حالات المسئولية الناشئة عن الأشياء ، الحي منها وغير الحي . ذلك أن الشخص يسأل عما هو في حراسته في حالات ثلاث :
الأولي - مسئولية حارس الحيوان عما يحدثه الحيوان من ضرر .
الثانية - مسئولية حارس البناء عما يحدثه انهدام البناء من ضرر .
والثالثة – مسئولية من تولي حراسة آلات ميكانيكية أو أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر .
وتنتظم هذه الحالات الثلاث فكرة " الخطأ في الحراسة " ( faute dans la garde ) . فلا تزال المسئولية فيها مبنية على الخطأ ، والحارس مسئول عن خطئه في الحراسة ، والخطأ في الحراسة هو أن يترك الحارس زمام الشيء يفلت من يده .
المبحث الأول
مسئولية حارس الحيوان ( ( ) )
697 - النصوص القانونية :كان القانون المدني القديم ينص في المادتين 153 / 215على ما يأتي :
" وكذلك يلزم مالك الحيوان أو مستخدمه بالضرر الناشئ عن الحيوان المذكور ، سواء كان في حيازته أو تسرب منه "
وقد نقل القانون المدني الجديد هذا الحكم دون تعديل إلا في الصياغة ، فنصت المادة 176من هذا القانون على ما يأتي :
" حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكاً له ، مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، ولو ضل الحيوان أو تسرب ، ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب أجنبي لا يد له فيه ( ) " .
والنص الجديد أكثر وضوحاً من النص القديم ، وأوسع إحاطة بأحكام لمسئولية التي نحن بصددها ( ) ، ولكنه لم يستحدث حكماً جديداً كما قدمنا .
ونبحث هنا أيضاً متى تتحقق مسئولية حارس الحيوان ، وعلى أي أساس تقوم هذه المسئولية .
المطلب الأول
متى تتحقق مسئولية حارس الحيوان
698 - شرطان لتحقق المسئولية : تتحقق المسئولية إذا تولي شخص حراسة حيوان وأحدث الحيوان ضرراً للغير . فعندئذ يكون حارس الحيوان مسئولاً عن هذا الضرر .
فتحقق المسئولية يستلزم إذن توافر شرطين : ( 1 ) تولي شخص حراسة حيوان
( 2 ) إحداث الحيوان ضرراً للغير .
1 - حراسة الحيوان
699 - تحليل هذا الشرط :لا تتحقق المسئولية إلا إذا تولي شخص حراسة حيوان . فنبين ما معنى الحراسة وما المقصود من لفظ " الحيوان "
700 - الحراسة ( la garde ) : قدمنا الخطأ في الحراسة هي أن يترك الحارس زمام الشيء يفلت من يده . فحارس الحيوان إذن هو من في يده زمام الحيوان . فتكون له السلطة الفعلية عليه في توجيهه وفي رقابته ، ويكون هو المتصرف في أمره سواء ثبت هذه السيطرة الفعلية بحق أو بغير حق . أي سواء كانت السيطرة شرعية أو غير شرعية ، ما دامت سيطرة فعلية قائمة فليس حارس الحيوان هو ضرورة مالكه ، فقد ينتقل زمام الحيوان - السيطرة الفعلية في توجيهه وفي رقابته وفي التصرف في أمره – من يده إلى يد غيره ، فيصبح هذا الغير هو الحارس . وليس الحارس هو ضرورة المنتفع بالحيوان إذا لم يكن لهذا السيطرة الفعلية في توجيه الحيوان وفي رقابته . وليس الحارس هو من يعرف عيوب الحيوان ويتركه مع ذلك يضر بالماس ، ما دام لا يملك التصرف في أمره وليست له سيطرة فعلية عليه في توجيهه وفي رقابته وليس الحارس هو من يكون الحيوان في حيازته دون أن تكون له السيطرة الفعلية عليه في التوجيه والرقابة ، فلا يعتبر حارساً بوجه عام لا الراعي ولا السائق ولا الخادم ولا السائس ( ) .
