نصت المادة 161 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
" في العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة التزامه إذا لم يقيم المتعاقد الأخر بتنفيذ ما التزم به ( ) " .
ولم يشتمل القانون المدني القديم على نص مقابل لهذا النص ، ولكن قاعدة الدفع بعدم تنفيذ العقد كانت مسلماً بها في ظله فقهاء وقضاء ، وانطوت نصوصه على تطبيقات تشريعية لها ( مثلا م 274 / 345 و م 279 / 350 و م 331 / 411 ) .
493 – تاريخ القاعدة : وتقوم قاعدة الدفع بعدم تنفيذ العقد على الاعتبار الآتي : إذا كان للدائن في العقد الملزم للجانبين أن يطلب فسخ العقد إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه ، فيتحلل الدائن بذلك من تنفيذ ما ترتب في ذمته من التزامه ، فله من باب أولى ، بدلا من أن يتحلل من تنفيذ التزامه ، أن يقتصر على وقف تنفيذه حتى ينفذ المدين التزامه . والفكرة التي بنى عليها الدفع بعدم التنفيذ هي عين الفكرة التي بنى عليها فسخ العقد : الارتباط فيما بين الالتزامات المتقابلة في العقد الملزم للجانبين ، مما يجعل التنفيذ من جهة مقابلا للتنفيذ من جهة أخرى ( ) .
ولم يكن المبدأ معروفاً في القانون الروماني على النحو الذي عرف به فيما بعد . وإنما كان الرومان يقتصرون على إعطاء المدين الذي يطالبه الدائن بتنفيذ التزامه ، دون أن يقوم هو بما في ذمته من التزام بمقتضى عقد ملزم للجانبين ، دفعا بالغش ( exception de dol ) . ولم يكن لهذا الدفع قوام ذاتي نب ل كان هو الدفع بالغش المعروف في كل العقود المبنية على حسن النية . فلم يكن له اسم خاص ، ولم يطلق عليه اسم الدفع بعدم تنفيذ العقد ( exception non adimpleti contractus ) إلا في القانون الفرنسي القديم . فالاصطلاح لم يكن إذن رومانياً وإن كان لاتينياً . وقد وضعه المتأخرون من شراح القانون الروماني ( Postglossateurs ) في العصور الوسطى بعد أن صاغوا القاعدة ونسبوها إلى القانون الروماني ( ) .
ولم يضع القانون المدني الفرنسي نصاً عاماً يقرر به القاعدة ، بل اقتصر على تطبيقات متفرقة للمبدأ . ونهج القانون المدني المصري القديم على منواله كما قدمنا .
أما التقنينات الحديثة فقد صاغت المبدأ في نص عام . فعل ذلك القانون الألماني ( م 320 ) ، وقانون الالتزامات السويسري ( م 82 ) ، والمشروع الفرنسي الإيطالي ( م 48 ) وسار القانون المدني المصري الجديد على نهج التقنينات الحديثة فأورد النص الذي قدمناه . كما صاغ نظرية الحبس في نصوص عامة ستبحث في مكانها ( ) .
ونفصل قواعد الدفع بعدم تنفيذ العقد متبعين الخطة التي اتبعناها عند الكلام في الفسخ القضائي فنبحث : ( 1 ) متى يمكن التمسك بالدفع . ( 2 ) كيف يكون التمسك به . ( 3 ) ما يترتب على التمسك به من أثر .
المبحث الأول
متى يمكن التمسك بالدفع بعدم تنفيذ العقد
494 – نطاق الدفع بعدم التنفيذ ونطاق الحق في الحبس : جعل القانون الجديد الحق في الحبس هو الأصل ، وجعل الدفع بعدم التنفيذ هو تطبيق هذا الأصل في دائرة العقود الملزمة للجانبين ( ) .
فالأصل إذن هو الحق في الحبس . قررته المادة 246 مبدأ عاماً ، فجرت على الوجه الآتي :
" 1 - لكل من ألتزم بأداء شيء أن يمتنع عن الوفاء به ، مادام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به ، أو مادام الدائن لم يقم بتقديم تامين كاف للوفاء بالتزامه هذا " .
" 2 - ويكون ذلك بوجه خاص لحائز الشيء أو محرزه ، إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، فان له أن يمتنع عن رد هذا الشيء حتى يستوفي ما هو مستحق له ، إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئا عن عمل غير مشروع " .
فالنص يفترض شخصين ، كل منهما دائن للأخر ومدين له ، والتزام كل منهما مترتب على التزام الآخر ومرتبط به . فيكون هذا الارتباط أساساً للحق في الحبس . فمن حاز بعقد أو بغير عقد شيئاً مملوكاً للغير ، كالمودع عنده والمستعير والمرتهن رهن حيازة والمغتصب والحائز بحسن نية ، وأنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، كان له أن يرجع بهذه المصروفات على الوجه الذي بينه القانون . ومن ثم يوجد حائز الشيء ومالكه . والحائز مدين للمالك يرد الشيء ودائن له باسترداد المصروفات . والارتباط واضح ما بين الالتزام برد الشيء والالتزام باسترداد المصروفات . لذلك يجوز للحائز أن يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يتقاضى من المالك حقه . وهذا هو الحق في الحبس . وهو بهذا العموم يتسع ليدخل في نطاقه الدفع بعدم تنفيذ العقد . فالبائع مدين بتسليم المبيع ودائن بالثمن ، فمن حقه أن يحبس العين حتى يستوفى الثمن . وهذا تطبيق للحق في الحبس في عقد ملزم للجانبين ، وهو في الوقت ذاته تطبيق للدفع بعدم تنفيذ العقد ( ) .
ومن ثم يكون الدفع بعدم التنفيذ فرعاً عن الحق في الحبس . فحيث يطبق الحق في الحبس في نطاق العد الملزم للجانبين كان هذا هو الدفع بعدم التنفيذ . فإذا خرج عن هذا النطاق عاد حقاً في الحبس لا دفعاً بعدم تنفيذ العقد . فالحبس للمصروفات الضرورية أو النافعة في عقود العارية والوديعة ورهن الحيازة وفي غير عقد أصلاً لا يكون دفعاً بعدم التنفيذ بل حقاً في الحبس . وإذا زال العقد بسبب البطلان أو الفسخ أو بأي سبب آخر ، وتعين على كل من المتعاقدين أن يرد ما استولى عليه ، جاز لكل منهما أن يحبس ما أخذه ما دام المتعاقد الآخر لم يرد إليه ما تسلمه منه أو يقدم ضماناً لهذا الرد . وهذا هو أيضاً حق في الحبس لا دفع بعدم التنفيذ لأن العقد قد زال ( ) .
فالدفع بعدم التنفيذ ، كالفسخ ، محصور إذن في العقود الملزمة للجانبين ، وقد صرحت بذلك المادة 161 التي تقدم ذكرها ( ) .
495 – الالتزام الذي يدفع بعدم تنفيذه يجب أن يكون واجب التنفيذ حالا : ولا يكفي أن يكون هناك عقد ملزم للجانبين ، بل يجب أيضاً أن يكون الالتزام الذي يدفع بعدم تنفيذه التزاماً واجب التنفيذ حالاً .
فالدفع بعدم تنفيذ التزام طبيعي – كما إذا سقط بالتقادم أحد الالتزامين المتقابلين في عقد ملزم للجانبين – لا يجوز ، لأن في هذا إجباراً بطريق غير مباشر على تنفيذ التزام طبيعي غير واجب التنفيذ .
كذلك لا يجوز الدفع بعدم تنفيذ التزام مدني غير حال . فالبائع لا يستطيع أن يحبس العين لعدم استيفاء الثمن إذا كان الثمن مؤجلا ، إلا إذا كان الأجل قد سقط طبقاً لأحكام المادة 273 ( أنظر المادة 459 ) . ولا يمنع حلول الالتزام أن يكون القاضي قد منح المدين نظرة الميسرة ( delai de grace ) ، فللبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفى الثمن من المشتري حتى لو منح القاضي للمشتري أجلا لدفع الثمن ، ولا يمتنع الحبس إلا إذا كان الأجل ثابتاً باتفاق الطرفين ( ) . أما إذا كان العقد يوجب على أحد المتعاقدين أن يبدأ بتنفيذ التزامه قبل المتعاقد الآخر ، فلا يحق له أن ينتفع من هذا الدفع إذ يتعين عليه أن يفي بما التزم به دون أن ينتظر وفاء المتعاقد الآخر ( ) .
المبحث الثاني
كيف يمكن التمسك بالدفع بعدم تنفيذ العقد
496 – عدم ضرورة الإعذار : لا يحتاج المتمسك بالدفع إلى إعذار المتعاقد الآخر قبل أن يتمسك بالدفع وهذا بخلاف المطالبة بفسخ العقد فإن الإعذار قبلها واجب على التفصيل الذي بيناه فيما تقدم . على أن التمسك بالدفع معناه امتناع المتمسك عن تنفيذ التزامه ، وفي هذا إعذار كاف للمتعاقد الآخر بوجوب تنفذ الالتزام الذي في ذمته ( ) . وقد يكون الإعذار واجباً لا للتمسك بالدفع ، بل لتوليد الالتزام الذي يخول عدم تنفيذه حق التمسك بالدفع ، كما إذا كان هذا الالتزام هو التزام بتعويض عن التأخر لا ينشأ إلا بالاعذار طبقاً للقواعد العامة .
497 – ترك الأمر إلى تقدير المتمسك بالدفع تحت رقابة القضاء : ويترك الدفع بعدم التنفيذ لتقدير المتعاقد الذي يتمسك به ، وذلك بخلاف الفسخ فقد تقدم أنه موكول لتقدير القضاء . ذلك أن الدفع بعدم التنفيذ أقل خطراً من الفسخ ، فهو لا يحل العقد ، بل يقتصر على وقت تنفيذه .
على أن الدفع بعدم التنفيذ قد يكون مرده في آخر الأمر إلى القضاء . ذلك أنه إذا تمسك أحد الطرفين بالدفع وامتنع عن تنفيذ التزامه ، فإن الطرف الآخر يستطيع أن يرفع الأمر إلى القضاء ، وللقاضي تقدير موقف من يتمسك بالدفع فيقره أو لا يقره . ويتبين من ذلك أنه إذا لم يلجأ المتمسك بالدفع إلى القضاء منذ البداية ، فذلك يرجع في الواقع إلى أنه يتمسك بدفع لا بدعوى ، وطبيعة الدفع تجعل المتمسك به في غير حاجة إلى رفع دعوى ، بل هو الذي ترفع عليه الدعوى فيتمسك عند ذلك بالدفع .
فالتمسك بالدفع يمر إذن على دورين : الدور الأول وهو دور غير قضائي يمتنع فيه المتمسك بالدفع عن تنفيذ التزامه ، وهذا مجرد امتناع لا يحتاج فيه إلى عمل ايجابي . والدور الثاني وهو الدور القضائي لا يتحقق إلا إذا رفع المتعاقد الآخر دعوى يطلب فيها تنفيذ التزام المتعاقد الأول . ففي هذا الدور تتحقق رقابة القضاء . فإذا اقر القاضي المتمسك بالدفع على دفعه ، فإن هذا لا يمنعه من الحكم عليه بالتنفيذ ، ولكن يقرن الحكم بشرط هو أن يقوم المدعى بتنفيذ التزامه في الوقت ذاته . وقد يأخذ الدفع صورة أشكال في التنفيذ إذا ما أراد المحكوم له تنفيذ الحكم قبل أن يقوم بتنفيذ التزامه .
498 – تمسك كل ، المتعاقدين بالدفع : وقد يتمسك كل من المتعاقدين بالدفع ويمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يقوم المتعاقد الآخر بالتنفيذ . فإذا رفع أحدهما دعوى على الآخر يطالبه بالتنفيذ ، حكم القاضي على المدعى عليه بأن ينفذ التزامه بشرط أن يقوم المدعى من جانبه بتنفيذ التزامه .
498 – تمسك كل من المتعاقدين بالدفع : وقد يتمسك : لمن المتعاقدين بالدفع ويمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يقوم المتعاقد الآخر بالتنفيذ . فإذا رفع أحدهما دعوى على الآخر يطالبه بالتنفيذ ، حكم القاضي على المدعى عليه بأن ينفذ التزامه بشرط أن يقوم المدعى من جانبه بتنفيذ التزامه .
وتجوز الاستعانة بإجراءات العرض الحقيقي لمعرفة المتخلف عن الوفاء من المتعاقدين ( ) . فإذا تبين القاضي أن أحد المتعاقدين متعنت ، فإن كان المدعى رفض دعواه ، وإن كان المدعى عليه حكم عليه بالتنفذ دون شرط . أما إذا كان كل من المتعاقدين متعتناً ، أو ظهر ألا أحد مهما متعنت ولكن لا يثق أحدهما بالآخر ، ولم يلجأ أحد لإجراءات العرض الحقيقي ، لم يبق للخلاص من هذا الموقف إلا أن يحكم القاضي بأن يودع كل من المتعاقدين ما التزم به في خزانة المحكمة أو تحت يد شخص ثالث ، وفي هذا ما يجعلهما ينفذان التزاميهما في وقت واحد .
المبحث الثالث
ما يترتب من الأثر على الدفع لعدم تنفيذ العقد
أ - فيما بين المتعاقدين :
499 – وقف التنفيذ في غير الالتزام بتسليم عين : إذا توافرت شروط الدفع بعدم التنفيذ ، فإن المتمسك بالدفع لا يجبر على تنفيذه التزامه ، بل يبقى هذا الالتزام موقوفاً ، دون أن يزول كما في الفسخ .
فإذا كان الالتزام الموقوف هو التزام بنقل حق عيني ، كالتزام البائع بنقل الملكية ، كان البائع أن يمتنع عن مساعدة المشتري في تسجيل العقد حتى لا تنتقل الملكية إليه ، وإذا كان التزاماً بعمل ، كالتزام المقاول بإقامة مبنى ، كان للمقاول أن يتوقف عن أعمال البناء . وإذا كان التزاماً بامتناع عن عمل كتعهد تاجر بالكف عن مباشرة التجارة في حي معين منعاً للمزاحمة ، كان للتاجر أن يستمر في مباشرة التجارة في هذا الحي .
ويلاحظ في الالتزام بالامتناع عن عمل أن هناك أحوالاً لا يتصور فيها وقف الالتزام ، كما إذا تعهد ممثل أو مغن أن يمتنع عن أحياء حفلة معينة لقاء مبلغ من المال . فإذا تأخر المدين عن دفع هذا المال ، فإنه لا يسع الدائن إلا خرق هذا الالتزام فيحيي الحفلة إذا استطاع ذلك ، ويكون هذا فسخاً للعقد لا وقفاً له ، لأن طبيعة الالتزام لا تتحمل الوقف . وهذا الحكم ينطبق أيضاً في الالتزام بعمل إذا كان القيام بهذا العمل واجباً في وقت معين وإلا فات الغرض المقصود منه ، كما إذا تعهد صانع بإنجاز مصنوعات لعرضها في معرض عام يقام في وقت معين ، فإذا وقف الصانع تنفيذ التزامه إلى أن يفوت ميعاد المعرض لأنه لم يستوف أجره ، كان هذا بمثابة الفسخ .
500 – وقف التنفيذ في الالتزام بتسليم عين : وإذا كان الالتزام الموقوف هو التزام بتسليم عين ، حبس المتمسك بالدفع العين حتى يستوفى حقه من المتعاقد الآخر . مثل ذلك البائع لا يسلم العين المبيعة حتى يستوفى الثمن . وهنا يختلط الدفع بعدم التنفيذ بالحق في الحبس . وقد قضت المادة 247 بما يأتي : " 1 - مجرد الحق في حبس الشيء لا يثبت حق امتياز عليه . 2 - وعلى الحابس أن يحافظ على الشيء وفقا لأحكام رهن الحيازة وعليه أن يقدم حسابا عن غلته . 3 - وإذا كان الشيء المحبوس يخشى عليه الهلاك أو التلف ، فللحابس أن يحصل على إذن من القضاء في بيعه وفقا للأحكام المنصوص عيها في المادة 119 ، وينتقل الحق في الحبس من الشيء إلى ثمنه " . هذا ويتحمل المالك تبعة التلف أو الهلاك بسبب أجنبي ، وقد نصت المادة 460 على أنه " إذا هلك المبيع في يد البائع وهو حابس له كان الهلاك على المشتري ما لم يكن المبيع قد هلك بفعل البائع " . وإذا انفق الحابس مصروفات ضرورية أو نافعة استردها طبقاً لأحكام المواد 980 – 982 .
ويبقى الحق في الحبس حتى لو قام المتعاقد الآخر بتنفيذ جزء من التزامه ، وهذا ما يعبر عنه بان الحق في الحبس لا يقبل التجزئة . ومع ذلك يجب إلا يتعسف من له الحق في الحبس فيستمر حابساً للعين إذا كان الجزء الباقي من الالتزام دون تنفيذ من التفاهة بحيث لا يبرر استمرار الحبس ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
وينقضي الحق في الحبس إذا قام المتعاقد الآخر بالتزامه أو إذا خرج الشيء من حيازة الحابس باختياره .
وقد قضت المادة 248 بما يأتي : " 1 - ينقضي الحق في الحبس بخروج الشيء من يد حائزة أو محرزه . 2 - ومع ذلك يجوز لحابس الشيء ، إذا خرج الشيء من يده خفية أو بالرغم من معارضته ، أن يطلب استرداده ، إذا هو قام بهذا الطلب خلال ثلاثين يوما من الوقت الذي علم فيه بخروج الشيء من يده وقبل انقضاء سنة من وقت خروجه " .
501 – وقف التنفيذ في العقود الزمنية : وليس هناك ما يمنع من التمسك بالدفع بعدم تنفيذ العقد في العقود الزمنية . فيجوز للمستأجر أن يمتنع عن دفع الأجرة عن المدة التي حرم فيها الانتفاع بالعين المؤجرة ( أنظر م 565 و م 568 و م 569 و م 570 و م 572 ألخ ألخ ) . وكل وقف في تنفيذ التزام المؤجر يحدث نقصاً في مقدار هذا الالتزام زف إذا تأخر المستأجر في دفع الأجرة ، فتمسك المؤجر بالدفع بعدم التنفيذ ومنع المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مدة من الزمان ، اعتبر المؤجر أنه لم ينفذ نهائياً – لا مؤقتاً – التزامه في حدود المدة التي منع فيها المستأجر من الانتفاع ، فينقص التزامه بهذا المقدار ، ولا يمتد عقد الإيجار مدة تقابل المدة التي وقف فيها المؤجر تنفيذ العقد ( ) .
ب - بالنسبة إلى الغير :
502 – متى يسري الدفع في حق الغير : يسري الدفع في حق الغير إذا كان هذا الغير قد كسب حقه بعد ثبوت الحق في التمسك بالدفع . مثل ذلك أن يتأخر المشتري عن دفع الثمن ، فيتمسك البائع بالدفع ويحبس العين المبيعة . فكل من كسب حقاً من المشتري على العين المبيعة بعد التمسك بالدفع يسري في حقه الدفع . فإذا باع المشتري العين إلى مشتر ثان أو رهنها لدائن مرتهن ، جاز للبائع أن يبقى حابساً للعين في مواجهة المشتري الثاني أو الدائن المرتهن ( ) .
ويمكن تعليل ذلك بأن المشتري لم ينقل إلى خلفه حقوقاً أكثر مما له ، وقد كانت حقوقه خاضعة لحق البائع في حبس العين ، فتنتقل هذه الحقوق إلى الخلف خاضعة لهذا الحق . ولا يستطيع المشتري أن ينقل حقاً لا يملكه ، وفاقد الشيء لا يعطيه . وهذا هو المبدأ الذي قررناه في انتقال الالتزام إلى الخلف الخاص .
503 – متى لا يسري الدفع في حق الغير . ولا يسري الدفع في حق الغير إذا كان الغير قد كسب حقه قبل ثبوت الحق في التمسك بالدفع . فإذا فرض أن شخصاً ، بعد أن رهن منزله رهناً رسمياً ، سلمه إلى مستأجر بعقد إيجار غير ثابت التاريخ ، ثم باعه ، وأراد المشتري تسلم المنزل قبل إنتهاء عقد الإيجار ، فإن للمستأجر أن يرجع بالتعويض على المؤجر وأن يحبس العين في مواجهة المشتري ( م 605 فقرة 2 ) ، ولكن حقه في الحبس لا يسري في مواجهة الدائن المرتهن لأن حق الرهن قد ثبت قبل ثبوت الحق في الحبس ( )
من كتاب الوسيط للدكتور عبدالرزاق السنهوري