الدكتور عبدالرزاق السنهوري
العقد يزول بالانقضاء والانحلال والإبطال .
فهو ينقضي بتنفيذ الالتزامات التي ينشئها ، وهذا هو مصيره المألوف .
ولكنه قد يزول قبل تمام تنفيذه ، أو قبل البدء في تنفيذه ، فينحل ، الفرق إذن بين انحلال العقد وانقضائه أن الانحلال يكون قبل أن ينفذ العقد أو قبل أن يتم تنفيذه ، والانقضاء لا يكون إلا عند تمام التنفيذ .
وانحلال العقد غير إبطاله ، كلاهما زوال ( disparition ) للعقد ، ولكن الانحلال يرد على عقد ولد صحيحاً ثم ينحل بأثر رجعي أو دون أثر رجعي ، أما الإبطال فيرد على عقد ولد غير صحيح ثم يبطل بأثر رجعي في جميع الأحوال . والعقد ، في حالة الأبطال وفي حالة الانحلال بأثر رجعي ، لا يزول فحسب ، بل يعتبر كأن لم يكن .
وقد رأينا فيما مر كيف يبطل العقد . ونبحث الآن كيف ينقضي وكيف ينحل .
457 – انقضاء العقد : يجب التمييز هنا بين العقد الفوري والعقد الزمني .
فالعقد الفوري ، ولو كان مؤجل التنفيذ ، ينقضي بتنفيذ ما ينشأ عنه من الالتزامات . فالبيع مثلا ينقضي بنقل ملكية المبيع إلى المشتري وتسلمه للعين ودفع الثمن والوفاء بالضمان وجميع ا لالتزامات الأخرى التي تنشأ عن العقد . وكل هذه الالتزامات ، عندما يحل وقت الوفاء بها ، تنفذ فوراً ، جملة واحدة أو على أقساط .
والعقد الزمني انقضاؤه معقود بانقضاء الزمن ، لأن الزمن كما قدمنا عنصر جوهري فيه . فالإيجار ينقضي بانتهاء المدة المحددة ، فإذا لم تحدد له مدة انقضى بإنهائه من أحد المتعقادين مع مراعاة ميعاد الأخطار الذي يعينه القانون أو الاتفاق . وكالإيجار الشركة وعقد العمل ( ) .
458 – انحلال العقد : وينحل العقد قبل انقضائه ، بل وقبل البدء في تنفيذه في كثير من الأحيان ، باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون . فالانحلال باتفاق الطرفين هو التقايل ( resiliation conventionnelel ) . أما الأسباب التي يقررها القانون لانحلال العقد فأهمها الإلغاء بارادة منفردة ( resiliation unilaterale ) والفسخ ( resolution ) .
459 – التقايل : قد يتقايل المتعاقدان بأن يتفقا على إلغاء العقد . والتقايل يكون بإيجاب وقبول ، صريحين أو ضمنيين كما هو الأمر في العقد الأصلي ( ) . والأصل أن التقايل ليس له أثر رجعي ، فيكون هناك عقدان متقابلان . فإذا تقايل المتبايعان البيع ، كان هناك عقد بيع أول من البائع إلى المشتري ، يعقبه عقد بيع ثان من المشتري إلى البائع . وقد يتراضى المتبايعان على أن يكون للتقايل أثر رجعي ، فيعتبر البيع بهذا التقايل كأن لم يكن .
وسواء كان للتقايل أثر رجعي أو لم يكن له هذا الأثر ، فهو على كل حال ، بالنسبة إلى الغير ثم بالنسبة إلى التسجيل ، عقد ثان اعقب العقد الأول . ويترتب على ذلك إنه إذا كان العقد الذي حصل التقايل فيه قد نقل ملكية عين ورتب من انتقلت إليه الملكية حقوقاً للغير على هذه العين ، فالتقايل لا يمس حقوق الغير ، وترجع العين إلى مالكها الأصلي مثقلة بهذه الحقوق . كذلك يجب تسجيل التقايل كما سجل العقد الأصلي حتى تعود الملكية إلى صاحبها الأول .
460 – الالغاء بارادة منفردة : وقد يجعل القانون لأحد المتعاقدين الحق في أن يستقل بإلغاء العقد . نص القانون على ذلك في عقود نذكر منها الوكالة والعارية والوديعة والمقاولة والقرض والايراد المؤبد وعقد التأمين والهبة والشركة .
ففي الوكالة ، يجوز للموكل في أي وقت أن ينهي الوكالة ( م 715 ) ، كما يجوز للوكيل أن ينزل في أي وقت عن التوكيل ( م 716 ) .
وفي العارية ، يجوز للمستعير أن يرد الشيء المعار قبل انقضاء العارية ( م 643 فقرة 3 ) ، ويجوز للمعاير أن يطلب إنهاء العارية قبل انقضائها في أحوال معينة ( م 644 ) .
وفي الوديعة ، يجب على المودع عنده أن يسلم الشيء إلى المودع بمجرد طلبه إلا إذا ظهر في العقد أن الأجل عين لمصلحة المودع عنده ، وللمودع عنده أن يلزم المودع بتسليم الشيء في أي وقت إلا إذا ظهر من العقد أن الأجل عين لمصلحة المودع ( م 722 ) .
وفي المقاولة ، لرب العمل أن يتحلل من العقد ويقف التنفيذ في أي وقت قبل اتمامه ، على أن يعوض المقاول عن جميع ما انفقه من المصروفات وما أنجزه من الأعمال وما كان يستطيع كسبه لو أنه اتم العمل ( م 663 فقرة 1 ) .
وفي القرض ، إذا اتفق على الفوائد كان للمدين إذا انقضت ستة أشهر على القرض أن يعلن رغبته في إلغاء العقد ورد ما اقترضه ، على أن يتم الرد في أجل لا يجاوز ستة أشهر من تاريخ هذا الإعلان ، وفي هذه الحالة يلزم المدين باداء الفوائد المستحقة عن ستة الأشهر التالية للإعلان ( م 544 ) .
وفي الدخل الدائن ، يجوز استبدال الدخل في أي وقت شاء المدين بعد انقضاء سنة على إعلانه الرغبة في ذلك ( م 546 ) .
وفي عقد التأمين على الحياة ، يجوز للمؤمن له الذي التزم بدفع أقساط دورية اني تحلل في أي وقت من العقد باخطار كتابي يرسله إلى المؤمن قبل انتهاء الفترة الجارية ، وفي هذه الحالة تبرأ ذمته من الاقساط اللاحقة ( م 759 ) . ويجوز له أيضاً ، متى كاىن قد دفع ثلاثة أقساط سنوية على الأقل . أن يصفى التأمين بشرط أن يكون الحادث المؤمن منه محقق الوقوع ، هذا ما لم يكن التأمين مؤقتاً ( م 762 ) .
وفي الهبة ، يجوز للواهب أن يرجع إذا قبل الموهوب له ذلك ، وهذا يعتبر تقايلا . فإذا لم يقبل الموهوب له ، جاز للواهب أن يطلب من لاقضاء الترخيص له في الرجوع ، متى كان يستند في ذلك إلى عذر مقبول ، ولم يوجد مانع من الرجوع ( م 500 – 503 ) . والرجوع في هذه الحالة الأخيرة أقرب إلى الفسخ ، لأنه يقع بترخيص من القضاء ويترتب عليه أن تعتبر الهبة كأن لم يكن .
وفي الشركة . يجوز للمحكمة أن تقضي بحلها بناء على طلب أحد الشركاء لسبب خطير يسوغ الحل ، وهذا ضرب من الفسخ كما يجوز لاي شريك إذا كانت الشركة معينة المدة أن يطلب من القضاءي اخراجه من الشركة متى استند في ذلك إلى أسباب معقولة ، وفي هذه الحالة تنحل الشركة ما لم يتفق الشركاء على استمرارها ( م 531 ) ، وهذا أيضاً ضرب من الفسخ لأنه لا يتم إلا بحكم القضاء ( ) .
461 – الفسخ ووقف التنفيذ : وفي العقود الملزمة للجانبين . إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه ، جاز للمتعاقد الآخر أن يطلب من القاضي فسخ العقد ، وللقاضي سلطة تقدير هذا الطلب ( ) . ويجوز للمتعاقد أيضاً أن يقف تنفيذ العقد من جانبه حتى يوقم الطرف الآخر بالتنفيذ ، وهذا هو الدفع بعدم تنفيذ العقد .
ونقف عند الفسخ والدفع بعدم التنفيذ لاهميتها ، ونفصل ما يتعلق بهما من الأحكام .