الحماية الخاصة لحقوق المرأة في القانون والقضاء المدني
إن القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية كغيره من قوانين الدول العربية التي استمدت قوانينها من الفقه الإسلامي حرصت على كفالة المرأة في استقلالية الذمة المالية عن ذمة الأسرة والزوج من حيث قدرتها على اكتساب الحقوق وإجراء التصرفات المختلفة في أموالها مادامت تتمتع بالأهلية القانونية لاكتساب الحقوق وإجراء التصرفات مثلها مثل الرجل على السواء.
وبالطبع سادت هذه القوانين بين المرأة والرجل من حيث الضمانات المكفولة لحمايتهما من الغبن والضرر، وحماية حقوقها من الحصول على مقابل عملها وسعيها في شتى المجالات ولم تخصها بأي استثناءات على فرض أنها قادرة مثلها مثل الرجل على حماية مصالحها فيما تجريه من تصرفات وعلى فرض أن حقوقها العينية مكفولة من الغصب والتعدي بالإجراءات والقواعد القانونية نفسها الممنوحة لحماية الحقوق العينية للشخص القانوني ذكراً كان أو أنثى.
ولكن ما هو ملاحظ أن القانون القضائي اليمني تضمن قواعد ووسائل حماية خاصة بخلاف السائد في القوانين العربية الأخرى تخص الشخص القانوني ذكراً كان أو أنثى وكانت المرأة الأكثر استفادة من تلك الحماية فصح لنا القول أن المرأة قد حظيت بخصوصية في حماية حقوقها المالية في القانون اليمني والأهم من ذلك أن القانون والقضاء المدني اليمني تضمن قواعد ووسائل حماية خاصة للمرأة اليمنية استثناء من تلك الوسائل المتاحة للرجل تمثلت في كفالة حقها في السعي والكد من تكوين أموال الأسرة من خلال ما هو معروف من الشراكة العرفية بين أفراد الأسرة وكذلك في كفالة حمايتها من الغبن والضرر والتدليس فيما تجريه من تصرفات مالية من خلال وضع قواعد خاصة بشروط صحة تصرفاتها التي تجريها مع أقاربها من ذوي الأرحام وكذلك في حمايتها بإلزام المورث بالمساواة بين أولاده أو بين الورثة في الهبات والعطايا.
هذا ونتناول تلك الوسائل في حلقتين تخصص الحلقة الأولى: لحق المرأة في السعي والكد في تكوين وتنمية أموال الأسرة.
يعتبر حق المرأة في الكد والسعاية من الحقوق التي يقرها القانون المدني ويقرها العرف في بعض الدول المغاربية وتتمثل فيما تستحقه مقابل عملها في تكوين رأس مال الأسرة وتنميته. حيث يلاحظ أن النصوص التي وردت في هذا الشأن أطلقت الحكم ليشمل كل السعاة سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً.
تعريف حق السعاية
هو مقابل السعي أو الكد أي مقابل العمل سواء من أجل إيجاد رأسمال غير موجود أو تنمية رأسمال قائم مملوك للسعاة أنفسهم أو لبعضهم والزيادة فيه ويطلق على رأس المال المستثمر في القانون اليمني «بالكرمة» وهذه التسمية شائع العمل بها في بعض مناطق اليمن وبعض المناطق تطلق عليها (بالجوزة). وفي البلاد المغاربية يطلق عليها (الدمنة).
عناصر حق السعاية
1- الساعي: وهو كل فرد يسعى ويكد ويبذل الجهد لأجل تكوين رأس مال الأسرة أو تنميته سواء كان ذكراً أو أنثى ولكن هل يجب أن يكون الساعي هو أحد أفراد الأسرة؟ يلاحظ أن المواد لم تحصرها في أفراد الأسرة إلا إذا كان مصدر الشركة هو العرف وليس الاتفاق فيجب في هذه الحالة أن يكون الشريك من أفراد الأسرة أما إذا كان أجنبياً وعمل في الشركة فلا يعامل كشريك مهما كانت المدة التي عمل فيها لدى الشركة بل يعامل كأجير له أجر المثل
2- السعي: وهو العمل والجهد الذي يسهم به الساعي إيجاباً في تكوين رأس مال الأسرة أو تنميته.
3- تكوين رأس مال غير موجود أو تنمية رأس مال قائم فلا يكفي إسهام الشخص بتسيير شؤون الأسرة ليكون له حق في المستفاد فهو لا يكتسب حقاً إلا إذا ساهم بجهده في إيجاد رأس مال غير موجود أو تنمية مال الكرمة وهذا ما يسمى بالمكتسب أي فرق القيمة بين رأس مال الكرمة عند دخول السعاية عليها وتنميتها ويوم استحقها أما أصل الكرمة فلا حق للسعاية فيها إلا إذا كان من ملاكها.
الأصل القانوني والشرعي للحق في السعاية
الأصل في حق السعاية في الفقه الزيدي هو العرف الجاري حيث عد من الأعراف الجائزة شرعاً وهذا ما هو عليه العمل في الفقه المالكي وقد استعيد النص عليه في مدونة القانون المدني اليمني تحت موضوع الشراكة العرفية في المواد (661، 662، 663، 664، 665)، وبهذا يكون أساس العمل به في المجتمع اليمني هو التشريع وأصل مشروعيته هو العرف الشرعي وقد أكد القانون على أنه لا عمل بالعرف الذي يحرم الشخص من سعيه.
التكييف الشرعي والقانوني للحق في السعاية
يلاحظ من قراءة النصوص الخاصة بتنظيم الحق في السعاية الواردة في القانون المدني اليمني والفقه الزيدي تكييف الحق في السعاية وفقاً لأحكام عقد الشركة حيث نظم أحكامها ضمن أبواب الشركة تحت مسمى الشركة العرفية وبذلك فتعد السعاية نوعاً من الشركة والتي تكون المرأة عادة أحد أطرافها. بمقتضى العرف ولو لم يتم الاتفاق على اعتبارها كذلك صراحة حيث تعامل معاملة الشريك وليس الأجير.
إعلان منتصف المقال
تطبيق حق السعاية
ينتج عن السعي ظهور رأس مال ابتداء أو حدوث تنمية رأس مال قائم (المسمى بالكرمة) أضيف عليه الجهد ويتعلق بهذه الزيادة (المسمى بالمستفاد) وحدها حق هؤلاء السعاة فكيف يتم تحديد أموال السعاية؟
هناك قاعدة جوهرية وهي استقلال كل فرد من أفراد الأسرة ذكراً كان أو أنثى وبالتالي كل ما ينفرد بملكيته كل واحد من أفراد الأسرة وتقوم له عليه حجة (ويجب أن يكون سبب اكتسابه ليس سعيه وإنما حصوله عليه بالميراث أو الوصية أو الهبة) فيخرج من مجال مال السعاية لأن مصدر الحصول عليه لا تعلق له بتوظيف رأس مال الكرمة ولا مال السعاية لأن هذا هو محل شراكتهم فقط وبالتالي يقتصر مال السعاية على هذا الأخير الذي يكون مصدره توظيف رأس مال الكرمة أونتاج كد الساعي.
فيعتبر كل ما يكتسبه أحد أفراد الأسرة وهم في إطار الشركة يكون ملكاً للجميع سواء تم اكتسابه من الجميع باسم الجميع أم تم اكتسابه من أحد الشركاء وسواء أضاف الشراء له ولبقية الشركاء أو لم يضف، لأن الغرض أن كلا منهم يكفي الآخر وكل طرف لا يستغني عن خدمات الآخر وكل شريك موكل وكفيل للآخر.
ويبدأ تاريخ احتساب فترة تكوين المال المكتسب بمجرد إضافة الساعي للشغل والكسب عند بلوغه السن القانونية وتنتهي فترة كل ساعٍ بتاريخ انفصاله عن باقي السعاة وإيقاف عمله معهم أو توقفه بالوفاة أو بالطلاق أو الغيبة أو زواج البنت العاملة.
ويلاحظ أن حق السعاية لا علاقة له بالميراث وإن المطلقة أو المتوفي أو من انفصل عن بقية السعاة لا يمنحون بموجب هذا الحق نسبة من الأموال التي اقتناها المورث مدة فترة حياته أو مدة فترة الحياة الزوجية. إذ لو كانت كذلك لمثلت خرقاً فاضحاً لأحكام الميراث ونطاقه وحقوق الملكية وقواعدها، ولكن هذا الحق يتعلق فقط بجزء معين معلوم من الأموال والممتلكات التي شاركت في تنميتها المرأة بعملها ويقسم ذلك المال من حيث الأصل على عدد الرؤوس ولا يفضل أحدهما إلا إذا كان لعمله تأثير زائد أو لما له من وجاهة.
ويصبح هذا الحق ديناً من الديون التي يجب إخراجها من التركة قبل قسمتها.
ويلاحظ أن العرف والشرع قصر هذا الحق على الرجل أو المرأة الذي يمارس عملاً يدر دخلاً يساهم به في تكوين أو تنمية أموال الأسرة فيخرج من ذلك الزوجة أو المرأة التي تقوم بالخدمات المنزلية العادية وطالب العلم المشتغل في الدراسة.
كيفية انقسام الحق في السعاية
يجب التفرقة بين نوعين من الشراكة الأولى عندما يكون للشركة كرمة مال مقدمة من جميع الشركاء ورثها أفراد الأسرة من مورثهم فإن المستفاد الزائد عن الكرمة يقسم بين الكرمة والشركاء كل بحسب تأثيره في المستفاد ما لم يجرِ اتفاق أو عرف بغير ذلك والغالب أن يقسم المستفاد نصفين النصف الأول للكرمة والنصف الآخر للسعاة ويقسم نصيبهم في المستفاد بينهم على عدد الرؤوس.
ويقسم نصيب الكرمة من الكسب بين من قدموها أو ورثوها من الشركاء كل بنسبة حصته فيها.
والنوع الثاني من الشركة وهي عند عدم وجود كرمة بل كان المكتسب من غير فوائد الكرمة ومن أعمالهم أو تجارتهم (وهذه الصورة نادراً ما تكون المرأة شريكاً فيها لأن الغالب أن المرأة ينحصر عملها في مجال تنمية الأموال الزراعية للأسرة ولكن إذا ثبت مشاركتها في المكتسب بعمل تباشره وتشارك في المجال التجاري بأي صورة كانت مشاركتها المهم أن يكون العمل الذي تباشره مكملاً لعمل بقية أفراد الأسرة ويكون له تأثير في تكوين رأس المال وتنميته بحيث أنه لا يمكن أن يتم الاستغناء عن خدماتها) فلا يوجد مانع شرعي وقانوني من مشاركتها في المكتسب وفي هذه الصورة يقسم المكتسب بين الجميع على عدد الرؤوس لا فرق بين والد ووالده ولا بين إمرأة ورجل ولا بين صغير وكبير. ما لم يبلغ الصغير السن القانونية ويجوز تميز أحد الشركاء بقدر تأثيره في المكتسب لوجاهة أو نحوه.
إثبات الشركة العرفية
يتم إثبات الشركة العرفية بإثبات اتفاق أطرافها عليها بشروط أو بمقتضى العرف الجاري وعادة ما يكون مصدر قيام الشركة العرفية بين أفراد الأسرة هو العرف فإذا قام الدليل على قيام الشركة العرفية يفترض اشتراك جميع الشركاء في كل المكتسب سواء كان الشراء من الجميع لمصلحة الجميع أم من بعض الشركاء وسواء أضاف الشراء له ولشركائه أم لم يضف فهذه هي القاعدة ولم تقم لأحدهما حجة باختصاص بعض الأموال المكتسبة من أمواله الخاصة التي لا تعلق لها بتوظيف رأس مال الكرمة ولا كد السعاية بل من أمواله التي اكتسبها بالإرث أو هبة أو وصية أو يقوم الدليل على أنه حصل عليها بعد حصول الانفصال من الشركة.
اعداد الدكتور/ اسماعيل المحاقري