recent
جديد المشاركات

المسئولية عن عمل الغير


 يكون الشخص مسئولا عن عمل الغير في حالتين: ( الحالة الأولى ) هي حالة من تجب عليه رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة ويكون مسئولا عن الأعمال الصادرة من هذا الشخص . 
 ( والحالة الثانية ) هي حالة المتبوع ويكون مسئولا عن أعمال التابع . 
المبحث الأول 
مسئولية من تجب عليه الرقابة عمن هم في رقابته ( * )  
664 – النصوص القانونية : كانت المادة 151 من القانون المدني الوطني القديم تنص على ما يأتي: 
 " وكذلك يلزم الإنسان بضرر الغير الناشئ عن إهمال من هم تحت رعايته أو عن عدم الدقة والانتباه منهم أو عن عدم ملاحظته اياهم " . 
وكانت المادة 213 من القانون المدني المختلط القديم تنص على ما يأتي : 
 " يلزم الشخص كذلك بضرر الغير الناشيء عن تقصير من هم في رعايته أو عن إهمالهم أو عن عدم الدقة والانتباه منهم أو عن عدم ملاحظته إياهم " . 
وكانت هذه النصوص معيبة من وجوه متعددة : ( 1 ) فهي من حيث الصياغة كانت قلقة مضطربة ، إذ تعرض تارة لمسئولية متولى الرقابة عمن هم تحت رعايته بناء على خطأ مفترض ، وتعرض طوراً لمسئولية متولى الرقابة بناء على خطأ ثابت في جانبه ، مع أن المقصود هو المسئولية الأولى ( ) . ( 29 ثم هي لم تبين في أي الأحوال وبأي الشروط يصبح الشخص متولياً الرقابة على غيره . ( 3 ) وهي أخيراً لم توضح أساس المسئولية ، وهل هي قائمة على خطأ مفترض ، وهل هذا الافتراض يقبل إثبات العكس (   ) . 
فجاء القانون المدني الجديد بنصوص تجنب فيها هذه العيوب ، إذ نص في المادة 173 على ما يأتي : 
 " 1 - كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة ، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع . ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز " .
 " 2 - ويعتبر القاصر في حاجة إلى الرقابة إذا لم يبلغ خمس عشر سنة ، أو بلغها وكان في كنف القائم على تربيته . وتنتقل الرقابة على القاصر إلى معمله في المدرسة أو المشرف على الحرفة ، مادام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف . وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر إلى زوجها أو إلى من يتولى الرقابة على الزوج " .
 " 3 - ويستطيع المكلف بالرقابة أن تخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة ، أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية (   ) " .
ونبحث في صدد هذا النص أمرين : ( 1 ) متى تتحقق مسئولية متولى الرقابة ( 2 ) الأساس الذي تقوم عليه هذه المسئولية . 
المطلب الأول 
متى تتحقق مسئولية متولى الرقابة 
665 – شرطان لتحقق المسئولية : تتحقق المسئولية إذا تولى شخص الرقابة على شخص آخر . وصدر ممن هو تحت الرقابة عمل غير مشروع ثبت في جانبه فأوجب مسئوليته . ومن ثم يكون متولى الرقابة مسئولا عن هذا العمل غير المشروع . 
فتحقق المسئولية يستلزم إذن شرطين : ( 1 ) تولى شخص الرقابة على شخص آخر . ( 2 ) صدور عمل غير مشروع ممن هو تحت الرقابة . 
1 – تولى الرقابة 
666 – الالتزام بالرقابة : لا تتحقق المسئولية إلا إذا قام التزام بالرقابة . ومصدر هذا الالتزام إما أن يكون القانون أو الاتفاق كما يقول النص . مثل القانون الأب يتولى رقابة ابنه ، ومثل الاتفاق مدير مستشفى للأمراض العقلية يتولى رقابة مرضاه . فلا يكفي إذن أن يتولى شخص بالفعل رقابة شخص آخر حتى يكون مسئولا عنه ، بل يجب أن يكون هناك التزام قانونين أو اتفاقي بتولى هذه الرقابة . وقيام هذا الالتزام هو الذي ترتب عليه مسئولية متولى الرقابة . 
