recent
جديد المشاركات

تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في القانون اليمني القاضي/ فهيم عبدالله محسن رئيس المحكمة التجارية بأمانة العاصمة

الحجم


تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في القانون اليمني
القاضي/ فهيم عبدالله محسن
إعلان منتصف المقال
 رئيس المحكمة التجارية بأمانة العاصمة

مقدمة:
كان من شأن زيادة معدل التجارة الدولية، ونموها، ونتيجة لتطور العلاقة التجارية بين شعوب العالم، بعد أن أصبح العالم اليوم مجرد قرية اقتصادية واحدة في ظل الاتفاقيات الدولية للتجارة، وأصبحت حدود الدول مفتوحة على بعضها البعض في ظل تلك الاتفاقيات وأصبحت قارات بأكملها لاتملك حدوداً اقتصادية كما هو الآن الحال في أوروبا التي جعلت حدود فيما بينها مفتوحة وتخطت عبر الحدود الى دولٍ أخرى تقترب منها من حيث المصالح الاقتصادية كدولنا العربية على سبيل المثال، وفي ظل كل ذلك التزاحم كشفت فيها النظم الوطنية والقضائية عن قصورها في بلوغ حد الكفاية لمواجهة عقود التجارة الدولية، والتصدي لتسوية ما ينشأ عنها من منازعات، وهي منازعات تحكمها في الغالب أعراف وعادات ذات طابع فني متخصص نشأت في ظل ولادة الاتفاقيات الجديدة، وقد أسهم قضاء التحكيم في إرساء قواعدها بعيداً عن سلطان الدولة وقضاء المحاكم الوطنية•
وبحكم أن بلدنا -اليمن- جزء من هذا العالم لم يكن بعيداً عن تلك المتغيرات، وكانت اليمن من ضمن الدول العربية التي لم تقف موقف المتفرج على ما يدور حولها في عالم التحكيم، بل سعت جاهدة الى ترسيخ اللبنات الأولى في بنائها التشريعي والقضائي، بما يخدم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية(1)، واليوم تتبوأ اليمن مركزاً متميزاً في مجال التحكيم التجاري الدولي منذ انضمامها الى الاتفاقية الدولية الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى المعروفة باتفاقية واشنطن في 17/12/1966م لتنسيق القانون التجاري الدولي وتوحيده L-UNCITRAL مما كان ذلك سبباً لإيجاد أول مركز يمني للتحكيم يقوم على أساس العمل المؤسسي وبنظم التحكيم الحديث وهذا المركز هو المركز اليمني للتوفيق والتحكيم وجعل مقره الرئيسي في صنعاء وأتمنى أن أرى له فرعاً في عدن باعتبار أن محافظة عدن هي أكثر محافظات اليمن الموعودة بحركة تجارية بحكم وجود الميناء الرئيسي لليمن••• وكانت عدن دوماً مركز تطور العلاقات التجارية بين الشرق والغرب•
وتوجت الجهود السابقة بإصدار القانون رقم 33 لسنة 1981م، وبعد قيام الوحدة اليمنية وفي ظل توحيد التشريعات اليمنية صدر قانون التحكيم رقم (22) لسنة 1992م وتم تعديله بالقانون رقم (32) لسنة 1997م•
وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن اليمن لم تنظم -حتى الآن- إلى كثير من الاتفاقيات الدولية في مجال التحكيم والتي نرى أن انضمام اليمن إليها سيحل الكثير من المشاكل ومن ثم تصبح جزءاً من التشريع الداخلي، سيما وأن كثيراً من المؤسسات اليمنية منها الخاصة والحكومية تتعرض لكثير من التعسف في التحكيم لدى مؤسسات التحكيم الخارجية•
ولم يعد التحكيم التجاري الدولي قاصراً على فض المنازعات الناشئة عن عقود التجارة الدولية فحسب، بل أنه يعد وسيلة لتفادي نشوء أي منازعات أثناء مفاوضات إبرام العقود الطويلة المدى(2)، ومن هذا المنطلق عالج التحكيم الدولي ظاهرة القصور في القوانين الوطنية المراد تطبيقها، لا عن طريق تطبيق قانون وطني آخر، ولكن من خلال قواعد موحدة للاتفاقيات الدولية التي وجدت لهذا الغرض، ونعتبر التحكيم بمثابة وسيلة لتغطية القصور وحققت تلك الاتفاقيات أثراً ملحوظاً في توحيد النظام القانوني للتحكيم الدولي الى حد كبير•
والأصل أن نظام التحكيم أياً كان شكله واختصاصه يقوم على أساس تبسيط إجراءات الفصل في النزاع الذي يعرض عليه، ويتحرر من الشكليات التي تتبعها المؤسسات القضائية الحكومية ولتفادي الإجراءات المعتادة في المحاكم•
والتحكيم كما سبق الإشارة إليه هو نوعان: وطني، وأجنبي• والتحكيم الوطني: هو ذلك الذي يتعلق بنزاع وطني في جميع عناصره، ويعين له محكمون وطنيون، ويصدرون حكمهم في داخل الدولة وفقاً لإجراءات تشريع وطني، وهذا النوع لايثير أي صعوبة لأنه يخضع للقانون الوطني للدولة ولا يحتاج الأمر الى تنفيذه خارج إقليم هذه الدولة• والتحكيم الأجنبي: هو الذي ينتمي فيه التحكيم بأحد أو ببعض عناصره الى أكثر من دولة كأن يكون حكم التحكيم قد صدر في دولة معينة، ويراد تنفيذه في اقليم دولة أخرى(3) وبحكم اندماج العالم في كتلة اقتصادية يراد لها أن تكون متكاملة ووجود نظم التحكيم وجدت مسألة مهمة وهي مسألة تنفيذ أحكام المحكمين الأجانب أو حكم التحكيم الأجنبي•
والأصل أن قانون التحكيم اليمني لم يتحدث عن تنفيذ التحكيم الأجنبي، بل اكتفى بالمادة (58) من التحكيم بالقول باختصاص المحاكم اليمنية بتنفيذ أحكام المحكمين الوطنية، وجاء النص بصريح العبارة بالقول بأن تختص محكمة الاستئناف أو من تنيبه بتنفيذ أحكام المحكمين وبينت المواد اللاحقة طريقة تقديم الطلب، وأخضع تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية - في ظل القانون اليمني- للقواعد المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الأجنبية المنصوص عليها في قانون المرافعات(4)•
ولما كان الأمر كذلك وكان الأصل أن الحكم الأجنبي لاينفذ بقوة القانون في دولة غير الدولة التي صدر فيها، وهذا مظهر من مظاهر استقلال الدولة وسيادتها حتى لاينفذ في إقليمها أي حكم أو عمل ولائي صادر من قضاء دولة أجنبية، هذا بالإضافة إلى أن تحقيق العدالة على الوجه الأكمل يقتضي من المحاكم الوطنية التحقق والتثبت من خلو أي سند تنفيذي أجنبي من العيوب الجوهرية التي تعوق تنفيذ مثيله في اليمن، ولو كان هذا السند قابلاً للتنفيذ الجبري في الدولة الأجنبية والمقنن اليمني أخذ بتلك المفاهيم حيث أن نص المادة (491) مرافعات قد نصت صراحة على عدم جواز تنفيذ سند أجنبي ما لم يكن معتبراً من السندات التنفيذية المنصوص عليها في هذا القانون، وبينت المادة (495) مرافعات كيفية شروط تنفيذ السندات الأجنبية وجاء فيها ما يلي: >السندات الرسمية القابلة للتنفيذ المحررة في بلد أجنبي، يجوز الأمر بتنفيذها بنفس الشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ السندات الرسمية القابلة للتنفيذ المحررة في اليمن، ويطلب الأمر بالتنفيذ بعريضة تقدم الى قاضي التنفيذ بالمحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها، ولا يجوز الأمر به إلا بعد التحقق من توافر الشروط المطلوبة لرسمية السند وفقاً لقانون البلد الذي تم فيه ومن خلوه مما يخالف الآداب أو قواعد النظام العام في اليمن<• إنه وإن كان القضاء استقر عدم إجازة استبعاد أحكام القانون الأجنبي الواجبة التطبيق إلا أن تكون هذه الأحكام مخالفة للنظام العام وللآداب في اليمن بأن تمس كيان الدولة أو تتعلق بمصلحة عامة إلا أنه لايدخل في هذا النطاق مجرد اختلاف أحكام القانون الأجنبي عن أحكام القانون الوطني أو مجرد التفضيل بينهما وكون القانون الوطني أكثر فائدة، فعلى القاضي أن يطبق القانون الأجنبي الذي تشير بتطبيقه قواعد الإسناد، سواءً كان مصدره التشريع أم غيره من المصادر(5)•
ومن خلال كل ما سبق كان على المقنن اليمني أن يتدارك تلك المسألة المخصصة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبي وأن يضع ضوابط واضحة له في قانون التحكيم اليمني وأن لايكتفي بجعل القانون - أي قانون التحكيم- دولياً بمفهومه كما يظهر بجلاء ووضوح في نص المادة (3) منه والذي جاء فيه صراحة على سريان أحكام هذا القانون على أي تحكيم يجري في الجمهورية اليمنية كما تسري على أي تحكيم يجرى خارجها إذا اختار طرفاه ذلك، إذن فما جدوى الإشارة الى ذلك طالما أن تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي لم يعط له أية أهمية ولأن ثمرة الأحكام هو تنفيذها، طالما وأن أحكام المحكمين الأجانب إذا ما استوفت شروطها وفقاً للمفاهيم بحسب النصوص السابقة تحوز حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ، والذي نقصد به في فقه المرافعات أن الحكم الصادر يحمل عنوان الحقيقة بخصوص ما فصل فيه بالنسبة لأطراف الدعوى وفي حدود الأساس الذي قدمت عليه هذه الدعوى•
ونهدف من وراء ذلك كله أن تنفيذ أحكام المحكمين الأجانب لها خصوصيتها لارتباطها بعنصر أجنبي عادة ولخطورة ذلك أن قضاة التنفيذ في المحاكم الابتدائية هم حديثو العهد وخبرتهم في ذلك المجال غير كافية ولما في ذلك من خطورة في العلاقات الاقتصادية والاستثمارات الدولية، فالمقنن اليمني وضع نصاً خاصاً لتنفيذ أحكام المحكمين الوطنيين في قانون التحكيم - المادة (58) منه بينما لم يشر لا من بعيد ولا من قريب إلى أحكام التحكيم الأجنبي، وحسناً فعل المقنن المصري عندما أشار بصريح العبارة في المادة (56) من قانون التحكيم المصري ونص على: >انه ينعقد الاختصاص بإصدار الأمر بتنفيذ أحكام التحكيم الخاضعة لهذا القانون لرئيس المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع إلا إذا تعلق الأمر بتحكيم تجاري دولي سواء جرى في مصر أو في الخارج، فينعقد الاختصاص لرئيس محكمة استئناف القاهرة أو في أي محكمة استئناف أخرى يتفق عليها الأطراف، ويجوز لرئيس المحكمة ندب أحد قضاة المحكمة لإصدار الأمر بالتنفيذ< وطالما أن اليمن وجد فيه المحاكم التجارية فكان الأجدر أن يعمل مثل ذلك النص وتعطى الصلاحية لرئيس الشعبة الاستئنافية التجارية، لأن الخبرة والدراية أكثر نتيجة لسنوات العمر الطويلة أضف الى ذلك لارتباط مثل تلك القضايا بعنصر أجنبي واتفاقيات دولية لأن اليمن ليست بعيدة عن تلك الاتفاقية وهو ما يظهر بجلاء في نص المادة (497) من قانون المرافعات اليمني والذي نص بصراحة على أن: >العمل بالقواعد المتقدمة لايخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين اليمن وبين غيرها من الدول في هذا الشأن<•

1- مدى تأثير كون الدولة طرفاً في اتفاقية دولية تلزمها بتنفيذ حكم التحكيم الصادر في بلد آخر طرف في هذه الاتفاقية:
لقد نصت المادة (497) من قانون المرافعات اليمني على >العمل بالقواعد المتقدمة لايخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين اليمن وبين غيرها من الدول في هذا الشأن< ومن خلال ذلك فحكم التحكيم الأجنبي مع الدولة الموقعة لاتفاقية تنفيذ أحكام المحكمين تكون أحكام المحكمين في تلك الدولة تتمتع بالحجية شأنه في ذلك شأن الحكم الصادر من المحكم الوطني، إلا أنها تركت إجراءات تنفيذه لقواعد قانون المرافعات الوطني ووفقاً لإجراءات نظمتها المواد المنظمة لتلك المسائل، مع عدم الإخلال بأحكام المعاهدات الجماعية أو المعاهدات الثنائية التي أبرمتها الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات بشأن الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها•
واليمن اليوم وهي في هذا المجال فإنها تسعى وبشكل جدي الى مسايرة العالم في مجال التحكيم الدولي، ولما كان الأمر كذلك فقد وقعت اليمن مع دول أخرى معاهدات في شأن تنفيذ الأحكام الأجنبية ولهذا فإنه واستناداً الى نص المادة (497) مرافعات فإنه يجب العمل على تنفيذ تلك المعاهدات ولا يلتفت الى الأحكام العامة لقانون المرافعات، ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية تنفيذ الأحكام بين الدول العربية الذي وافق عليه مجلس جامعة الدول العربية بتاريخ 14/9/1953م من دور الانعقاد العادي السادس عشر على اتفاقية (تنفيذ الأحكام) رغبة من الدول العربية في تيسير تنفيذ الأحكام فيما بينها ووقعت عليه بلادنا في 28/11/1953م ولم تودع وثائق تصديقها على الاتفاقية لدى الأمانة العامة للجامعة العربية، وكذا وافقت بلادنا على اتفاقية التعاون القضائي المحررة بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 6 ابريل 1983م والتي وافق عليها وزراء العدل العرب وفقاً لقراره رقم (1)، وهذه الاتفاقية نص مادتها (38) منه قد نصت على أنه >مع عدم الاخلال بنص المادتين 28،30 من هذه الاتفاقية يعترف بأحكام المحكمين وتنفد لدى أي من الأطراف المتعاقدة بنفس الكيفية المنصوص عليها في هذا الباب، مع مراعات القواعد القانونية لدى الطرف المتعاقد المطلوب لديه، ولا يجوز للهيئة القضائية المختصة لدى الطرف المطلوب إليه التنفيذ أن تبحث في موضوع التحكيم ولا أن يرفض تنفيذ الحكم، إلا في الحالات الآتية:
1- إذا كان قانون الطرف المتعاقد المطلوب إليه الاعتراف أو تنفيذ الحكم التحكيمي لايجيز حل موضوع النزاع عن طريق التحكيم•
2- إذا كان حكم المحكمون صادراً، تنفيذاً لشرط أو لعقد تحكيم باطل أو لم يصبح نهائياً•
3- إذا كان المحكمون غير مختصين طبقاً لعقد أو شرط التحكيم، أو طبقاً للقانون الذي صدر حكم المحكمين على مقتضاه•
4- إذا كان الخصوم لم يعلنوا بالحضور على الوجه الصحيح•
5- إذا كان حكم المحكمين لايخالف أحكام الشريعة الاسلامية، أو النظام العام أو الآداب لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ•
وحيث أن الاتفاقية ونصوصها تجيز على سبيل المثال المادة (30/1) التي تحيل إليها المادة (37) للقاضي أن يرفض إعطاء الصيغة التنفيذية للحكم >وبالتالي حكم المحكمين<، إذا كان يتضمن أحكاماً مخالفة للدستور وبالتالي للنظام العام السياسي(6)•
وإن كانت القاعدة أنه يجب أن يصدر أمر من القضاء بتنفيذ حكم التحكيم حتى يصبح هذا الحكم متمتعاً بالقوة التنفيذية إلا أنه يرد على هذه القاعدة استثناء يتعلق بحالة الدول الأعضاء في اتفاقية واشنطن (المبرمة في 1965 بشأن المنازعات الناشئة عن الاستثمارات)، ذلك أن هذه الاتفاقية تنص في المادة 1/45 منها على أن تعترف كل دولة طرف في هذه الاتفاقية بأحكام التحكيم الصادرة في إطارها وتؤمن تنفيذها الالتزامات المالية التي يفرضها حكم التحكيم على أرضها كما لو كان حكماً نهائياً صادراً عن محكمة وطنية فيها•

(2 حجية حكم التحكيم:
سبق الإشارة الى أن حكم التحكيم الصادر وفقاً لأحكام قانون التحكيم، رقم (21) لسنة 1992م المعدل بالقانون (32) لسنة 1997م يتمتع بحجية الأمر المقضي، شأنه في ذلك شأن الحكم الصادر من القضاء، حيث جاء نص المادة (56) من قانون التحكيم صريحاً قاطعاً بحيازة أحكام التحكيم الصادرة طبقاً لقانون التحكيم حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ•
فالمقنن اليمني أخذ بالرأي القائل بأن التحكيم قضاء، وأن المحكم قاضي، وأن ما يصدره يعتبر حكماً بالمعنى الدقيق، وبعبارة أخرى فإن عمل المحكم يعتبر عمل قضائياً، وتحدثنا سلفاً أن عدم نفاذ الحكم الأجنبي بقوة القانون في دولة غير الدولة التي صدر فيها، وقلنا أن هذا مظهر من مظاهر استقلال الدولة وسيادتها حتى لاينفذ في إقليمها أي حكم أو عمل ولائي صادر من قضاء دولة أجنبية، هذا بالإضافة الى أن تحقيق العدالة على الوجه الأكمل يقتضي من المحاكم الوطنية التحقق والتثبت من خلو أي سند تنفيذي أجنبي من العيوب الجوهرية التي تعوق تنفيذ مثيله في اليمن، ولو كان هذا السند قابلاً للتنفيذ الجبري في الدولة الأجنبية•
والحكم بمعناه العام هو كل قرار تصدره المحاكم في خصومة أو في غير خصومة ولو لم يكن فاصلاً في نزاع، وهو معنى يشمل الحكم بالمعنى الخاص، أي القضاء الذي تصدره المحاكم في خصومة مرفوعة لديها، كما يشمل العمل الولائي(7)، بالإضافة الى أحكام المحاكم الأجنبية توجد أحكام التحكيم الأجنبية، وهناك أيضاً السندات الأجنبية، ومن خلال ما سبق من نصوص قانون المرافعات اليمني يتضح لنا أن الأحكام الخاصة بالمحكمين الصادرة في بلد أجنبي تسري عليها القواعد الخاصة بالأحكام القضائية الأجنبية فالقاعدة في القانون اليمني -كما هو الحال في التشريع المصري- هي أن أحكام المحكمين الأجنبية تعامل معاملة الأحكام القضائية الأجنبية وهذا الوضع يؤيد الطبيعة القضائية للتحكيم(8)•
فالحكم الأجنبي - إذن- هو الحكم الصادر من محكمة أجنبية دون أن يكون لجنسية القضاة الذين أصدروه أو الدولة التي صدر فيها أي اعتبار••، وتقضي المادة (495) من قانون المرافعات على أمر جوازية تنفيذ السندات الرسمية القابلة للتنفيذ المحررة في بلد أجنبي بنفس الشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ السندات الرسمية القابلة للتنفيذ المحررة في اليمن<••• الخ النص•

(3 المحكمة المختصة بالتنفيذ ودور قاضي التنفيذ:
نظمت المادة (58) من قانون التحكيم (الاختصاص القضائي) في تنفيذ أحكام المحكمين ولم تفرق بين التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي، حيث جعلت الاختصاص بالنظر في التنفيذ لأحكام التحكيم الداخلي تجارياً كان أم غير تجاري للمحكمة الاستئنافية وهو الأمر الذي فيه طرحنا رأي سابق عند استعراضنا للمقدمة واستحسنا فكرة المقرر المصري، ولكن المشكلة لاتزال عالقة في مسألة الإحالة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجانب وفقاً لقواعد قانون المرافعات وهو الأمر الذي كان يجب التخلص منه، وعليه إن أراد أحد أن ينفذ حكم تحكيم أجنبي وفقاً لنص المادة (495) مرافعات ما عليه إلا أن يطلب الأمر بالتنفيذ بعريضة تقدم الى قاضي التنفيذ بالمحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها•••، وعليه يكون الاختصاص لقاضي التنفيذ بالمحكمة الابتدائية وهو الأمر الذي كان لنا فيه وجهة نظر ولخطورة العمل حبذنا أن تعطى بعد تعديل قانون التحكيم صلاحية تنفيذ أحكام المحكمين الأجانب لرؤساء الشعب الاستئنافية التجارية وهذا التعديل يجب أن يواكبه التعديل في نص قانون المرافعات الذي أعطى التنفيذ لقاضي التنفيذ•
والمقنن اليمني في قانون التحكيم من خلال المادة (59) المتضمنة إجراءات استصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين، خرج على القاعدة المقررة في قانون المرافعات التي تقضي باختصاص قاضي التنفيذ بجميع منازعات التنفيذ وأمر مقدم طلب التنفيذ أن يقدم طلبه مرفقاً به المستندات التالية:
1- أصل الحكم أو صورة معتمدة منه بتوقيع كل أعضاء لجنة التحكيم•
2- صورة من اتفاق التحكيم•
3- صورة من محضر إيداع الحكم•
وإذا كان التحكيم قد تم بلغة غير العربية فيتم تقديم ترجمة عربية معتمدة لحكم التحكيم وللوثائق الأخرى•
ولكي يكون الاجراء صحيحاً يجب إعلان الخصوم بالحضور أمام المحكمة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى على أنه من المهم ملاحظة أن طلب الأمر بالتنفيذ هو من نوع خاص وذات طبيعة خاصة حيث لايجوز للقاضي أثناء نظر الطلب إعادة النظر الى مسائل موضوعية في النزاع الذي تم الفصل فيه بحكم التحكيم الأجنبي•
والقانون اليمني (494) مرافعات فقرة (3) منه تقضي على أن يكون التنفيذ بنفس الشروط المقررة في ذلك البلد لتنفيذ السندات التنفيذية اليمنية معاملة بالمثل، فالمادة المتقدمة تقرر مبدأ المعاملة بالمثل في مجال تنفيذ الأحكام الأجنبية في اليمن، ويراد بالمعاملة بالمثل في تنفيذ الأحكام الأجنبية أن تعامل الأحكام في اليمن ذات المعاملة التي تعامل بها الأحكام اليمنية في الدولة التي أصدرت محاكمها الحكم الأجنبي المراد تنفيذه في اليمن، ويعني ذلك أن حكم المحكم الأجنبي يعامل في اليمن، فيما يتعلق بقابليته للتنفيذ، بما يعامل به حكم المحكم اليمني في البلد الذي صدر فيه الحكم الأول(9) فإذا كان قانون البلد الأجنبي لايعتد بحجية الحكم اليمني ولا يجيز تنفيذه كان لصاحب الحق رفع دعوى جديدة بطلب أمام القضاء اليمني، ولا يتمتع القاضي المعروض عليه طلب الأمر بالتنفيذ بسلطة النظر في الحكم من الناحية الموضوعية وتقدير صحته أو بطلانه أو ملاءمة ما انتهى إليه، أو سلامة وصحة تفسيره للقانون أو الوقائع، فقاضي التنفيذ إما أن يصدر الأمر بالتنفيذ أو يرفضه، فهو ليس جهة استئناف كما أنه ليس جهة مختصة بنظر بطلان الحكم، إذ لدعوى البطلان قواعد ومواعيد خاصة وتختص بنظرها المحكمة المختصة أصلاً بنظر الطعن وهي المحكمة الاستئنافية المدنية في القضايا المدنية والشعبة التجارية في القضايا التجارية•
ومع هذا نجد أن المادة (60) من قانون التحكيم تلزم القاضي بالامتناع عن إصدار أمر التنفيذ إذا لم تحقق من توافر إحدى الحالات الآتية:
1- أن يكون الحكم نهائياً وقابلاً للتنفيذ•
2- ألا يتعارض مع حكم نهائي سبق صدوره من المحاكم•
3- أن يكون صادراً وفقاً لأحكام هذا القانون•
ولا يخفى أن حصر الأسباب المذكورة التي بتوافر إحداها يتعين على القاضي رفض طلب التنفيذ، يعني عدم إمكان رفضه هذا الطلب لتوافر أي سبب آخر، ولا يملك حق الرقابة على موضوع الحكم التحكيمي•

(4 ضوابط تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي:
لقد وضع المقنن اليمني ضوابط محددة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبي وجاءت على شكل شروط محددة وقضت المادة (494) من قانون المرافعات، وعند النظر في مدى تحقق هذه الظروف وللاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبي يجب مراعاة الشروط التالية:
1- ألا يخالف السند التنفيذي الأجنبي أحكام الشريعة الإسلامية أو الآداب العامة أو قواعد النظام العام في اليمن•
ومن هذا النص يتضح أنه يجب على القاضي التأكد من أن الحكم التحكيمي المطلوب تنفيذه لايتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية أو الآداب العامة أو النظام العام في اليمن، وبالتالي فلا مجال في هذا النطاق للتفريق بين مفهوم النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي، وذلك بالرغم من أهمية التفرقة في مجال التحكيم التجاري الدولي(10)، وذهب البعض الى القول بأن عدالة المحكم ذو أهمية في قانون التحكيم اليمني وذهب هؤلاء الى تفسير المادة (6) فقرة (2) من قانون التحكيم والتي نصت على >أن يكون المحكم كامل الأهلية عدلاً صالحاً للحكم فيما حكم فيه< وأصحاب هذا الرأي ذهب بهم القول الى أن يكون حكم المحكم موافقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ويجب على صاحب الشأن عرض الحكم على المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، فإن تبينت موافقته لأحكام الشريعة الإسلامية أقرته، وإذا كان الحكم قاضياً أو عالماً له ممارسة قضائية مشهورة• فلابد عند عرض الحكم من مراعاة درجته ومركزه في القضاء، بحيث يتم العرض دائماً على مستوى قضائي أعلى، وهو رأي لانؤيده ذلك أن الأهلية والعدالة المقصودة هنا مرتبطة بصلاحية المحكم فيما حكم فيه وهو ما يُعد خروجاً عن المفاهيم، ففي ظل التوجه العام للاقتصاد العالمي فمن الممكن أن يكون المحكم أجنبياً ومن الدول الأوروبية فهل يعني أن يبطل حكم التحكيم لهذا السبب، فهذا أمر لايقبله عقل ولا منطق، ولكن موضوع موافقة الحكم لأحكام الشريعة الإسلامية أمر لاتفريط فيه فيما يخص الحكم ذاته لأن محكمة الاستئناف تلتزم بمراجعة الحكم للتحقق من مطابقته لأحكام الشريعة الإسلامية، ولا يحق للمحكم أن يخرج عما تلزمه به أحكام الشريعة الإسلامية وأن لايحل حراماً ولا يحرم حلالاً•
ومفهوم النظام العام الوارد في الشطر الثاني من النص كما سبق لا يترادف مع الصفة الآمرة للقواعد القانونية الواردة بالقانون اليمني وإنما المقصود تضمن الحكم الأجنبي ما يتصادم والأسس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يقوم عليها كيان المجتمع، ولا بد أن نشير الى أن فكرة النظام العام أنها فكرة صعبة التحديد وهي متغيرة زماناً ومكاناً- نستطيع القول بأنها فكرة عامة تحكم المعاملات كما تحكم التقاضي(11)، وعليه بمخالفة الحكم للنظام العام يؤدي الى بطلانه، كما لو كان موضوع النزاع مما لايجوز التحكيم فيه كمسألة الحدود واللعان وفسخ عقود النكاح، كما يمكن أن تقع مخالفة للنظام العام فيما قضى به الحكم ذاته، ومنه أن يخالف الحكم قاعدة موضوعية من قواعد النظام العام في القانون الموضوعي الواجب التطبيق على موضوع النزاع كما لو كان الحكم قد ألزم أحد الخصوم بأرباح قانونية أو اتفاقية أكثر من تلك التي يحددها القانون تحديداً متعلقاً بالنظام العام•
2- أن تكون المحاكم اليمنية غير مختصة بالنزاع الذي صدر فيه السند التنفيذي الأجنبي وأن المحكمة الأجنبية التي أصدرته مختصة به طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها•
وهذا يتحدد وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في القانون الأجنبي، وبديهي أن هيئات التحكيم تستمد اختصاصها من اتفاق التحكيم مع احترام الحدود التي رسمها هذا الاتفاق بخصوص تحديد موضوع النزاع، واحترام القواعد الخاصة بتشكيل الهيئة وفقاً لقانون الإرادة مع أعمال قانون مقر التحكيم•
3- أن يكون التنفيذ بنفس الشروط المقررة في ذلك البلد لتنفيذ السندات التنفيذية اليمنية معاملة بالمثل•
فالنص يقرر مبدأ المعاملة بالمثل في مجال تنفيذ الأحكام الأجنبية في اليمن، ويراد بالمعاملة بالمثل في تنفيذ الأحكام الأجنبية أن تعامل الأحكام في اليمن ذات المعاملة التي تعامل بها الأحكام اليمنية في الدولة التي أصدرت محاكمها الحكم الأجنبي المراد تنفيذه في اليمن، وقواعد المعاملة بالمثل تمثل الحد الأدنى الذي لايجوز للقاضي اليمني أن يتنازل عنه تحت مبرر مبدأ المعاملة بالمثل، بحيث إذا كان قانون الدولة التي صدر فيها الحكم التحكيمي المطلوب تنفيذه في اليمن يتطلب شروطاً أقل مما يتطلبه القانون اليمني فإن ذلك ليس مبرراً لصرف النظر عن أي شرط من الشروط التي يتطلبها القانون اليمني(12)•
4- أن يكون السند التنفيذي صادراً من محكمة أو هيئة قضائية مختصة وأن يكون الحكم والأمر حائزاً لقوة الأمر المقضي به وفقاً لقانون ذلك البلد الأجنبي•
وهذا التعبير ينصرف الى حكم القضاء الأجنبي ويكون المقصود به في مجال التحكيم أن يكون الحكم قد أصبح ملزماً وفقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم أو القانون الذي صدر الحكم بموجبه، والواضح أن شرط الاختصاص هنا يتعلق بالحكم القضائي الأجنبي، ولكن الحكم التحكيمي يصدر من هيئة التحكيم التي يختار الأطراف أعضاءها وهو الأمر الذي يعني أن على القاضي التثبت من مسألة وجود مصدر اختصاص هيئة التحكيم وهو اتفاق التحكيم، وبالرغم من تسليم الفقه من أن القاضي المختص بإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم ليس جهة طعن على هذا الحكم إلا أن الرأي متفق على أنه ليس من المعقول أن يحرم هذا القاضي من كل دور رقابي على عمل المحكم(13) وهذا الرأي سديد إذ أن على القاضي أن يلم بالقانون الذي ينطبق عليه السند التنفيذي للدولة التي صدر فيها حكم التحكيم حتى يبسط رقابته على صحة وسلامة الإجراءات لتنفيذ الحكم•
5- أن يكون الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكم الأجنبي قد كلفوا بالحضور ومُثلوا أمام تلك المحكمة تمثيلاً صحيحاً•
وهو الأمر الذي يعني في حال عدم مراعاة ذلك الإخلال بحق الدفاع ويجب رفض الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبي وتنفيذه إذا قدم الخصم المطلوب التمسك ضده بالحكم، الدليل على أنه يعلن إعلاناً صحيحاً بالحضور، وبالجلسة المحددة للتحكيم أو تعيين المحكم، أو بإجراءات التحكيم، واستحال عليه لسبب أو لآخر أن يقدم دفاعه، ويهدف هذا الشرط الى منح القاضي سلطة الرقابة على مدى صحة الإجراءات التي تمت أمام هيئة التحكيم مصدرة الحكم المطلوب تنفيذه في اليمن، ويشترط القانون اليمني من خلال النص السابق السالف الذكر لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي أن يكون هذا الحكم قد صدر وفقاً لإجراءات صحيحة•
6- ألا يتعارض السند التنفيذي الأجنبي مع حكم سبق صدوره من المحاكم اليمنية•
وقصد المقنن من ذلك واضح، فأحكام القضاء تتمتع بحجية الأمر المقضي التي تمنع من عرض النزاع من جديد على القضاء، سواءً في ذلك قضاء الدولة أو قضاء التحكيم، والحال أن هيئة التحكيم بأن تحترم حجية أحكام التحكيم التي سبق صدورها في النزاع مثلما هي ملتزمة بأن تحترم حجية الأحكام القضائية السابقة، ويجب رفض حكم التحكيم وعدم تنفيذه إذا جاء بالمخالفة لمتطلبات المادة•

وخلاصة القول أن حكم التحكيم عمل قضائي يصدر متمتعاً بالصفة القضائية، ولذا فإنه لاينتظر أن يضيف إليه الأمر الصادر بالتنفيذ جديداً في هذا الشأن، وإنما يترتب على صدور الأمر بتنفيذ حكم التحكيم أن يصبح هذا الحكم متمتعاً بالقوة التنفيذية التي كان يفتقدها، ويجوز لقاضي دولة التنفيذ وقف تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي متى كان قد طلب إبطاله أو وقفه من السلطة المطلوب منها التنفيذ، وكان ذلك ملائماً، وهنا يكون وقف التنفيذ مؤقتاً حتى يفصل في دعوى البطلان ولا يعني رفض التنفيذ•


< هوامش:
(1) د• غازي شائف الأغبري- الاتجاهات الحديثة وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في القانون اليمني- مجلة التحكيم العدد (33) نوفمبر 2002م ص8•
(2) أبو زيد رضوان- في الأسس العامة للتحكيم التجاري الدولي 1981م ص9•
(3) د• نجيب أحمد عبدالله- التحكيم في القانون اليمني، ص473•
(4) د• غازي الأغبري- الاتجاهات الحديثة وتنفيذ أحكام المحكمين- ص10•
(5) د• عادل محمد خير- حجية ونفاذ أحكام المحكمين ص48-49•
(6) د• عبدالحميد الأحدب- موسوعة التحكيم ج2 ص681•
(7) د• عادل محمد خير - حجية ونفاذ احكام المحكمين ص45•
(8) د• نجيب أحمد عبدالله - التحكيم في القانون اليمني ص478-479•
(9) د• نجيب أحمد عبدالله - التحكيم في القانون اليمني ص479•
(10) د• غازي شائف الأغبري- نفس المرجع السابق ص11•
(11) د• عيد محمد القصاص- حكم التحكيم- طبعة دار النهضة العربية 2003م ص269•
(12) د• غازي شائف الأغبري- مجلة التحكيم -ص11•
(13) د• عيد محمد القصاص- حكم التحكيم- ص303•

< أهم مراجع الورقة:
- قانون التحكيم اليمني•
- قانون المرافعات اليمني•
- قانون التحكيم المصري•



google-playkhamsatmostaqltradent