recent
جديد المشاركات

إثبات تسلسل نسب الوارث إلى مورثه الأعلى




أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء



هناك دعاوي كثيرة منظورة أمام المحاكم اليمنية تتضمن هذه الدعاوى مطالبة المدعين بنصيبهم أو حقوقهم من مورثيهم الأقدمين قبل ثلاثمائة سنة أو أقل أو أكثر، حيث يدعي هؤلاء أنهم من ورثة أجدادهم المتقدمين، ولتباعد الفترة الزمنية  يصعب كثيراً إثبات اتصال  تسلسل نسب هؤلاء المدعين بمورثيهم  أجدادهم المتقدمين ، إضافة إلى صعوبة تسلسل وانتظام تحديد الورثة لكل درجة من درجات النسب حتى يصل إلى  المورث القديم الجد الأعلى الجامع، فضلاً عن صعوبة تحديد وحصر الورثة في كل درجة من الدرجات حتى المورث الأعلى وتحديد نصيب كل واحد من هؤلاء، وقد كان للمحكمة العليا باليمن اجتهادات في معالجة هذه الإشكاليات حيث أصدرت المحكمة أحكاماً عدة في هذا الشأن منها الحكمين محل تعليقنا ، الحكم الأول وهو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية في المحكمة العليا في جلسة 2/9/1999 في الطعن الشخصي رقم (339)لسنة1420ه وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه: ( بعد المداولة والتأمل وبعد الرجوع إلى التدرج الوارد في محصل حكم محكمة الاستئناف نجد أن التدريج لم يتم استكماله ورفعه  إلى الجد الجامع فمثلاً الذين يدعون أنهم عصبة للحرة....لم يدرجوا نسبهم إلى الجد الجامع الذين يجمعهم مع مورثهم وهي عمتهم الحرة...وذلك يخالف القواعد الشرعية) والحكم الثاني محل تعليقنا أيضاً هو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلسة 11/11/1999م وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه ( بعد المداولة وإمعان النظر والتأمل فقد وجدت الدائرة المدعين الثلاثة يدعون انتسابهم إلى جدهم الأعلى المرحوم.... الذي صدر منه الوقف بحسب دعواهم ولكنهم لم يستطيعوا إثبات تسلسل  نسبهم إلى جدهم الأعلى المشار إليه وذلك بالتدريج أو شهرة في المحل ، أما الأوراق التي أبرزوها أمام محكمة الموضوع، فلا يثبت بها النسب لعدم ورود الأسماء  المطلوبة فيها هذا من حيث النسب، أما من حيث دعوى الوقف  في الموضع المتنازع عليه فليس في ذلك الموضع وقفية ولا شهرة للوقف  وأيضاً لم تجد الدائرة في حجج المدعين ما يدل على اتصالها بالوقف، وعليه  فقد قررت الدائرة نقض الحكم المطعون فيه والإعادة) وسيكون تعليقنا على  الحكمين المشار إليهما بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: صعوبات وإشكاليات اتصال وتسلسل نسب الوارث بمورثه الأعلى :
ويمكن تلخيص هذه الإشكاليات كما يأتي:
الإشكالية الأولى:  حداثة السجل المدني في اليمن: فالسجل المدني في اليمن معاصر، إذ أنه لم يتم استحداثه إلا في العصر الحاضر، ولذلك فلا مجال للاستعانة بالسجلات المدنية الرسمية التي تحدد تسلسل الأسماء واتصالها ببعضها  بالنسبة للمورثين الذين انقضى على موتهم أكثر من أربعين سنة.
الإشكالية الثانية: حداثة نظام الشهر العقاري في اليمن: وهذه الإشكالية كسابقتها سواء بسواء حيث يتعذر الاستعانة بها لمعرفة أسماء الملاك للعقارات وكيفية وأوقات انتقالها إلى الورثة أو غيرهم وورثة كل جيل من الأجيال المذكورة فيها وأسماء الأشخاص الذين انتقلت منهم أو إليهم تلك العقارات.
الإشكالية الثالثة: حداثة نظام التوثيق العدلي في اليمن وعدم انتظامه:  فنظام التوثيق معاصر في اليمن، ولذلك فلا مجال للاستعانة به في معرفة حجية المستندات والمحررات المختلفة القديمة ، سواء تلك المتعلقة بالزواج والنسب أو تلك المتعلقة بالعقارات أو غيرها.
الإشكالية الرابعة: صعوبة التعرف على الخطوط في الوثائق القديمة: فالخطوط في الوثائق القديمة يتعذر معرفتها ومعرفة نسبتها إلى الأشخاص الذين قاموا بتحريرها إضافة إلى وفاة أطراف المحررات المذكورين فيها منذ وقت طويل ولذلك تصعب الاستعانة بهذه المحررات.
الوجه الثاني: المقصود بالتدريج في اتصال النسب حسبما ورد في الحكمين محل تعليقنا:
أشار الحكمان محل تعليقنا إلى أن إثبات نسب المدعي بالإرث من المورث القديم يجب أن يكون متدرجاً أو بالتدريج ، وذلك يعني أنه يجب أن يكون الإثبات متدرجاً بحسب درجات النسب المتصلة بالمورث القديم أي يكون متسلسلاً في كل الدرجات ، فإذا كان الفارق بين الوارث المدعي والمورث القديم هو عشرة أجيال أو عشر درجات حسبما ورد في الحكمين محل التعليق فإن ذلك يستدعي أن يقوم المدعي بإثبات صلته بالدرجة التالية له ، ثم يثبت صلة الدرجة التالية بالدرجة التي تليها وهكذا حتى يتصل نسبه بالمورث الذي يدعي نسبته إليه، كما أن ذلك يقتضي أن يثبت المدعي نوع القرابة التي تربطه بالدرجة التي تليه وهكذا في بقية الدرجات الأعلى (أب/عم/أخ...الخ) ويجب أن يتم الإثبات في كل الدرجات الأعلى التي يدعي المدعي بنسبتها إليه بطريقة متسلسلة ومتدرجة ، فإذا كانت هناك فجوات في الإثبات فلا تصح النسبة لما بعد الفجوة حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، فإذا اثبت المدعي اتصال نسبه على الدرجة الخامسة فقط في حين أنه يدعي الانتساب إلى الجد العاشر فعندئذ يصح اتصال نسبه إلى الجد الخامس فقط دون الجد العاشر، فالمقصود بالتدريج في الحكم المشار إليه أن يصح اتصال نسب المدعي بالنسبة لكل درجة على حدة وبطريقة متسلسلة ومتدرجة بالنسبة لكل درجة.
الوجه الثالث: وسائل إثبات الاتصال بالنسب إلى الجد الأعلى:
مع إشكالات وصعوبات إثبات اتصال نسب الشخص إلى الجد الأعلى إلا أن هناك وسائل إثبات لذلك أشار إليها الحكم محل تعليقنا وهي الشهرة والمحررات، فالنسب في الشريعة يثبت بالشهرة كما هو معروف فإذا اشتهر واستفاض بين الناس في منطقة أو قرية أو عزلة أن شخصاً هو ابن فلان بن فلان بن فلان حتى الجد الأعلى وأحضر الشخص المدعي باتصال النسب أحضر الشهود الذين يشهدون على أنه مشهور ومستفيض بين الناس في قرية كذا أو عزلة كذا أن هذا الشخص هو فلان ابن فلان ابن فلان حتى الجد الأعلى المدعي الاتصال بنسبه، فعندئذ يثبت اتصال نسب الشخص ويترتب على ذلك الآثار الشرعية والقانونية ، وكذا يتم إثبات النسب عن طريق المحررات التي ترد فيها أسماء الأشخاص الذين يتصل نسب المدعي بهم، وهذه المحررات قد تكون وثائق ملكية تذكر فيها أسماء البائع والمشتري والشهود ، كما قد تكون وكالات أو فصول قسمة أو عقود زواج أو غيرها، ويمكن التعرف والتأكد من صحة خطوط هذه المحررات عن طريق المقارنة والمطابقة والمضاهاة  بين أكثر من وثيقة صادرة عن الشخص الذي قام بتحرير هذه الوثائق ويتم ذلك غالباً بالعين المجردة ، حيث يمكن معرفة خط الكاتب لهذه المحررات ولو بعد مئات السنين، لأنه في كل منطقة أو قرية خطوط معتمدة يعرفها المعنيون في تلك المناطق والقرى والعزل، لأن الذين كانوا يجيدون القراءة والكتابة في الأجيال الماضية قلة ، فإذا تساندت المحررات وتظافرت في التعرف على خط الكاتب فإنها تكون حينئذ موثوقة، يتم العمل بموجبها ، وأحياناً لا يستطيع القاضي التأكد من نسبة الخط للكاتب فعندئذ يطلب القاضي من الأمين الشرعي في المنطقة أو من غيره التعريف بالخط أو الشهادة على أن هذا الخط هو خط المرحوم فلان المعروف لديهم، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى الأوراق التي لا يمكن الاعتماد عليها في تسلسل النسب إلى الجد الجامع الأعلى وهي الوثائق التي لا تتضمن الأسماء التي يفهم منها تسلسل النسب واتصاله وهي المحررات التي قدمها المدعون في الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.   
author-img
مدونة المحامي اليمني عبدالرقيب محمد القاضي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent