((عدم ولاية القائم بأعمال رئيس النيابة في التصرف في التحقيق في الجرائم الجنائية الجسيمة)).
---------------------------------
القرار بأن لاوجه لإقامة الدعوى الجزائيه مظهرا من مظاهر التصرف في التحقيق، وحينما ينصب التحقيق على واقعه جنائية جسيمة فإن سلطة التصرف فيه - وإن كانت محصورة في جانب النيابة العامه كهيئة عامه - الا أن سلطتها وإختصاصها في هذا التصرف محكوم قانونا بقاعدتين أساسيتين:
•الأولى: قاعدة الإختصاص الأصيل للنائب العام.
فالتصرف في التحقيق بالإحالة أو التقرير بان لاوجه من الاختصاصات الذاتيه المسنده للنائب العام وفقا لما نصت عليه الماده(116) من قانون الاجراﺀات الجزائيه بقولها: ((يتولى النائب العام سلطة التحقيق والإدعاﺀ وكافة الاختصاصات التى ينص عليها القانون...)).
وبذلك تبقى الولايه للنائب العام في التصرف في التحقيق فهو صاحب الاختصاص الاصيل في ان يقرر احالة المتهم للمحكمه أو التقرير بان لاوجه لاقامة الدعوى الجزائيه.
•الثانيه: قاعدة الإستثناﺀ في القضايا الجسيمة.
فالقانون منح النائب العام - إستثناﺀً - سلطة تفويض أعضاﺀ النيابه للتصرف في التحقيق في القضايا الجنائيه الجسيمة ويكون التفويض بقرار يصدره النائب العام وفقا لما نصت عليه الماده(217) إجراﺀات جزائيه بقولها: ((...ولايثبت لهم سلطة التصرف بالنسبة للجرائم الجسيمه إلا وفقا للسلطه التي يخولها النائب العام لأعضاﺀ النيابة العامه على مختلف درجاتهم بقرار يصدره بهذا الصدد.....)).
وإستنادا للسلطة المخوله للنائب العام في اصدار التعليمات المنظمه لسير العمل في النيابة العامه فقد أوكل النائب صلاحيات التصرف في التحقيق في القضايا الجسيمه لرؤساﺀ النيابة العامة ويترتب على ذلك التفويض نتيجة قانونية مؤداها ان القرار بأن لاوجه لاقامة الدعوى الجزائية في القضايا الجسيمة لاينتج اثره الا متى كان صادرا من رئيس النيابه المختص وتحت توقيعه، وتبقى الإشكالية القانونية محصورة في غياب رئيس وحلول من يقوم بأعماله من اعضاﺀ النيابة فهل يملك القائم بالاعمال اصدار القرار بان لاوجه والتوقيع عليه بصفته قائما بالأعمال؟ والإجابة على السؤال تتوقف على تحديد مصدر تكليف عضو النيابة للقيام بأعمال رئيس النيابة وسنكون امام فرضين:
الفرض الاول:
ان يكون القائم بالاعمال مكلفا بذلك من النائب العام وفي هذه الحالة سيكون القائم بالاعمال مخولا باصدار القرار بان لاوجه عن طريق التفويض الصادر له من صاحب الاختصاص الاصيل وهو النائب العام ولا مشكلة في ذلك.
الفرض الثاني:
إعلان منتصف المقال
أن يكون القائم بالاعمال مكلفا من رئيس النيابة وفي هذه الحاله سيكون القرار بان لاوجه باطلا - إن لم يكن منعدما - لصدوره من غير ذي ولاية لسببين قانونين:
-السبب الاول: أن الإختصاص محصور في رئيس النيابة دون غيره.
فالتفويض الذي اصدره النائب العام لرؤساﺀ النيابة مقيدا في رئيس النيابة وفقا لمانصت عليه الماده(249) من تعليمات النائب العام بقولها:
((لرئيس نيابة الاستئناف دون غيره من الأعضاﺀ التصرف في القضايا الجسيمه سواﺀ بالامر بتقديمها الى المحكمه او الامر بعدم وجود وجه لاقامة الدعوى الجزائية فيها)).
وبهذا يكون التفويض قد جعل الاختصاص محصورا في جانب رئيس نيابة الاستئناف ومجردا له من سلطة تفويض غيره من الاعضاﺀ المستفاد من عبارة(دون غيره من الاعضاﺀ).
-السبب الثاني : أن رئيس النيابة يستمد اختصاصه من التفويض الصادر من النائب العام وليس من نص القانون.
وطالما كان التفويض مصدرا للتصرف في التحقيق في الجرائم الجسيمة وكان رئيس النيابة في مركز المفوض اليه فإن هذا الأخير لا يملك تفويض غيره فيما أوكل إليه وفقا للقواعد العامة في التفويض والحلول وفي هذا المعنى تؤكد الاستاذة الدكتوره/ شروق اسامه عواد في كتابها: النظريه العامة للتفويض الطبعه الأولى 2009م ص(523):
((يجب لصحه التفويض في الاختصاص أن يكون الإختصاص المفوض به من الإختصاصات الأصليه للمفوض وليس من الإختصاصات الذي يمارسها بالتفويض وذلك تأسيسا على أن التفويض في الإختصاص استثناﺀ من مبدأ الممارسه الشخصية للإختصاص، لذلك لا يجب للمفوض اليه إعادة تفويض ما فوض فيه وإلا أعتبر متجاوزا لحدود إختصاصه وصار تصرفه باطلا...)).
واذا كان التفويض الفرعي غير جائز في الأعمال الإدارية فإنه يعتبر محظورا في الأعمال القضائية من باب أولى، بإعتبار أن الولاية ركنا أساسيا في العمل القضائي.
وهذا ما يسري على القرار بألاوجه الذي يعتبر عملا قضائيا وصادرا من النيابة وفقا لقواعد الولايه؛ الأمر الذي يجعل القرارات الصادرة من القائم بأعمال رئيس النيابه العامة مشوبه بالبطلان المطلق إن لم يكن الإنعدام جزاؤها المحتوم.
---------------------------------
المحامي/ عبدالعزيز المعلمي