recent
جديد المشاركات

انفساخ العقد بحكم القانون

الحجم
محتويات المقال
 الدكتور عبدالرزاق السنهوري في كتابه الوسيط 

نصت المادة 159 من القانون المدني الجديد على ما يأتي : 
 " في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضي التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه (   ) " .
ويجب أن يقرا مع هذا النص نصان اخران متصلان به أوثق الاتصال ، هما المادتان 373 و215 . 
فالمادة 373 تنص على ما يأتي : " ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه " .
والمادة 215 ، وقد سبق ذكرها ، تنص على ما يأتي : " إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه " .
ونرى من مجموع هذه النصوص أن الالتزام لا ينقضي بسبب استحالة تنفيذه إلا إذا كانت هذه الاستحالة ترجع إلى سبب أجنبي ، وأن العقد لا ينفسخ من تلقاء نفسه بحكم القانون إلا إذا انقضى الالتزام . فالعقد إذن لا ينفسخ إلا إذا استحال تنفيذ الالتزام بسبب أجنبي ، وما لم يثبت المدين هذا السبب الأجنبي بقى ملزماً بالعقد وحكم عليه بالتعويض .
ولم يستحدث القانون الجديد في هذه المسألة شيئاً ، فقد كان هذا هو أيضاً حكم القانون القديم ، إذ نصت المادتان 179 / 242 من هذا القانون على ما يأتي : " إذا انفسخ التعهد بسبب عدم إمكان الوفاء تنفسخ أيضاً كافة التعهدات المتعلقة به بدون إخلال بما يلزم من التضمينات لمستحقيها في نظير ما حصل عليه غيرهم من المنفعة بغير حق . ولا يترتب على الفسخ إخلال بحقوق الدائنين المرتهنين الحسني النية " . 
إعلان منتصف المقال
ويتبين مما قدمناه أن استحالة تنفيذ الالتزام إذا لم ترجع إلى سبب أجنبي بقى المدين ملتزماً بالعقد . أما إذا رجعت الاستحالة إلى سبب أجنبي ، فإن العقد يفسخ من تلقاء نفسه بحكم لاقانون . وسنتعرض كلا من الحالتين . 
488 – استحالة التنفيذ لا ترجع إلى سبب أجنبي : إذا استحال على المدين في العقد الملزم للجانبين تنفيذ التزامه ، ولم يستطيع أن يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه ، فإن المادة 215 تقضي كما أسلفنا بأن المدين يحكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه . وهذه هي المسئولية العقدية التي فصلنا قواعدها فيما تقدم . فالمدين الذي لم ينفذ التزامه يكون قد ارتكب خطأ عقدياً ، وهو لم يثبت السبب الأجنبي فتبقى علاقة السببية مفروضة ، وبذلك تتحقق مسئوليته العقدية على أساس قيام العقد . ويتبين من ذلك أن العقد لم ينفسخ في هذه الحالة ، بل على النقيض من ذلك قد بقى وتأكد وجوده ، إذا أصبح هو الأساس للمطالبة بالتعويض . 
ولكن ذلك لا يمنع من تطبيق قواعد الفسخ القضائي . فالمدائن ، وقد أصبح تنفيذ التزام المدين مستحيلا ، أن يطلب فسخ العقد لعدم وفاء المدين بالتزامه ، بدلا من أن يطلب التعويض على أساس المسئولية التقصيرية . وفي هذه الحالة لا يسع القاضي إلا أن يجيبه إلى طلبه ، إذ لا محل لإمهال المدين لتنفيذ التزامه بعد أن أصبح هذا التنفيذ مستحيلا ، فيحكم بفسخ العقد . والحكم هنا منشئ للفسخ لا مقرر له ، والعقد لم ينفسخ بحكم القانون بل فسخ بحكم القاضي . 
489 – استحالة التنفيذ ترجع إلى سبب أجنبي : أما إذا كانت استحالة التنفيذ ترجع إلى سبب أجنبي ، فإن الالتزام ينقضي طبقاً للمادة 373 التي تقدم ذكرها ، وينفسخ العقد من تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 (   ) . والعلة في هذا واضحة ، فقد انقضى التزام المدين لاستحالة تنفيذه بسبب أجنبي ، فلم يعد ثمة محل للمسئولية العقدية ليختار الدائن بينها وبين فسخ لاعقد كما كان يفعل لو أن الاستحالة لا ترجع إلى سبب أجنبي . فلم يبق إلا فسخ العقد . ولذلك نص القانون على أن العقد ينفسخ من تلقاء نفسه ولا محل هنا للاعذار لأن الإعذار لا يتصور إلا إذا كان التنفيذ لا يزال ممكناً ولأن التنفيذ لم يعد ممكناً لا يكون هناك خيار للدائن بين التنفيذ والفسخ – وقد رأينا أن هذا الخيار يثبت للدائن في جميع صور الفسخ القضائي والاتفاقي – ولا يبقى ممكناً إلا فسخ العقد . كذلك لا ضرورة لحكم قضائي بالفسخ ، فالعقد ينفسخ من تلقاءنفسه بحكم القانون كما قررنا . وإذا التجأ الدائن للقضاء فإنما يكون ذلك ليتقرر أن استحالة التنفيذ بسبب أجنبي أمر محقق – فقد يقوم نزاع في ذلك – وأن العقد قد انفسخ ، فالحكم هنا يقرر الفسخ لا ينشئه ، على النحو الذي رأيناه في بعض صور الفسخ الاتفاقي (   ) . 
490 – مبدأ تحمل التبعة : فإذا انفسخ العقد بحكم القانون ، كانت التبعة في انقضاء الالتزام الذي استحال تنفيذه واقعة على المدين بهذا الالتزام . فهو لا يد له في استحالة التنفيذ لأن استحالة راجعة إلى سبب أجنبي ، ومع لك لا يستطيع أن يطالب الدائن بتنفيذه الالتزام المقابل . فالخسارة في نهاية الأمر تقع عليه وهو الذي يتحملها . وهذا هو مبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين . 
ويرجع هذا إلى فكرة الارتباط ما بين الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين ، وهي الفكرة التي انبنى عليها انفساخ العقد (   ) . ولو أن العقد كان ملزماً لجانب واحد ، كالوديعة غير المأجورة ، واستحال تنفيذ التزام المودع عنده لسبب أجنبي ، بان هلك الشيء في يده بقوة قاهرة فاستحال عليه رده إلى الودع ، فإن الذي يتحمل التبعة هو الدائن لا المدين . والسبب في ذلك واضح ، إذ الدائن – وهو هنا المودع – ليس في ذمته التزام يتحلل منه في مقابل تحل المدين – وهو هنا المودع عنده – من التزامه . فالدائن هو الذي يتحمل الخسارة في آخر الأمر من جراء استحالة تنفيذ التزام المدين ، وهو الذي يتحمل تبعة هذه الاستحالة . 
فيمكن القول إذن بوجه عام إن المدين هو الذي يتحمل التبعة في العقود الملزمة للجانبين ، والدائن هو الذي يتحملها في العقود الملزمة لجانب واحد (   ) . 
491 – الأثر الذي يترتب على إنفساخ العقد بحكم القانون : وإذا انفسخ العقد بحكم القانون ، ترتب على إنفساخه من الأثر ما يترتب على فسخه بحكم القاضي أو بحكم الاتفاق كما سبق القول . فيعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العد ( م 160 ) . ولا محل للتعويض لأن المدين قد انقضى التزامه بقوة قاهرة . 

وكل ما سبق أن قررناه في هذا الصدد ، فيما عدا التعويض ، من انحلال العقد بأثر رجعي ، ومن أثر الفسخ فيما يبني المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير ، ومن انعدام الأثر الرجعي بالنسبة إلى العقود الزمنية ، ينطبق هنا . فلا حاجة إلى التكرار (   ) .

google-playkhamsatmostaqltradent