وعلة هذا الالتزام كما جاء في النص ، حاجة الشخص الموضوع في رقابة غيره إلى هذه الرقابة ، إما بسبب قصره ، وإما بسبب حالته العقلية ، وإما بسبب حالته الجسمية . فالقاصر في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره . والمجنون والمعتوه وذو الغفلة في حاجة إلى الرقابة بسبب حالتهم العقلية . والأعمى والمقعد والمشلول في حاجة إلى الرقابة بسبب حالتهم الجسمية . ومن هؤلاء من يتولى القانون إقامة رقيب عليهم ، كالقاصر والمجنون والمعتوه وذى الغفلة يضعهم القانون في رقابة الآباء أو أولياء النفس . ومنهم من تقوم الرقابة عليه بالاتفاق مع متولى الرقابة ، كمدير المستشفى والممرض يتفق معهما على تولى رقابة المرضى (   ) . 
أما الرقابة التي لا تقوم بسبب القصر أو الحالة العقلية أو الحالة الجسمية ، كرقابة السجان على المسجونين ورقابة رئيس الحزب السياسي على أعضاء حزبه (   ) ، فلا تترتب عليها هذه المسئولية . 
667 – الحالات التي يقوم فيها الالتزام بالرقابة : لم يحصر القانون الحالات التي يتولى فيها شخص الرقابة على غيره ، واكتفى بان قرار أن هذه الحالات تقوم إذا قام التزام بالرقابة قانوناً أو اتفاقاً والرقابة في الأصل تقوم على القاصر . فإذا بلغ سن الرشد انحلت عنه . إلا إذا وجد ما يدعو لبسط الرقابة عليه وهو بالغ . فنستعرض إذن هاتين الحالتين : حالة القصر وحالة البلوغ . 
 ( 1 ) القاصر : اظهر حالات الرقابة هي كما قدمنا حالة القاصر . وقد عنى المشرع بها فخصص لها الفقرة الثانية من المادة 173 إذ يقول : " ويعتبر القاصر في حاجة إلى الرقابة إذا لم يبلغ خمس عشرة سنة ، أو بلغها وكان في كنف القائم على تربيته . وتنتقل الرقابة على القاصر إلى معلمه في المدرسة أو المشرف في الحرفة ما دام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف ، وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر إلى زوجها أو إلى من يتولى الرقابة على الزوج " . 
فالقصر إلى سن الخامسة عشرة – وهي سن بلوغ الحلم في الشريعة الإسلامية – يعتبر في حاجة إلى الرقابة اطلاقاً . ويكون عادة حتى بلوغ هذه السن في كنف من يقوم بتربيته . والذين يقومون بتربيته هم أولاً الأب إذا وجد ، فهو الولى الشرعي على النفس ، وهو المكل قانوناً بالرقابة على ولده . فإذا لم يوجد الأب تولى الرقابة القائم على تربية الولد . ويكون غادة ولى النفس من جد أو عم أو غيرهما . وقد تنتقل تربية الولد ، ولو بطريق الاتفاق الضمني ، من ولى النفس إلى الأم . وذلك كله إلى سن الخامسة عشرة . فإن بلغها الولد ، وتحرر فوق ذلك من قيود التربية ، ولم يعد يعيش في كنف أحد ، وأصبح يكسب عيشه بنفسه ، فلا يكون أحد مسئولا عنه . وهذه مسألة واقع لا مسألة قانون . أما إذا بقى يعيش في كنف من يقوم على تربيته بعد بلوغه الخامسة عشرة – وعبء الإثبات هنا على مدعى المسئولية – فالقائم على تربيته هو متولى الرقابة عليه ، قانونا إن كان ولى النفس واتفاقاً إن كان غيره ، ويبقى مسئولا عنه إلى أن يبلغ الود سن الرشد ، أو إلى أن ينفصل في معيشة مستقلة فلا يعود يعيش في كنف أحد ويتحرر من قيود الرقابة . والاستقلال في المعيشة هنا لا يعني حتما الاستقلال في المسكن ، فقد يكون الولد مقيما مع أبيه في مسكن واحد ولكنه مستقل عنه في المعيشة وليس للأب إشراف على تربيته فلا يكون مسئولا عنه ، وقد لا يكون الولد مقيما مع أبيه في مسكن واحد ولكن الأب يبقى مشرفاً على تربيته فيكون مسئولا (   ) . 
