تحليل وشرح تفصيلي عن الفرق بين جريمة القذف وجريمة السب
للتفرقة وبدقة بين القذف والسب فاننا سنقوم بتعريف القذف والسب وبيان ألفاظ القذف وشروطه ثم بيان الفرق بينهما
1- تعريف القذف:-
أ): تعريف القذف في قانون العقوبات اليمني:
نصت المادة (289) من قانون الجرائم والعقوبات بقولها ( كل من قذف محصناً بالزنا أو بنفي النسب وعجز عن إثبات ما رماه به يعاقب بالجلد ثمانين جلدة حداً).
ب): تعريف الفقه الإسلامي للقذف:
القذف في اللغة: الرمي.
وفي اصطلاح الفقهاء : نسبة من أحصن إلى الزنا صريحاً أو دلالة وإنما سمي اتهام المسلم المحصن قذفاً لأن الناطق بهذه الكلمة كالفاحشة(الزنا) يقذفها كما يقذف الحجر في حالة غضب لا يدري أصابته في طريقها من محصنة بريئة وأبيها وأمها، وأختها، وأخيها، وزوجها، عشيرتها وذويها كل أولئك قد نالهم ضرر من قذيفته الطائشة وهو غافل لا يدري من الآم هؤلاء شيئا ويسمى "فريه" لأنه من الافتراء والكذب .
الفقه على المذاهب الأربعة/د.عبدالرحمن الجزيري- صـ158
كما عُرف القذف في كتاب التاج المذهب الجزء الرابع صـ223 بما يلي:
القذف لغة الإلقاء ومنه قوله تعالى ( بل يقذف بالحق على الباطل).
واصطلاحاً إلقاء الفاحشة من شخص مخصوص على شخص مخصوص مع شروط (وقت ثبت) على شخص أنه قاذف لغيره فإنه يحد.
2- ألفاظ القذف:
ألفاظ القذف تنقسم إلى ثلاثة أقسام صريح ، وكناية وتعريض واتفقا الفقهاء على أن الحد يقام باللفظ الصريح كأن يقول يا زانية أو زنيت أو زنا قبلك أو دبرك ولو قال زنا بدنك فيه وجهان احدهما كناية كقوله ( زنت يدك لأن حقيقة الزنا من الفرج فلا يكون من سائر البدن إلا المعونة والثاني وهو الأصح أنه صريح لأن الفعل إنما يصدر من جملة البدن والفرج آله في الفعل) وأما الكنايات فمثل أن يقول يا فاسقة يا فاجرة يا خبيثة يا مؤاجرة يا ابنة الحرام أو امرأتي لا ترد يد لامس وبالعكس فهذا لا يكون قذفاً فلا يحد إلا أن يريده فإن قال لم أقصد به القذف بالزنا وكذبه المقذوف فالقول قوله مع يمينه ويجب على الإمام أن يعززه بما يراه لأنه قد أذاه بذلك وألحق به الشين ولأن الحدود لا تثبت بالقياس أما التعريض فقد اختلف فيه الفقهاء فالحنفية والشافعية في احد آرائهم قالوا لا يجب الحد في التعريض وإن نوى القذف وذلك مثل أن يقول : ابن الحلال أما أنا فما زنيت أنا معروف النسب ليست أمي زانية ابحث عن أصلك أنا عفيف الفرج لان التعريض بالقذف محتمل القذف وغيره فوجب ان لا يحد لأن الأصل براءة الذمة فلا يرجع عنه بالشك وإنما يجب التعزير فقط ،لان قذف غير المعين لا يحصل به أذى كبير للناس لأن كل واحد يقول المراد بذلك غيري ولأن الاحتمال الذي في الاسم المستعار شبهة والحدود تدرأ بالشبهات .
المالكية: قالوا يجب إقامة الحد في التعريض مطلقاً نوى به القذف أو لم ينو وذلك لأنه لا يخلو من قصد أحد بذلك في نفسه فنأخذ له حقه منه وإن كنا لا نعلم ذاته تطهيراً لذلك القاذف من هذه العادة وتربية لنفسه الخبيثة وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله يضرب بالحد في التعريض روى أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أحدهما للآخر :( والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فاستشار عمر الناس في ذلك فقال قائل مدح أباه وأمه وقال آخرون قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا فجلده ثمانين جلده) ولأن الكناية قد تقوم بعرف العادة مقام النص الصريح وإن كان اللفظ فيها مستعملاً في غير موضعه والتعريض خاص بالأكابر من أهل الدنيا الذين يراعون ناموسهم عند الخلق.
مرجع سابق- فقه المذاهب الأربعة-صـ160
السؤال الذي يطرح نفسه هل يشترط أن يكون القذف بلفظ صريح لقيام الحد أم حتى وأن كان اللفظ كناية؟.
ورد في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المجلد الخامس تأليف الإمام علاء الدين أبي بكر مسعود الكاساني الحنفي – ط1998- صـ501.
أن القذف يكون بصريح الزنا وما يجري مجرى الصريح وهو نفي النسب فإن كان بالكناية لا يوجب الحد لأن الكناية محتملة والحد لا يجب مع الشبهة فمع الاحتمال أولى وبيان هذه الجملة في مسائل إذا قال الرجل: يا زاني أو قال زنيت أو قال أنت زان يحد لأنه أتى بصريح القذف بالزنا ولو قال يا زانيء بالهمز أو زنأت بالهمز يحد ولو قال عنيت به الصعود في الجبل لا يصدق لأن العامة لا تفرق بين المهموز والملين وبالتالي فإن أي لفظ غير لفظ الزنا كما فهم من الأمثلة الواردة في كتاب بدائع الصنائع وهي الألفاظ الغير الصريحة فإنها لا توجب حد القذف ويمكن الرجوع اليها من صـ501- 505.
وهناك اختلاف بين الفقهاء بين اعتبار لفظ التعريض هل يوجب الحد أم لا وتم سرد أراء الفقهاء في هذه المسألة في مسألة ألفاظ القذف سابقا.
3- الشروط التي يثبت بها القذف:
وأما الشروط التي يثبت بها حد القذف إذا اجتمعت فهي تسعة وهي كالتالي:
الأول: قذف "معين" فلو قال لشخص أحدكما زان يحد.
الثاني:قذف حر فلو قذف عبداً أو أمة لم يحد بل يعزر.
الثالث: قذف مسلم ويستمر إسلامه الى وقت الحد لأن الكافر لا يحد قاذفه سواء كان حربيا أم ذمياً.
الرابع:كون المقذوف غير أخرس لأن حد القذف إنما وجب على القاذف لإيجابه على المقذوف حداً والأخرس لا حد عليه فكذا لا حد على قاذفه بل يعزر.
الخامس: قذف عفيف في الظاهر من الزنا وتستمر العفة إلى وقت الحد فلو كان غير عفيف من الزنا بشهره أو شهادة أربعة وهو احدهم فلا حد على قاذفه بل يعزر.
السادس: أن يقذفه بزنا في حال يوجب الرمي( الحد) على القاذف لأجل قذفه لان حد القذف إنما يجب على القاذف إذا قذفه بالزنا سواء كان مفعولاً به أم فاعلاً فلو قذفه بغير الزنا من سائر المعاصي ولو كفراً أو قال له يا قواد لم يحد القاذف.
السابع:أن يكون القاذف ( مصرحاً أو كانياً) فليزم الحد مطلقاً سواء اقر بقصده أم لا لأن حكم الكناية في القذف حكم الصريح يحصل بها من الغضاضة والنقص ما يحصل بالصريح ولا فرق بينهما إلا في اللفظ فقط فالصريح مثل ان يقول يا زاني أو يا زانية ، أما الكناية نحو أن يقول لست ابن فلان لمشهور النسب أو يا ولد الحرام ولا فرق في الكناية وقعت في حال الرضا أم في حال الغضب لأنه يحد بها كما يحد بالصريح أو يكون القاذف معرضا بقذفه غير مصرح وهو ما لا يقتضي الزنا لغة ولا عرفاً بل يحتمله ويحتمل غيره مثل أن يقول يا ولد الحلال أو لست بابن زانية أو لست أنا بزان فإنه يكون قاذفاً ولو بالفارسية أن ( اقر بقصده) أنه أراد الرمي بالفاحشة وأن لم يقر فلا حد ولزمه التعزير إذا كان يقتضي الذم.
الثامن: وهو حيث لم تكتمل البينة عدداً فإن كمل عددهم أربعة ولو كان القاذف احدهم وهم عدول تقدمت شهادتهم على القاذف أم تأخرت سقط الحد عن القاذف وحد المقذوف مع كمال الشروط وأن كان الشهود غير عدول ولو كفاراً أو فساقاً فهما كمل عدد الشهود لأن المقذوف قد صار غير عفيف في الظاهر ولا حد عليه حيث لم تكتمل عدالتهم.
التاسع: قوله ( وحلف المقذوف يعني لا يحد القاذف إلا إذا حلف المقذوف مازنى ( أن طلب) القاذف تحليفه فإن لم يطلب اليمين منه لم يلزمه الحلف ويصح أن يحلفها الوارث إذا طلب لليمين فمتى كملت هذه الشروط التسعة ( جلد القاذف) المختار ( المكلف).
التاج المذهب – الجزء الرابع-صـ224-226
4- تعريف السب:-
مادة(291)من قانون العقوبات عرفت السب بقولها:
(السب هو إسناد واقعة جارحة للغير لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه وكذلك كل إهانة للغير بما يخدش شرفه أو اعتباره دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة إليه)
وبعد التعرف على تعريف القذف وألفاظه وشروطه وكذا تعريف السب فإن الفروق بينهما على النحو التالي:-
وبعد التعرف على تعريف القذف وألفاظه وشروطه وكذا تعريف السب فإن الفروق بينهما على النحو التالي:-
الإسناد في الأسباب هذا هو الركن الذي يميز السب عن القذف عند شراح القانون القذف لا يكون إلا بإسناد واقعة معينة بزمان ومكان وظروف خاصة أو على الأقل معينة بنص التعيين، أما السب فلا يكون بإسناد واقعة معينة بل يكون بإسناد عيب بغير تعيين وقائع أو بتوجيه عبارات تخدش الشرف أو الاعتبار، أما العيب المعين فيراد به كل ما نقص في صفات المسند اليه أو أخلاقه أو سيرته فيمن يقول عن آخر لص أو مزور أو نصاب أو سكير أو فاسق أو ماجن فإنه يسند إليه بذلك عيباً معيناً .
وأما العبارات التي تخدش الناموس الاعتبار فهي كل عبارة تمس شرف المجني عليه أو تحط من كرامته وهذا المعنى على إطلاقه يدخل فيه إسناد العيوب المعينة ولكنه يخدش الناموس أو الاعتبار بغير إسناد عيب معين كمن يقول عن آخر أنه حيوان ويدخل في هذا إسناد عيوب غير معينة كمن يقول لآخر أنه أسوأ خلق الله ويأخذ حكم السب الخادش لاعتبار كل دعاء الغير بشر كالدعاء بالموت أو الهلاك وكما يكون السب بألفاظ أو عبارات صريحة يجوز أيضا ان يكون بالكتابة ويجب أن يكون السب موجهاً إلى شخص أو أشخاص معينين أو ممكن تعيينهم.
شرح قانون العقوبات/ عبدالحميد الشواربي- طـ1991م- صـ 244-245.
أما الفقهاء فقد سكتوا عن بيان الفروق بين القذف بنوعيه ( قذف يحد عليه القاذف وقذف يعاقب عليه بالتعزير ويلحق بهذا النوع السب والشتم فيهما التعزير أيضاً ) وبين السب والشتم ولكن الظاهر من تتبع أقوالهم وأمثلتهم في أبواب الزنا والقذف أنهم يعتبرون القول قذفا إذا رمى القاذف المجني عليه بواقعة تحتمل التصديق والتكذيب ويمكن إثباتها بطبيعتها كالرمي بالزنا والرشوة ويعتبرون القول سباً إذا كان ما رمي به المجني عليه ظاهره الكذب ولا يقبل الإثبات بالعكس كما لو قال شخص لآخر يا كلب يا حمار أو قال لبصير يا أعمى فرمى الإنسان بأنه كلب أو حمار ورمى البصير بأنه أعمى هو قول ظاهره الكذب ولا يقبل بداهة إثبات صحته ، وهناك قاعدة شرعية في إثبات القذف والسب و هي (ان من رمى إنسانا بواقعة أو صفة محرمة وجب عليه ان يثبت صحة ما رماه به فإن عجز عن إثباته أو امتنع وجبت عليه العقوبة) ،أما من سب إنسانا أو شتمه فعليه العقوبة وليس له الحق في إثبات صحة ما قال لأن ما قاله ظاهره الكذب ولا يمكن إثباته بطبيعة الحال إما من رمى شخصاً بما ليس معصية فلا يعفيه صحة القذف من العقاب لأنه بالرغم من صحة قوله أذى المقذوف والإيذاء محرم في الشريعة الإسلامية و لكن لان ما قذف به لا تحرمه الشريعة ولا تؤخذ عليه فلا يصح أن يعزر به.
تم بحمد الله/