الوسيط للدكتور عبدالرزاق السنهوري
الفضالة. إذا توافرت أركانها ترتب التزامات في جانب الفضولي وأخرى في جانب رب العمل .
المطلب الأول
التزامات الفضولي
877 - ما هي هذه الالتزامات وما هو مصدرها : يلتزم الفضولي بما يأتي :
1 - أن يمضي في العمل بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه .
2 - أن يخطر رب العمل بتدخله متى استطاع ذلك
3 - أن يبذل في القيام بالعمل عناية الشخص العادي .
4 - أن يقدم حالياً حساباً لرب العمل عما قام به وان يرد إليه ما استولي عليه بسبب الفضالة .
ومصدر هذه الالتزامات جميعاً عمل مادي إرادي يقوم به الفضولي فيرتب عليه القانون مباشرة هذه الالتزامات ( ) . وهذا ظاهر إذا كان العمل الذي يقوم به الفضولي هو عمل مادي في ذاته وهو صحيح أيضاً حتى إذا كان العمل الذي يقوم به الفضولي هو تصرف قانوني . سواء عقده باسمه الشخصي أو عقده باسم رب العمل نيابة عنه ، ففي الحالتين يعتبر قيام الفضولي بإبرام هذا التصرف القانوني عملاً مادياً في العلاقة ما بين الفضولي ورب العمل . وإن كان العمل يعتبر تصرفاً قانونياً في العلاقة ما بين الفضولي والغير إن كان الفضولي عقده باسمه الشخصي . وفي العلاقة ما بين رب العمل والغير إن الفضولي عقده باسم رب العمل
ونستعرض : ( أولاً ) التزامات الفضولي الأربعة ( ثانياً ) ما تشترك فيه هذه الالتزامات من أحكام تتعلق بأهلية الفضولي وبالأثر الذي يترتب على موت الفضولي أو موت رب العمل وبتقادم هذا الالتزامات .
التزامات الفضولي الأربعة
1 . التزام الأول - مضى الفضولي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه :
878 - جاء في المادة 191ما يأتي : " يجب على الفضولي أن يمضي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه ( ) " . وقد أراد المشرع بهذا الالتزام أن يمنع التدخل في شؤون الغير عن خفة واستهتار . فمن تدخل في شأن لغيره من غير أن يدعى لذلك وجب عليه ألا يتخلى عن العمل متى بدا له أن يتخلى ، بل يلتزم بالمضي فيما بدأه رعاية لمصلحة رب العمل ، وهي المصلحة التي قصد الفضولي أن يرعاها . ولكن لا يلتزم الفضولي بإتمام العمل إلا إذا لم يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه فإذا تمكن من ذلك وسنرى أن الفضولي يجب عليه إخطاره بتدخله متى استطاع - سقط عن الفضولي التزامه بإتمام العمل بل التزامه بالمضي فيه ، وأصبح من واجب رب العمل ، ومن حقه في الوقت ذاته ، أن يباشر شؤونه بنفسه ، وان يتخلى له الفضولي عن ذلك .
وإذا كان العمل الذي تولاه الفضولي عملاً مادياً ، كتنقية زراعة من دودة القطن أو إضفاء حريق ، وجب على الفضولي المضي في تنقية الزراعة أو في إطفاء الحريق حتى يأتي رب العمل ويباشر العمل بنفسه . أما إذا كان العمل الذي تولاه تصرفاً قانونياً - سواء عقده باسم رب العمل أو باسمه الشخصي – فواجبه هنا أيضاً أن يمضي في عمله ، فيتم إبرام التصرف القانوني ، ويقوم بالإجراءات التي يوجبها القانون كتسجيل التصرف أو قيده ، ثم يباشر تنفيذ التصرف إذا اقتضى الأمر ، فيؤدي ما أنشأه التصرف من التزامات ، ويطالب بما رتبه من حقوق ، باسم رب العمل أو باسمه الشخصي على حسب الأحوال . كل هذا حتى يتمكن رب العمل من مباشرة التصرف الذي عقده الفضولي نيابة عنه ، فيمضى في الإجراءات أو في التنفيذ بنفسه . أما التصرف الذي عقده الفضولي باسمه الشخصي فيستمر هذا فيه حتى يتم تنفيذه لأنه هو المسئول عنه شخصياً ، وليس لرب العمل إلا تعويضه عن التزاماته وإلا محاسبته عنه كما سيأتي .