ونرى من ذلك أن القاصر إلى سن الخامسة عشرة يجب أن يكون في رقابة أحد هو المسئول عنه ، ويكون الأب ، فإن لم يوجد فولى النفس ، إلا إذا انتقلت الرقابة اتفاقاً إلى الأم (   ) أو إلى غيرها . وبعد أن يبلغ الولد الخامسة عشرة ، فإن ظل يعيش في كنف من يقوم على تربيته بقى هذا مسئولا عنه ، إلى أن ينفصل الولد في معيشة مستقلة أو إلى أن يبلغ سن الرشد . 
والولد وهو في كنف القائم على تربيته يكون في مرحلة التعليم . فإن ذهب إلى المدرسة انتقلت الرقابة عليه – وقت وجوده بالمدرسة فقط – إلى معلم الفصل ما دام فيه أو إلى رئيس المدرسة ما دام في المدرسة (   ) وإذا كانت المدرسة من مدارس الدولة ، كانت الدولة مسئولة عن المعلم أو الرئيس مسئولية المتبرع عن التابع (   ) وإن أخذ الولد يتعلم حرفة ، انتقلت الرقابة عليه إلى من يشرف على تعليمه الحرفة مدة وجوده تحت إشرافه . ولا ضرورة لوجود عقد صريح بالتمرين على الحرفة ، فالتمرين الفعلي يستخلص منه عقد ضمني ، وهذه مسألة واقع يترك تقديرها لقاضي الموضوع . ومتى فرغ الولد في يومه من المدرسة أو من تعلم الحرفة ، عادت الرقابة عليه إلى القائم على تربيته وكان هو المسئول عنه (   ) . ونرى من ذلك أن الولد ما دام في مرحلة التربية يكون دائماً تحت الرقابة ، وتنتقل الرقابة عليه من شخص إلى آخر بحسب الأحوال على النحو الذي قدمناه . 
وقد يكون القاصر بنتاً تتزوج قبل بلوغها سن الرشد ، فتنتقل الرقابة عليها ممن كان قائماً على تربيتها إلى زوجها ، وهو الذي يكون مسئولاً عنها ما دامت قاصراً فإذا كان الزوج نفسه تقوم عليه الرقابة ، لقصره أو لأي سبب آخر ، فإن متولي الرقابة على الزوج يتولى الرقابة أيضاً على الزوجة ، ويكون مسئولاً عن كل منهما . فإذا ما بلغ الزوج سن الرشد ، ولم تبلغها الزوجة ، صار الزوج هو المتولي الرقابة على زوجته . 
 ( 2 ) البالغ سن الرشد . فإذا بلغ الولد سن الرشد تحرر من الرقابة ، حتى لو كان لا يزال في دور التعلم وحتى لو بقى يعيش في كنف ذويه . ولا يكون أحد مسئولاً عنه . لا في البيت ولا في المدرسة ولا في الحرفة ذلك أنه ببلوغه سن الرشد أصبح في غير حاجة إلى الرقابة ، والتزام الرقابة إنما يقوم بقيام الحاجة إليه . وكذلك تتحرر الزوجة من رقابة زوجها ، أو رقابة متولي الرقابة على زوجها . متى بلغت سن الرشد ، إذ تصبح في غير حاجة إلى الرقابة كما قدمنا . 