فيجب إذن أن نقف عند المعيار الذي قدمناه ، وان نعتبر حارس الحيوان هو من بيده زمامه ، فيملك السيطرة الفعلية عليه في التوجيه والرقابة ويكون هو المتصرف في أمره . ونص القانون المدني الجديد يتفق مع هذا المعيار ، فقد رأينا المادة 176تنص على أن " حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكاً له ، مسئول عما يحدثه الحيوان ، من ضرر ( ) " . وإذا أردنا أن نطبق معيار " السيطرة الفعلية " تطبيقاً عملياً أمكن أن نفصله على الوجه الآتي :
مالك الحيوان هو في الأصل صاحب السيطرة الفعلية عليه ، وهو الذي يملك زمامه في يده ، فله التوجيه والرقابة ، وهو المتصرف في أمره ,من ثم يكون حارس الحيوان هو أصلاً مالكه . فهناك إذن قرينة على أن مالك الحيوان هو الحارس ، وإذا رجع المضرور على المالك فليس عليه أن يثبت أنه هو الحارس ، بل المالك هو الذي عليه أن يثبت أنه لم يكن حارس الحيوان وقت إحداثه الضرر . وإذا أفلت زمام الحيوان من يد المالك بأن ضل أو تسرب ، كان هذا خطأ في الحراسة ( faut dans la garde ) ويكون مسئولاً عما يحدثه الحيوان من ضرر وهذا ما تنص عليه صراحة المادة 176إذ نقول :حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكاً له ، مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، ولو ضل الحيوان أو تسرب " ومن باب أولي إذا ترك الحارس الحيوان في الطريق دون رقيب ، كان مسئولاً عما يحدث من ضرر .
وإذا انتقل الحيوان من يد المالك إلى يد أخرى ، فإن كان قد انتقل رغم إرادة المالك أو دون علمه ، كما لو انتقل إلى لص سرق الحيوان ، أو إلى تابع للمالك استولي على الحيوان لمنفعته الشخصية فإن السيطرة الفعلية على الحيوان تنتقل في هذه الحالة من المالك إلى هذا الغير ، ويصبح السارق أو التابع الذي استولي على الحيوان لنفعه الخاص هو الحارس ، ويكون هو المسئول عما يحدث الحيوان من ضرر . ومن ثم نتبين أنه ليس من الضروري أن تكون السيطرة الفعلية سيطرة مشروعة لها سند من القانون ، ففي المثلين اللذين نحن بصددهما يتضح أن كلا من اللص والتابع مسيطر على الحيوان سيطرة غير مشروعة .
أما إذا انتقل الحيوان من يد المالك إلى يد الغير برضاء من المالك ، وكان الغير تابعاً للمالك كالسائق والخادم والراعي ، فالأصل أن انتقال الحيوان إلى يد التابع لا ينقل إليه السيطرة الفعلية على الحيوان ، إذ الغالب أن المالك يستبقي سيطرته الفعلية على الحيوان حتى بعد أن يسلمه لتابعه . فيبقى المالك في هذه الحالة هو الحارس . ولكن لا شيء يمنع في بعض الحالات من أن تنتقل السيطرة الفعلية إلى التابع ، كما إذا سلم صاحب الحصان حصانه لخيال ( jockey ) يجري به في السباق ، فإن الخيال في هذه الحالة من وقت أن أمسك زمام الحصان وبدأ يجري به في السباق ، وقد انتقلت إليه السيطرة الفعلية على الحصان وأصبح هو الحارس ، فيكون مسئولاً مسئولية الحارس ، ويكون المالك مسئولاً مسئولية المتبوع .
وإذا كان المالك قد نقل الحيوان إلى شخص غير التابع ينتفع به كالمستأجر أو المستعير ، انتقلت في الغالب من الأحوال إلى هذا الشخص السيطرة الفعلية على الحيوان ، إذ هو في سبيل الانتفاع به يمسك زمامه في يده وله حق التصرف في أمره ، ومن ثم يكون هو الحارس . فإن نقله المالك إلى شخص غير التابع لا لينتفع به بل للمحافظة عليه أو لعلاجه ، كصاحب الاصطبل وصاحب الفندق والطبيب البيطري ، فالأصل هنا أيضاً أن السيطرة الفعلية تنتقل إلى هذا الشخص ، ويكون هو الحارس . ولكن قد يستبقى المالك في هذه الحالة السيطرة الفعلية على الحيوان في أثناء الوديعة أو وقت العلاج ، فيبقى هو الحارس ( ) .
