recent
جديد المشاركات

فسخ العقد بإتفاق المتعاقدين

الحجم
محتويات المقال

الدكتور عبدالرزاق السنهوري

نصت المادة 158 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :  " يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه ، وهذا الاتفاق لا يعفي من الأعذار ، إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه (   ) " . ولا يقابل هذا النص في القانون القديم إلا نص ورد في عقد البيع ، هو المادتان 334 / 416 ، جرتا على النحو الآتي : 

 " إذا اشترط فسخ البيع عند عدم دفع الثمن ، فليس للمحكمة في هذه الحالة أن تعطي ميعاداً للمشتري ، بل ينفسخ البيع إذا لم يدفع المشتري الثمن بعد التنبيه عليه بذلك تنبيهاً رسمياً ، إلا إذا اشترط في العقد أن البيع يكون مفسوخاً بدون احتياج إلى التنبيه الرسمي " 

ولم يستحدث القانون الجديد في هذا الصدد شيئاً إلا أنه عمم القاعدة التي وردت في عقد البيع ، وهذا ما كان القضاء المصري يجري عليه من قبل دون حاجة إلى نص .

481 – متى يكون الاتفاق على الفسخ – التدرج في هذا الاتفاق : قد يتفق المتعاقدان على فسخ العقد عند إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه . فإذا تم هذا الاتفاق بعد أن يخل المتعاقد بالتزامه فعلا – ويقع ذلك غالباً في ثنايا إجراءات التقاضي بأن يرفع الدائن دعوى الفسخ فيعلنه المدين بقبول الفسخ قبل صدور حكم في الدعوى – كان هذا بمثابة تقايل ذى اثر رجعي (   ) . ويحل الاتفاق في هذه الحالة محل الحكم وله أثره ، ما لم يكن هناك تواطؤ بين المتعاقدين للإضرار بحقوق الغير (   ) . ولكن الغالب في العمل أن المتعاقدين يتفقان على الفسخ مقدماً وقت صدور العقد . 

وقد اظهر العمل أن المتعاقدين يتدرجان في اشتراط الفسخ وقت صدور العقد . فأدنى مراتب هذا الشرط هو الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته ، وقد يزيدان في قوة هذا الشرط بأن يتفقا على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه . بل قد يتدرجان في القوة إلى حد الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم . ثم قد يصلان إلى الذروة فيتفقان على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم . ثم قد يصلان إلى الذروة فيتفقان على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار أو دون حاجة إلى إنذار . 

ونبحث الآن في حكم كل شرط من هذه الشروط ، مستهدين في ذلك بما جرى عليه القضاء في عهد القانون القديم ، إذ لم يغير القانون الجديد من ذلك شيئاً كما قدمنا . 

482 – الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً : حكم هذا الشرط يتوقف على نية المتعاقدين . فقد يكونان أرادا به تحتيم الفسخ إذا اخل المدين بالتزامه ، فيتحتم على القاضي في هذه الحالة أن يحكم بالفسخ . ولكن هذا لا يغني عن رفع الدعوى بالفسخ ولا عن الإعذار (   ) . 

إلا أنه من الصعب استخلاص نية كهذه من مجرد ورود شرط على هذا النحو . والغالب أن المتعاقدين لا يريدان بمثل هذا الشرط إلا أن يقررا في ألفاظ صريحة القاعدة العامة المتعلقة بالفسخ لعدم التنفيذ . وعلى ذلك لا يغني الشرط عن الإعذار ، ولا عن الالتجاء للقضاء للحصول على حكم بالفسخ ، ولا يسلب القاضي سلطته التقديرية ، فلا يتحتم عليه الحكم بالفسخ ، وله أن يعطي للمدين مهلة لتنفيذ التزامه إذا وجد من الظروف ما يبرر ذلك . بل هو لا يسلب المدين حقه من توقى الفسخ بدفع الثمن إلى أن يصدر الحكم النهائي بالفسخ . وهذا هو ما قررته محكمة النقض في أحكامها الأخيرة . فقد قضت بان شرط الفسخ لا يعتبر صريحاً في معنى المادة 334 من القانون المدني ( القديم ) إلا إذا كان يفيد انفساخ عقد البيع من تلقاء نفسه . أما إذا تعهد المشتري بأداء باقي ثمن المبيع في ميعاد عينه ، فإن لم يؤده في هذا الميعاد كان للبائع الحق في فسخ البعي ولو كان قد سجل ، فهذا ليس إلا ترديداً للشرط الفاسخ الضمني المنصوص عليه في المادة 332 من القانون المدني ( القديم ) (   ) . 

ويفسر هذا الشرط في اغلب الأحوال على أنه يسلب القاضي سلطته التقديرية ، فلا يستطيع إعطاء مهلة للمدين لتنفيذ التزامه ، ولا يملك إلا الحكم بلا فسخ . فيصبح الحكم بالفسخ محتماً كالحكم بالإبطال . ولكن الشرط لا يغني عن إعذار المدين ، ولا عن رفع الدعوى بالفسخ . ويكون الحكم منشئاً للفسخ لا مقرراً له ، كما هو الأمر في القاعدة العامة للفسخ . 

ولا تعارض في هذه الحالة بين إعذار الدائن المدين وتكليفه بالتنفيذ ، وبين المطالبة بفسخ العقد بعد ذلك . فإن الإعذار لا يعتبر تنازلا عن المطالبة بفسخ العقد ، بل هو شرط واجب لرفع دعوى الفسخ . وهذا هو ما قررته محكمة النقض ، إذ قضت " بأن المادة 334 من القانون المدني ( القديم ) تقتضي أنه إذا اشترط فسخ البيع من تلقاء نفسه عند عدم دفع الثمن ، كان على القاضي إيقاع الفسخ على المشتري إذا لم يدفع الثمن بعد إعذاره بإنذار ، ما لم يعف البائع بمقتضى العقد من هذا الإعذار . ومفهوم هذا بلا شبهة أن البائع يجب عليه إذا اختار الفسخ أن يعذر المشتري بإنذاره أي يكلفه الوفاء ، فإذا لم يدفع كان البائع في حل من إعمال خيراه في الفسخ . وإذن فباطل زعم المشتري أن الإنذار الموجه إليه من البائع بوفاء التزاماته في مدى أسبوع وإلا عد العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه يجب اعتباره تنازلا من البائع عن خيار الفسخ ، فإن ذلك الإنذار واجب قانوناً لاستعمال الشرط الفاسخ الصريح (   ) " . 

484 – الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم : وهذا الشرط معناه أن فسخ العقد يقع من تلقاء نفسه إذا اخل المدين بالتزامه . فلا حاجة لرفع دعوى بالفسخ ولا لحكم ينشيء فسخ العقد . وإنما ترفع الدعوى إذا نازع المدين في أعمال الشرط وادعى أنه قام بتنفيذ التزامه . فيقتصر القاضي في هذه الحالة على التحقق من أن المدين لم ينفذ التزامه . فإذا تحقق من ذلك حكم بالفسخ ، ولكن حكمه يكون مقرراً للفسخ لا منشئاً له . 

ولا يعفى الشرط من إعذار المدين . فإذا أراد الدائن إعمال الشرط ، وجب عليه تكليف المدين بالوفاءز فإذا لم يقم المدين بتنفذ التزامه بعد هذا الإعذار ، انفسخ العقد من تلقاء نفسه على النحو الذي بيناه فيما تقدم . 

على أنه لا شيء يمنع الدائن من مطالبة المدين بتنفيذ العقد بدلا من فسخه ، فإن الفسخ لا يقع من تلقاء نفسه إلا إذا أراد الدائن ذلك ، ويبقى هذا بالخيار بين الفسخ والتنفيذ .

وتطبيقاً لما تقدم قضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأن " الاتفاق في عقد الإيجار علىان يفسخه تأخر المستأجر في دفع الأجرة ليس تعليقا للعقد على شرط فاسخ بكل معناه ، فإن النتيجة اللازمة لهذا التعليق هي أن يقع الفسخ بقوة القانون بمجرد التأخر في سداد الأجرة بغير خيار للدائن ، وقد يرغب الاستمرار في تنفذ العقد عيناً رغم التأخر في السداد ، وبذلك يكون فسخ العقد خاضعاً لمطل المستأجر ورغبته . إنما هو اتفاق مقصود به تحسين مركز المؤجر وتقوية ضمانه قبل المستأجر . فالفسخ هو حق له ، يجوز أن يتمسك به أو يتنازل عنه . وبذلك لا يقع الفسخ إلا إذا اختاره بالتنبيه على المستأجر بذلك ، إلا إذا اتفق على إعفائه من هذا التنبيه بنص صريح في العقد . وهذه الفكرة هي رجوع عن قاعدة الفسخ القضائي ، وهي قاعدة القانون الفرنسي المعروفة ، إلى قاعدة التشريع الألماني الذي يعلق فسخ العقد لا على قضاء القاضي ، بل على خيار الدائن وإعلان هذا الخيار للمدين (   ) " . 

485 – الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار : وهذا هو أقصى ما يصل إليه اشتراط الفسخ من قوة . وفي هذه الحالة يكون العقد مفسوخاً بمجرد حلول ميعاد التنفيذ وعدم قيام المدين به دون حاجة إلى إعذار المدين ، ولا إلى حكم بالفسخ إلا ليقرر أعمال الشرط على النحو الذي بيناه فيما تقدم ، ويكون الحكم إذن مقرراً للفسخ لا منشئاً له (   ) . وهذا هو الحكم أيضاً فيما إذا اتفق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إنذار . والاتفاق على الإعفاء من شرط الإعذار يجب أن يكون صريحاً ، كما يقضي نص المادة 158 ، فلا يجوز أن يستخلص ضمناً من عبارات العقد لما ينطوي عليه من خطورة بالنسبة إلى المدين . 

ويلاحظ هنا أيضاً أن الشرط لا يمنع الدائن من طلب تنفيذ العقد دون فسخه ، وإلا كان تحت رحمة المدين ، إذا شاء هذا جعل العقد مفسوخاً بامتناعه عن تنفيذ التزامه . ويترتب على ذلك أن العقد لا يعتبر مفسوخاً إلا إذا اظهر الدائن رغبته في ذلك ، ولا يقبل من المدين التمسك بالفسخ إذا كان الدائن لم يتمسك به (   ) . 

ومن ثم نرى أن هذا الشرط هو وسط بين الفسخ القضائي والانفساخ بحكم القانون . فهو أعلى من الفسخ القضائي – وكذلك أعلى من اشتراط أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه – في أن الحكم بالفسخ فيه ، إذا قامت حاجة لصدوره ، يكون مقرراً للفسخ لا منشئاً له . وهو أدنى من الانفساخ بحكم القانون في أن العقد لا ينفسخ فيه إلا إذا اظهر الدائن رغبته في ذلك . 

وهذه المبادئ قررتها محكمة لانقض . فقد قضت بأنه " إذا كان العقد مشروطاً فيه أنه إذا خالف المستأجر أي شرط من شروطه ، فللمؤجر اعتبار العقد مفسوخاً بمجرد حصول هذه المخالفة بدون احتياج إلى تنبيه رسمي أو تكليف بالوفاء ، وله الحق في تسلم العين المؤجرة بحكم يصدر من قاضي الأمور المستعجلة ، فهذا شرط فاسخ صريح يسلب القاضي كل سلطة تقديرية في صدد الفسخ . ولا يبقى له في اعتبار الفسخ حاصلا فعلا إلا أن يتحقق من حصول المخالفة التي يترتب عليها . ولا يؤثر في مدلول هذا الشرط واثره القانونين أن يكون التمسك به من حق المؤجر وحده ، لأنه في الواقع موضوع لمصلحته هو دون المستأجر . والقول بأن نية المؤجر قد انصرفت عن الفسخ باقتصاره على طلب الأجرة في دعوى سابقة هو قول مردود ، لأن التنازل الضمني عن الحق لا يثبت بطريق الاستنتاج إلا من أفعال لا يشك في أنه قصد بها التنازل عنه . وليس في المطالب بالأجرة ما يدل على ذلك ، إذ لا تعارض بين التمسك بحق الفسخ والمطالبة بالأجرة التي يترتب الفسخ على التأخر في دفعها (   ) " . 

486 – ما يترتب على الفسخ الاتفاقي من اثر : ذكرنا فيما تقدم أن نص المادة 160 هو نص عام يبين ما يترتب على الفسخ من اثر ، سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو باتفاق المتعاقدين أو بمقتضى القانون . 

فإذا فسخ العقد بحكم الاتفاق ، في أية صورة من الصور التي تقدم ذكرها ، سواء كان الفسخ بحكم منشيء أو بحكم مقرر أو بغير حكم أصلاً ، أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بتعويض ( م 160) . 

وينحل العقد باثر رجعي ، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير ، وذلك فيما عدا العقود الزمنية ، كل هذا على التفصيل الذي تقدم بيانه عند الكلام في اثر الفسخ بحكم القاضي .

إعلان منتصف المقال
google-playkhamsatmostaqltradent