إصداره لا يحوز حجية الأمر المقضي به، وبالتالي فلا يمكن القول بتحصن ذلك الحكم الذي لم يحُز حجية الأمر المقضي به بمضي ميعاد رفع دعوى البطلان.
4-أن تطبيق جزاء الانعدام على أحكام التحكيم يتماشى مع فلسفة قانون التحكيم، فإذا كان المشرع اليمني في قانون المرافعات قد قرر جزاء الانعدام على الأحكام الصادرة من قضاء الدولة صاحب الولاية العامة التي فقدت ركن من أركان وجودها فإنه من باب أولى أن يقرر الانعدام على أحكام التحكيم الصادرة من شخص ذي ولاية خاصة لا يتسم بالدراية والمعرفة القانونية الكافية، فمن غير المتصور أن يجعل المشرع الأحكام الصادرة من قضاء الدولة التي يكون المساس بالمبادئ العامة للقانون أقل منعدمة لا تتحصن بمضي المدة، بينما يجعل أحكام التحكيم تتحصن بمضي المدة على الرغم مما يشوبها من خلل جسيم يفوق الخلل الذي يشوب أحكام القضاء.
5- إن مبررات وحجج القائلين بعدم ورود جزاء الانعدام على احكام التحكيم غير مقنعة ولا تتفق مع إرادة المشرع، حيث أن ما يحتج به القائلين بعدم ورود جزاء الانعدام على احكام التحكيم من أن المشرع في المادة (53) من قانون التحكيم جعل دعوى البطلان الوسيلة الوحيدة لمواجهة أحكام التحكيم مردود عليه بأن قواعد التفسير تقرر أن القانون الجديد يلغي القانون القديم، وقانون المرافعات الذي يُعد الشريعة العامة للقوانين الإجرائية الصادر عام 2002م يُعتبر هو القانون الجديد بالمقارنة بقانون التحكيم الصادر عام 1992م والمعدل عام 1997م. كما أن ما يحتج به القائلين بعدم ورود جزاء الانعدام على حكم التحكيم من أن المادة (52) من قانون التحكيم أوردت ضمن حالات بطلان حكم التحكيم ما يعتبر من أسباب الانعدام مردود عليه بأن المشرع أورد ضمن حالات الطعن بالنقض والالتماس في الحكم القضائي ما يعد من أسباب الانعدام وفي الوقت نفسه أجاز رفع دعوى مبتداه بانعدام الحكم القضائي. كذلك أن ما يحتج به القائلين بعدم ورود جزاء الانعدام على حكم التحكيم من أن المشرع في المادة (53) من قانون التحكيم حظر الطعن في أحكام التحكيم بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات مردود عليه بأن هذا الحظر لا يمتد إلى جزاء الانعدام؛ كون الانعدام يعد جزاءً إجرائياً وليس طريقاً من طرق الطعن.
إعلان منتصف المقال
وقد ذهب جانب من فقهاء التحكيم إلى أن جزاء الانعدام يرد على حكم التحكيم باعتباره يُعد عملاً قضائياً، لأنه يُعتبر بمثابة حكم بمعناه الخاص يحوز حجية الأمر المقضي به شأنه شأن الحكم الصادر من محاكم الدولة، فالتحكيم يعد نظاماً إجرائياً (قضائياً) بالنظر إلى الغاية المرجوة من تنظيمه، وهي الفصل في النزاع القائم أو المحتمل نشؤه بين المحتكمين بحكم له حجية الأمر المقضي به. د/أحمد أبو الوفا – التحكيم الاختياري والاجباري – دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية 2007م – ف38 ص111، د/ علي عوض حسن- التحكيم الاختياري- دار الفكر الجامعي الاسكندرية 2001م- ف257 ص202، د/ مهند الصانوري – دور المحكم في خصومة التحكيم- رسالة دكتوراه حقوق القاهرة2005م- ص219، د/فتحي والي- التحكيم بين النظرية والتطبيق – الطبعة الأولى منشأة المعارف الاسكندرية 2007م- ف338 ص606.
كما قضت المحكمة العليا اليمنية في الكثير من أحكامها بورود جزاء الانعدام على أحكام التحكيم، فقد قضت بقولها: ( أن حكم التحكيم هو عمل قضائي يلحقه الانعدام إذا توافرت شروطه كما حددتها المادة(217) من قانون المرافعات مما يجعل ما دفع به محامي المطعون ضده بان الانعدام لا يمتد إلى حكم التحكيم غير قائم على أساس صحيح من القانون بما يوجب رفضه) حكم المحكمة العليا اليمنية الصادر في الطعن المدني رقم(28481) لسنة 1426ه جلسة2007/6/18م الارشيف الالكتروني للمحكمة العليا لعام2007م، وقضت أيضاً بقولها: ( أن المحكمة العليا غير مختصة بنظر دعوى انعدام حكم التحكيم كونها ليست محكمة موضوع لان الحكم المنعدم يتم مواجهته بدفع أمام قاضي الموضوع أو التنفيذ أو بدعوى مبتدأه ترفع أمام المحكمة التي أصدرته) حكم المحكمة العليا اليمنية الصادر في الطعن المدني رقم (33639) لسنة1427ه جلسة 2008/10/18م الارشيف الالكتروني للمحكمة العليا لعام2008م وحكمها الصادر في الطعن المدني رقم (34656) لسنة1428ه جلسة2009/10/18م الارشيف الالكتروني للمحكمة العليا لعام2009م.
انتهي ....
الدكتور/هشام الشميري