ومع ذلك قد تدعو الحاجة إلى الرقابة على من بلغ سن الرشد ، رجلاً كان أو امرأة . فلو أصيب البالغ سن الرشد بجنون أو بعته أو كان ذا غفلة ، قامت الرقابة عليه لتجدد الحاجة إليها نظراً لحالته العقلية . ويتولى الرقابة في هذه الحالة ولي النفس . أو الزوج ، أو الزوجة ( إذا كان هو الموضوع تحت الرقابة ) ، أو من تنتقل الرقابة إليه اتفاقاً كمدير المستشفي أو الطبيب أو الممرض أو من يقوم بالرقابة من الأقرباء (   ) 
كذلك لو أصيب البالغ سن الرشد بمرض أعجزه ، وجعله في حاجة إلى الرقابة نظراً لحالته الجسمية ، كأن كف بصره أو صار معقداً أو أصيب بالشلل ، تولى الرقابة عليه أتفاقاً من يتولى الإشراف على شؤونه الشخصية من زوج أو زوجة أو قريب أو مدير مستشفي أو طبيب أو ممرض أو نحو ذلك . ويكون هذا مسئولاً عنه ما بقى في رقابته . 
 صدور عمل غير مشروع ممن هو تحت الرقابة
668 - العمل غير المشروع يقع ممن هو تحت الرقابة ، لا يقع عليه :
فإذا قام الالتزام بالرقابة وتحدد طرفاه - متولي الرقابة والخاضع للرقابة –وجب لتحقق مسئولية متولي الرقابة أن يصدر عمل غير مشروع من الشخص الخاضع للرقابة :الولد أو التلميذ أو صبى الحرفة أو المجنون أو الأعمى أو نحو ذلك . 
والعمل غير المشروع يجب أن يقع من الشخص الخاضع للرقابة ، لا أن يقع عليه . أما إذا وقع عليه فليست هناك مسئولية مفترضة . مثل ذلك يصيب أجنبي تلميذاً بالأذى في وقت يكون فيه التلميذ في رقابة رئيس المدرسة . فلا يكون هذا الرئيس مسئولاً عن خطأالأجنبي إلا في حدود القواعد العامة للمسئولية ، فيجب إذن إثبات خطأ في جانب الرئيس حتى يكون مسئولاً كذلك لا يكون الرئيس مسئولاً إلا على أساس خطأ يجب إثباته في جانبه إذا كان التلميذ قد ألحق الأذى بنفسه ، لأن العمل غير المشروع في هذه الحالة إذا كان قد أحدث ضرر أفقد وقع هذا الضرر على التلميذ لا منه (   ) . فالواجب إذن البدء بإثبات خطأ في جانب الشخص الخاضع للرقابة طبقاً للقواعد العامة ، حتى تتحقق مسئولية هذا الشخص . وقد تتحقق مسئوليته في بعض الحالات عن طريق افتراض خطأ في جانبه ، كما لو كان يسوق سيارة فدهس أحد العابرة ، فهو مسئول عن خطأ مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس ، ومتولي الرقابة عليه مسئول عنه على أساس خطأ مفترض افتراضاً يقبل إثبات العكس . فإذا ما تحققت مسئولية الخاضع للرقابة على أساس خطأ ثابت أو على أساس خطأ مفترض ، قامت إلى جانبها مسئولية متولي الرقابة . ونري من ذلك أن المسئولية الثانية لا تجب المسئولية الأولي ، ولكن تقوم إلى جانبها . 
669 - حالة ما إذا كان الخاضع للرقابة غير مميز : وقد يكون الخاضع للرقابة غير مميز –صبياً غير مميز أو مجنوناً أو معتوهاً – فكيف يمكن إثبات وقوع عمل غير مشروع منه وهو لا يجوز في حقه الخطأ لانعدام التمييز فيه؟ نص الفقرة الأولي من المادة 173صريح في هذه المسألة إذ يقول : " ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز " . والخطأ الذي وقع هنا من غير المميز هو خطأ قام ركنه المادي أي ركن التعدي ، دون ركنه المعنوي أي ركن التمييز . ولذلك وصفه النص " بالعمل الضار " دون العمل غير المشروع أو الخطأ . 
