ورد تخيير الأولاد في
المادة التي تنص على الكفالة والتي تكون بعد انتهاء مدة الحضانة المقررة للذكر والأنثى
وفقا لقانون الأحوال الشخصية .
و قد تكلم قانون
الأحوال الشخصية في الكتاب الثالث ،الباب الأول ، الفصل الرابع عن الكفالة في
المادة (148) التي نصت بقولها : (( متى استغنى بنفسه الولد ذكرا أو أنثى خير بين
أبيه وأمه عند اختلافهما مع وجود المصلحة وإذا اختلف من لهم الكفالة غير الأب والأم
أختار القاضي من فيه المصلحة للولد بعد استطلاع راية))
أما إجابتنا على
السؤال : فمن خلال النظر إلى المادة يتضح أن التخيير لا يكون إلا عند استغنى الولد
بنفسه ذكرا كان أو أنثى ، وعند الاستغنى واختلاف كل من الأب والأم فيمن له الأحقية
بكفالة الأولاد مع لجؤهم إلى القضاء فإن الواجب على القاضي هو إعمال نص المادة وذلك
بتخيير الأولاد بين أبيهم وأمهم مع نظرته ومراعاته لمصلحة الأولاد و وبغض النظر
عمن سيختارونه كون المصلحة تكمن بما تبناه الشرع فيجب عليه مراعاة مصالحهم وذلك بان
يراعي (أين يكمن حفظهم وإعدادهم تربويا وأين يكمن مستقبلهم الذي يبنى على أساس متين
من الأخلاق القويمة والسلوك الحسن فمصلحة الطفل هي الغاية للشرع ، فمثلا قد يتعرض
الولد من ضمه الأب أو الأخ ونحوهم إلى الضرب المبرح من زوجاتهم ولم يستطيع الكافل حمايته
منهن أو كان يخشى على البنت من ضمها إلى الجد أو عمها ونحوه من التعرض للفتنة من أولادهم
البالغين او من استيلائه على مالها فعلى الحاكم النظر فيه ونقله إلى آمين عليها ،
والتخيير لا يقصد قطعا أن الحق لمن اختاره مطلقا وإن كان كافرا أو عاجزا أو غير أمين
عليه لأن ذلك لا يحقق مصلحته ولا درء المفسدة عنه).
·
ومن ذلك ما ورد في كتاب العلامة / محمد بن يحيي المطهر/
أحكام الأحوال الشخصية من فقه الشريعة الإسلامية ص 619،620
وما
يدل على أن المصلحة هي غاية الشرع : حديث البراء بن عازب أن ابنة حمزه اختصم فيها
علي وجعفر وزيد فقال علي أنا أحق بها هي أبنة عمي وقال جعفر بنت عمي وخالتها تحتي
وقال زيد ابنة اخي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بخالتها وقال الخالة
بمنزلة الأم متفق عليه ورواه أحمد أيضا من حديث علي وفيه :
(
والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة ).
...
واستشكل كثير من الفقهاء وقوع القضاء منه صلى الله عليه وسلم لجعفر وقالوا أن كان
القضاء له فليس بمحرم لها وهو وعلي سواء في قرابتها وان كان القضاء للخالة فهي
مزوجه وزواج الام مسقط لحقها في الحضانة وسقوط حق الخالة للزواج اولى واجيب عن ذلك
بأن القضاء للخالة والزواج لا يسقط حقها من الحضانة مع رضى الزوج .
الامام الشوكاني/ نيل الاوطار من احاديث سيد الاخيار-
ص768
فهذا
الحديث أورده الامام الشوكاني في باب الكفالة ومع أن فقهاء الشريعة الاسلامية
اختلفوا في تخيير الانثى البعض منهم قالوا بأن الام احق بها مستدلين بهذا الحديث
وغيره من الاحاديث والبعض الآخر قالوا بالتخيير ومع ذلك فما استحق الطفل هي الاهم
وهذا ما يفهم من حديث البراء بن عازب حين قضى الرسول صلى الله عليه وسلم بالطفلة
لخالتها لأنها أحق بكفالتها فهي بمنزلة الأم .
كما
ذكر العلامة محمد يحيى المطهر بقوله وأن للذكر لا الانثى بعد ذلك التخيير فيمن
يكفله من الاب أو الأم وكذا فيمن بعدهما وأن الحاكم إذا رأى المصلحة للطفل أن يكون
عند احدهما فله ذلك لأن الغاية المرادة للشرع هو تحقيق المصلحة للطفل.
محمد بن يحيى المطهر/المرجع السابق – ص636
وكون
المصلحة يتطلب الأمر فيها من القاضي التمعن والتحري الأمر الذي قد يستغرق من
القاضي وقتا لا يمكن التحقق منها مباشرتا أثناء تخيير الأولاد ، فمثلا قد يختار الولد
من يلبي له رغباته ويتركه كما يشاء ولا يختار الشخص الذي يقسو عليه لغرض مصلحته
كإجباره على الدراسة وغيرها من الأمور .
وقد
تكلم الامام الصنعاني بقوله :- حديث ابي هريره ... والحديث دليل على أن الصبي بعد
استغنائه بنفسه يخير بين الام والأب واختلف العلماء في ذلك فذهب جماعة قليلة إلى
أنه يخير الصبي عملا بهذا الحديث وذهبت الهادوية والحنفية الى عدم التخيير وقالوا
الأم أولى به الى أن يستغني بنفسه فإذا استغنى بنفسه فالأب أولى بالذكر والأم أولى
بالأنثى ووافقهم مالك في عدم التخيير لكنه قال أن الأم أحق بالولد ذكراً أو انثى
قيل حتى يبلغ وفي المسألة تفاصيل بلا دليل واستدل لفات التخيير بعموم حديث انتي
احق به ما لم تنحكي قالوا ولو كان الاختيار للصغير ما كانت احق به واجيب بأنه أن
كان عاماً في الازمنة أو مطلقاً فيها فحديث التخيير يخصصه أو يقيده وهذا جمع بين
الدليلين فإن لم يختر الصبي أحد أبويه فقيل يكون للأم بلا قرعة لأن الحضانة حقا
لها وأن ما ينتقل عنها بإختياره فإذا لم يخير بقي على الأصل إلا أنه قال في الهدي
النبوي إن التخيير والقرعة لا يكونان الا اذا حصلت به مصلحة الولد فلو كانت الأم
اصون من الأب وأغير منه قدمت عليه ولا التفات الى القرعة ولا اختيار الصبي في هذه
الحالة فإنه ضعيف العقل يؤثر البطالة واللعب فإذا اختار من يساعده على ذلك فلا
التفات الى اختياره وكان وعند من هو انفع له ولا تحتمل الشريعة غير هذا فإذا كانت
الام تتركه في المكتب أو تعلمه القرآن والصبي يؤثر اللعب ومعاشرة اقرانه وابوه
يمكنه من ذلك فإنها أحق به ولا تخيير ولا قرعه وكذلك العكس .
سبل
السلام في شرح بلوغ المرام / الامام محمد بن إسماعيل الصنعاني – ص1177.
وعند
العودة الى المادة (148) نجد أنها ذكرت التخيير أولا ثم نصت على ضرورة مراعاة القاضي للمصلحة بقولها:
(متى استغنى بنفسه الولد ذكراً أو انثى خير
بين ابيه وأمه عند اختلافهما مع وجود المصلحة ).
فالمقصود
بعند اختلافهما اختصامهما ونزاعهما على كفالة الولد أو الانثى فالمتعين اعمال نص
المادة بتخيير الولد أو الانثى اولا ومن ثم اعمال ومراعاة مصلحتهم وهذا لا يكون
الا قبل الحكم بالتخيير .
ومن الأدلة التي
تؤكد وتثبت أن التخيير يكون قبل الحكم مايلي:-
1- عن ابي هريره أن النبي
صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه
رواه أحمد وابن ماجه ، وفي رواية عن أبي داود أن إمراءة جاءت فقالت يا رسول
الله إن زوجي يريد ان يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم – (إستهما عليه) فقال زوجها : من يحاقني في ولدي ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( هذا أبوك ، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ
بيد أمه فانطلقت به)) .
أنظر نيل الاوطار من أحاديث سيد الأخيار للإمام
الشوكاني – ص770.
انظر الفقه المنهجي على مذهب الأمام
الشافي
د/ مصطفى الحسن /د/مصطفى البناء /د/
علي الشريحي ص – 185
فهذا
الحديث دليل على أن التخيير يكون قبل الحكم كون أباء الغلام وأمه تنازعا عليه عند
رسول الله بعد انتهى مدة حضانة أمه له فخيره صلى الله عليه وسلم بين أبيه وأمه فأختار
أمه ، مع مراعاته عليه الصلاة والسلام للمصلحة المتمثلة بنفع هذا الغلام لأمه كونها
هي التي ربته وسهرت عليه أثناء ما كان صغيرا لا ينفعها بشيء وهذا ما ذكره العلامة محمد بن علي الشوكاني في
كتابه نيل الأوطار أن معنى قوله :
( خير غلاماً ) فيه
دليل على أنه اذا تنازع الأب والأم في ابن لهما كان الواجب هو تخييره فمن
اختاره ذهب به وقد اخرج البيهقي عن عمر انه خير غلاما بين ابيه وأمه واخرج أيضا عن
علي انه خير عمارة الجذامي بين امه وعمته وكان ابن سبع او ثمان سنين وقد ذهب الى
هذا الشافعي واسحابه واسحاق بن راهويه وقال : احب أن يكون مع الام الى سبع سنين ثم
يخير وقيل الى خمس وان لم يختر اقرع بينهما وكذلك قوله ( من يحاقني) أي من يخاصمني
في ولدي فالحقاق والاحتقاق بمعنى الخصام والاختصام كما هو في القاموس .
العلامة
محمد بن علي الشوكاني – المرجع السابق- ص770
2- ومن ذلك أيضا حكي ابن
القيم عن شيخه في زاد المعاد انه تنازع شخصان عند بعض الحكام على ولدهما فخيره الحاكم
بينهما فأختار أباه ، فقالت الأم إسالة لأي شيء يختار أباه فسأله ، فقال أمي
تبعثني كل يوم للكتاب أي المدرسة والفقيه يضربني وأبي يتركني للعب مع الصبيان فقضى
به للأم وقال أنت أحق به / قال وليس عن الشارع نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقا
ولا تخيير للولد بين الأبوين مطلقا والعلماء متفقون على انه لا يتعين احدهما مطلقا
بل لا يقدم ذ و العدوان والتفريط على البر العادل وهذا هو الأرجح – وكذلك ذكر
الشوكاني واعلم أنه ينبغي قبل التخيير والاستهام ملاحظة ما فيه مصلحة للصبي فإذا
كان أحد الأبوين اصلح للصبي من الآخر قدم عليه من غير قرعة ولا تخيير هكذا قال ابن
القيم واستدل على ذلك بأدلة عامة نحو قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا قو انفسكم
واهليكم نارا ) وزعم أن قول من قال بتقديم التخيير او القرعة مقيد بهذا .
العلامة الشوكاني/المرجع السابق- ص771.
فهذا دليل أيضا على أن التخيير لا يكون إلا قبل
الحكم أمام الحاكم أو القاضي .
3- وكذلك حديث رافع بن
سنان رضي الله عنه ( أنه اسلم وابت امرأته أن تسلم فأقعد النبي صلى الله عليه وسلم
الام ناحية والأب ناحية وأقعد الصبي بينهما فمال إلى أمه وقال اللهم اهده فمال إلى
ابيه فأخذه ) اخرجه ابو داوود والنسائي
وصححه الحاكم .
في
الحديث دليل على ثبوت حق الحضانة للأم الكافرة وأن كان الولد مسلماً وذهب الجمهور
الا أنه لا حق لها مع كفرها قالوا لأن الحاضن يكون حريصا على تربية الطفل على دينه
ولأن الله تعالى قطع الموالاه بين الكافرين والمسلمين وجعل المؤنين بعضهم اولى
لبعض .
الامام الصنعاني- المرجع السابق- ص1178.
4- عمل كبار الصحابة
بالتخيير في رواية عبد الرزاق عن أبي بكر أنه قال لعمر دعه حتى يشب ويختار لنفسه كما
روى هو وغيره أن عمر خير غلاماً بين أبيه وأمه وقال في آخر هو مع أمه حتى يعرب عنه
لسانه فيختار وكذا عن أبي هريره كما سبق وكذا عن علي رضي الله عنه فقد روى الشافعي
عنه في الأم عن ابن عيينه عن انيس بن عبدالله عن عماره بن ربيعه الجرمي انه تخاصم
فيه امه وعمه إلى علي بن ابي طالب قال فخيرني وأنا أبن سبع أو ثمان سنين وفي رواية
قال فخيرني ثلاثاً كلهن اختار امي وقال ومعنا اخ صغير فقال وهذا لو بلغ مبلغ هذا
لخيرته فهذا دليل على أنه بعد استغنائه عن الحضانة يخير الذكر فقط وهو مخصص أو
مقيد بالحديث السابق أنتي أحق به ما لم تنكحي لأن ذاك عام في الزمان أو مطلق فخصصه
هذا الحديث لأن حقها فيه ليس إلا في حالة عدم استغنائه عنها وقيده بتخيير بعد
الاستغناء حسب القاعدة الاصولية في العام والخاص ومطلق ومقيد فإذ لم يختر اقرع بينهم
فيه وله أن يختار بعد ذلك ولو تكرر ما لم يضر تنقله بمصلحته لأن التخيير مع عدم
الضرر فيه حق متجدد له وعليه اتفقت الفاظ الحديث.
محمد بن يحيى المطهر- المرجع السابق- 618- 619.
5-
كما أن من ذلك ما ورد في مجموعة القواعد القانونية
والقضائية
القاعدة
رقم (53) التي تنص :- الحضانة للأولاد لمن هو بحاجة إليها والكفالة لمن لم يعد
بحاجة إليها حق للأم ولها الأولوية على المنصوب باعتبارها أحن الناس وار أفهم على أولادها
.
ومن ذلك الحكم
(( .... بأن على المدعى عليه تسليم أولاد المدعية كون الحق لها في حضانة أولادها
وقد جاء في الطعن .... أن المدعية أم الأولاد قد أصبحت غير صالحة لحضانة أولادها وأنه
تسلمهم من إدارة المباحث لمعرفتهم بمشاركة لأخويها من قبل والد الأطفال وقد ردت الطاعنة
بالنقض لما جاء في الطعن ... هذا أو بعد المداولة وجدنا ما قرره الحاكم وايديته
فيه محكمة استئناف محافظة تعز موافقا لما تبين أن للأم حق حضانة من هو بحاجة إلى حضانة
وكفالة من شب عن الطوق...))
جلسة
14/شعبان 1420هـ - الموافق 22/11/99م ص 393
6- وأيضا القاعدة رقم (51)
التي تنص (( الحكم ببقاء الابن .. لدى أمه محل نظر لسببين احدهما : أن كلام أهل
المذهب أن الأب أحق بالذكر بعد بلوغه طور التمييز الثاني أنه قد أعرب عن نفسه بأنه
لا يمانع من البقاء لدى الأب أو الأم لذلك فالأب أولى به)) .
ومما ورد في ذلك الحكم:
(( وبعد
المداولة والتأمل وإمعان النظر وجدنا ما قرره الحاكم وأيدته فيه محكمة استئناف أمانة
العاصمة بالنسبة لبقاء بنتي المدعى لدى والدتهما اختيارهما والداتهما وفيما يتعلق
بمقدار النفقة موافقا.))
أما فيما يخص الابن فالحكم ببقائه لدى امه محل
نظر لسببين هما :
الأول: أن كلام
أهل المذهب أن الأب أحق بالذكر بعد بلوغه طور التمييز
السبب الثاني:-
أنه
قد أعرب عن نفسه بأنه لا يمانع من البقاء لدى الأب أو الأم " لذلك فالأب
أولى به"
مجموعة القواعد القانونية
والقضائية
طعن 460 لسنة 1420 هـ جلسة
8/11/1999م ص 388
7- كما أن الأحكام
النهائية الصادرة من المحاكم الابتدائية يشترط القانون فيها أن تكون فاصله بموضوع الدعوى
ومسببه فمثلا لو رفعت أمام المحكمة دعوى بتخيير
الأولاد فأن الواجب على القاضي هو تخيير الأولاد كما أن عليه مراعاة مصالحهم حتى
ولو تعارضت مع اختيارهم وبالتالي فأنه يتعين عليه إصداره حكما فاصلا في ذلك
الموضوع يبين فيه من أحق بكفالتهم ومراعيا في ذلك مصلحتهم ؟
خلاصة
البحث
اعطى
قانون الاحوال الشخصية في المادة (148) الحق للصغير في اختيار من يرعاه ويقوم
بشئونه لكن حق الصغير ذكرا كان أم أنثى مقيدا في اختيار من يريد العيش معه بتوافقه
مع مصلحته التي يجهلها نظراً لضعف عقله وقصوره في عدم فهم أي تكمن مصلحته فمثلا قد
يختار من يجعله يلعب ويمرح على هواه ويترك من يقسوا عليه لأجل مصلحته كما سبق أن
بيناه في البحث ولذا اعطت المادة للقاضي الحق والصلاحية في مخالفة اختيار الصغير
اذا رأى أن مصلحته تكمن في غير الشخص المختار من قبله وبالتالي أورده التخيير أولا
ثم اعطت بالمصلحة التي يلزم على القاضي مراعاتها ، ومن هنا يمكن القول بالجزم
واليقين أن تخيير الاولاد يكون قبل الحكم لا بعده استنادا الى المادة (148) من
قانون الاحوال الشخصية اضافة الى ما أوردناه من الأدلة التي تثبت جميعها أن
التخيير يكون قبل الحكم كما أنه لا يثبت أي دليل يستدل فيه أن القاضي أو الحاكم
يحكم بتخيير الأولاد دون أن يخيرهم ثم يقوم بتخييرهم بعد صدور الحكم.
خلاصة
قولنا أن المصلحة هي أهم من التخيير ولذا يلزم على القاضي مراعاتها بقبل اصدار
حكمه .
وهذا
وبالله التوفيق،،،