701 - الحيوان : أي نوع من الحيوان ، مستأنساً كان أو متوحشاً ، كبيراً أو صغيراً خطراً أو غير خطر يكون حارسه مسئولاً عنه فالدواب والبهائم بأنواعها المختلفة من خيل وبغال وحمير وجمال ومواش ، والحيوانات الأليفة من كلاب وقطط وقردة ، والدواجن والطير ، وما عسى أن يمتلك الشخص من حيوانات مفترسة كالسباع والنمور والفيلة وغيرها ، كل هذا يكون حارسه مسئولاً عنه . وقد يكون الحيوان معتبراً عقاراً بالتخصيص ، كالمواشي الملحقة بأرض زراعية ، ولا يمنع ذلك من أن يكون حارسها مسئولاً عنها ، ولا عبرة بأنها تعد عقاراً .
ولكن يشترط أن يكون الحيوان حياً ومملوكاً لأحد من الناس وان تكون حراسته ممكنة . فجثة الحيوان الميت تعتبر شيئاً غير حي لا حيواناً ، والمسئولية عنها تكون مسئولية عن شيء حي لا عن حيوان ، فلا تتحقق وفقاً للمادة 178من القانون المدني الجديد إلا إذا كانت حراستها تتطلب عناية خاصة . والطير الذي لا مالك له لا يسأل شخص عما يحدثه من التلف إلا إذا ثبت خطأ في جانبه . والجراد إذا صاب زرعاً فأتلفه لا يسأل عن عمله إلا شخص ثبت أنه أثار الجراد بخطأه .
2 - إحداث الحيوان ضرراً للغير
702 - تحليل هذا الشرط : حتى تتحقق مسئولية حارس الحيوان يلزم أن يكون هذا الحيوان قد أحدث ضرراً للغير فيلزم إذن أن يكون الضرر من فعل الحيوان ( fait de lanimal ) ، ويكون هناك أمران نتكلم فيهما :
( 1 ) فعل الحيوان ( 2 ) والضرر الذي يحدثه .
703 - فعل الحيوان : يجب أن يكون الحيوان هو الذي " أحدث " الضرر ، أي أن يكون قد أتي عملاً إيجابياً كان هو السبب في الضرر . أما إذا كان الضرر قد حدث دون أن يكون للحيوان دور إيجابي ، كما إذا ارتطم شخص بجسم حيوان حي فجرح ، أو سقطت جثة حيوان ميت على إنسان فأصابته بالضرر ، فإن الضرر لا يكون في هذه الحالة من فعل الحيوان ، إذا لم يكن للحيوان في ذلك إلا دور سلبي .
وإذا كنا نتطلب أن يقوم الحيوان بدور إيجابي في إحداث الضرر ، فليس هذا معناه أن يكون الحيوان قد اتصل اتصالاً مادياً الجسم الذي ألحق به الضرر ، بل يكفي أن يكون هو السبب الإيجابي لإحداثه . فلو خرج حيوان مفترس في حراسة شخص فجأة إلى الطريق العام ، فأصاب الذعر أحد المارة وسقط فجرح دون أن يمسه الحيوان ، فهذا لضرر يعتبر من فعل الحيوان .
وهناك فروض يكون فيها قد اشترك مع الحيوان عامل آخر في إحداث الضرر ، كما إذا كان المتسبب المباشر في الإصابة هي المركبة التي يقودها الحيوان . فإذا كان الحيوان هو العامل المتغلب كما هو الراجح ، فإن الإصابة تعتبر من فعله . ويدق الأمر إذا كن الحيوان عند إحداث الإصابة يقوده إنسان أو يمتطيه ، فهل تعتبر الإصابة قد حدثت من فعل الإنسان أو من فعل الحيوان ؟ ولا شك في أن القول برأي من هذين الرأيين تترتب عليه أهمية علمية كبيرة . إذ لو اعتبرت الإصابة من فعل الإنسان ، فلا يفترض الخطأ . بل يكلف المدعى إثباته طبقاً للقواعد العامة . وإذا اعتبرت الإصابة من فعل الحيوان ، كان هناك خطأ مفترض في جانب الحارس . ولا يكلف المدعي إثبات هذا الخطأ وقد سار القضاء الفرنسي مدة طويلة على اعتبار أن الإصابة قد حدثت من فعل الإنسان ( ) . وتابع القضاء المصري القضاء الفرنسي في ذلك ( ) . ثم عدل القضاء الفرنسي عن هذا الرأي ، واعتبر أن الإصابة قد حدثت من فعل الحيوان ( ) . وهذا هو الرأي الصحيح ، لأن راكب الحيوان أو قائده لا تعتبر لا تعتبر الإصابة من فعله إلا إذا كان قد تعمدها . فإن اعترف بذلك ، وهذا غير محتمل ، كان الخطأ ثابتاً في جانبه . وإلا فإن الحيوان عندما أحدث الضرر يكون زمامه قد أفلت من يده ، وتكون الإصابة قد حدثت بفعل الحيوان ( ) .
704 - الضررالذي يحدثه الحيوان :أي ضرر يحدثه الحيوان يكون حارسه مسئولاً عنه . فإذا دهس حيوان شخصاً فجرحه أو قتله ، وإذا أتلف الحيوان مالاً مملوكاً للغير ولو كان هذا المال حيواناً مثله ، وإذا عض كلب شخصاً فأحدث به ضرراً ( ) ، وإذا انتقل مرض معد من حيوان مريض ، فكل هذه تعتبر أضراراً يكون حارس الحيوان مسئولاً عنها .
والضرر الذي يحدثه الحيوان قد يقع على الغير كما هو الغالب ، وقد يقع على الحارس نفسه ، وقد يقع على المالك إذا لم يكن هو الحارس ، وقد يقع على الحيوان ذاته أي أن الحيوان يصيب نفسه بالضرر .
فإذا أوقع الحيوان الضرر بالغير ، جاز للغير أن يرجع بالتعويض على الحارس بالخطأ المفترض . وهذه هي الصورة المألوفة في المسئولية عن الحيوان .
ويعتبر في حكم الغير تابع المالك إذا لم تنتقل إليه الحراسة . فإذا ألحق الحيوان ضرراً بسائسه أو بسائقه ، فقد تقدم أن المالك في هذه الحالة يعتبر في الأصل أنه هو الحارس ، ويكون مسئولاً تجاه السائس أو السائق بالخطأ المفترض ( ) . وإذا كانت هناك علاقة عقدية ما بين حارس الحيوان والمضرور ، كما إذا استأجر شخص الحيوان وصاحبه لينقله من مكان إلى آخر ، فأضر الحيوان بالمستأجر ، فإن صاحب الحيوان في هذه الحالة يكون مسئولاً مسئولية عقدية لا مسئولية تقصيرية ، لأنه في عقد النقل بضمان سلامة الراكب . وإذا أحدث الحيوان ضرراً بحيوان آخر ، فمالك الحيوان المضرور يرجع على الحارس الحيوان الأول بالخطأ المفترض لأنه من الغير ( ) .
وإذا أوقع الحيوان الضرر بالحارس نفسه ، فلا يستطيع الحارس أن يرجع على المالك إلا إذا أثبت خطأ في جانبه طبقاً للقواعد العامة .
وإذا وقع الحيوان الضرر بالمالك وكان غير الحارس ، فالمالك أن يرجع على الحارس بالخطأ المفترض ، ويعتبر غيراً في هذه الحالة .
وإذا أوقع الحيوان الضرر بذاته ، بأن اختنق بحبل مثلاً ، وكان الحارس هو المالك . هلك الحيوان على مالكه . أما إذا كان الحارس غير المالك ، فلا يستطيع المالك في هذه الحالة أن يحتج على الحارس بالخطأ المفترض ، فإن افتراض الخطأ لا يقوم إلا لضرر أصاب الغير لا الحيوان ذاته . ولكن يجوز للمالك أن يثبت خطأ في جانب الحارس ، فيرجع عليه بالتعويض للخطأ الذي أثبته لا لخطأ مفترض .
المطلب الثاني
الأساس الذي تقوم عليه مسئولية حارس الحيوان
705 - مسألتان :متى تحققت مسئولية حارس الحيوان على النحو الذي قدمناه . قامت هذه المسئولية على خطأ مفترض في جانب الحارس كما أسلفنا ونبين الآن :
( 1 ) ما هو هذا الخطأ ( 2 ) والى أي حد هو المفترض .
1 - ما هو الخطأ
706 - خطأ في الحراسة :الخطأ المفترض في جانب حارس الحيوان هو خطأفي الحراسة ( faute dans la garde ) . وعلى هذا الخطأ قامت مسئولية الحارس ، فالخطأ إذن هو أساس المسئولية . ولا يمكن أن يقال أن أساس المسئولية هو تحمل التبعة ( risque ) ، وإلا لكان المسئول هو المنتفع بالحيوان لا الحارس ، ولما جاز دفع المسئولية بإثبات السبب الأجنبي . والخطأ في الحراسة هو إفلات الحيوان من سيطرة الحارس ، لأن هذا الإفلات هو الذي أحدث الضرر .
707 - ما الذي يثبته المضرور :ولا يكلف المضرور إلا بإثبات الشروط التي تحقق بها مسئولية حارس الحيوان . فيجب عليه أن يثبت أولاً أن المدعى عليه هو حارس الحيوان ، وقد قدمنا أن هناك قرينة على أن المالك هو الحارس إلى أن يثبت أن حراسة الحيوان قد خرجت من يده . ويجب عليه بعد ذلك أن يثبت أن الضرر قد وقع بفعل الحيوان ، أي أن الحيوان قد تدخل تدخلاً إيجابياً في إحداث الضرر ، وإن الضرر قد حدث بفعل الإنسان ولا يفعل الشيء ، على التفصيل الذي سبق ذكره .
2 - إلى أي حد هو مفترض
708 - الافتراض من لا يقبل إثبات العكس :الخطأ هنا مفترض افتراضاً لا يقبل العكس ( ) ، بخلاف الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة فهو افتراض يقبل إثبات العكس كما قدمنا .
فلا يجوز إذن للحارس ، متى أثبت المضرور الشروط التي تتحقق بها مسئولية أن ينفى الخطأ عن نفسه ، بأن يثبت أنه لم يرتكب خطأ وأنه قام بما ينبغي من العناية حتى لا يحدث الحيوان الضرر . ذلك أن الضرر لم يحدث لأن زمام الحيوان قد افلت من يده ، وهذا الإفلات هو ذات الخطأ . وقد ثبت الإفلات بدليل وقوع الضرر ، فلا حاجة إذن لإثباته بدليل آخر ، ولا جدوى من نفيه بإثبات العكس . وهذا هو المعنى المقصود من أن الخطأ مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس ، فهو خطأ قد تم إثباته ، ولا يتصور إذن أن يثبت عكسه ( ) . وقد سبق القول أن افتراض الخطأ إنما يقوم في العلاقة ما بين الحارس والمضرور ، فلا يقوم إذا أحدث الحيوان ضرراً لنفسه أو أحدث ضرراً للحارس ( ) وقدمنا أيضاً أن مسئولية حارس الحيوان قد تجتمع مع مسئولية المتبوع في شخص وأحد . فمالك الحيوان إذا دفعه إلى السائق محتفظاً بالحراسة ، فألحق الحيوان ضرراً بالغير ، أمكنت مساءلة المالك باعتباره حارساً للحيوان حيث يفترض الخطأ في جانبه افتراضاً لا يقبل إثبات العكس ، كما تمكن مساءلته باعتباره متبوعاً للسائق ولكن يجب على المضرور في هذه الحالة أن يثبت خطأ في جانب السائق ( )
وقد رأينا أن المتبوع تتحقق مسئوليته ولو كان عديم التمييز . أما حارس الحيوان فلا يجوز أن يكون عديم التمييز ، لأن مسئوليته قائمة على الخطأ ، وعديم التمييز لا يتصور الخطأ في جانبه
709 - جواز نفي المسئولية بنفي علاقة السببية : ولا يستطيع حارس الحيوان أن ينفي عنه المسئولية إلا بنفي علاقة السببية ما بين فعل الحيوان والضرر الذي وقع ، وذلك بأن يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي ، قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو خطأ المضرور أو خطأ الغير . وهذا ما تنص عليه صراحة المادة 176إذ تقول : " …ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب أجنبي لا يد له فيه " . وهو ما أجمع عليه الفقه ( ) والقضاء ( ) في مصر .
من كتاب الوسيط للدكتور عبدالرزاق السنهوري