والذي يلفت النظر في مسئولية متولي الرقابة عن أعمال غير المميز أنها ، خلافاً للمسئولية عن أعمال المميز ، مسئولية أصلية لا تبعية . ذلك أن مسئولية متولي الرقابة عن أعمال المميز هي مسئولية تبعية ، تقوم بقيام مسئولية الشخص الموضوع تحت الرقابة . أما إذا كان هذا غير مميز ، فلا يمكن القول في هذه الحالة إن مسئوليته قد تحققت فتتحقق تبعاً لها مسئولية متولي الرقابة . بل الواجب أن يقال إن مسئولية متولي الرقابة هنا هي مسئولي أصلية قامت مستقلة ، وأساسها خطأ مفترض في جانب المسئول . ولا تستند هذه المسئولية إلى مسئولية غير المميز ، فإن هذا كما رأينا لا يكون مسئولاً إلا مسئوليةموضوعية مخففة عند تعذر الرجوع على متولي الرقابة ( م 164 فقرة 2 ) (   ) . 
 المطلب الثاني 
 الأساس الذي تقوم عليه مسئولية متولي الرقابة
670 - مسائل أربع :متى تحققت مسئولية متولي الرقابة على النحو الذي قدمناه ، قامت مسئوليته على أساس خطأ مفترض (   ) . والافتراض هنا قابل لإثبات العكس . فيستطيع متولي الرقابة أن يرفع المسئولية عنه بنفي الخطأ . ويستطيع كذلك رفع المسئولية بنفي علاقة السببية ، بأن يثبت السبب الأجنبي . فإذا لم ينف علاقة السببية ولم ينف الخطأ تحققت مسئوليته ، ولكن هذه المسئولية كما رأينا لا تجب مسئولية الشخص الخاضع للرقابة وهو الذي صدر منه العمل غير المشروع . 
فعلينا أن نعالج مسائل أربعا ( 1 ) ما هو الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة ( 2 ) كيف ينفي هذا الخطأ المفترض ( 3 ) كيف ينفي علاقة السببية ( 4 ) أثر قيام المسئوليتين في وقت وأحد :مسئولية متولي الرقابة ومسئولية الخاضع للرقابة . 
671 - ما هو الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة : الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة هو الإخلال بهذا الواجب بما ينبغي من العناية . فإذا ارتكب القاصر مثلاً عملاً غير مشروع ، افترضنا أن من يتولى الرقابة عليه قد قصر في رقابته ، فمكنه بهذا التقصير من ارتكاب هذا العمل . ويتسع افتراض الخطأ لمدى أبعد ، فيفترض أيضاً أن متولي الرقابة قد أساء تربية الشخص المعهود إليه رقابته ، فهيأ له بسوء التربية سبيل العمل غير المشروع (   ) ونرى من ذلك أن القاصر مثلاً إذا ارتكب عملاً غير مشروع . وكان من يتولى عليه ويقو م على تربيته هو أبوه ، فالمفروض أن الأب إما أن يكون قد قصر في رقابة ولده ، أو أنه أساء تربيته ، أو أنه ارتكب الخطأين معاً :قصر في الرقابة وأساء التربية . 
ويلاحظ أن افتراض هذا الخطأ لا يقوم إلا في العلاقة ما بين متولي الرقابة والمضرور ، فهو افتراض قرره القانون لصالح المضرور تجاه متولي الرقابة ، ولا يجوز أن يقوم ضد الشخص الخاضع للرقابة . ومن ثم لا يجوز لا للمضرور ولا لمتولي الرقابة أن يحتج به قبل الشخص الخاضع للرقابة ، بل يجب للرجوع على هذا إثبات خطأ في جانبه (   ) . 
ويلاحظ أيضاً أنه لا مانع من اجتماع هذه المسئولية القائمة على خطأ مفترض والمسئولية القائمة على خطأ واجب الإثبات . ويتقدم هو لإثبات خطأ في جانبه ، فيمنعه بذلك من نفي الخطأ المفترض . كذلك لا مانع من اجتماع هذه المسئولية ومسئولية المتبرع عن التابع . فإذا عمل قاصر في خدمة شخص وارتكب خطأ أضر بالغير ، قام إلى جانب مسئوليته القائمة على خطأ ثابت مسئوليتان أخريان الخطأ في كل منهما مفترض : مسئولية والد القاصر وتقوم على خطأ مفترض افتراضاً يقبل إثبات العكس كما رأينا ، ومسئولية المخدوم الذي يعمل القاصر في خدمته وتقوم في بعض الآراء على الخطأ مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس كما سنرى . ويجوز للمضرور أن يرجع على كل من متولي الرقابة والمخدوم بكل التعويض ، ومن دفع منها التعويض رجع بنصفه على الآخر . وهذا كله دون إخلال برجوع كل منهما على القاصر بما دفعه للمضرور . 
672 - كيف ينفي متولي الرقابة الخطأ المفترض : رأينا أن الفقرة الثالثة من المادة 173تنص على ما يأتي : " ويستطيع المكلف بالرقابة أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة " . فالخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة هو إذن خطأ مفترض افتراضاً قابلاً لإثبات العكس . ويستطيع متولي الرقابة – وهو الذي يحمل عبء الإثبات ما دام الخطأ مفترضاً في جانبه - أن ينفي هذا الخطأ عنه بأنه يثبت أنه قام بواجب الرقابة بما ينبغي من العناية ، وأنه أتخذ الاحتياطات المعقولة ليمنع من نيطت به رقابته من الإضرار بالغير فإن فعل ذلك ، انتفي الخطأ المفترض في جانبه ، وارتفعت عنه المسئولية (   ) على أن القيام بواجب الرقابة يشمل كما رأينا إحسان التربية ، وخاصة إذا كان متولي الرقابة أبا وأما . . ونبني على ذلك أنه لا يكفي أن يثبت الأب أنه قام بواجب الرقابة باتخاذ الاحتياطات المعقولة ، فلا يزال افتراض أنه أساء تربية ولده قائماً في جانبه ، ولا يلزم المضرور أن يثبت أن الأب أساء التربية ، بل الأب هو الذي يثبت أنه لم يسئ تربية ولده (   ) . وجملة القول إن متولي الرقابة عليه أن يثبت أنه لم يرتكب تقصيراً في الرقابة في خصوص الخطأ الذي صدر ممن هو في رقابته ، وأنه بوجه عام لم يسئ تربيته . 
673 - كيف ينفي متولي الرقابة علاقة السببية : وليس الخطأ في جانب متولي الرقابة هو وحده المفترض ، بل تفترض معه أيضاً علاقة سببية ما بين هذا الخطأ المفترض وبين العمل غير المشروع الذي صدر ممن هو تحت الرقابة . ذلك أنه إذا لم تفترض علاقة سببية تبعاً لافتراض الخطأ ، لكان افتراض الخطأ عبثاً لا يجدي . فإن المضرور إذا أعفى من إثبات الخطأ في جانب متولي الرقابة ، ثم طولب بإثبات علاقة السببية ما بين هذا الخطأ والعمل غير المشروع الذي وقع ممن قامت عليه الرقابة ، لأضطر وهو في صدد إثبات علاقة السببية أن يثبت الخطأ أيضاً . إذ تقضى طبيعة الأشياء أن من يثبت العلاقة ما بين أمرين يثبت في الوقت ذاته الأمرين اللذين تقوم العلاقة بينهما . فتكون قد بدأنا بإعفاء المضرور من إثبات الخطأ ، ثم طالبناه بعد ذلك بإثباته ، فسلبناه باليسار ما أعطيناه باليمين (   ) . 
فعلاقة السببية إذن مفترضة ، لا يكلف المضرور بإثباتها ، ومتولي الرقابة هو الذي يكلف بنفيها . والنص صريح في هذا المعنى ، إذ تقول الفقرة الثالثة من المادة 173في عبارتها الأخيرة إن المكلف بالرقابة يستطيع أن يتخلص من المسئولية إذا هو " أثبت أن الضرر كان لا بد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية " . ويكفي في ذلك أن يثبت أن هذا الضرر قد وقع دون أن يكون لوقوعه أية علاقة بالخطأ المفترض في جانبه . فوقوعه بالنسبة إلى متولي الرقابة لا بالنسبة إلى من هو تحت الرقابة (   ) ، كان بسبب أجنبي ، بأن قامت قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو وقع خطأ من المضرور أو خطأ من الغير ، وكان من شأن هذا أن تقع الصلة ما بين التقصير في جانب متولي الرقابة وبين الضرر الذي أصاب المضرور ، بأن كان هذا الضرر يقع حتى لو أتخذ متولي الرقابة كل الاحتياطات المعقولة لمتعة؛فلم يكن الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة هو السبب في حدوث الضرر . مثل ذلك أن يقع الحادث الذي سبب الضرر وقوعاً مفاجئاً بحيث لم يكن من الممكن توقعه ولا من المستطاع تلافيه (   ) . 
ويخلص من ذلك أن متولي الرقابة ترتفع عنه المسئولية بأحد أمرين ، إما بأن ينفي الخطأ المفترض في جانبه فينعدم ركن الخطأ ، وإما بأن يثبت السبب الأجنبي على النحو الذي قدمناه فينعدم ركن السببية . وفي الحالتين يبقى من أحدث الضرر . وهو من قامت عليه الرقابة ، مسئولاً عن العمل غير المشروع الذي صدر منه . وفقاً للقواعد العامة في المسئولية (   ) . 
674 - قيام مسئولية الشخص الخاضع للرقابة إلى جانب مسئولية متولي الرقابة : 
وغنى عن البيان أن قيام مسئولية متولي الرقابة على النحو الذي بيناه لا يمنع من أن تقوم إلى جانبها مسئولية الشخص الخاضع للرقابة ، وهو الشخص الذي صدر منه العمل غير المشروع . ويستطيع المضرور إذن أن يرجع على من ارتكب الخطأ بالذات إن كان عنده مال ، فإن استوفي منه كل التعويض المستحق فلا رجوع له بعد ذلك على متولي الرقابة . وإذا رجع على متولي الرقابة واستوفي منه كل التعويض ، فلا رجوع له بعد ذلك على من ارتكب الخطأ (   ) . والذي تجب مراعاته هو ألا يستولي المضرور على تعويضين عن ضرر وأحد ، بل يستوفي تعويضاً واحداً ، إما من متولي الرقابة ، وإما ممن ارتكب الخطأ ، وإما منهما معاً مسئولين أمامه بالتضامن . 
ويغلب أن يرجع المضرور على متولي الرقابة لأنه هو المليء . لكن يجوز للمضرور أن يرجع على من ارتكب الخطأ كما قدمناه ، وفي هذه الحالة لا يرجع من ارتكب الخطأ بشيء على متولي الرقابة ، لأن الخطأ الذي أوجب المساءلة هو خطأ الأول لا خطأ الثاني . أما إذا رجع المضرور على متولي الرقابة ، جاز لهذا أن يرد على من ارتكب الخطأ . فإن كان من ارتكب الخطأ مميزاً رجع عليه متولي الرقابة بكل ما دفعه . ولا يقسم التعويض بينهما لأن الخطأ هو خطأ الأول كما سبق القول . وإن كان غير مميز ، فلا رجوع لمتولي الرقابة عليه بشيء . لأن عديم التمييز غير مسئول عن الخطأ . ولا يترتب في ذمته إلا مسئولية مخففة نحو المضرور لا نحو متولي الرقابة بشروط بيناها فيما تقدم . ويعتبر متولي الرقابة في هذه الحالة هو المسئول الأصلي . وهذا هو الذي تعنيه المادة 175من القانون الجديد . إذ تنص على ما يأتي : " للمسئول عن عمل الغير حق الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها هذا الغير مسئولاً عن تعويض الضرر " (   ) . والمسئول عن عمل الغير هو متولي الرقابة والمتبوع وسنرى أن المتبوع يرجع على التابع بما دفع من التعويض ، أما متولي الرقابة فقد رأينا أنه يرجع على المميز ، ولا يرجع على غير المميز ، وهذه هي حدود مسئولية الغير عن تعويض الضرر التي أشار إليها النص .
من كتاب الوسيط  للدكتور عبدالرزاق السنهوري 
author-img
مدونة المحامي اليمني عبدالرقيب محمد القاضي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent