التماس إعادة النظر بسبب ثبوت صحة المحرر
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
حدد قانون المرافعات اليمني في المادة(304) حالات التماس إعادة النظر في الإحكام القضائية وذلك على سبيل الحصر, ولكن قد يكون سبب الالتماس هو ثبوت صحة محرر بعد صدور الحكم الملتمس فيه كان قد تم إبرازه إمام المحكمة قبل اصدار الحكم إلا إن الخصم الآخر افاد بعدم صحة ذلك المحرر في إثناء المحاكمة فعجز الخصم المتمسك بالمحرر عن إثبات صحته فصدر الحكم في غير صالح الخصم صاحب المحرر, وبعد صدور الحكم استطاع الخصم المتمسك بالمحرر ان يثبت صحة ذلك المحرر المؤثر في الحكم , وهذه المسالة تثير إشكالية في تكييف هذا السبب هل يعد من قبيل حالة الالتماس(حصول الخصم على أوراق قاطعة في الدعوى كانت لدى الغير دون علم الملتمس بها أو كان خصمه قد احتجزها أو حال دون تقديمها )حسبما ورد في الفقرة (4) من (304) مرافعات أم إن ذلك يكون من قبيل الغش كحالة من حالات الالتماس المذكورة في الفقرة (1) من المادة (304) ومن هذا المنطلق جاءت فكرة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/11/2016م في الطعن الشخصي رقم (57020)السنة 1438ه و تتلخص وقائع القضية التي فصل فيها الحكم محل تعليقنا في إن احد الأشخاص أوصي لإحدى بنتيه بموضع زراعي وبعد وفاة الاب الموصي نازعت ابنته الأخرى مدعية بان الوصية لوارث لا تجوز الإبإجازة الورثة بعد وفاة المورث فتدخل احد القضاة للإصلاح بين الأختين ,حيث قامت الأخت الموصي لها بدفع مبلغ معين لأختها الأخرى مقابل إجازتها لتلك الوصية وبالفعل تمت الإجازة ,وبعد حين صار الموضع الزراعي من ضمن أحياء أهم مدينة في اليمن حيث صار ثمن تلك الأرض هائلا, فعندئذ تجدد النزاع فيما بين الأختين فقامت الأخت غير الموصى لها برفع دعوى إمام المحكمة المختصة مطالبة بنصيبها من تلك الأرض باعتبارها تركة لوالدهما لان الوصية لوارث لا تجوز شرعا وقانوناً, وبعد المحاكمة أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها الذي قضى بأحقية الأخت المدعية بنصف تلك الارض ,فقامت الاخت الموصى لها بالطعن بالاستئناف وامام محكمة الاستئناف قدمت الاخت الموصى لها صورة من اتفاقية التسوية فيما بين الاختين المتضمنة إجازة الاخت المستأنف ضدها للوصية بمقابل وعندئذ افادت الاخت المسئانف ضدها بان هذه الاتفاقية مزورة وطلبت من اختها المستأنفة ابراز الاصل فلم تستطع المستأنفة تقديم الاصل فقامت الاخت الموصى لها بإحالة المحرر المدعى بتزويره إلى النيابة العامة وتعذر حضور القاضي كاتب المحرر إلى النيابة لمرات عدة وقبل ان تتصرف النيابة في موضوع التزوير قامت محكمة الاستئناف بالحكم بتأييد الحكم الابتدائي وبعد ذلك قامت الأخت الموصى لها بالطعن في النقض بالحكم ألاستئنافي وبعد ذلك قامت الاخت الموصي لها بعرض صورة الاتفاقية المتضمنة اجازة الوصية على النيابة العامة للتحقيق فيها فقامت النيابة العامة باستدعاء القاضي الذي كتب بخطه الاتفاقية المشار اليها حيث حضر القاضي بعد محاولات كثيرة لإحضاره ,وعند حضوره أقر امام النيابة العامة بان الخط خطه والتوقيع هو توقيعه وان ما تتضمنه الاتفاقية صحيح تم برضاء الأختين وبموجب ذلك أصدرت النيابة العامة قراراً بأن لأوجه لإقامة الدعوى الجزائية وان المحرر سليم من التزوير وصحيح ,فقامت الاخت الاخرى باستئناف القرار فأيدت محكمة الاستئناف ذلك القرار فقامت الأخت الموصى لها بالتماس اعادة النظر امام الدائرة الشخصية التي سبق لها ان أصدرت الحكم الملتمس فيه على اساس ان اختها الملتمس ضدها قد قامت بالغش حينما قالت بان مذكرة الاجازة مزورة وارفقت الملتمسة بالتماسها قرار النيابة العامة بان الاوجه لإقامة الدعوى وحكم الاستئناف المؤيد له ,وعند نظر الدائرة الشخصية للالتماس المشار اليه حكمت بأنه(من خلال مطالعة الدائرة الشخصية لملف طلب التماس إعادة النظر وما اشتمل عليه من احكام صادرة في القضية وعلى حكم الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا محل التماس وجدت الدائرة ان طلب الالتماس في محله لأن حكم محكمة الاستئناف في القضية الشخصية السابق كان معلقاً على نتيجة دعوى التزوير في المحرر الصادر عن القاضي وقد أحيل هذا المحرر إلى النيابة العامة للتحقيق في دعوى التزوير وصدر قرار من النيابة بانه لا يوجد تزوير فقد حضر القاضي المذكور واقر بتوقيعه وخطه وذلك مما يؤدي إلى بطلان الحكم الاستئنافي المؤيد من المحكمة العليا , وعليه فان الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا نظرت طلب الالتماس وناقشته وبعد المداولة اصدرت حكمها الاتي:
1- قبول طلب الالتماس المقدم من الملتمسة موضوعاً لقيام اسبابه القانونية.
2- إعادة ملف القضية إلى محكمة الاستئناف لنظر القضية مجدداً وفقاً لما أشرنا إليه في هذا الحكم.
إعلان منتصف المقال
3- إعادة الكفالة إلى الملتمسة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية الغش الذي يكون سبباً من أسباب التماس إعادة النظر:
ذكرنا فيما سبق أن الملتمسة في التماسها ذكرت إن سبب التماسها هو الغش من قبل الملتمس ضدها وذلك يقتضي الإشارة بإيجاز بالغ إلى الغش كسب من أسباب الالتماس حتى نقف على ما اذا كان ثبوت صحة المحرر بعد صدور الحكم يندرج ضمن حالة الغش كحالة من حالات الالتماس, وفي هذا الشأن ذكرت المادة (304) مرافعات الغش من ضمن حالات التماس إعادة النظر فنصت على انه (اذا تبين للمحكوم عليه بعد صدور الحكم وقوع غش من خصمه كان من شانه التأثير في الحكم) والغش :هو العمل الاحتيالي الصادر من الخصم الذي يؤدي إلى تضليل المحكمة ,فالغش يشتمل على انواع التد ليس مثل سرقة مستندات الخصم والعمل على عدم وصول الإعلان إلى الخصم والاتفاق مع وكيل الخصم للإضرار بالخصم ورشوة الشهود وتلقينهم ,ويشترط في الغش كسبب من اسباب التماس إعادة النظر ان يكون الغش صادرا من الخصم المحكوم له أو من يمثله وان يستعمل الغش في مواجهة المحكوم عليه وان يكون الغش خفياً على الملتمس ,بمعنى ان لا يكون الخصم علما بالغش في اثناء الخصومة ,الا انه لا يعد من قبيل الغش الحيل القانونية التي يتوسل بها الخصم اثناء المرافعة كالإصرار على ابراز اصل المحرر ,ومن خلال ما تقدم في هذا الوجه نجد ان ثبوت صحة المحرر بعد صدور الحكم لا يعد من حالات الغش الا اذا كانت الملتمس ضدها قد سرقت أصل المحرر.
الوجه الثاني: ما إذا كان ثبوت صحة المحرر من قبيل حالة حصول الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى:
تضمنت المادة (304) مرافعات حالات التماس اعادة النظر ومن ضمنها الفقرة (4)التي نصت على انه (اذا حصل الملتمس بعد صدور الحكم على اوراق قاطعة في الدعوى كانت لدى الغير دون علم الملتمس بها أو كان خصمه قد احتجزها أو حال دون تقديمها) ومن خلال استقراء هذا النص نجد ان يشترط لتطبيق وتحقيق هذه الحالة من حالات الالتماس ان تكون الأوراق قاطعة في الدعوى بحيث انه لو تم تقديمها امام المحكمة لتغير حكم المحكمة ,كما يجب ان تكون الأوراق مكتوبة ولذلك فالتسجيلات الصوتية او المرئية لا تعد من قبيل الأوراق المذكورة في النص ,كما يشترط ان يكون الخصم قد حجز الاوراق وان يكون الحجز مادياً, فالسكوت لا يكفي فاذا كان عدم تقديم الأوراق بسبب اهمال الملتمس او فعل الغير فلا تتحقق حالة الالتماس هذه, ويشترط ان لا تكون الأوراق في ملفات الجهات الحكومية وغيرها ويكون الملتمس يعلم بها و يستطيع الحصول عليها, كما يشترط ان لا يكون الملتمس عالماً بوجود الورقة تحت يد خصمه فاذا كان عالما ولم يطلب تقديمها فلا يقبل الالتماس ,كما يشترط ان يكون حصول الملتمس على الأوراق بعد صدور الحكم المتلمس فيه, ومن خلال ما تقدم في هذا الوجه وعند تطبيق هذا المفهوم على الالتماس الذي فصل فيه الحكم محل تعليقنا نجد ان ثبوت صحة المحرر يكون اقرب عن التطبيق الى حالة حصول الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى وليس حالة الغش, لان المحرر وان كان موجوداً قبل صدور الحكم الا انه لم تكن له قيمة او تأثير الابعد ثبوت صحته, كما انه من المحتمل في الحالة التي فصل فيها الحكم محل تعليقنا ان تكون الملتمس ضدها قد قامت باحتجاز اصل المحرر او حالت دون الحصول عليه او حالت دون حضور القاضي كاتب المحرر الى النيابة لمعرفة حقيقة المحرر وصحته ,والله اعلم.