recent
جديد المشاركات

دعوي المسئولية عن التعويض

                الوسيط للدكتور عبدالرزاق السنهوري

 إذا توافرت أركان المسئولية – خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما – تحققت المسئولية ، وترتبت عليها آثارها ، ووجب على المسئول تعويض الضرر الذي أحدثها بخطأه .
فالتعويض إذن هو الحكم الذي يترتب على تحقق المسئولية ، وهو جزاؤها . ويسبق ذلك دعوى المسئولية ذاتها ، ففي الكثرة لغالبة من الأحوال لا يسلم المسئول بمسئولية ، ويضطر المضرور إلى أن يقيم عليه الدعوى .
فنستعرض في مبحثين متعاقبين : ( 1 ) دعوى المسئولية ( 2 ) وجزاء المسئولية ( التعويض ) .

المبحث الأول
دعوى المسئولية
 ( Action en responsabilite )
612 – مسائل أربع : نستعرض المسائل الأربع الآتية : ( 1 ) طرفي الدعوى : المدعى والمدعى عليه ( 2 ) الطلبات والدفوع ، ويدخل في ذلك تقادم دعوى المسئولية ( 3 ) الإثبات : عبؤه ووسائله ( 4 ) الحكم الصادر في دعوى المسئولية وطرق الطعن فيه ، وبخاصة طريق النقض .
المطلب الأول
طرفا الدعوى
1 – المدعى
613 – المدعى هو المضرور : المدعى في دعوى المسئولية هو المضرور ، وهو الذي يطالب بالتعويض . فغير المضرور ليس له حق في التعويض . والمضرور ، هو أن نائبه أو خلفه ، يثبت له هذا الحق . ويثبت الحق لكل مضرور . فالمدعى إذن هو المضرور ، وكل مضرور ، ولا أحد غير المضرور .
1 – غير المضرور ليس له حق في التعويض :
614 – التبرع بالتعويض لجهة خيرية : بديهي أن غير المضرور لا يستطيع أن يطالب بتعويض عن ضرر لم يصبه (   ) . ولكن يقع كثيراً – وبخاصة في الأضرار الأدبية – أن يعلن المضرور عن رغبته في النزول عما يحكم له به من تعويض لجهة خيرية أو لمؤسسة تعمل للمصلحة العامة . والمحظور أن يطلب المضرور من المحكمة القضاء مباشرة بالتعويض لهذه الجهة . ولا تستطيع المحكمة في هذه الحالة أن تجيبه إلى هذا الطلب ، لأن الجهة الخيرية التي عينها المضرور لم يصبها أي ضرر ، فلا يجوز الحكم لها مباشرة بتعويض أما إذا طلب المضرور الحكم بالتعويض لنفسه وأعلن في الوقت ذاته عن رغبته في النزول عن هذا التعويض لجهة خيرية ، فلا شيء يمنع من ذلك . ويجوز أن يشير الحكم إلى هذا الأمر ، ولا يكون في هذه الإشارة مخالفة للقانون تستوجب نقض الحكم (   ) .
فإذا وقع ذلك ، بقى أن نعرف هل تكسب الجهة الخيرية حقاً قبل المضرور في أن ينزل لها عن التعويض الذي قضى له به ؟ إذا طبقنا القواعد العامة ، رأينا أن المضرور لا يلتزم بارادته المنفردة نحو الجهة الخيرية ، لأن الإرادة المنفردة لا تلزم صاحبها إلا في أحوال منصوص عليها ، ليست هذه الحالة منها . ولكن يجوز أن يعتبر إعلان المضرور رغبته في النزول عن التعويض للجهة الخيرية إيجاباً منه يعد فيه بهبة حق ثابت له ، ستقوم المحكمة بتحديد مقداره . فإذا قبلت الجهة الخيرية هذا الإيجاب أصبح المضرور ملتزماً بهذا الوعد بالهبة ، مع مراعاة أن الوعد بالهبة لا ينعقد إلا إذا كان بورقة رسمية ( م 490 من القانون المدني الجديد ) (   ) .
ب – حق التعويض للمضرور :
615 – المضرور أو نائبه : المضرور هو الشخص الذي لحق أن يطالب بالتعويض . ويقوم نائبه مقامه في ذلك .
ونائب المصور ، إذا كان هذا قاصراً ، هو وليه أو وصيه . وإذا كان محجوراً ، هو القيم . وإذا كان مفلساً ، هو السنديك . وإذا كان وقفاً ، هو ناظر الوقف . وإذا كان رشيداً ، فنائبه هو الوكيل .
616 – خلف المضرور : بقى الخلف ، عاماً كان أو خاصاً . وهؤلاء هم الوارث والدائن والمحال له ، وهنا يجب التمييز بني التعويض عن الضرر المادي والتعويض عن الضرر الأدبي .
فإذا كان التعويض عن ضرر مادي – تلف مال أو اصابة في الجسم اعجزت عن العمل – فإن الحق في التعويض ، وقد ثبت للمضرور ، ينتقل منه إلى خلفه . فيستطيع وارث المضرور أن يطالب بالتعويض الذي كان مورثه يطالب به لو بقى حياً (   ) . ويستطيع دائن المضرور أن يطالب بهذا التعويض باسم مدينه عن طريق الدعوى غير المباشرة (   ) . ويستطيع المضرور أن يحول حقه في التعويض إلى شخص آخر فينتقل هذا الحق إلى المحال له (   ) .
أما إذا كان التعويض عن ضرر أدبي ، فإنه لا ينتقل إلى خلف المضرور إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق ما بين المضرور والمسئول أو طالب به المضرور أمام القضاء ( م 222 ) . وقد تقدم بيان ذلك بالتفصيل عند الكلام في الضرر الأدبي وكيف ينتقل التعويض عنه إلى الغير . فإذا تحدد التعويض عن الضرر الأدبي على هذا النحو ، بالتراضي أو بالتقاضي ، أمكن أن ينتقل حق التعويض إلى الوارث ، وجاز لدائن المضرور أن يطالب به عن طريق الدعوى غير المباشرة (   ) ، وصح للمضرور أن يحوله إلى الغير (   ) .
ج – حق التعويض كل مضرور :
617 – تعدد المضرورين : قد يتعدد المضرورن من الخطأ الواحد ، ويكون كل مضرور قد أصابه ضرر مستقل عن الضرر الذي أصاب الآخر . مثل ذلك حريق تنشب بخطأ شخص فتحرق منازل عدة ، فصاحب كل منزل قد أصابه بسبب هذه الحريق ضرر مستقل عن الأضرار التي أصابت أصحاب المنازل الأخرى .
وقد يصيب الخطأ الواحد بالضرر شخصين أو أكثر ، ولكن الضرر الذي أصاب أحدهم يكون نتيجة للضرر الذي أصاب الآخرين . مثل ذلك أن يقتل شخص آخر خطأ ، ويكون للمقتول قريب يعوله ، فخطأ القاتل أصاب المقتول بالضرر ، وأصاب بالضرر أيضاً من كان المقتول يعوله . والضرر الثاني ليس إلا انعكاساً للضرر الأول ، فهو نتيجة له (   ) . والفرق بين هذه الحالة والحالة السابقة أن الأضرار في الحالة السابقة كان كل ضرر منها مستقلا عن الأضرار الأخرى ، أما في الحالة التي نحن بصددها فالأضرار تتصل فيما بينها اتصال السبب بالمسببب .
وفي الحالتين – سواء كانت الأضرار مستقلة بعضها عن بعض أو كانت بعضها لبعض سبباً – يكون لكل مضرور دعوى شخصية مستقلة يرفعها باسمه خاصة دون أن يتأثر بدعاوى الآخرين . ولا تضامن ما بين المضرورين ، بل يقدر القاضي تعويض كل منهم على حدة .
618 – الضرر الذي يصيب الجماعة : وقد يقع الضرر على جماعة ، لا على فرد أو على أفراد متعددين ، فمن عسى أن يكون المضرور في هذه الحالة ، هل هم الأفراد الذين تتكون منهم الجماعة ، أو هي الجماعة ذاتها ؟ يجب التمييز هنا بين ما إذا كانت الجماعة ذات شخصية معنية ، أو كانت لا تتمتع بهذه الشخصية .
فإذا كانت الجماعة ذات شخصية معنوية ، كشركة أو جمعية أو نقابة أو شخص معنوي عام ، وجب التمييز بين المصلحة الفردية ( Interet individual ) لأي فرد من الأفراد التي تتكون منها هذه الجماعة ، والمصلحة الجماعية الشخصية ( interet social personnel ) للشخص المعنوي ذاته ، والمصلحة الجماعية العامة ( interet collectif ) التي يقوم عليها هذا الشخص المعنوي باعتباره منتمياً إلى حرفة معينة . ولنضرب لذلك مثلا النقابة – نقابة المحامين أو نقابة الأطباء أو نقابة المهندسين أو نقابة من نقابات العمال أو أصحاب العمل أو أية نقابة أخرى – فكل عضو في هذه النقابة له مصلحة فردية يحميها القانون ، فإذا وقع اعتداء على هذه المصلحة كان لهذا الفرد المضرور دعوى شخصية قبل المسئول ، كما إذا منعت نقابة أحد أعضائها من ممارسة مهنته دون حق فيجوز لهذا العضو أن يرجع على النقابة لحماية مصلحته الفردية . وللنقابة كشخص معنوي مصالح جماعية شخصية ، فهي تملك مالا ولها نشاط مهني وتتعاقد وتمارس اختصاصاتها المختلفة ، فإذا وقع اعتداء على مصلحة شخصية لها من هذا القبيل ، كانت النقابة كشخص معنوي هي المضرور ، كما إذا ارتكب أحد مديري النقابة خطأ في ادارته سبب خسارة للنقابة ، فوي هذه الحالة ترجع النقابة بالتعويض على المسئول ، ولا يجوز لي عضو من أعضاء النقابة أن يعتبر نفسه هو المضرور فيرجع بصفته الشخصية على المسئول (   ) . والنقابة كشخص معنوي يعهد إليه القانون بالدفاع عن المصالح العامة لمهنة معينة لها أن ترجع على أي شخص اعتدى على هذه المصالح العامة ، ولو لم تكن لها في ذلك مصلحة شخصية . فنقابة للعمال لها أن ترجع على صاحب عمل لم يراع قوانين العمل في مصنعه ، بأن جعل العمال يعملون أكثر من الساعات المقررة للعمل ، أو استخدم الصبية أو النساء دون أن يراعى القيود التي قررها القانون ، حتى لو لم يكن العمال أو الصبية أو النساء الذين استخدمهم صاحب العمل أعضاء في النقابة ، إذ النقابة هنا تمثل الصالح العام لجميع العمال سواء كانوا داخلين في عضويتها أو غير داخلين . أما إذا كان العمال داخلين في عضويتها ، فإنها تكون بذلك قد توفرت لا على مصلحة عامة للمهنة فحسب ، بل أيضاً على مصلحة جماعية شخصية ، وكلتا المصلحتين تبرر رجوعها على صاحب العمل . وقيام المصلحة الجماعية العامة يتحقق بالنسبة إلى النقابات دون الشركات والجمعيات ، فإن هذه لا تمثل المصالح العامة للمهنة أو للطائفة التي تنتسب إليها . أما الأشخاص المعنوية العامة ، كالدولة والمديريات والبلديات والقرى ، فتختلط بالنسبة إليها المصالح الشخصية بالمصالح العامة ، إذ الدولة تمثل مجموع السكان فمصالح هذا المجموع وهي المصالح العامة هي أيضاً المصالح الشخصية للدولة ، والمديرية تمثل مجموع سكان المديرية فمصالح هذا المجموع هي المصالح العامة والمصالح الشخصية للمديرية في وقت واحد . وهكذا قل عن سائر الأشخاص المعنوية العامة (   ) .
وإذا كانت الجماعة لا تتمتع بشخصية معنوية ولكنها تنتمي إلى مهنة أو طائفة معينة ، كرجال الجيش ورجال القضاء ورجال الإدارة والمعلمين والخبراء والمحضرين والجماعيين والأزهريين واليهود ومهاجري فلسطين ، وبج أن نلاحظ أن لهذه الجماعة مصالح عامة . فهل الاعتداء على هذه المصالح يجيز للجماعة ، وهي لا تتمتع بشخصية معنوية ، أن ترجع بالتعويض على المعتدى ؟ تقضي القواعد العامة بعدم جواز ذلك ، فالجماعة ما دامت لا تتمتع بالشخصية المعنوية ليست شخصاً له ذمة مالية ، ولا تستطيع أن تقاضي ولا أن تقاضى ، ولا يمكن أن تترتب مسئولية في ذمتها ولا أن يكون لها حق في الرجوع على المسئول . وأكثر ما يكون الاعتداء على المصالح العامة لهذه الجماعات أن يكون اعتداء على مصالحها الأدبية ، كالقذف في حقها أو الحط من كرامتها أو تلويث سمعتها . ففي مثل هذه الأحوال لا يجوز لأحد أن يتقدم باعتباره ممثلا للجماعة يطالب المسئول بالتعويض . وإنما يجوز لأي فرد من أفراد الجماعة – أو أي شخص معنوي داخل هذه الجمعية كجمعية المعلمين أو نادي الجماعيين أو جمعية إسرائيلية ، أن يطالب المسئول بالتعويض ، ويشترط في ذلك أن يثبت ليس فحسب أن المسئول قد اعتدى على المصلحة العامة للجماعة ، بل أيضاً أن هذا الاعتداء على المصلحة العامة قد لحقه منه ضرر شخصي (   ) .
2 – المدعى عليه
619 – المدعى عليه هو المسئول أو نائبه أو خلفه : المسئول هو الذي يكون مدعى عليه في دعوى المسئولية ، سواء كان مسئولا عن فعله الشخصي أو مسئولا عن غيره أو مسئولا عن الشيء الذي في حراسته . ويجوز رفع دعوى المسئولية على المسئول عن الغير وحده دون إدخال المسئول الأصلي ، وما على المسئول الذي رفعت عليه الدعوى إلا أن يدخل المسئول الأصلي ضامناً .
ويقوم مقام المسئول نائبه . فإذا كان المسئول قاصراً ، كان نائبه هو وليه أو وصيه . وإذا كان محجوراً ، كان النائب هو القيم . وإذا كان مفلساً ، فالسنديك . وإذا كان وقفاً ، فالناظر . وإذا كان رشيداً بالغاً ، فالوكيل . و
يحل محل المسئول خلفه . والخلف هنا هو أولاً الوارث . ولما كان الوارث في الشريعة الإسلامية لا يرث التركة إلا بعد سداد الديون ، فالتركة تكون هي المسئولة بعد موت المسئول ، وأي وارث يمثل التركة في دعوى المسئولية ، وما على المضرور إلا أن يرفع الدعوى على كل الورثة أو على أحدهم ، فيحكم له بالتعويض قبل من رفع عليه الدعوى ، ويتقاضى حقه كاملا من التركة . ويجوز أيضاً أن يكون الخلف هو شخص محال عليه بالدين ، كما إذا باع صاحب المتجر متجره واشترط على المشتري أن يفي بجميع الديون التي تثبت في ذمة المتجر ويكون من هذه الديون تعويض لمتجر آخر بسبب منافسة غير مشروعة . فيكون المدعى عليه في هذه الحالة هو المشتري للمتجر باعتباره خلفاً خاصاً للمسئول ، وقد انتقل إليه دين التعويض عن طريق الحوالة ، وحوالة الدين جائزة في القانون المدني الجديد (   ) . ولا يتصور هنا أن يكون المدعى عليه هو دائن المسئول كما تصورنا ذلك في المدعى ، فإنه إذا كان للدائن أن يستعمل حقوق مدينه فليس عليه الوفاء بالتزامات المدين (   ) . وإذا كان المسئول شخصاً معنوياً وانحل ، فجميع ما له بعد التصفية يكون مسئولا عن التعويض (   ) .
620 – تعدد المسئولين : سبق أن ذكرنا أن المادة 169 من القانون المدني الجديد قضت بأنه إذا تعدد المسئولون عن عمل ضار ، كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر ، وتكون المسئولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض . فتعدد المسئولين يجعل كل مسئول مدعى عليه ، ويجعلهم جميعاً متضامنين في المسئولية (   ) . وما دموا متضامنين فإن المدعى يستطيع أن يقيم الدعوى عليهم جميعاً ، كما يستطيع أن يختار منهم من يشاء فيقصر الدعوى عليه دون غيره ، ويطالبه بالتعويض كاملاً (   ) . ذلك أن التضامن يقضي بأن كلا منهم يكون مسئولا قبل المضرور عن التعويض كله ، ثم يرجع من دفع التعويض على الباقي كل بقدر نصيبه بحسب جسامة الخطأ أو بالتساوي على النحو الذي قدمناه .
ويجب حتى يقوم التضامن بين المسئولين المتعددين أن تتوافر شروط ثلاثة :
1 - أن يكون كل واحد منهم قد ارتكب خطأ . فلا تكون ورثة المسئول متضامنين إلا باعتبار أن التركة هي المسئولية ، أما هم فلا تضامن بينهم لأن أحداً منهم لم يرتكب خطأ ، بل المورث هو الذي صدر منه الخطأ .
2 - أن يكون الخطأ الذي ارتكبه كل منهم سبباً في إحداث الضرر . فإذا أطلق جماعة من الصيادين خطأ بنادقهم في وقت واحد ، أصيب أحد العابرة برصاصة من أحدهم ، فإن الباقي لا يكون مسئولين معه بالتضامن لأن الأخطاء التي وقعت منهم لم تكن سبباً في إحداث الضرر ، بل لا يكونون مسئولين أصلاً لانهم لم يحدثوا ضرراً ما .
3 - أن يكون الضرر الذي أحدثه كل منهم بخطئه هو ذات الضرر الذي أحدثه الآخرون ، أي أن يكون الضرر الذي وقع منهم هو ضرر واحدا (   ) . فإذا سرق أحد اللصوص عجلة السيارة ، وجاء لص آخر فسرق من السيارة بعض الآلات ، لم يكن اللصان متضامنين لأن كلا منهما أحدث بخطئه ضرراً غير الضرر الذي أحدثه الآخر (   ) .
هذه هي الشروط الثلاثة التي يجب توافرها ليكون المسئولون المتعددون متضامنين في المسئولية . ومتى توافرت تحقق التضامن ، دون حاجة لأي أمر آخر . فلا ضرورة لأن يكون هناك تواطؤ ما بين المسئولين أو أن يرتكب الأخطاء في وقت واحد ، فإذا حاول لص سرقة منزل فنقب فيه نقباً ثم ذهب يستحضر ما يستعين به على السرقة ، فأتى لص آخر على غير اتفاق مع اللص الأول ودخل من النقب وسرق المنزل ، فإن اللصين يكونان مسئولين بالتضامن (   ) . ولا ضرورة لأن تكون الأخطاء عملا واحداً أو جريمة واحدة (   ) ، فقد يكون أحدها عمداً والآخر غير عمد ، وقد تختلف جسامة الأخطاء فيقترن خطأ جسيم بخطأ يسير ومع ذلك يكون صاحب الخطأ اليسير متضامناً مع صاحب الخطأ الجسيم . وقد تختلف طبيعة الأخطاء فيكون أحد الخطأين جنائياً ويكون الثاني مدنيا ًن أو يكون أحدهما عملا ويكون الآخر امتناعاً عن عمل . مثل ذلك أن يهمل الخادم فيترك باب المنزل مفتوحاً فيدخل لص ويسرق المنزل ، ففي هذه الحالة يكون الخادم واللص متضامنين على اختلاف ما بين الخطأين ، فأحدهما عمد والآخر غير عمد ، وأحدهما جنائي والآخر مدني ، وأحدهما عمل والآخر امتناع عن عمل . وقد تكون الأخطاء كلها ثابتة أو مفترضة ، أو يكون بعضها ثابتاً وبعض مفترضاً ، فسائق السيارة ومالكها مسئولان بالتضامن عن خطأ السائق وخطأ الأول ثابت وخطأ الآخر مفترض .
وقد يكون أحد الخطأين عقدياً ما دام الآخر خطأ تقصيرياً . فإذا تعاقد عامل فني مع صاحب مصنع أن يعمل في مصنعه مدة معينة ، واخل بتعهده فخرج قبل انقضاء المدة ليعمل في مصنع آخر منافس بتحريض من صاحبه ، كان العمل الفني وصاحب المصنع المنافس مسئولين معاً نحن صاحب المصنع الأول كل منهما عن تعوض كامل . وتفسير ذلك لا يرجع إلى تعد المسئولين عن أخطاء تصيرية ، بل يرجع إلى أن العامل الفني مسئولا عن تعويض كامل لأنه اخل بالتزامه العقدي ، وصاحب المصنع المنافس مسئول أيضاً عن تعويض كامل لأنه ارتكب خطأ جعله مسئولا ن فيكون كل منهما مسئولا عن تعويض ضرر واحد تعويضاً كاملا . وهذه ليست مسئولية بالتضامن ( solidarite ) بل هي مسئولية مجتمعة ( in solidum ) . وكذلك يكون الحكم إذا كان كل من الخطأ العقدي والخطأ التقصيري غير عمد ، كما إذا ارتكب أمين النقل وهو ينقل بضاعة خطأ بأن سار بسرعة كبيرة ، فاصطدم بسيارة أخرى ارتكب سائقها هو أيضاً خطأ بان كان يسير من جهة الشمال ، فخطأ أمين النقل هنا خطأ عقدي غير عمد وخطا الغير ( سائق السيارة الأخرى ) خطأ تقصيري غير عمد ، ومع ذلك يكون أمين النقل والغير مسئولين معاً مسئولية مجتمعة ( in solidum ) (   ) . ويلاحظ في المثلين المتقدمين أن مرتكب الخطأ العقدي لا يكون مسئولا إلا عن الضرر المتوقع ، أما مرتكب الخطأ التقصيري فيكون مسئولا أيضاً عن الضرر غير المتوقع ما دام ضرراً مباشراً ، فالمسئولية المجتمعة إنما تقوم بينهما فيما يشتركان في التعويض عنه وهو الضرر المتوقع ، وينفرد مرتكب الخطأ التقصيري بالمسئولية عن الضرر غير المتوقع . والفرق بين المسئولية بالتضامن ( solidarite ) والمسئولية المجتمعة ( in solidum ) أن التضامن يختص باحكام لا تشاركه فيها المسئولية المجتمعة ، فالمسئولون بالتضامن يمثل بعضهم بعضاً فيما ينفع لا فيما يضر . فإذا تصالح الدائن مع أحد المسئولين بالتضامن وتضمن الصلح الإبراء من الدين أو براءة الذمة منه باية وسيلة أخرى ، استفاد منه الباقون أما إذا كان من شأن هذا الصلح أن يرتب في ذمتهم التزاماً أو يزيد فيما هم ملتزمون به فإنه لا ينفذ في حقهم إلا إذا قبلوه ( م 294 ) . وإذا اقر أحد المسئولين المتضامنين بالدين فلا يسرى هذا الإقرار في حق الباقين ، وإذا نكل أحد المسئولين المتضامنين عن اليمين أو وجه إليه الدائن يميناً حلفها فلا يضار بذلك باقي المسئولين ، وإذا اقتصر الدائن على توجيه اليمين إلى أحد المدينين المتضامنين فحلف فإن المسئولين الآخرين يسفديون من ذلك ( م 295 ) . وإذا صدر حكم على أحد المسئولين المتضامنين فلا يحتج بهذا الحكم على الباقين ، أما إذا صدر الحكم لصالح أحدهم فيستفيد منه الباقون إلا إذا كان الحكم مبنياً على سبب خاص بالمسئول الذي صدر الحكم لصالحه ( م 296 ) . وإذا انقطعت مدة التقادم أو وقف سريانه بالنسبة إلى أحد المسئولين المتضامنين ، فلا يجوز للدائن أن يتمسك بذلك قبل باقي المسئولين ( م 292 فقرة 2 ) . وإذا اعذر الدائن أحد المسئولين المتضامنين أو قاضاه فلا يكون لذلك اثر بالنسبة إلى باقي المسئولين ، أما إذا اعذر أحد المسئولين المتضامنين الدائن فإن باقي المسئولين يستفيدون من هذا الاعذار ( م 293 فقرة 2 ) . وسنعرض لهذه الأحكام تفصيلاً عن الكلام في التضامن . ونجتزئ هنا بالإشارة إلى أن هذه الأحكام هي خاصة بالمسئولية التضامنية دون المسئولية المجتمعة ، ومن ثم تقوم هذه الفروق بين المسئوليتين (   ) .
والمسئولية بالتضامن إنما تكون في علاقة المضرور بالمسئولين المتعددين (   ) . أما فيما بين المسئولين المتعددين أنفسهم فيقسم التعويض بينهم بحسب جسامة الخطأ على الرأي السائد في القضاء كما أسلفنا الذكر (   ) .
621 – المسئول إذا ارتكب الخطأ جماعة : إذا لم تكن الجماعة متمتعة بشخصية معنوية ، فلا يمكن بوصفها جماعة أن ترتكب خطأ . وإنما يرتكب الخطأ في هذه الحالة عضو أو أكثر من أعضاء هذه الجماعة أو جميع الأعضاء ، ولكن باعتبارهم أفراداً لا جماعة .
وإذا كانت الجماعة متمتعة بالشخصية المعنوية فالأمر يختلف ، إذ يجوز كما قدمنا أن يرتكب الشخص المعنوي خطأ ترتب عليه المسئولية المدنية (   ) . والمسئول الذي تقام عليه الدعوى هو الشخص المعنوي ذاته لا ممثلوه ، فهؤلاء إنما هم أعضاؤه ( organs ) التي يعمل بواسطتها ويريد عن طريقها (   ) . ولكن هاذ لا يمنع من أن الخطأ الذي يرتكبه الشخص المعنوي يرتكبه في الوقت ذاته ممثلوه بوصفهم أفراداً ، فيكون المسئول هو الشخص المعنوي والممثلون متضامنين جميعاً في المسئولية . فإذا دفع الشخص المعنوي التعويض رجع على ممثليه بكل ما دفع دون أن يخصم نصيباً عن مسئوليته ، لأنه لا مسئولية عليه في العلاقة فيما بينه وبين ممثليه ، إذ هم الذين ارتكبوا الخطأ في الواقع . وإذا دفع الممثلون التعويض فلا رجوع لهم على الشخص المعنوي . وقد يكون ممثل الشخص المعنوي تابعاً له كمدير الشركة ، فتتحقق مسئولية الممثل إما باعتباره تابعاً أو بصفته الشخصية ، وفي الحالة الأولى تتحقق مسئولية الشخص المعنوي باعتباره متبوعاً .
المطلب الثاني
الطلبات والدفوع
1 - طلبات المدعى
622 – سبب الدعوى : مهما تنوعت الطرق والوسائل ( moyens ) التي يستند إليها المدعى في تأييد طلباته ، فإن سبب ( cause ) دعواه واحد لا يتغير : إخلال المدعى عليه بمصلحة له مشروعة . وسواء كانت حجته أو دليله على هذا الإخلال خطأ عقدياً ارتكبه المدعى عليه أو خطأ تقصيرياً ، وسواء كان الخطأ التقصري خطأ ثابتا أو خطأ مفترضا ، وسواء كان الخطأ المفترض يقبل إثبات العكس أو لا يقبل ذلك ، فليست هذه كلها إلا وسائل يستند إليها المدعى في دعواه . وقد ينتقل من وسيلة إلى وسيلة ، فيستند أولاً إلى الخطأ التقصيري ، ثم يرتكه إلى الخطأ العقدي ، ثم يرجع بعد ذلك إلى الخطأ التقصيري ولكن يدعيه مفترضاً ، فهو في ذلك كله قد غير الوسائل التي يستند إليها دون أن يغير سبب دعواه .
ويترتب على ذلك أن المدعى إذا رفع دعواه مستنداً إلى النصوص الخاصة بالخطأ التقصيري الثابت ، فلا يعد طلباً جديداً في الاستئناف أن يستند إلى خطأ تقصيري مفترض أو إلى خطأ عقدي . بل يجوز للقاضي ، وقد رفعت الدعوى أمامه بالاستناد إلى الخطأ التقصيري الثابت ، أن يبني حكمه على خطأ تقصيري مفترض أو على خطأ عقدي دون أن يكون بذلك قد قضى في شيء لم تطلبه الخصوم ، فهو إنما استند إلى وسائل لم تبدها الخصوم وهذا جائز . ولكن لا يجوز للمدعى أن يغير الوسائل التي يستند إليها لأول مرة أمام محكمة النقض ، إذ لا يجوز إبداء وسائل جديدة أمام هذه المحكمة .
ويترتب كذلك على ما قدمناه أن المدعى إذا رفع دعواه مستنداً إلى الخطأ العقدي مثلا ، فرفضت الدعوى ، فإن الحكم يجوز قوة الشيء المقضى ، ولا يستطيع المدعى أن يعود إلى القضاء مستنداً إلى الخطأ التقصيري . والعكس صحيح . ذلك أن السبب لم يتغير بالانتقال من نوع من الخطأ إلى نوع آخر ، ولم تتغير كذلك الخصوم والموضوع ، وهذه هي شروط الشيء المقضى .
أما القضاء الفرنسي فقد جرى على أن المدعى لا يجوز له أن يعدل عما استندا إليه من الخطأ ، فيترك الخطأ التقصيري مثلا إلى الخطأ العقدي ، أو يترك الخطأ الثابت إلى الخطأ المفترض ، وإلا كان ذلك طلباً جديداً لا يجوز له أن يتقدم به لأول مرة أمام محكمة الاستئناف (   ) . كذلك إذا رفضت الدعوى على أساس نوع معين من الخطأ ، لم يجز الحكم قوة الشيء المقضى بالنسبة إلى نوع آخر ، وجاز رفع دعوى المسئولية من جديد على أساس نوع من الخطأ يختلف عن النوع الذي رفضت الدعوى على أساسه من قبل . ولا يحول دون ذلك قوة الشيء المقضى ، لأن السبب – وهو هنا نوع الخطأ – قد تغير (   ) .
وقضاء محكمة النقض عندنا ، في دائرتها الجنائية ، يتفق مع القضاء الفرنسي (   ) . وأما قضاؤها في الدائرة المدنية ، فعلى العكس من ذلك يتفق مع الرأي الآخر الذي قدمناه ، وهو الرأي الذي نرجحه . فقد قضت بأن الراجح في باب قوة الشيء المحكوم فيه هو اعتبار كل ما تولد به للمضرور حق في التعويض عن شخصه أو عن ماله قبل من أحدث الضرر أو تسبب فيه – كل ذلك هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض مهما تنوعت أو تعددت علل التعويض أو اسبابه ، لأن ذلك جميعاً من وسائل الدفاع أو طرقه ( moyens ) . فمهما كانت طبيعة المسئولية التي بحثها القاضي في حكمها الصادر برفض دعوى التعويض ، ومهما كان النص القانوني الذي استند إليه المدعى في طلباته أو النص الذي اعتمد عليه القاضي في حكمه ، فإن هذا الحكم يمنع المضرور من إقامة دعوى تعويض أخرى على من حكم قبله برفض دعواه ، لأنه يعتبر إلا بالاقتضاء على انتفاء مسئولية المدعى عليه قبل المدعى عما اداعه عليه أياً كانت المسئولية التي أسس عليها طلبه ، عقدية أو غير عقدية أو تقصيرية ، على معنى أن كل ذلك كان من طرق الدفاع ووسائله في دعوى التعويض ، وأن لم يتناوله البحث بالفعل فيها ، ولم يكن ليبرر الحكم للمدعى على خصمه بتعويض ما (   ) .
623 – موضوع الدعوى : وموضوع دعوى المسئولية هو التعويض عن الضرر ، يقدره المدعى كما يرى . ولا يجوز للقاضي أن يزيد عما طلبه المدعى وإلا قضى فيما لم يطلبه الخصوم ، ولكن يجوز له أن يقضي بأقل . كذلك لا يجوز للمدعى أن يزيد مقدار ما يطلبه من التعويض في الاستئناف لأول مرة ، لأن ذلك يعد طلباً جديداً .
ولكن كيفية التعويض قد تتغير دون أن يكون في ذلك تعديل في الطلبات . فقد يطلب المدعى مبلغاً من النقود فيحكم القاضي بإيراد مرتب ، وقد يطلب تعويضاً عينياً فيحكم له القاضي بتعويض نقدي . وقد يغير المدعى من كيفية التعويض الذي يطلبه لأول مرة في الاستئناف فيجوز ذلك ، كما لو طلب تعويضاً نقدياً أمام المحكمة الابتدائية ، ثم طلب في الاستئناف تعويضا عينياً مصحوباً بتهديد مالي .
2 – دفوع المدعى عليه ( التقادم )
624 – الدفوع : يدفع المدعى عليه دعوى المسئولية بأحد أمرين : إما أن ينكر قيام المسئولية ذاتها فيدعى أن ركنا من أركانها لم يتوافر من خطأ أو ضرر أو سببية ، وإما بأن يعترف بأن المسئولية قامت ولكنه يدعى أن الالتزام المترتب عليها قد انقضى بالوفاء أو بالمقاصة أو بالإبراء أو بالتقادم أو بغير ذلك من أسباب انقضاء الالتزام .
وفي كل ذلك تطبق القواعد العامة (   ) .
625 – الدفع بالتقادم : والذي يعنينا الوقوف عنده قليلا هو التقادم . فقد أدخل القانون المدني الجديد تعديلا هاماً في هذا الصدد ، وبعد أن كانت دعوى المسئولية تتقادم كغيرها من الدعاوى بخمس عشرة سنة صارت تتقادم أيضاً بثلاث سنوات على تفصيل نورده فيما يلي :
نصت المادة 172 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
 " 1 - تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه . وتسقط هذه الدعوى في كل حال ، بانقضاء خمس عشرة سنه من يوم وقع العمل غير المشروع " .
 " 2 - على أنه إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة ، وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء المواعيد المذكورة في الفقرة السابقة ، فان دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية (   ) " .
وفقاً لهذا النص يجب التمييز بين ما إذا كانت دعوى المسئولية قد قامت على خطأ مدني لا يعتبر جريمة أو كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة جنائية .
ففي الحالة الأولى تسقط دعوى المسئولية بالتقادم بأقصر المدتين الآتيتين : ( 1 ) ثلاث سنوات تنقضي من اليوم الذي علم فيه المضرور بالضرر وبالشخص أنه قد يمضي على وقوع الضرر مدة تزيد على ثلاث سنوات دون أن تتقادم دعوى المسئولية ويكفي لتحقق ذلك أن يقع الضرر دون أن يعلم به المضرور ، كما لو أوصى شخص لآخر بمال ولم يعلم الموصى له بالوصية إلا بعد موت الموصى بمدة طويلة ، وتبين أن أحد الورثة وضع يده على المال الموصى به وأتلفه منذ مدة نفرضها خمس سنوات ، ففي هذا الفرض لا يبدأ سريان التقادم إلا من اليوم الذي علم فيه الموصى له بالوصية وبمن أتلف الموصى به من الورثة ، ولا تتقادم دعواه إلا بانقضاء ثلاث سنوات من ذلك اليوم ، أي باقنضاء ثماني سنوات من وقت وقوع الضرر . وقد يعلم المضرور بوقوع الضرر ولكنه لا يعلم بالشخص المئول عنه ، كما لو اصطدم بسيارة لم يعرف سائقها ، ثم اهتدى إلى معرفته بعد سبع سنوات مثلا ، فهنا أيضاً لا تتقادم دعوى المسئولية إلا بانقضاء ثلاث سنوات من وقت علم المضرور بالشخص المسئول ، أي بانقضاء عشر سنوات من وقت وقوع الضرر . أما إذا علم المضرور بوقوع الضرر وبالشخص المسئول عنه في اليوم الذي وقع فيه – وهذا ما يحدث غالباً – فإن دعوى المسئولية تتقادم في هذا الفرض بانقضاء ثلاث سنوات من وقت وقوع الضرر . ( 2 ) خمس عشرة سنة من وقت وقوع الضرر . وهذا لا يتحقق إلا إذا كان المضرور لم يعلم بوقوع الضرر أو بالشخص المسئول عنه إلا بعد مدة طويلة نفرضها ثلاث عشرة سنة . ففي هذا الفرض النادر تتقادم دعوى المسئولية انقضاء خمس عشرة سنة من وقت وقوع الضرر ، لأن هذه المدة اقصر من مدة ثلاث السنوات التي تسري من وقت علم المضرور بوقوع الضرر وبالشخص المسئول عنه ، إذ أن هذه المدة الأخيرة عند الحساب تكون ست عشرة سنة من وقت وقوع الضرر . وقد رأينا أن القانون المدني الجديد جعل التقادم بأقصر هاتين المدتين في دعوى بطلان العقد . وسنرى أنه سار على هذا النهج في الالتزامات الناشئة عن الإثراء بلا سبب ودفع غير المستحق والفضالة ، وها نحن نراه يسير على النهج ذاته في الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع . وقد استبقى الالتزامات الناشئة عن العقد ، فجعلها لا تتقادم إلا بخمس عشرة سنة ، لأنها التزامات ارادها المتعاقدان فترتبت في ذمة الملتزم بارادته هو ، وهذا بخلاف الالتزامات الأخرى فقد فرضها القانون على الملتزم .
وفي الحالة الثانية ، إذا نشأت دعوى المسئولية عن جريمة كجناية قتل مثلا ، تتقادم الدعوى في الأصل بأقصر المدتين السابقتي الذكر . فإذا فرضنا أن اقصر المدتين ثلاث سنوات أو خمس أو أية مدة أخرى تقل عن عشر سنوات ، نتج عن ذلك موقف شاذ ، إذ تكون الدعوى المدنية قد تقادمت قبل أن تتقادم الدعوى الجنائية ، فإن هذه لا تتقادم إلا بعشر سنوات ( م 15 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد ) . هذا الموقف الشاذ ، وهو سقوط الدعوى المدنية مع قيام الدعوى الجنائية ، وإيقاع عقوبة جنائية على الجاني دون التمكن من الزامه بالتعويض وهو أقل خطر امن العقوبة الجنائية ، هو الذي أراد القانون أن يتفاده . فنص على أن الدعوى المدنية لا تتقادم في هذه الحالة ، بل تبقى قائمة مع الدعوى الجنائية ، ولا تسقط إلا بسقوطها ، حتى يتمكن المضرور في الوقت الذي يعاقب فيه الجاني أن يتقاضى منه التعويض المدني . أما العكس فمستساغ : تسقط الدعوى الجنائية قبل أن تسقط الدعوى المدنية . وصورة ذلك في المثل الذي نحن بصدده إلا تعلم الورثة بقتل مورثهم إلا بعد عشر سنوات من وقوع الجناية ، فتكون الدعوى الجنائية قد سقطت بالتقادم ، ومع ذلك تبقى الدعوى المدنية إذ لم ينقض لا ثلاث سنوات من وقت العلم بالجناية وبالجاني ولا خمس عشرة سنة من وقت وقوع الجناية (   ) . ومثل ذلك أيضاً أن تكون الجريمة التي نشأت عنها دعوى المسئولية مخالفة بسيطة تنقضي الدعوى الجنائية فيها بمضي ستة من يوم وقوعها ( م 15 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد ) ، فتكون الدعوى المدنية قائمة بعد سقوط الدعوى الجنائية إذ لا تسقط الدعوى الأولى بأقل من ثلاث سنوات (   ) .
626 – سريان النص الجديد من حيث الزمان : ويتبين مما قدمناه أن القانون المدني الجديد قد عدل مدة التقادم في دعوى المسئولية ، فجعلها في أكثر الأحوال اقصر من المدة التي كان القانون القديم بقرارها . وقد نصت المادة الثامنة من القانون المدني الجديد على أنه " 1 - إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم اقصر مما قرره النص التقديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد ، ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك . 2 - أما إذا كان الباقي من المدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها النص الجديد ، فان التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي " .
ونفرض ، لتطبيق هذا النص ، أن مسئولية مدنية قد تحققت في ظل القانون المدني القديم : سرقة وقعت قبل نفاذ القانون الجديد وعلم المجني عليه بالسرقة وبالسارق قبل هذا التاريخ . فإذا فرضنا أن السرقة وقعت في سنة 1941 ، فإن دعوى المسئولية في هذا الفرض إذا طبق عليها القانون القديم لا تتقادم إلا بخمس عشرة سنة تسري من وقت وقوع السرقة ، فتتقادم في سنة 1956 . أما إذا طبق عليها القانون الجديد ، فإنها تتقادم بثلاث سنوات تسري من وقت العمل بالقانون الجديد ( 15 أكتوبر سنة 1949 ) ، فتتقادم في سنة 1951 . ومن ثم يكون القانون الجديد هو الذي ينطبق لأن التقادم بمقتضاه أسرع ، وإذا فرضنا أن السرقة وقعت في سنة 1936 ، فإن القانون القديم هو الذي ينطبق لأن الباقي من مدة التقادم فيه عند نفاذ القانون الجديد أقل من ثلاث سنوات ، وهي المدة التي قررها النص الجديد ، فتتقادم الدعوى في هذا الفرض في سنة 1951 .
المطلب الثالث
الإثبات
1 – عبء الإثبات
627 – عبء الإثبات الضرر : المدعى هو الذي يحمل عبء إثبات ما أصابه من الضرر . ولا يستطيع أن يخطو في دعوى المسئولية خطوة قبل أن يثبت ذلك (   ) .
وفي أحوال استثنائية يعفى القانون المدعى من إثبات الضرر :
1 - إما بوضع قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس على أن هناك ضرراً قد وقع . فقد نصت المادة 228 من القانون المدني الجديد على أنه " لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير ، قانونية كانت أو اتفاقية ، أن يثبت الدائن ضرراً لحقه من هذا التأخير " . وأكثر ما يقع ذلك في المسئولية التقصيرية ، إذا قدر الطرفان مقدار التعويض باتفاق بينهما ، فتستحق فوائد التأخير دون حاجة إلى إثبات الضرر .
2 - وإما بوضع قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس على وقوع الضرر ويكون ذلك في الشرط الجزائي ، فقد نصت المادة 224 فقرة أولى من القانون المدني الجديد على أنه " لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا اثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر " . ويغلب أن يقع هذا أيضاً في المسئولية العقدية ، ولكنه يتصور في المسئولية التقصيرية إذا اتفق الطرفان على إعادة الشيء إلى أصله كتعويض عن خطأ تقصيري ووضعا شرطاً جزائياً . والمفروض عند وجود شرط جزائي أن إخلال المدين بالتزامه قد أصاب الدائن بالضرر ، وقد قدر المتعاقدان في الشرط الجزائي مدى هذا الضرر وقيمته . وهذه قرينة قانونية تعفى الدائن من إثبات الضرر؛ ولكنها تقبل إثبات العكس ، فللمدين أن يثبت ، كما يقول النص ، أن الدائن لم يلحقه أي ضرر .
628 – عبء إثبات الخطأ : الأصل أن عبء إثبات الخطأ يقع على المدعى . والخطأ كما قدمنا هو انحراف الشخص على السلوك المألوف للشخص العادي . وهذا الانحراف واقعة مادية ، أكثر ما تثبت من طريق قرائن قضائية متتابعة ، تنقل عبء الإثبات من جانب إلى جانب . فالمدعى يبدأ بإثبات واقعة تقوم قرينة قضائية على وقوع الخطأ . فينتقل عبء الإثبات إلى المدعى عليه . فيثبت هذا واقعة أخرى تقوم هي أيضاً قرينة قضائية على انتفاء الخطأ من جانبه . فيعود عبء الإثبات إلى المدعى ، وهكذا ، إلى أن يعجز أحد الطرفين عن إثبات ما يزحزح عنه القرينة القضائية التي ألقاها عليه خصمه ، فيكون هو العاجز عن الإثبات . فإن كان المدعى هو الذي عجز ، فقد اعتبر غير قادر على إثبات دعواه وخسرها . وإن كان الذي عجز هو المدعى عليه ، فإن المدعى يكون قد تمكن من إثبات الخطأ (   ) .
هذا هو الأصل . ولكن ترد استثناءات كثيرة ، يعفى فيها المدعى من إثبات الخطأ ، بفضل قرينة قانونية تكون إما قابلة لإثبات العكس وأما غير قابلة لذلك (   ) . وسنرى فيما يلي تفصيلا واقيا لهذه القرائن القانونية ، وبعضها قابلا ثبات العكس كخطأ من يعهد إليه بالرقابة على غيره ، وبعضها غير قابل لإثبات العكس كخطأ المتبوع وخطأ حارس الأشياء . ويلاحظ بوجه عام أن هذه القرائن القانونية لا تعفى المدعى من إثبات وجود الحالة القانونية التي يترتب عليها قيام القرينة على الخطأ (   ) . وسنرى ذلك في مكانه .
629 – عبء إثبات السببية : الأصل هنا أيضاً أن عبء إثبات السببية يقع على المدعى . فهو الذي يثبت ، ليس فحسب الضرر الذي وقع عليه والخطأ الذي وقع من غريمه ، بل أيضاً علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر .
ولكن هذه القاعدة محدودة الأهمية . فهي تارة يرد عليها استثناءات يقررها القانون ، وطوراً يضيق مجال تطبيقها العملي حتى تصبح القاعدة هي الاستثناء .
أما الاستثناءات التي يقررها القانون فهي قرائن قانونية ، كلها قابلة لإثبات العكس ، يقيمها القانون على وجود السببية . والقانون يقيم هذه القرائن حيث يقيم قرائن الخطأ . فهو إذا أقام قرينة على الخطأ – قابلة أو غير قابلة لإثبات العكس – يقيم إلى جانبها قرينة على السببية تكون دائماً قابلة لإثبات العكس . فالمكلف بالرقابة تقوم ضده قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس على الخطأ ، وتقوم ضده كذلك قرينة قانونية قابلة هي أيضاً لإثبات العكس على السببية . ويستطيع أن ينفي كلا من القرينتين ، فينفي قرينة الخطأ بإثبات أنه لم يقصر في الرقابة ، وينفي قرينة السببية بإثبات أن الضرر كان لا بد واقعا حتى لو لم يقصر أي بإثبات السبب الأجنبي . وحارس الحيوان أو الأشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة تقوم ضده قرينة الخطأ وهي غير قابلة لإثبات العكس ، وقرينة السببية وهي قابلة للنفي بإثبات السبب الأجنبي .
فإذا تركنا الاستثناءات وعدنا إلى القاعدة ، رأينا أن مجال تطبيقها في العمل محدود . ذلك أن المدعى إذا اثبت الضرر والخطأ ، ففى أكثر الأحوال ، ومن الناحية العملية المحضة ، تقوم في ذهن القاضي شبهة قوية في أن الخطأ هو الذي أحدث الضرر . ومن ثم تقوم قرينة قضائية على علاقة السببية ، تنقل عب الإثبات إلى المدعى عليه . فيطالب هذا بنفي هذه العلاقة ، ويستطيع ذلك إذا اثبت أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي . وهذا هو السبب الذي دعا المشرع في القانون المدني الجديد إلى أن يورد الحكم في هذه المسألة على هذا الوضع العملي . فنص في المادة 165 على ما يأتي : " إذا اثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه ، كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير ، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك " . ونص في المادة 215 على ما يأتي : " إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه " . ففي النصين وضع القانون عبء الإثبات ، من الناحية العملية المحضة ، على عاتق المدين لا على عاتق الدائن (   ) .
2 – وسائل الإثبات
630 – الإثبات بجميع الطرق : لما كانت الأركان الثلاثة – الخطأ والضرر والسببية – التي يجب إثباتها لتحقق المسئولية هي كلها وقائع مادية ، فإن إثبات أية واقعة منها يجوز بجميع الطرق ، وبخاصة البينة والقرائن (   ) . وفي أكثر الأحوال يثبت الضرر والسببية بالمعاينة المادية أو بشهادة طبية أو بتقدير الخبراء . أما الخطأ فأكثر ما يثبت بشهادة من عاينوا الحادث وبالتحقيق الجنائي وبالانتقال إلى محل الواقعة ومعاينته وبالقرائن القضائية والقانونية (   ) .
631 – ارتباط القاضي المدني بالحكم الجنائي – تأصيل القاعدة : ومن أهم القرائن القانونية التي تسيطر على وسائل الإثبات في دعوى المسئولية حجية الحكم الجنائي . ذلك أن دعوى المسئولية يغلب أن تقوم على جريمة جنائية ، فتخضع لاختصاص القضاء الجنائي واختصاص القضاء المدني . فإذا صدر حكم نهائي في الجريمة من محكمة جنائية ، فإلى أي حدث يصبح هذا الحكم حجة في الدعوى المدنية ، وهل يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي؟ تجيب المادة 406 من القانون المدني الجديد بما يأتي :
 " لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً (   ) " .
وتأثير هذه القاعدة لا يرجع إلى أن الحكم الجنائي يربط القضاء المدني بمقتضى قوة الأمر المقضي ( force de la chose jugee ) فإن قوة الأمر المقضي ، تقتضي الوحدة في الخصوم والموضوع والسبب ، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا في قضاء مدني يقيد قضاء مدنياً أو في قضاء جنائي يقيد قضاء جنائياً . أما القضاء الجنائي إذا أريد أن يقيد قضاء مدنياً ، فلن يكون هذا لوحدة في الخصوم فالخصوم في الدعوى الجنائية وفيهم النيابة العامة غيرهم في الدعوى المدنية ، ولا لوحدة في الموضوع فموضوع الدعوى الجنائية العقوبة وموضوع الدعوى المدنية التعويض ، ولا لوحدة في السبب فسبب العقوبة خطأ جنائي وسبب التعويض خطأ مدني . فكيف يقوم التقييد على هذا الأساس وقوة الشيء المقضي تقتضي الوحدة في هؤلاء جميعاً .
وإنما يرجع تقييد القضاء الجنائي للقضاء الدين إلى اعتبارين ، أحدهما قانوني والآخر عملي . أما الاعتبار القانوني فهو أن الحكم الجنائي له حجية مطلقة ، فهو حجة بما جاء فيه على الناس كافة ، ومنهم الخصوم في الدعوى المدنية ، فهؤلاء لا يجوز لهم أن يناقشوا حجية الحكم الجنائي . والاعتبار العملي هو أنه من غير المستساغ ، والمسائل الجنائية من النظام العام ، أن يقول القاضي الجنائي شيئاً فينقضه القاضي المدني . فإذا صدر حكم جنائي بإدانة متهم أو ببراءته ، كان مؤذياً للشعور العام ، وقد آمنت الناس على اثر الحكم الجنائي بأن المتهم مجرم أو برئ ، أن يأتي القاضي المدني فيقول إن المتهم برىء فلا يحكم عليه بالتعويض في الوقت الذي قال فيه القاضي الجنائي أنه مجرم ، أو يقول إن المتهم مجرم فيحكم عليه بالتعويض بعد أن قال القاضي الجنائي أنه برئ (   ) .
فمنع التعارض ما بين الأحكام الجنائية والأحكام المدنية ، وجعل هذه مسايرة لتلك ، هو الذي أملى القاعدة التقاضي بأن القاضي المدني يرتبط بالحكم الجنائي . لذلك لا تشترط في تطبيق القاعدة لا وحدة الخصوم ولا وحدة الموضوع ولا وحدة السبب ، وإنما تشترط شروط ثلاثة أخرى . هي التي تنتقل الآن إليها .
632 – شروط القاعدة – الشرط الأول أن يكون المطلوب تقييده هو القضاء المدني : فالقضاء الجنائي هو الذي يراد عدم الإخلال بحجيته المطلقة ، فلا يتقيد إلا بقضاء جنائي مثله يكون قد حاز قوة الشيء المقضي ، مع مراعاة الشروط المعروفة من وحدة في الخصوم ووحدة في الموضوع ووحدة في السبب . والذي يتقيد بالقضاء الجنائي هو القضاء المدني بمعناه الواسع ، فيشمل القضاء المدني والقضاء التجاري ، بل والقضاء الإداري .
633 – الشرط الثاني أن يكون الحكم الذي يتقيد به القاضي المدني هو حكم جنائي : ويكفي أن يكون الحكم الجنائي صادراً من أية جهة قضائية جنائية ، حتى لو كانت جهة استثنائية كالقضاء العسكري . ولكن يجب أن يكون الحكم الجنائي صادراً في الموضوع ، لا حكماً تحضيرياً ولا حكماً تمهيدياً ولا أمراً متعلقاً بعمل من أعمال التحقيق الجنائي ولا قراراً صادراً من النيابة العامة (   ) . ويجب أن يكون حكماً نهائياً .
ويجب أيضاً أن يكون الحكم الجنائي سابقاً في صدوره على الحكم المدني الذي يراد تقييده . إذ لو كان الحكم المدني سابقاً ، واستقرت به حقوق الطرفين ، لم يجز المساس به بسبب حكم جنائي يصدر بعده . ولا يعقل – كما تقول محكمة النقض – أن ينعي على حكم مخالفته حكماً لم يكن قائماً وقت صدوره (   ) .
والذي قع كثيراً أن يكون الحكم الجنائي سابقاً في صدوره على الحكم المدني ، وذلك بفضل القاعدة التي تقضي بأن الدعوى الجنائية تقف من سير الدعوى المدنية . فإذا رفعت الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية والدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية ، وجب أن توقف الدعوى المدنية حتى يفصل نهائياً في الدعوى الجنائية ، وبذلك يتحقق أن يكون الحكم الجنائي النهائي سابقاً في صدوره على الحكم في الدعوي المدنية .
author-img
مدونة المحامي اليمني عبدالرقيب محمد القاضي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent