(سلطة الفرد العادي في التعرض المادي للأشخاص)
تمهيد: ان حرية الفرد الشخصية من الحقوق التي تعني بها التشريعات فتنظمها في صلب دساتيرها وتجرم المساس بها الا في الأحوال التي نص عليها القانون وقد نص دستور الجمهورية اليمنية في المادة (47) فقرة (ب) بقولها(ب- لا يجوز القبض على أي شخص أو تفتيشه أو حجزه إلا في حالة التلبس أو بأمر توجبـه ضرورة التحـقيق وصيانة الأمن يصدره القاضي أو النيابة العامة وفقًا لأحكام القانون، كما لا يجوز مراقبـة أي شخص أو التحري عنه إلا وفقـاً للقانون.)
كما تضمن قانون الإجراءات الجزائية بعض النصوص التي اكدت هذا الحق وابانت الأحوال التي يجوز فيها المساس بحرية الفرد والقبض عليه او حبسه احتياطيا اثناء التحقق الابتدائي.
ذلك أنه لا يضير العدالة افلات مجرم من العقاب بقدر ما يضرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بدون وجه حق ولذلك يجب علينا ان نعرف القبض وشروطه وحدوده ونميز بينه وبين غيره من الإجراءات التي تتشابه معه والتي ممكن أن يقوم بها الأشخاص من غير رجال الضبط القضائي .
مرجع قانون الأجراءات الجزائية
اليمني د/ محمد شجاع الدين ص 276
اولا : المقصود بالقبض
عرفت المادة (70 – أ-ج) القبض بأنه :(القبض هو ضبط الشخص وإحضاره أمام المحكمة أو النيابة العامة أو مأموري الضبط القضائي في الحالات المنصوص عليها قانونا ويكون بموجب أمر صادر من الآمر بالقبض ممن يملكه قانونا أو شفويا إذا كان الشخص الآمر حاضرا أمامه ويترتب على ذلك حرمان المقبوض عليه من حريته حتى يتم التصرف في أمره.)
ثانيا : القبض والتعرض المادي :
التعرض المادي : هو أجراء يستهدف منه مجرد الحيلولة بين شخص – صدر امر بحضوره إلى النيابة العامة أو المحكمة أو مطلوب القبض عليه أو ارتكب جريمة مشهودة – وبين الفرار وهدفه ينحصر في مجرد احضار هذا الشخص وتسليمه للسلطات المختصة ويشبه التعرض المادي القبض في أن كلا منهما ينطوي على تقييد لحرية الشخص ولكنهما يختلفان من حيث الطبيعة فالقبض من اجراءات التحقيق يخوله القانون للنيابة العامة ولمأمور الضبط القضائي في حالة الجريمة المشهودة اما التعرض المادي فهو إجراء تستلزمه الضرورة لعدم وجود من لهم سلطة القبض في مكان الجريمة.
وقد خول الشارع التعرض المادي لكل فرد عادي حيث نص في المادة (108) أ-ج :
على انه (لأي شخص الحق في إحضار المتهم بارتكاب جريمة وتسليمه إلى أقرب رجل من رجال السلطة العامة في الأحوال الآتية:ـ
1ـ إذا صدر إليه أمر من المحكمة أو النيابة العامة.
2ـ إذا طلب القبض عليه بواسطة الإعلان أو النشر ممن يملكه قانونا طبقا للقواعد المقررة في هذا الشأن.
3ـ إذا كان المتهم قد قبض عليه ثم فر أو حاول الفرار.
إعلان منتصف المقال
4ـ إذا رؤي المتهم والجريمة مشهودة.
5ـ إذا كان قد حكم عليه بعقوبة مقيده للحرية)
ثالثا : شروط احضار المتهم وتسليمه لرجال السلطة العامة
أجاز قانون الإجراءات الجزائية لأفراد الناس في بعض الحالات إحضار المتهم بارتكاب جريمة وتسليمه إلى أقرب رجل السلطة العامة مادة(108- أ-ج)
وما يقوم به هؤلاء الأشخاص يتجاوز حد الاستيقاف لأنه قد ينطوي على اكراه المتهم على مصاحبة غيره والتوجه معه إلى مكان معين لا لمجرد التحقيق من شخصيته وإنما لسماع أقواله في جريمة نسبت إليه .
غيران هذا الأجراء لا يرقى في الاصطلاح القانوني إلى درجة القبض لأن القبض إجراء من إجراءات التحقيق وليس للأفراد ولا لرجال السلطة العامة إطلاقا ان يباشروا أيا من إجراءاته ويفضل استعمال تعبيرات تفي بالغرض من هذا الأجراء كما يشترط لصحته توافر حالة من الحالات التي حددها المشرع في المادة (108- أ-ج) على سبيل الحصر .
المرجع السابق ص 287
رابعا : ما هو الأجراء المخول للفرد العادي:
اختلف فقهاء القانون الجنائي بشأن المصطلح المستخدم للدلالة على هذا الأجراء فيعبر بعض الفقه عن هذا الأجراء باستخدام مصطلح ( القبض المادي ) تمييزا له عن ( القبض القانوني ) الذي يباشره مأمور الضبط القضائي وفي تبرير ذلك يشير البعض إلى ان مضمون هذا الأجراء عملا هو تقييد حرية المتهم باقتياده إلى أقرب رجل من رجال السلطة العامة واقتياده المتهم على هذا النحو لتسليمه يفترض ضمنا لكي يمكن تنفيذه عملا، قهر كل مقاومة قد تحدث من الجاني ودفع العنف الذي قد يبدوا منه بالقوة إذا اقتضى الأمر ،صحيح ان احضار المتهم و تسلميه قد لا يتطلب عنفا بل مجرد المصاحبة والاقتياد و لكنه قد يحتاجه عملا - وهو الأغلب إلى استخدام العنف لقهر المقاومة التي قد تصدر من جانب المتهم ولذلك فمن المستحسن تسميته ( بالقبض المادي ) وربما يكون السبب الرئيسي بين الأجراء الذي نحن بصدده وبين إجراء ( القبض ) المخول لمأموري الضبط القضائي .وبالتأكيد على أن الأمر لا يعدو كونه تعرضا ماديا فحسب وهو ما اخذ به القانون اليمني .
وعلى كل حال وايا كان المصطلح المستخدم للدلالة على هذا الأجراء فهو ينطوي على مساس بالحرية الفردية للشخص الخاضع له الامر الذي يقتضي تحديد الطبيعة القانونية .
مرجع/المساهمة الشعبية في اقامة العدالة الانتقاليةص110
خامسا : الطبيعة القانونية للتعرض المادي :
يحدث الاقتياد المادي بعد وقوع الجريمة مباشرة وقبل ان تصل إلى علم السلطات العامة فالفرض في هذا الإجراءات ان يشاهد فردا عاديا المتهم في حالة تلبس ودون ان يكون حاضرا أحد مأموري الضبط القضائي أو أحد رجال السلطة العامة او احد رجال السلطة العامة، ويذهب بعض الفقه الى ان ما يسمى بالتعرض المادي هو في حقيقته قبض لأنه يتضمن تقييدا لحرية المتهم من الحركه والتجول واقتيادة إلى أقرب مأمور ضبط قضائي أو رجل سلطة عامة حسب الأحوال وهذا الاقتياد قد يقتضي استعمال القوة لتحقيق الغرض منه إذا ما حاول المتهم الهرب ، وأما القبض فهو إجراء من إجراءات التحقيق والحقيقة ان الاقتياد المادي , كما هو واضح من اسمه – هو محض اجراء مادي تقضيه نظرية الضرورة الإجرائية الناشئة عن حالة تلبس المتهم بالجريمة وبدون ان يكون حاضرا احد ما موري الضبط القضائي أو أحد رجال السلطة العامة إذ الغرض ان المتهم مبتلى بجريمة ويجوز بالتالي القبض عليه بل وقد يكون ذلك متعينا من حيث اعتبارات الملائمة ولكن لا يوجد مأموري الضبط الذي يستطيع مباشرة القبض فيحل محله على وجه مؤقت وعارض – الفرد العادي أو رجل السلطة العامة وبعابره اخرى على حد قول بعض الفقه الراجح أن احضار الأفراد ورجال السلطة – من غير مأموري الضبط القضائي –الجاني المتلبس بالجريمة تعتبر من قبيل الوقائع المحضة وليس من قبيل الاعمال الاجرائية فهو ليس عملا قانونيا .
واستناد الاقتياد المادي إلى ( نظرية الضرورة الاجرائية ) يجعل نطاقه واثاره محصورين في النطاق الذي تفتضيه حالة الضرورة، فالقاعدة الفقية تقول بان الضرورات تبيح المحظورات .ولأن الضرورة تقدر بقدرها لذا ينحصر الهدف من هذا الاجراء في مجرد تسليم المتهم إلى اقرب أفراد السلطة العامة الذي يقوم بدوره بتسليم المتهم إلى أحد مأموري الضبط القضائي فلا يجوز للفرد العادي ان يثبت بتسليم إلى النيابة العامة وإلى مأمور الضبط القضائي.
والهدف من هذا الأجراء هو منع المتهم من الهروب حتى التحقق في شخصيته وحتى يتمكن مأموري الضبط القضائي من إثبات الواقعة وظروفها ولذلك يرى بعض الفقه انه إذا لم تكن هناك خشية من فرار المتهم فليس هناك ما يبرر الإمساك به وينبغي تركه لحال سبيله متى تم التحقق من شخصيته .
انتهي؛