ب . الالتزام الثاني - إخطار الفضولي رب العمل بتدخله متى استطاع ذلك :
879 - ولا يكفي أن يمضى الفضولي في العمل الذي بدأ به حتى يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه ، بل يجب إلى ذلك أن يبادر إلى إخطار رب العمل بتدخله بمجرد أن يتمكن من ذلك ، فيستطيع رب العمل بعد هذا الإخطار أن يستعمل حقه من مباشرة العمل بنفسه ، رأينا أن هذه المباشرة إذا كانت واجباً عليه فهي أيضاً حق له . وهذا الالتزام هو ما ينص عليه الشطر الثاني من المادة 191إذ نقول " كما يجب عليه ( أي على الفضولي ) أن يخطر بتدخله رب العمل متى استطاع ذلك ( ) " . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ( ) في هذا الصدد ما يأتي : " ويلاحظ أن الفضولي يلزم بالمضي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه . ولما كان لرب العمل أن يكف الفضولي عن التدخل فيما تصدى له ، لذلك كان من واجب الفضولي أن يخطره بتدخله في أول فرصة تتاح له . ومتى تسير لرب العمل أن يباشره بنفسه كان من حقه وواجبه أن يقوم بذلك " . وغنى عن البيان أن الفضولي ليس مطالباً أن يبذل جهداً غير معتاد لإخطار رب العمل بتدخله ، بل هو مطالب أن ينتهز أول فرصة معقولة تتاح له حسب الظروف التي تحيط به للقيام بهذا الإخطار .
جـ . الالتزام الثالث - بذل عناية الشخص العادي في القيام بالعمل :
880 - النص القانوني :تنص المادة 192على ما يأتي :
" 1 - يجب على الفضولي أن يبذل في القيام بالعمل عناية الشخص العادي . ويكون مسئولاً عن خطته . ومع ذلك يجوز للقاضي أن ينقص التعويض المترتب على هذا الخطأ إذا كان الظرف تبرر ذلك " .
" 2 - وإذا عهد الفضولي إلى غيره بكل العمل أو ببعضه كان مسئولاً عن تصرفات نائبة ، دون إخلال بما لرب العمل من الرجوع مباشرة على هذا النائب " .
" 3 - وإذا تعدد الفضوليون في القيام بعمل وأحد كانوا متضامنين في المسئولية " ( ) .
وهذا النص يشتمل على أحكام هامة في الفضالة ( ) . فهو : ( 1 ) يرسم معيار الخطاء في الفضالة وما يترتب من المسئولية على هذا الخطأ ( 2 ) ويبين أحكام نائب الفضولي . ( 3 ) ويقرر التضامن في المسئولية إذا تعدد الفضولي .
881 - الخطأ في الفضالة : لا يلتزم الفضولي بالوصول إلى النتيجة المرجوة ، بل يلتزم ببذل عناية الشخص العادي للوصول إلى هذه النتيجة . فالتزامه ليس التزاماً بتحقيق غاية ، بل هو التزام ببذل عناية ( ) .
ومعيار خطأ الفضولي هو كمعيار الخطأ العقدي ويقاس على خطأ الوكيل إذا كان مأجوراً ( م 704فقرة 2 ) . فيجب ألا ينحرف الفضولي في القيام بعمله عن السلوك المألوف للرجل العادي ، وأي انحراف عن هذا السلوك يكون خطأ يوجب مسئوليته ( ) . وليس هذا الخطأ خطأ عقدياً . ولا هو خطأ تقصيري لأن مسئولية الفضولي ليست مسئولية تقصيرية إلا إذا ارتكب خطأ تقصيرياً خارجاً عن أعمال الفضالة . وإنما هو خطأ في الفضالة ، معياره هو عين معيار الخطأ العقدي والخطأ التقصيري . وخصوصية هذا الخطأ أن المسئولية عنه قد لا تكون كاملة ، إذ يجوز للقاضي أن ينقص التعويض المترتب عليه إذا كانت الظروف تبرر ذك . وكثيراً ما تبرر الظروف التخفيف من مسئولية الفضولي إذ هو متفضل تدخل لرعاية مصلحة رب العمل . فإذا كان تدخله لدفع ضرر داهم يتهدد رب العمل ، ففي هذا الظرف الذي ساقه للتدخل ما يشفع له إذا ارتكب خطأ في عمله وانحرف قليلا عن السلوك المألوف للرجل العادي ، فيكون هذا سبباً لتخفيف المسئولية وإنقاص التعويض ( ) . وقد تكون ظروف أخرى ، غير تلك التي ساقته للتدخل ، سبباً في تخفيف المسئولية . فالفضولي الذي يعمد إلى تنقية زراعة جاره من آفة زراعية ، ثم يبحث عن مواد كيماوية يكمل بها التنقية ، فيجد ظرف يجعل الوصول إلى هذه المواد ينطوي على شئ من المشقة يحجم عنها المضي في عمله ، فينحرف بذلك قليلاً عن السلوك المألوف للرجل العادي ، قد يخفف القاضي من مسئوليته عن هذا الخطأ بسبب الظرف الذي وجد وجعل الوصول إلى المواد الكيماوية أمراً شاقاً ( ) .
وقد يرتكب الفضولي خطأ تقصيرياً خارجاً عن أعمال الفضالة يضر به رب العمل ، فيكون مسئولاً عن هذا الخطأ وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية . مثل ذلك أن يعمد الفضولي إلى إطفاء حريق شبت في منزل جاره ، ثم هو بعد إطفاء الحريق والفراغ من أعمال الفضالة ، يهمل إقفال باب المنزل فتسلل اللصوص ويسرقون أمتعة الجار . ففي هذا الفرض يكون خطأ الفضولي في إهماله أن يقفل باب المنزل خطأ تقصيرياً لأنه خارج عن أعمال الفضالة ، ويكون مسئولاً نحو رب العمل عن هذا الخطأ مسئولية تقصيرية .
882 - نائب الفضولي : وقد يعهد الفضولي إلى شخص آخر أن يقوم نيابة عنه بأعمال الفضالة كلها أو بعضها ، سواء تولى الفضولي العمل ابتداء ثم مضى نائبه فيه أو تولى النائب العمل من مبدئه ( ) : ونائب الفضولي يكون بمثابة نائب الوكيل إذا كان العمل تصرفاً قانونياً ( ) ويمثابة المقاول من الباطن إذا كان عملاً مادياً .
ويكون نائب الفضولي مسئولاً قبل الفضولي ، ويجوز لرب العمل أن يستعمل حق الفضولي في الرجوع على النائب عن طريق الدعوى غير المباشرة ، بل أجاز فوق ذلك لرب العمل أن يرجع مباشرة ( أولاً ) على الفضولي لا عن خطئه هو فحسب ، بل أيضاً عن خطأ نائبه باعتباره تابعاً له ، وتكون مسئولية الفضولي نفسه عن النائب هي مسئولية المتبرع عن التابع ( ثانياً ) على النائب الفضولي نفسه بطريق الدعوى المباشرة التي نص عليها القانون ( ) . وهذا ما تقضى به الفقرة الثانية من المادة 192إذ تقول : " وإذا عهد الفضولي إلى غيره بكل العمل أو ببعضه كان مسئولاً عن تصرفات نائبه ، دون إخلال بما لرب العمل من الرجوع مباشرة على هذا النائب ( ) .
بقى أن نعرف هل يكون رب العمل - هو أيضاً – مسئولاً عن التزاماته مباشرة قبل نائب الفضولي؟ لا يوجد نص على هذه العلاقة ، كما وجد النص في حالة نائب الوكيل ( ) وفي المقاول من الباطن ( ) ، فلا يجوز القول به ، ويبقى رب العمل ملتزماً نحو الفضولي نفسه ويكون الفضولي ملتزماً نحو نائبه .
883 - التضامن في المسئولية عند تعدد الفضولي : ولما كان خطأ الفضولي في الفضالة على النحو الذي قدمناه ليس بالخطأ التقصيري ، فإن الفضوليين في حالة التعدد إذا وقع خطأ منهم وهم يقومون بعمل وأحد لا يكونون مسئولين بالتضامن إلا إذا وجد نص يقرر التضامن ، وقد أورد القانون الجديد هذا النص على خلاف القانون القديم الذي كان ينص صراحة على عدم التضامن ( م 149 / 210قديم ) . فجاء في الفقرة الثالثة من المادة 192ما يأتي : " إذا تعدد الفضوليون في القيام بعمل وأحد كانوا متضامنين في المسئولية " . ولولا هذا النص لانعدم التضامن بين الفضوليين ( ) .
ويلاحظك أن شرط التضامن هو أن يتعدد الفضوليون في عمل وأحد . أما إذا تولي كل فضولي عملاً مستقلاً عن عمل الآخر ، فلا يكون هناك تضامن ( ) .
د . الالتزام الرابع - تقديم الفضولي حساباً لرب العمل ورد ما استولي عليه بسبب الفضالة :
884 - النصوص القانونية : تنص المادة 193 على ما يأتي : " يلتزم الفضولي بما يلتزم به الوكيل من رد ما استولي عليه بسبب الفضالة وتقديم حساب عما قام به " ( ) . ونصت المادة 706بالنسبة إلى التزام الوكيل بتقديم الحساب على ما يأتي :
" 1 - ليس للوكيل أن يستعمل مال الموكل لصالح نفسه "
" 2 - وعليه فوائد المبالغ التي استخدمها لصالحه من وقت استخدامها ،
وعليه أيضاً فوائد ما تبقى في ذمته من حساب الوكالة من وقت أن يعذر " .
885 - تطبيق هذه النصوص : ويترتب على تطبيق هذه النصوص ما يأتي :
1 - إذا قام الفضولي بتصرف قانوني عقده نيابة عن رب العمل ، فإن هذا التصرف ينفذ مباشرة في حق رب العمل كما سبق القول . وإذا مضى الفضولي في تنفيذ هذا التصرف باسم رب العمل ، كما إذا استوفي حقاً ، فإنه يقبض الحق كوكيل . ولا يجوز له أن يستعمل المال لصالح نفسه . وإن فعل فعليه فوائد المبالغ التي استخدمها لصالحه بالسعر القانوني ( أي 4في المائة ) من وقت استخدامها ، لا من وقت المطالبة القضائية ولا من وقت الإعذار . أما إذا لم يستعمل المال لصالح نفسه ، فإن فوائده بالسعر القانوني تجب عليه من وقت إعذار برد المال .
2 - إذا قام الفضولي بتصرف قانوني عقده باسمه الشخصي لصالح رب العمل ، فإن هذا التصرف ينفذ في حقه لا في حق رب العمل كما سبق القول . ويجب عليه أن يمضى في العمل وأن ينفذ التصرف عند الاقتضاء . فإذا باع محصولات يسرع إليها التلف ، وقبض الثمن ، فلا يجوز له أن يستعمله لصالح نفسه ، وإلا وجبت عليه فوائده بالسعر القانوني من وقت استخدامه . وعليه أن يرده لرب العمل ، وإذا لم يستخدمه لصالح نفسه وجبت عليه فوائده القانونية من وقت الإعذار .
3 - إذا قام الفضولي بعمل مادي ، كما إذا جنى محصولا لرب العمل ، فعليه أن يسلمه إياه بمجرد التمكن من ذلك . ولا يجوز له أن يستولي عليه لصالح نفسه ، وإلا ألزم بالتعويض .
2 - ما تشترك فيه التزامات الفضولي من أحكام
( أهلية الفضولي –الأثر الذي يترتب على موت الفضولي أو موت رب العمل – تقادم التزامات الفضولي )
1 - أهلية الفضولي :
886 - أهلية الفضولي بالنسبة إلى التصرف القانوني الذي يتولاه :
حتى نتبين بوضوح الأهلية اللازمة للفضولي يجب التمييز بين أهليته بالنسبة إلى ما عسى أن يتولاه من تصرف قانوني وأهليته بالنسبة إلى أعمال الفضالة باعتبارها جميعاً أعمالاً مادية كما سبق القول .
فإذا كان العمل الذي يتولاه الفضولي تصرفاً قانونياً عقده باسم رب العمل نيابة عنه ، فقد قدمنا أن أهلية الفضولي بالنسبة إلى هذا التصرف هي أهلية الوكيل ، فيكفي فيه التمييز ولا تشترط فيه الأهلية الكاملة للتصرف الذي يتولاه ، وإنما تشترط هذا الأهلية الكاملة في رب العمل الذي ينصرف إليه مباشرة أثر التصرف .
وأما إذا كان العمل الذي يتولاه الفضولي تصرفاً قانونياً عقده باسمه الشخصي ، فلا بد أن تتوافر فيه الأهلية الكاملة لهذا التصرف لأنه هو الذي يلتزم به كما رأينا ، ولا يشترط في رب العمل أية أهلية بالنسبة إلى هذا التصرف إذ يعتبر من الغير فيه .
887 - أهلية الفضولي بالنسبة إلى أعمال الفضالة باعتبارها جميعاً أعمالاً مادية :
أما إذا نظرنا إلى أعمال الفضالة باعتبارها أعمالاً مادية بالنسبة إلى رب العمل - وقد رأينا فيما تقدم أن جميع الأعمال التي يقوم بها الفضولي ، حتى التصرفات القانونية التي يعقدها باسمه أو باسم رب العمل ، تعتبر بالنسبة إلى رب العمل أعمالاً مادية – فإن أهلية الفضولي للالتزام بهذه الأعمال تقتضي دائماً أن يكون من أهل التمييز ، إذ يشترط فيه كما قدمنا القصد في أن يعمل لمصلحة رب العمل . ثم هي بعد ذلك تختلف باختلاف ما يلتزم به . وقد علمنا أن التزامات الفضولي أربعة . اثنان منها - المضي في العمل وإخطار رب العمل - لا يقتضيان أكثر من أهلية التمييز . فيجب على الفضولي ولو لم يكن بالغاً سن الرشد ، ما دام مميزاً ، أن يمضى في العمل الذي بدأ فيه وان يخطر به رب العمل متى استطاع ذلك . وإذا هو أخل بأحد هذين الالتزامين كان هذا إخلالاً بالتزام قانوني ، واعتبر خطأ تقصيرياً يوجب مسئوليته التقصيرية كاملة . والالتزامان الآخران –بذل العناية الواجبة في إدارة العمل وتقديم الحساب - هما التزامان يتعلقان بحسن إدارة مال الغير ، ويشترط فيمن يطلب منه حسن إدارة مال الغير أن يكون كامل الأهلية . أما إذا لم تكن الأهلية الكاملة متوافرة فيه ، فلا يكون الرجوع عليه إلا بدعوى الإثراء بلا سبب ، وهذا ما لم يرتكب خطأ تقصيرياً فتكون مسئوليته التقصيرية كاملة .
وقد نصت الفقرة الأولي من المادة 196 على ذلك فيما يأتي : " إذا لم تتوافر في الفضولي أهلية التعاقد فلا يكون مسئولاً عن إدارته إلا بالقدر الذي أثرى به ، ما لم تكن مسئوليته ناشئة عن عمل غير مشروع ( ) ويستخلص من ذلك أن الفضولي إذا كان كامل الأهلية ، كان من وليته كاملة عن الالتزام يبذل العناية الواجبة في القيام بأعمال الفضالة وعن الالتزام بتقديم حساب عن إرادته ، أما إذا كان ناقص الأهلية ، فلا يكون مسئولاً إلا بقدر الذي أثرى به . فإذا ارتكب خطأ في الفضالة ، أو فصر في تقديم الحساب لرب العمل ، أو لم يسلمه ما استولي عليه بسبب الفضالة ، وأصاب رب العمل ضرر من جراء ذلك ، فلا يكون الفضولي ناقص الأهلية مسئولاً إلا في حدود الإثراء بلا سبب ، ولا يلتزم إلا بأقل القيمتين : ما انتفع به فعلاً وما أصاب رب العمل من ضرر . كل هذا لم يرتكب الفضولي خطأ تقصيرياً خارجاً من أعمال الفضالة - وقد ميزنا فيما تقدم بين الخطأ التقصيري والخطأ في الفضالة - فتكون مسئولية الفضولي عن الخطأ التقصيري مسئولية كاملة حتى لو كان ناقص الأهلية .
ويستخلص مما قدمناه عن الأهلية في دعوى الإثراء بلا سبب وفي دعوى غير المستحق وفي دعوى الفضالة ، أن المثري لا تشترط فيه أية أهلية ، فهو يلتزم بالإثراء حتى لو كان ناقص الأهلية بل حتى لو كان عديم التمييز . أما المدفوع له في دعوى غير المستحق ، أو الفضولي في دعوى الفضالة ، فيشترط فيه كمال الأهلية ، وإلا لم يكن مسئولاً إلا في حدود الإثراء بلا سبب .
ب - أثر موت الفضولي أو موت رب العمل في التزامات الفضولي :
888 - النصوص القانونية : تنص المادة 194على ما يأتي :
" 1 - إذا مات الفضولي التزم ورثته بما يلتزم به ورثة الوكيل طبقاً لأحكام المادة717
فقرة 2 " .
" 2 - وإذا مات رب العمل بقى الفضولي ملتزماً نحو الورثة بما كان ملتزماً به نحو مورثهم ( ) " .
وتنص المادة 717 فقرة 2 على ما يأتي :
" وفي حالة انتهاء الوكالة بموت الوكيل يجب على ورثته ، إذا توافرت فيهم الأهلية وكانوا على علم بالوكالة ، أن يبادروا إلى إخطار الموكل بموت مورثهم ، وأن يتخذوا من التدبيرات ما تقتضيه الحال لصالح الموكل " .
يخلص من هذه النصوص أنه يجب التمييز بين فرضين : موت الفضولي وموت رب العمل .
889 - موت الفضولي " تنقضي الفضالة بموت الفضولي كما تنقضي الوكالة بموت الوكيل ، وبذلك تنقضي التزامات كل من الفضولي والوكيل ، أما ورثة الفضولي فيلتزمون التزاماً شخصياً مباشراً بما تلتزم به ورثة الوكيل . وهؤلاء ، إذا توافرت فيهم الأهلية وكانوا على علم بالوكالة ، يلتزمون بالمبادرة إلى إخطار الموكل بموت الوكيل ، وباتخاذ التدبيرات المناسبة لصالح الموكل تبعاً لما تقتضيه الحال بموت الموكل ، وباتخاذ التدبيرات المناسبة لصالح الموكل تبعاً لما تقتضيه الحال . بذلك أيضاً تلتزم ورثة الفضولي إذا كانوا كاملي الأهلية وعلى علم بالفضالة . فعليهم أن يخطروا رب العمل بموت مورثهم . وعليهم أيضاً أن يحافظوا على ما تم من عمل بأن يصلوا به إلى حالة لا يتعرض معها للتلف حتى يتمكن رب العمل من أن يباشر العمل بنفسه .
890 - موت رب العمل : هنا تختلف الفضالة عن الوكالة . فالوكالة تنقضي بموت الموكل ( م 714 ) ، ومتى انقضت وجب على الموكل أن يصل بالأعمال التي بدأها إلى حالة لا تتعرض معها للتلف ( م 717 فقرة 1 ) . أما الفضالة فلا تنقضي بموت رب العمل ، بل يبقى الفضولي قائماً بالتزامات نحو الورثة كما كان قائماً بها نحو رب العمل . ولا يكفي أن يصل الفضولي بالأعمال التي بدأها إلى حالة لا تتعرض معها للتلف ، كما تفعل ورثة الوكيل وكما نفعل ورثته إذا مات هو ، بل يجب عليه أن يستمر في العمل لصالح ورثة رب العمل الذين حلوا محل مورثهم .
والسبب في أن الفضالة لا تنتهي بموت رب العمل أن موقف الفضولي من ورثة رب العمل هو عين موقفه من رب العمل نفسه ، فهو فضولي بالنسبة إليهم كما كان فضولياً بالنسبة إلى مورثهم . فلا معنى لانقضاء الفضالة بموت رب العمل . وهذا بخلاف الوكالة ، فإن العلاقة بين الوكيل والموكل علاقة شخصية قامت على اتفاق بينهما ، فإذا مات الموكل لم يجيز الوكيل على البقاء في علاقة شخصية مع ورثة لم يتفق معهم على هذه العلاقة . أما أن كلا من الفضالة والوكالة تتقضى بموت الفضولي أو الوكيل ، فذلك لأن الفضولي أو الوكيل هو الذي يقوم بالعمل ، فلا محل لإلزام الورثة بما التزم به مورثهم .
ج - تقادم التزامات الفضولي :
891 - تنص المادة 197 على أنه " تسقط الدعوى الناشئة عن الفضالة بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه كل طرف بحقه وتسقط كذلك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق " ( ) .
ويستخلص من هذا النص أن الفضولي إذا لم يقم بالتزامات ، بأن لم يمض في العمل أو لم يخطر رب العمل بتدخله أو لم يبذل العناية الواجبة أو لم يقدر حساباً عن عمله ، فإن العمل يستطيع مقاضاته ليلزمه بتنفيذ التزاماته هذه عيباً أو بطريق التعويض .
وتسقط هذه الدعوى الناشئة عن الفضالة بأقصر المدتين : ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه رب العمل بحقه . أو خمس عشرة سنة من وقت نشوء هذا الحق . ومدة التقادم هذه هي عينها مدة التقادم في دعوى الإثراء بلا سبب وفي دعوى غير المستحق .
ونثير هنا إلى ما سبق أن قررناه في الدعويين الأخيرتين ، من أن التقادم بثلاث سنوات يتم غالباً قبل التقادم بخمس عشرة سنة . ولكن قد يقع أن رب العمل لا يعلم بحقه إلا بعد مدة طويلة ، إذا فرضناها أكثر من اثنتي عشرة سنة ، فإن الدعوى تتقادم في هذه الحالة بخمس عشرة سنة من وقت قيام التزام قبل تقادمها بثلاث سنوات من وقت علم رب العمل بحقه في الرجوع على الفضولي .
المطلب الثاني
التزامات رب العمل
892 - ما هي هذه الالتزامات وما هو مصدرها : تنص المادة 195 على أنه " يعتبر الفضولي نائباً عن رب العمل متى كان قد بذل في إرادته عناية الشخص العادي ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة . وفي هذه الحالة يكون رب العمل ملزماً بأن ينفذ التعهدات التي عقدها الفضولي لحسابه ، وأن يعوضه عن التعهدات التي التزم بها ، وأن يرد له النفقات الضرورية والنافعة التي سوغتها الظروف مضافاً إليها فوائدها من يوم دفعها ، وأن يعوضه عن الضرر الذي لحقه بسبب قيامه بالعمل . ولا يستحق الفضولي أجراء على عمله إلا أن يكون من أعمال مهنته " ( ) .
ويتبين من هذا النص أن رب العمل تترتب في ذمته التزامات أربعة :
1 - أن ينفذ التعهدات التي عقدها الفضولي بالنيابة عنه .
2 - أن يعوض الفضولي عن التعهدات التي عقدها هذا باسمه شخصياً .
3 - أن يرد إلى الفضولي النفقات الضرورية والنافعة التي سوغتها الظروف مضافاً إليها فوائدها من يوم دفعها ، وبأن يدفع له أجراً على عمله إذا كان العمل الذي قام به الفضولي يدخل في أعمال مهنته .
4 - أن يعوض الفضولي عن الضرر الذي لحقه بسبب قيامه بالعمل .
بقى أن نبين مصدر هذه الالتزامات الأربعة . فأول التزام منها - وهو الالتزام بتنفيذ التعهدات التي عقدها الفضولي بالنيابة عن رب العمل - مصدره النيابة القانونية . وهي نيابة أنشأها القانون بصريح العمل متى كان قد بذل في إرادته عناية الشخص العادي ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة " .
والالتزامات الثلاثة الأخيرة – تعويض الفضولي عن التعهدات التي عقدها باسمه ، ورد النفقات والأجر ، وتعويضه عن الضرر - مصدرها الإثراء بلا سبب . ومن هنا تتصل الفضالة بقاعدة الإثراء . ذلك أن الفضولي بما أداه من مصلحة لرب العمل قد تحمل تكاليف وتكبد نفقات وتجشم ضرراً ، فله أن يسترد هذه التكاليف وأن يسترجع هذه النفقات وأن يعوض عن هذا الضرر . وهو يسترد ما غرمه كاملاً ، لا في حدود إثراء رب العمل فحسب . وفي هذا يتميز الفضولي عن المفتقر لمصلحة الغير ، لأن الفضولي متفضل انصرفت نيته إلى تحقيق مصلح لرب العمل كما قدمنا .
ونستعرض ( أولاً ) التزامات رب العمل الأربعة ( ثانياً ) ما تشترك فيه هذه الالتزامات من أحكام ، تتعلق بأهلية رب العمل ، وبالأثر الذي يترتب على موت رب العمل أو موت الفضولي ، وبتقادم هذه الالتزامات .
التزامات رب العمل الأربعة
1 . الالتزام الأول - تنفيذ التعهدات التي عقدها الفضولي بالنيابة عنه :
893 - رأينا أن الفضولي قد يعقد تصرفاً قانونياً بالنيابة عن رب العمل فإذا كانت أركان الفضالة متوافرة في هذه الحالة ، فإن الفضولي يعتبر نائباً عن رب العمل . وهذه النيابة قانونية تقررت بنص في القانون كما رأينا ، بخلاف نيابة الوكيل عن الموكل فهي نيابة اتفاقية تقررت بعقد الوكالة . وينبني على ذلك أن العقود التي يبرمها الفضولي بالنيابة عن رب العمل ينصرف أثرها مباشرة إلى رب العمل ، في الحقوق التي أنشأتها وفي الالتزامات التي رتبتها ، فيعتبر رب العمل هو الدائن في هذه العقود أو المدين . وباعتباره مديناً يلتزم كما قلنا بتنفيذ الالتزامات التي رتبتها هذه العقود . ومن ثم نرى أن هذا الالتزام الأول إنما هو النتيجة المباشرة لفكرة النيابة التي تقوم عليها الفضالة ( ) .
ب - الالتزام الثاني - تعويض الفضولي عن التعهدات التي عقدها هذا باسمه شخصياً :
894 - قدمنا أن الفضولي قد يتعاقد باسمه شخصياً لمصلحة رب العمل فقد يتفق شخصياً مع مقاول لإصلاح منزل لرب العمل . فينشئ عقد المقاولة في ذمة الفضولي التزامات نحو المقاول . فيلتزم رب العمل في هذه الحالة أن يعوض الفضولي عن هذه الالتزامات . وإذا كان الفضولي هو الذي يؤديها للمقاول ، فإنه يرجع بما يؤديه على رب العمل ، مضافاً إليه الفوائد بالسعر القانوني ( 4في المائة ) من يوم أن أدى ، ذلك أن الالتزامات التي أداها تعتبر نفقات ترد بفوائدها على ما سنرى .
كذلك الكفيل إذا كان فضولياً بالنسبة إلى المدين الأصلي ، فكفله متطوعاً . لا مأموراً بالكفالة ولا منهياً عنها ، يلتزم التزاماً شخصياً نحو الدائن بأن يوفي له الدين إذا لم يوفه المدين الأصلي . فإذا أدى الدين للدائن ، رجع بدعوى الفضالة على المدين بما أداه ، مضافاً إليه المصروفات والفوائد القانونية ( )
جـ . الالتزام الثالث – رد النفقات الضرورية والنافعة ودفع الأجر :
895 - النفقات الضرورية والنافعة : يلتزم رب العمل أن يرد للفضولي " النفقات الضرورية والنافعة التي سوغتها الظروف ، مضافاً إليها فوائدها من يوم دفعها " . فإذا قام الفضولي بترميم منزل لرب العمل ، فإنه ينفق في ترميمه مصروفات ضرورية . وإذا ما جنى له محصولاً يسرع إليه التلف ، فإنه يدفع أجر الأيدي العاملة لجني المحصول ، وقد يرى من الخير أن يخزن المحصول تمهيداً لبيعه . فيدفع مصروفات التخزين ، وهذه المصروفات الضرورية ، والمصروفات النافعة التي سوغتها الظروف ( ) ، يرجع بها الفضولي على رب العمل . بل ويرجع بفوائد ما أنفق بالسعر القانوني ( 4 في المائة ) من وقت الإنفاق وفي هذا استثناء من القواعد العامة تقرر لمصلحة الفضولي ، فإن الفوائد القانونية لا تستحق طبقاً لهذه القواعد إلا من وقت المطالبة القضائية ( ) . ويلاحظ أن المصروفات النافعة يجب ألا تكون فاحشة ، فلا يجوز للفضولي أن يفرط في هذه المصروفات حتى لو كان النفع منها محققاً ، بل يجب أن يقف في هذا عند حد معقول لا يثقل كاهل رب العمل عند الرجوع عليه بها ( ) .
ويلاحظ أن التزام رب العمل في رد النفقات إلى الفضولي يعدل التزام الموكل في رد النفقات إلى الوكيل . وقد قررت المادة 710 هذا الالتزام الأخير على الوجه الآتي : " على الموكل أن يرد للوكيل ما أنفقه في تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد مع الفوائد من وقت الإنفاق ، وذلك مهما كان حظ الوكيل من النجاح في تنفيذ الوكالة " .
896 - الأجر : ويدخل ضمن النفقات أجر الفضولي إذا كان العمل الذي قام به يدخل في أعمال مهنته . فالمحامي والطبيب والمهندس إذا قام أحد منهم بعمل من أعمال مهنته فضالة لمصلحة الغير استحق أجراً على عمله ، فوق المصروفات التي أنفقها ، هو الأجر المعتاد لمثله .
أما إذا كان الفضولي قد قام بعمل لا يدخل في أعمال مهنته ، كطبيب رمم منزل جار له ، فإنه يأخذ أجراً على عمله ، ويقتصر على استرداد المصروفات الضرورية والنافعة على النحو الذي قدمناه ( ) .
ويلاحظ أن الوكيل كالفضولي لا يستحق في الأصل أجراً على عمله . وهو كالفضولي أيضاً في أنه قد يستحق الأجر إذا كانت أعمال الوكالة داخلة في أعمال مهنته . ويختلف عن الفضولي في أنه قد يتفق مع الموكل على أجر ، ولا يتصور هذا الاتفاق في حالة الفضولي مع رب العمل . وفي هذا المعنى تقول الفقرة الأولي من المادة 709 : " الوكالة تبرعية ما لم يتفق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيل " .
د . الالتزام الرابع - تعويض الفضولي عن الضرر الذي لحقه :
897 - قد يلحق الفضولي ضرر أثناء قيامه بالعمل؛يطفئ حريقاً فيتلف أمتعة مملوكة له ، شخصاً موشكاً على الغرق فيصاب بضرر وهو ينفذه ، يمسك بزمام فرس جامح فيصاب بجروح بليغة فإذا كان الضرر الذي أصابه لم يكن يستطيع أن يتوقاه ببذل المألوف من العناية ، وكان وقوعه عليه بغير خطأ منه ، فإنه يدخل ضمن التكاليف التي تجشمها أثناء القيام بعمله ، ويكون من حقه أن يرجع على رب العمل بتعويض عنه ( ) .
ٍويلاحظ أن حق الفضولي في تقاضي تعويض عما يصيبه من الضرر يعدل حق الوكيل في ذلك . وقد نصت المادة711 على أنه " يكون الموكل مسئولاً عما أصاب الوكيل من ضرر دون خطأ منه بسبب تنفيذ الوكالة تنفيذاً معتاداً " . ويلاحظ أيضاً أنه إذا تعدد رب العمل ، بأن قام فضولي مثلاً بعمل لمصلحة شركاء على الشيوع ، فلا تضامن بين أرباب العمل المتعددين في التزاماتهم نحو الفضولي ، إذ لا تضامن دون نص . وقد ورد النص في تعدد الفضولي ( م 192فقرة 3 ) ، وفي تعدد الوكيل ( م 707 ) ، وفي تعدد الموكل ( م 712 ) ، ولم يرد في تعدد رب العمل . والعلة في ذلك أن أرباب العمل إذا تعدوا قل أن توجد بينهم علاقة تسوغ قيام التضامن .
2 - ما تشترك فيه التزامات رب العمل من أحكام
( أهلية رب العمل - الأثر الذي يترتب على موت رب العمل أو موت الفضولي - تقادم التزامات رب العمل )
1 - أهلية رب العمل :
898 - لا تشترط أية أهلية في رب العمل . فمن لم يبلغ سن الرشد والمجحور عليه بل وغير المميز ، إذا قام فضولي بعمل لمصلحتهم ، التزموا نحوه بالالتزامات التي تقدم ذكرها . ذلك أن التزامات رب العمل مصدرها الإثراء بلا سبب كما قدمنا ، وقد رأينا أن المثري يلتزم برد ما أثرى حتى لو كان غير مميز . وتردد الفقرة الثانية من المادة 196هذا المعنى إذ تقول : " أما رب العمل فتبقى مسئوليته كاملة ولو لم تتوافر فيه أهلية التعاقد ( ) " .
ويصح أن يكون رب العمل شخصاً معنوياً ، كشركة أو جمعية أو مؤسسة أو جهة وقف
ويلاحظ أن الفضولي إذا عقد تصرفاً قانونياً باسم رب العمل نيابة عنه ، فإن الأهلية الواجبة لهذا التصرف يجب أن تتوافر في رب العمل حتى ينصرف إليه مباشرة أثر التصرف ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك
ب - أثر موت رب العمل أو موت الفضولي في التزامات رب العمل :
899 - لم يرد نص يبين موت رب العمل أو موت الفضولي في التزامات رب العمل ، كما ورد النص الذي يبين هذا الأثر في التزامات الفضولي ( م 194 ) . فيجب هنا تطبيق القواعد العامة ، وتطبيقها يؤدي إلى النتائج الآتية :
إذا مات رب العمل فإن التزاماته تبقى في تركته واجبة للفضولي ، على ورثة رب العمل أن يؤدوا هذه الالتزامات من التركة .
وإذا مات الفضولي ، بقى رب العمل ملتزماً نحو ورثته . فيرد إليهم المصروفات الضرورية والنافعة وأجر الفضولي إذا استحق أجراً ، ويعوضهم عن الالتزامات الشخصية التي عقدها الفضولي باسمه وعما لحق به من الضرر وكل هذه الحقوق تدخل في تركة الفضولي وتنتقل إلى ورثته بعد موته .
جـ – تقادم التزامات رب العمل :
900 - سبقت الإشارة إلى المادة 197 ، وهى تنص على سقوط الدعوى الناشئة عن الفضالة بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه الفضولي بحقه ، وبانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه حق الفضولي . فالدعوى التي يرفعها الفضولي لمطالبة رب العمل بحقوقه ، من استرداد المصرفات والتعويض والأجر وما إلى ذلك ، تتقادم بأقصر مدتين : ثلاث سنوات من وقت علمه بقيام حقه أو خمس عشرة سنة من وقت علمه بقيام حقه أو خمس عشرة سنة من وقت قيام هذا الحق وقد تتقادم الدعوى بخمس عشرة سنة قبل تقادمها بثلاث سنوات إذا لم يعلم الفضولي بقيام حقه إلا بعد نشوء هذا الحق بأكثر من اثنتي عشرة سنة . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في مواطن متعددة .
أما في الوكالة فلا تتقادم التزامات كل من الموكل والوكيل إلا بانقضاء خمس عشرة سنة من وقت نفاذ هذه الالتزامات ، لأنها تعاقدية تقوم على إدارة المتعاقدين ( ) .