استقر قضاء المحكمة العليا باليمن على أنه لايجوز الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة وقد كرست هذه القاعدة أحكام كثيرة صادرة عن المحكمة العليا حتى صار ذلك قاعدة قضائية مستقرة، ولهذه القاعدة أصل في قانون المرافعات الذي قرر هذا المبدأ أيضاً، ومن هذا المنطلق يتماختيار الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا بتاريخ 30/4/2011م في الطعن التجاري رقم 4446 لسنة 1434ه وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه ( وبإمعان النظر من قبل الدائرة في القرار المطعون فيه وعريضة الطعن فيه والدفع المقدم من المطعون ضده بعدم جواز الطعن في القرار الصادر من الشعبة اإلستئنافية بتاريخ 7/6/2008م بضم الدفع الذي قدمه الطاعن بالنقض إلى الشعبة والتي قررت ضم هذا الدفع إلى الموضوع واعتبار الدافع طرفاً ثانياٍ في الاستئناف وهو القرار الذي قام الطاعن بالطعن فيه بالنقض ، وقد قام المطعون ضده بالدفع أمام المحكمة العليا بعدم قبول الطعن بالنقض في قرار الشعبة الاستئنافية كونه غير منه للخصومة، ومن خلال الدراسة فإنالدائرة ترى أن دفع المطعون ضده مقبول لموافقته ألحكام المادة 274مرافعات التي نصت على عدم جواز الطعن فيما تصدره المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها فيما عدا ما تصدره المحكمة من أحكام بوقف الخصومة أو في الاختصاص أو في الإحالة إلى محكمة أخرى للإرتباط فيجوز الطعن في هذه الأحوال ، وكذا في الأحكام المستعجلة أو القابلة للتنفيذ الجبري ،ولما كان القرار المطعون فيه غير منه للخصومة ولم يكن من ضمن الاستثناءات المذكورة في المادة (274 )مرافعات، لذلك فإن الدائرة تحكم بعدم قبول الطعن المقدم من الطاعن بالنقض للأسباب المذكورة وقبول الدفع المقدم من المطعون ضده مما يتعين رفض الطعن موضوعاً لعدم انطباق أحد حالات الطعن بالنقض المنصوص عليها في المادة 292مرافعات ،وعليه وبناءً على سبق واستناداً لأحكام المواد274و292و300مرافعات فإن الدائرة تحكم بالآتي:
1-قبول الدفع ورفض الطعن لما عللناه.
2-مصادرة مبلغ كفالة الطاعن.
3 -لا شيء في المصاريف في هذه المرحلة.
4 -إعادة أوراق القضية إلى الشعبة التجارية الاستئنافية للسير في نظر القضية وبجلسات متوالية وإبلاغ كل طرف بنسخة من هذا الحكم والعمل بما ورد في حيثياته) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الأساس القانوني والواقعي لقرار ضم الدفع إلى الموضوع:
يتأسس هذا القرار على المادة(180 )مرافعات التي نصت على أنه (إذا كان الدفع متعلق بالنظام العام فعلى المحكمة إرجاء السير في الدعوى الأصلية والنظر في الدفع على نحو ما تسير في الدعوى الأصلية والفصل فيها استقلالاً بحكم مسبب وفيما عدا ذلك من الدفوع يجوز للمحكمة ضم الدفع إلى الموضوع وعليها حينئذ أن تبين ما حكمت به في الدفع) كما يتأسس القرار بضم الدفع إلى الموضوع على معالجة ظاهرة استشرت في القضاء اليمني وهي ظاهرة الإسراف في الدفوع التي يتعمد بعض الخصوم الدفع بها بهدف تعطيل وعرقلة سير القضايا الموضوعية، فمقابل ذلك انتشرت أيضاً ظاهرة قرارت ضم الدفع إلى الموضوع في القضاء اليمني لمواجهة الإسراف في الدفوع الكيدية التي لا تتوفر فيها أبسط مقومات الدفع.
إعلان منتصف المقال
الوجه الثاني: الدفوع التي يجوز القرار بضمها إلى الموضوع:
صرحت المادة (180 )مرافعات السابق ذكرها بأن الدفوع التي يجوز القرار بضمها إلى الموضوع هي غير الدفوع المتعلقة بالنظام العام، وهذا يثير إشكاليات عدة، لأن هلامية فكرة النظام العام وعموميتها جعلت االدفوع المتعلقة بالنظام العام عصية على الفهم والحصر ، بل أن قانون المرافعات اليمني يشير إلى أن الدفوع المتعلقة بالنظام العام ليست محصورة حسبما ورد في المادة (186 ) التي نصت على أنه (تعتبر من النظام العام الدفوع التالية:1 -الدفع بعدم اختصاص المحكمة بسبب نوع الدعوى 2 -الدفع بعدم صحة الدعوى لفقدان شرط من شروطها 3-الدفع بعدم توجه الدعوى لكون أحد المتداعين ليس خصماً شرعياًله ولاية التقاضي عن غيره فيها أو ليس أهلاً للتقاضي 4 -الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم مايكذبها محضا 5 -الدفع بعدم قبول الطعون التي لها مواعيد لعدم تقديمها في مواعيدها المحددة لها 6 -الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها 7 -الدفع بعدم دستورية القانون) فيفهم من صياغة هذا النص أن هناك دفوع متعلقة بالنظام العام غير تلك المذكورة في هذا النص، وهذا يقتضي تحديد مفهوم الدفوع المتعلقة بالنظام العام الأخرى التي لم يرد ذكرها في المادة 186 مرافعات السابق ذكرها، وسنشير إلى ذلك في الوجه الثالث.
الوجه الثالث: الدفوع المتعلقة بالنظام العام التي لم يرد ذكرها في المادة 186 مرافعات: ذلك يقتضي تحديد ماهية الدفوع المتعلقة بالنظام العام بصفة عامة ، فالدفوع المتعلقة بالنظام العام هي التي تتعلق بالقواعد التي وضعها القانون لحسن سير جهاز القضاء ، مثل القواعد الخاصة بتشكيل المحاكم واختصاصاتها ونطاق ولايتها والقواعد التي يضعها القانون لضمان تحقيق العدالة، ومن ذلك الدفوع التي تتعلق بشروط الدعوى وإجراءات نظرها والدفوع المتعلقة بعدم الاختصاص والدفوع المتعلقة بالمواعيد والدفوع المتعلقة بإنقضاء الدعوى والدفوع المتعلقة ببطلان الإجراءات الجوهرية التي نص القانون على اعتبارها كذلك، أو تلك التي يترتب عليها تغيير وجه الرأي في الحكم، والمشكلة الحقيقة في هذا الأمر أن مفهوم النظام العام ضبابي وهلامي ، وهذا يلقي بظلاله على مفهوم الدفوع المتعلقة بالنظام العام ، ولذلك فالدفوع المتعلقة بالنظام التي لم يرد ذكرها في المادة (186 )مرافعات محل خلاف شديد ، فهناك من يرى أن هذا الدفع من النظام العام وآخر يذهب إلى خلاف ذلك ، وهذا يؤثر بدوره علىالقرارات بضم الدفع إلى الموضوع لأنه لا يجوز ضم الدفوع المتعلقة بالنظام العام إلى الموضوع.
الوجه الرابع: المكانة القانونية لقرار ضم الدفع إلى الموضوع:
قرار المحكمة بضم الدفع إلى الموضوع يعني أنه يصعب على المحكمة الفصل في الدفع على حدة استقلالاً قبل الفصل في الموضوع، لأن هذا الدفع متعلق بموضوع النزاع أو متصل به أو أن التحقق منه يستدعي أن تنظره المحكمة مع موضوع الدعوى أو أن الفصل فيه قد يجعل المحكمة تفصح عن قناعتها وعقيدتها في موضوع النزاع برمته، ولذلك يكون من المناسب تأجيل البت في هذا الدفع حتى يتم الفصل فيه بحكم واحد مع موضوع النزاع، ويكون ذلك بحكم واحد فاصلاً وجازماً في الدفع وفي الموضوع في آن واحد، وعلى هذا الأساس فإن القرار بضم الدفع إلى الموضوع لا يكون منه للنزاع، وتبعاً لذلك لا يجوز الطعن فيه حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.