مقتطفات من ازهار الدعاوى والبينات (3)
بقلم القاضي : حافظ محمد الفرح
فصل : في دعوى منع التعرض مقصدها وعدم اشتراط حصول الضرر لرفعها
الظاهر بان المقصد من دعوى منع التعرض هو حماية الحيازه من الاعتداء عليها لذلك تسمى في الفقه القانوني بدعوى وضع اليد وقد قرر القضاء المقارن بأنه لاضير اذا أعتبر قاضي الموضوع بأن دعوى منع التعرض هي دعوى استرداد حيازه والحكم فيها على هذا الاساس ذلك أن كلا الدعويين أساسهما واحد وهو الحيازه القانونيه وهدفهما وغايتهما واحده وهي حماية الحيازه من الاعتداء عليها
فالقاضي الذي يتحرى الحق يجب أن يغوص في المعاني وينزل النص القانوني على الوقائع وفق هدى الشرع ومقاصد المشرع ولايضيق بظواهر الالفاظ فهذه دعوى يكيفها القاضي الى دعوى اخرى ويحكم بها
يجب أن يقف القاضي على كنه التعرض المادي وهل ذلك العمل يعد تعرضا وطالما عد تعرضا فهو إعتداء على الحيازه يجب منعه بعدم الاستمرار فيه وازاله ما ترتب عليه من عدوان ان وجد كازالة ما تم من بناء في الارض او قلع ما تم زراعته فيها
وقد قرر القضاء المقارن كذلك بانه لايشترط حصول الضرر من التعرض ويكفي ان المتعرض قد عكر صفو الحيازه ونازع الحائز فيها وتضمن فعله انكارا له
فصل : في تجريم الحيازه غير المشروعه وحمايه الحيازه المشروعه
اذا ترجح اعتبار الحيازه المشروعه بشروطها الشرعيه والقانونيه معيارا للتفرقه
بين الحمايه المدنيه والجنائيه فيما يتعلق بوقائع الاعتداء على ملك الغير فان من الواجب ضرورة تجريم كل فعل يقصد به الحيازه غير المشروعه حتى يتفق ذلك عقلا ومنطقا مع هذا الاعتبار الفقهي
فإن من يغتصب ارضا مملوكة لغيره دون حيازه سابقه فيبني فيها او يزرعها فان ذلك الفعل يعد وجها من اوجه الحيازه غير المشروعه التي اطلق عليها فقهاء الشرع باليد الظالمه ووردت ضمن تفسير بعض الفقهاء للعرق الظالم المذكور في الحديث المشهور (( وليس لعرق ظالم حق ))
ومما يؤكد سلامة ذلك الترجيح أن المشرع اليمني قد جرم في نص الماده 323 عقوبات مجرد إزالة أونقل أو إتلاف علامه فاصله بين ملكين وشدد العقوبة اذا كان ذلك الفعل بقصد أغتصاب أرض مملوكة للغير فهل من المعقول تجريم مجرد القصد الى اغتصاب أرض الغير ولا يجرم الاغتصاب للارض نفسها
لذلك يمكن القول بان كل فعل يقصد به الحيازه غير المشروعه هو نزاع جنائي وكل
ما لايعد تعد على الحيازه المشروعه فهو نزاع مدني
فصل: في ازالة الاشكال حول ثبوت الضرر في البناء في ارض الغير من غير مستند ولابرهان
يقسم بعض الفقه الاسلامي الملك للمال الى الملك المقيد والملك المطلق ويعرف الملك المقيد بأنه الملك المستند الى المحررات الشرعيه الصحيحه الخاليه من شبهة التزوير
ويعرف الملك المطلق بأنه الملك المستند الى الثبوت أي الحيازه بشروطها الشرعيه والقانونيه لذلك اطلق عليها المشرع اليمني حيازة ملك ثبوت
وقد جرم المشرع اليمني التعدي على ملك الغير والاضرار به وعدد صور ذلك التعدي في نص الماده 321 عقوبات
فسواء كان المجني عليه مالكا ملكا مطلقا أوملكا مقيدا فان ملكه جدير بالحمايه في حال ثبوت الاضرار به ولا اشكال في حماية النص القانوني للحيازه والملكيه معا
إنما الاشكال في بعض صور الاعتداء كالبناء في الاراضي بقصد حيازتها وتملكها اذ يعتبر البعض ان هذه الصورة لاتدخل تحت النص لانها ليست تخريبا ولاهدما ولا اعداما للمال ولا لاتعطيلا له ولا اضرارا به
وفي الحقيقه أن هذه الصورة داخله في مفهوم النص
فالاستيلاء على الارض وحيازتها بطريقة غير مشروعه اولى بالحماية من مجرد الهدم او التخريب
وقد أشتبه الامر على البعض فقالوا كيف يعد البناء إضرارا بالارض وهو استصلاح وتعمير لها والجواب على ذلك بأنه ولما كان ذلك الاعمار بغير حق فهو اضرار ومفسده للمال وتعطيل لمنافعه ويؤكد صحة ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى البناء والزرع والغرس في مال الغير عرقا ظالما فنسب الظلم الى البناء والغرس والزرع في ارض الغير بغير حق ووصفه بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم :: من أحيا ارضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق )) أي ليس لصاحب العرق الظالم حق فيما بناه اوزرعه اوغرسه في مال الغير
لذلك فادراج البناء او الزراعه او الغرس في ارض الغير بدون وجه حق في مفهوم نص الماده 321 عقوبات هو من الاجتهاد الذي له وجاهته لاسيما وقد بوب المشرع تلك الوقائع بعنوان الاعتداء على ملك الغير وفي ذلك اشاره الى ادخال كل صور الاعتداء ضمن نصوص ذلك التبويب سوا من خلال مفهوم نص الاضرار بمال الغير او من خلال معاني الاضرار والتعطيل الوارده في النص نفسه وقد سبق الايضاح ان نسبة الظلم للبناء والزرع والغرس لايعني سوى الاضرار بالمال وتعطيل منافعه
ومما يجدر الاشارة اليه أن الاجتهاد في ادراج نفس الواقعه ضمن مفهوم نص الماده253 عقوبات له وجاهته أيضا اذ ان دخول عقار الغير خلافا لاراده صاحب الشأن يعد جرما فمن باب اولى تجريم افعال من قام بالبناء والغرس او الزرع فيه
الا أن الاشكال فيه أن المشرع قد بواب هذه الواقعه بانتهاك حرمة مسكن الغير ضمن وقائع الاعتداء على الحرية الشخصيه
وبذلك يتضح أن ادراج هذه الواقعه ضمن احد النصين المذكورين لم يخل من الاشكال
الا أن الاجتهادين لهما حظ من النظر الشرعي اذ الواجب من الناحيه الشرعيه هو تجريم هذه الواقعه ومعاقبة الجاني على فعله سواء ضمن نص الماده 321 او نص الماده 253 عقوبات ولكل مجتهد نصيب
فصل ::في بعض القواعد والضوابط القانونيه في الحيازه والملكيه
1- الحيازه أعلى مراتب الملكيه وأساس الفرق بين الحماية المدنيه والجنائيه
2- ما كان فيه تعدى على الحيازه فهو نزاع جنائي ومالاتعدي فيه على الحيازه فهو نزاع مدني
3- اليد يفرق بها بين المدعي والمدعى عليه لابين المعتدي والمعتدى عليه
4- لاحيازة لمن أقر بالملكيه لغيره
ولا ملكية لمن كان حائزا لغيره
5-من تمسك بدعوى الحيازه قبلت منه دعوى الملكيه لا العكس
6- الحمايه المستعجله لاتمس موضوع الحق والحمايه الموضوعيه تتعرض لأصل
الحق
المقصود بنفي الحيازه اي الحيازه التامه لان المقر بالملك لغيره حيازته ناقصه فلاحيازه ملك له
والمقصود بالعكس في دعوى الحيازه والملكيه أن من ادعى الملكيه لاتقبل منه دعوى الحيازه أي حيازة الملك ذلك أن الحيازه دليل الملكيه واعلى مراتبها وادعائه بالملك المجرد من الثبوت مرتبة اضعف فتمسكه بالاضعف دليل على عدم صحة غيرها بعد ذلك وان كانت ملكيته أقوى فلاحاجة لما دونها لذلك كان الاصل التمسك بالحيازه فان لم يستوفي شروطها فله تقديم دعوى الملك لا أن يدعي الملك ثم يدعي الحيازه ذلك أن من شروط الحيازه ادعاء الملك فاذا لم يثبت الملك فمن باب اولى لن تثبت الحيازه فكانت غير مقبوله
والمقصود باختصاص الحمايه الموضوعيه بالتعرض لموضوع الحق هو الخوض في الملكيه والوقوف على سببها من مستندات وغيرها او الوقوف على الحيازه الموضوعيه بكافة شروطها
اما الحمايه المستعجله فيكتفى فيها بالواقع اوالظاهر فمن أثبت حيازته الماديه مدة معلومه كانت تلك الحيازه الناقصه قرينة على الحيازه التامه فاذا توفر شرط الاستعجال كخشية فوات الوقت لزم الحكم مع ملاحظة
أنه ليس للطرف الاخر أن يدفع بالملك أنما له أن يدفع بعدم صحة الحيازه لاختلال شرط
من شروطها المعروفه واذا أبرزت المستندات من احدهما فتعد مستندات حيازه لا ملكيه يكتفي بالاطلاع الظاهري عليها دون الخوض فيها ويكون الحكم الوقتي باعادة الحيازه او منع التعرض او وقف الاعمال الجديده
فالحمايه المستعجله تحمي المركز القانوني للحائز حمايه مؤقته تنتهي بصدور حكم في موضوع الحق فاللمحكوم عليه الحق في تقديم دعوى موضوعيه بالملك او الحيازه
ويحصل على الحمايه الموضوعيه كالحكم بالملكيه اوالحيازه المانعه لسماع دعوى الملك فهي حمايه لنفس الحق دائمه لامؤقته
فصل : في بعض المعالجات الواقعيه والتشريعيه للتخفيف من مشاكل الاراضي وحمايه الحيازه وفقا للشرع والقانون
الحقيقه ان التخفيف من مشاكل الاراضي يقتضي وجود معالجات واقعيه وتشريعيه بالاضافه الي قيام النيابات والمحاكم بواجبها وفقا للقانون
ومن تلك المعالجات الاهتمام بحسن اختيار الامناء الشرعيين والعاملين في السجل العقاري وتفعيل دور القضاء المستعجل ومن الاولى تجاوبا لضرورات الواقع انشاء محكمه لقضايا الدعاوى المستعجله الخاصه بالاراضي وهي دعوى منع التعرض ودعوى استرداد الحيازه ودعوي وقف الاعمال الجديده وغيرها من الدعاوى المتعلقه بالاراضي ويلزم تعيين قضاه اكفاء في تلك المحكمه وتخصيص قاضي متفرغ لتنفيذ الاحكام فور صدورها وفقا للقانون
ومن تلك المعالجات عمل دورات تدريبيه لبعض اعضاء النيابات فيما يخص التحقيق والتصرف في قضايا الاعتداء على الحيازه والخروج برؤيه متكامله بشان مكامن القصور وتلافي ذلك مستقبلا
كما يلزم اعاده النظر في النصوص القانونيه المتعلقه بحمايه الحيازه بما يضبط الفارق الدقيق بين الحمايه الجنائيه والمدنيه وكذا النص علي شروط الحيازه الجديره بالحمايه الجنائيه ومن ذلك شرط المده الزمنيه للحيازه فمثلا المشرع المصري حسم معيار التفرقه بين الحمايتين المدنيه والجنائيه ونص علي شروط الحيازه ومن ذلك شرط المده ومعيار التفرقه هو القوة فاذا كان التعدي على الحيازه دون استخدام القوة فهذا جانب مدني تحميه الدعوى المستعجله او الدعوى المدنيه الموضوعيه واذا كان التعدي قد صاحبه القوة علي الاشياء او الاشخاص فهنا تكون الحمايه جنائيه فمعيار التفرقه واضح في القانون المصري
اما المشرع اليمني فقد جعل استخدام القوة ظرفا مشددا للعقوبه وليس معيارا للتفرقه بين الحمايتين كما انه جعل الحمايه الجنائيه للحيازه وللملكيه ايضا حسب الظاهر من النصوص القانونيه والله الهادي الى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل