سمير إبراهيم حسن
ٱلاستنساخ
ٱلاستنساخ
ٱلمؤلف سمير إبراهيم حسن.
ٱلطبعة
ٱلأولى 1000/4/2000
samirhasan2003@hotmail.com
جميع
ٱلحقوق محفوظة للمؤلف
ٱلناشر
دار ٱلمنارة سوريا ـ ٱللاذقية
ٱلإهداۤء
إلى زوجتىۤ إيمان. ٱلإنسانة ٱلّتى
تفيض بٱلصدق وٱلإحسان وٱلأمل وٱلمحبة. وٱلتى تدفع إلى ٱلقيام وٱلعزم وٱلانطلاق إلى
ٱلأمام بحثًا عن ٱلحقِّ فى ٱلحياة ٱلخيّرة ٱلمتجددة دائمًا.
وإلىۤ أولادى زياد وزاريا
وعماد وزين وجاد. أسأل ٱللَّه ٱلهداية لكم إلىۤ سبيل ٱلإيمان
ٱلحقّ ٱلمتطهر من ٱلوهم. وأن تكونوا نسبًا وصهرًا صالحين.
سمير إبراهيم حسن
كلمة أولى
إن ٱلمأرب من ٱلبحث هو ٱلدعوة إلى سبيل ٱللَّه.
وهو ٱلممرّ ٱلذى يخلو من ٱلعسرات وٱلتضييق. وسبيل ٱللّه يبينه لنا ٱلبلاغ "لاۤ
إكراه فى ٱلدين". فٱلناس أحرار فى مواقفهم لهم أن يؤمنوا بٱللّه ولهم أن
يكفروا من دون عدوان.
وٱلحرية مسئولية كما يرى جان بول
سارتر. وفى ٱلحرية تجد ٱلنفس طهارتها من أفعال ٱلوحش. وإنّ ٱلدعوة إلى سبيل ٱللَّه
هى دعوة إلى حرية ٱلناس فلاۤ إكراه فى ٱلدين. وما هىۤ إلا تحريض كما يبين ٱلأمر ٱلإلٰهى:
"فقـٰتِل
فى سبيلِ ٱللَّهِ لا تُكَلَّفُ إلاّ نَفسَكَ وَحَرِّضِ ٱلمؤمنينَ عَسَى ٱللَّهُ
أَن يَكُفَّ بأسَ ٱلَّذين كفرواْ وٱللَّهُ أَشَدُّ بأسًا وأَشدُّ تنكيلاً" 84
ٱلنساء.
ٱلمؤمن
ٱلحقّ يكلِّفُ نفسهُ وهو لا يكلِّفُ غيره. لأنّ فى تكليف ٱلغير إكراه.
مدخل
إلى ٱلبحث
ٱلاستنساخ ٱلبشرى وٱلهندسة ٱلجينية
يتقاسمان ٱليوم ٱلصدارة فى بحوث ٱلعلم. وكل منهما من أعمق وأصعب ٱلبحوث ٱلعلمية ٱلتى
توصل إليها وعمل عليها ٱلإنسان فى مسيرته ٱلمعلوماتية ٱلتى بدأت مع ٱلإنسان ٱلأول
وما زالت تتطور وتزداد حتى يومنا هٰذا.
لقد ثار جدل كبير حول ٱلاستنساخ ٱلبشرى.
ونُشرت بيانات تستنكر مثل هٰذا ٱلتوجه فى ٱلعلم وتطالب بمنعه. ومن ٱلمستنكرين رجال
دين وسياسيون ومنهم رئيس ٱلولايات ٱلمتحدة ٱلأمريكية وليم جفرسون كلينتون.
وفى
أواخر عام 1998 قام علمآء من كوريا ٱلجنوبية بإجرآء تجربة على ٱستنساخ بشر. وبعد ٱنقسام
ٱلنسخة إلىۤ أربعة خلاياۤ أوقفوا ٱلتجربة. بٱنتظار ٱلموافقات ٱلدينية وٱلتشريعية
(ٱلقانونية).
لقد قال رجال ٱلدين كلمتهم وطالبوا بمنع
هذا ٱلعلم. وتأسست فى بريطانيا جمعيـة طبية إسلامية لمكافحة ٱلاستنساخ. وأَزرهم
رئيس أكبر دولة علمية فى ٱلأرض. فمن أين ستكون ٱلموافقات ٱلدينية وٱلقانونية ٱلتى
ينتظرها علماۤء ٱلاستنساخ ؟
ولخطورة هذه ٱلمسألة وجدت نفسىۤ أنظر فى
كتاب ٱللَّه (ٱلقرءان). ومأربى هو فى معرفة حدود ٱلعلم بٱلنسبة للإنسان. وقد
أوقفنى ٱلأمر:
"قُل
سيرواْ فِى ٱلأرضِ فٱنظُرُواْ كيفَ بدأَ ٱلخَلقَ ثمَّ ٱللَّه يُنشِئُ ٱلنَّشأَةَ ٱلأخِِرةَ
إنَّ ٱللَّه على كل شىءٍ قدير"20 ٱلعنكبوت.
وفيه
وجدت مسألتين. ٱلأولىۤ أمر بٱلبحث ٱلعلمى. نوصل به إلى معرفة ٱلسّنّة ٱلتى
بدأ ٱلخلق تسويته بها. وقد وجدت بلاغًا يبين حتمية معرفتنا بهذه ٱلسنّة:
"ولقد
علمتم ٱلنَّشأَة ٱلأولى فلولا تذكّرون" 62
ٱلواقعة.
فى
ٱلبلاغ أن علمنا بٱلمسألة محتوم "لقد علمتم" وهو قول يظهر
توكيد ٱنتهآء علمنا بها بدليل ٱلفعل ٱلماضى. وٱلمسألة ٱلثانية هىۤ إعلامناۤ
أن ٱلنَّشأة ٱلأخِرة لا يدخل ٱلعلم بسنّتها فى دآئرة قوتنا ٱلعلمية. وأن ٱلعلم بٱلنشأة
الأخرة هو من علم ٱللَّه وحده.
ٱلاستنساخ ٱلبشرى هو علم فى وسيلة للتناسل
من موقع تطورٍ محدد من دون ٱعتماد على ٱلاتصال بين ذكر وأنثى. وهذا ٱلعلم يدخل فى
داۤئرة ٱلأمر "فٱنظروا كيف بدأ ٱلخلق" ولا يخرج عنه. وهذا ٱلعلم لا
يزال بعيدًا عن كمال ٱلطلب ٱلسآئل "كيف بدأ ٱلخلق".
فإذا كان ٱلأمر ٱلإلٰهى للإنسان يطلب منه
ٱلسير وٱلنظر وٱلوصول إلى ٱلعلم بكيف بدأ ٱلخلق. وإنّ فى ٱستنساخ ٱلبشر وغيره من
ٱلكآئنات ٱلحية سبيله إلى هذا ٱلعلم. فلماذا يعارض رجال ٱلدين هذا ٱلأمر كلما وصل ٱلإنسان
إلى منعطف علمى جديد يسوق إلى تحقق هذا ٱلطلب؟!! وما هو سندهم فى ٱلمعارضة وٱلاستنكار؟
فى كتاب ٱللَّه ٱلقرءان مسألتان رئيستان:
ٱلأولى
بلاغ لنا عن بداية ونهاية ٱلكون وعن خلقنا وخلق كل ألوان ٱلحىّ وٱلميت وتسويتها.
وٱلثانية هىۤ أوامره لنا ومنها
ٱلأمر بٱلسير وٱلنظر وٱلعلم كيف بدأ ٱلخلق.
ويبين لنا كتاب ٱللَّه أنناۤ أحرار فى طاعة
الأوامر وفى ٱلفسق عليها "لاۤ إكراه فى ٱلدين". وإنّ طاعتنا تمثل
ركوعا وعبادة للَّه. كماۤ أنّ إهمالنا وتركنا لها هو فسق وعبادة لأهواۤئنا. ولكل من
ٱلموقفين ما يقابله من مكافأة أو عقاب عند ٱللّه يوم ٱلحساب.
وإن
فهمنا للمسألة ٱلأولى إذا ٱقترن بتصديق ٱلنبـإِ بفعل ٱلعقل بينه وبين أعمالنا ٱلعلمية
يسوقناۤ إلى ٱلالتزام بٱلمسألة ٱلثانية. حيث أن أوامر ٱللَّه يطيعها ٱلناس فى نور
فهمهم ٱلأنبآء ٱلتى تثيرها ٱلمسألة ٱلأولى.
لماذا
ربط ٱللَّه أوامره بٱلأنباۤء؟
فى ٱلنبـإِ ٱلدليل وٱلإرشاد إلى ٱلحسى
فى ٱلوجود وفىۤ أنفسنا. وٱلإنسان من بعد زيادة علومه ٱلحسية عن ٱلوجود وعن ٱلنفس ٱلحية
يستطيع إدراك ٱلنبإ وتصديقه عن طريق ٱلعقل بينهما.
وٱلنبأ
فى ٱلقرءان يتناول ٱلوجود وٱلنفس معًا. وعلم ٱلإنسان إمّاۤ أن يكون مصدقًا للنبأ
أو أن يكون مكذبًا له. فإذا صدّق علم ٱلإنسان ٱلنبأ دفعه تصديقه إلى ٱلالتزام بٱلأمر
ٱلإلٰهى. وإذا كـذبـه طرح أوامر ٱللَّه جانبًا ولا يعود إليها.
هذا
ـ ٱلتصديق وٱلتكذيب ـ لا يخرج أىّ منهما عن سنّة ٱللَّه فى ٱلخلق ٱلتى يبينها
ٱلبلاغ:
"ونفسٍ
وما سوَّـٰها/7/ فأَلهَمَهَا فُجُورَها وتقوـٰها/8/" ٱلشمس.
فتوجّه
ٱلنفس وجهة ٱلفجور أو وجهة ٱلتقوى لا يبدّل سنّة ٱللَّه فى ٱلخلق. ولا يدعوۤ أحدًا
للمعارضة وٱلاستنكار لأن توجّه ٱلنفس يحتمل ٱلوجهتين بٱلخلق.
وهناۤ
أجد نفسىۤ أسأل: هل يوجد علم إنسانى يكذب ٱلنبأ فى ٱلقرءان؟
أسوق
أمثلة تتعلق بٱلجواب على ٱلسؤال:
"وَتَرى
ٱلجبالَ تَحسَبُها جامدةً وهى تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحابِ صُنعَ ٱللَّه ٱلَّذى أَتقنَ
كُلَّ شىءٍ إنَّهُ خبير بما تَفعَلُون" 88 ٱلنمل.
ويقول
لنا علم ٱلإنسان أن ٱلأرض تتحرك حول نفسها وكذلك تجرى فى فلك حول ٱلشمس. وفى
حركتها وجريها هل تبقى ٱلجبـال جامدة؟ وهل تمرُّ مرَّ السحاب؟
وفى
ٱلأنبۤاء ٱلتالية بيان لزوجية ٱلأشياۤء:
"ومن
كُلِّ شىءٍ خَلَقنَا زَوجَينِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُون" 49 ٱلذاريات.
"سُبحٰنَ
ٱلَّذى خَلَقَ ٱلأزواجَ كُلَّها مِمَّا تُنبِتُ الأَرضُ ومِن أَنفُسِهِم ومِمَّا
لا يَعلَمُونَ" 36 يس.
وتقول
ٱلفيزياۤء ٱلجزئية أنَّ هذه ٱلزوجية سمة أساس فى ٱلوجود (كوارك وكوارك مضاد)
له ٱلهيئة (ٱلكتلة) ذاتها وخواص كهرباۤئية معاكسة.
ويقول
علماۤء ٱلحياة أنَّ ٱلماۤء أساس ٱلحياة. وقد جاۤء فى ٱلنبـإِ:
"وجعلنا
مِنَ ٱلماۤءِ كُلَّ شىءٍ حىّ" 30 ٱلأنبياء.
"وٱللَّه
خَلَقَ كُلَّ داۤبّةٍ من ماۤءٍ" 45 ٱلنور.
وتجمع
نظريات ٱلتطور علىۤ أن جميع ٱلكائنات ٱلحية نشأت من ٱلتراب (عناصر ٱلطبيعة)
بما فى ذلك ٱلإنسان. وأنّ ٱلحياة بدأت من ٱلنفس ٱلواحدة (وحيدات ٱلخلية) ثم تشعبت
عبر مراحل تطور طويلة إلىۤ أن وصلت إلى متعددات ٱلخلايا ثم إلى ٱلذكر وٱلأنثى. وقد
جاۤء فى ٱلنبـإِ:
"وٱللَّه
أَنبَتَكُم مِنَ ٱلأرضِ نباتًا" 17 نوح.
وٱلنّبت
هو نشوء ٱلمادة ٱلحية ٱلأولى ومصدرها ٱلأرض وليس مكانًا أخر. وبين ٱلمادة ٱلحية ٱلنابتة
وٱلكاۤئن ٱلبشرى أزمنة متعددة ومراحل متعددة يوكّدها ٱلنبأ فى ٱلقرءان:
"وقَد
خَلَقَكُم أطوارًا" 14 نوح.
من هذه ٱلأمثلة وجدت أن ٱلعلم ٱلإنسانى
يصدّق ٱلنبأ فى ٱلقرءان ولا يخرج عنه.
كماۤ
أجد أن النبـأ فى ٱلقرءان أكثر بيانًا من ٱلأنبآء ٱلتى توصلت إليها نظريات ٱلنشوء
خصوصًا نشوء ٱلإنسان ذاته. فقد جاۤء فى ٱلقرءان أنبآء تفصِّل فىۤ أطوار نشأة ٱلإنسان:
"فإنِّا
خَلَقنٰكُم من تُرابٍ" 5 ٱلحج.
وفيه
تحديد ٱلمكوّن ٱلأساس ٱلذى يدخل فى تسوية خلق ٱلبشر وهو أساس ميّت (تراب).
وجاۤء
فى نبـإٍ أخر:
"وهو
ٱلَّذى خَلَقَ مِنَ ٱلماۤءِ بَشَرًا" 54 ٱلفرقان.
يبين
أساسًا أخر هو أساس كل شىء حىّ.
وفى
ٱلنبإ ٱلتالى:
"وبَدَأَ
خَلقَ ٱلإِنسٰنِ من طينٍ" 7 ٱلسجدة.
يبين
علاقة ٱلمآء بٱلتراب وجعله طينًا. حيث أن أسس تسوية ٱلخلق هى من ٱلتراب وٱلمآء وأن
تسوية خلق ٱلإنسان تبدأ من مكون ترابى مآئى هو ٱلطين. وهو تكوين تجرى فيه أفعال ٱلفيزياۤء
وينجم عنها شىء حىّ يبينه ٱلنبـإِ ٱلتالى:
"ولَقَد
خَلَقنا ٱلإِنسٰنَ من سُلـٰلةٍ من طينٍ" 12 ٱلمؤمنون.
"من
سلـٰلة" مصدرها ٱلطين. وٱلسلالة هى ما يُستَلَّ ويُنتزع كٱلنبات ٱلفطرى[1]
ٱلذى ٱستُلَّ من ٱلطين من دون بذور. وهو ما يمثل منطلق ٱلحياة ٱلأول.
ويزداد
ٱلنبأ ٱلقرءانى تحديدًا:
"ولَقَد
خَلَقنا ٱلإِنسٰنَ من صَلصَـٰلٍ من حمإٍ مَسنُونٍ" 26 ٱلحجر.
"من
صَلصَـٰلٍ من حمإٍ مَسنُونٍ" هو نوع من ٱلطين ٱلأسود ٱلساخن ٱلجارى.
فٱلصلصال لون من ٱلتراب. وٱلحمأ لون من ٱلكربون ٱلساخن. وقد ٱختلط ٱلاثنين بفعل
ٱلمآء ٱلمسنون. وهو ٱلطين ٱلساخن ٱلمندفع من جوف ٱلأرض. مكونًا ٱلتركيب ٱلفيزيآئى
ٱلشبيه بتكوين "ٱلسِّيان".
من هذه ٱلأمثلة للأيات ٱلمرتلة لهذه
ٱلمسألة نجد أن ٱلنبأ ٱلقرءانى يُعلمنا عن ٱلنشأة ٱلأولى للإنسان وأصلها ٱلأرضى.
أمّا متابعة ٱلخلق بدءًا من وحيدات ٱلخلية إلى متعددات ٱلخلايا ثم إلى ٱلذكر وٱلأنثى
فقد جاۤءنا ٱلبلاغ بما يلى:
"خَلَقَكُم
مِن نَفسٍ وٰحِدةٍ وجَعَلَ مِنها زَوجَها" 6 ٱلزمر.
وٱلنفس
ٱلواحدة هى كل ٱلكاۤئنات وحيدات ٱلخلية. وتسميتها بٱلنفس جاۤء من ٱلفعل ٱلفيزياۤئى
ٱلجارى فيها بتبادل ٱلأجزآء ٱلدخانية (ٱلغازات) مع هواۤء ٱلجو. هذه ٱلنفس ٱلواحدة ٱلتى
نشأت من سلالة من طين. جرى تغيير فى تسويتها بفعل ٱلجعل وبه صارت "زوج"
نفسان كل منهما زوج ٱلأخرى وهو ما يبينه لنا ٱلنبـأ:
"هو
ٱلَّذى خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وٰحدةٍ وجَعَلَ منها زَوجَها لِيَسكُنَ إليها"
189 ٱلأعراف.
لقد
تمايزت ٱلنفس ٱلواحدة بقوة ٱلفعل جعل إلى نفسين وٱنتقلت من بعده إلى خلق جديد
نجم عنه زوجين ذكر وأنثى:
"وأَنَّهُ
خَلَقَ ٱلزَّوجَينِ ٱلَّذكَرَ وٱلأُنثى" 45 ٱلنجم.
وعن
ٱلمراحل ٱلتى مرت فيها حياة ٱلزوجين حتى ٱكتملت تسوية خلق ٱلبشر ثم ٱلمراحل ٱلتى
تحوّل فيهاۤ إلىۤ إنسان جآءنا ٱلبلاغ ببيانه:
"هو
ٱلَّذى خَلَقَكُم من طينٍ ثُمَّ قَضَىٰۤ أَجَلاً وأجل مسمّىً عِندَهُ ثُمَّ أَنتُم
تَمتَرونَ" 2 ٱلأنعام.
وفى
هذا ٱلبلاغ إعلامنا عن أجلين. ٱلأول يتعلق فىۤ إكمال عمليات تسوية ٱلخلق ٱلفيزيولوجى
للبشر. وٱلثانى يتعلق بتحوله إلى مكتسب للمعلومات وخازن لها فى ذاكرة. وبفعل
ٱلذاكرة يتخذ موقف ٱلمتر ٱلذى يدل على موقف ٱلامتناع عن الالتزام بٱلأمر وٱلفسق
عليه.
لقد بين علم ٱلإنسان أن عمليات ٱلتكوين ٱلفيزيولوجى
للإنسان ٱستمرت أزمنة طويلة جدًا حتى ٱكتملت وصارت بشرًا. وهو ما نجده فى ٱلبلاغ
"ثُمَّ قَضَىٰۤ أَجَلاً وأجل مسمّىً عِندَهُ".
وحتى
لا تعود تسوية ٱلخلق فى كل مرة إلى ٱلبدء ثم يقضى أجلاً طويلاً حتى يكتمل مرة أخرى
جرى خلق (تصميم) جديد لا يحتاج إلى عودة إلى ٱلبدء من طين. فقد جعل ٱللَّه جميع أفعال
ٱلأجل ٱلأول منهاجًا حيًّا مسجلا فى كتاب كما هو ٱلتسجيل علىۤ ألواح ليزرية. وهو
ما يظهره ٱلبلاغ ٱلتالى:
"ولقد
خَلَقنا ٱلإِنسـٰنَ من سُلـٰلةٍ من طينٍ/12/ ثُمَّ جَعلنٰهُ نُطفَةً فى
قَرارٍ مكينٍ/13/" ٱلمؤمنون.
ٱلخلق
(ٱلتصميم) بدأ من طين ثم صار سلالة. ولكنه لم ينته عند هذه ٱلبداية. بل مرّ فى
مراحل عديدة ثم تحوّل ٱلخلق بفعل ٱلجعل (ٱلطفرة) إلى منهاج حيوى (نطفة) سجلت فيه
جميع عمليات ٱلخلق بدءًا من تراب. وبعد ٱلتسجيل فى منهاج حيوى (نطفة) يتابع ٱلخلق
أطوارًا حتى يوصل إلى ٱلبشر:
"ثُمَّ
خَلَقنا ٱلنطفة علقةً فَخَلقنا ٱلعَلَقةَ مُضغَةً فَخَلَقنا ٱلمُضغَـةَ عِظامًًا
فَكَسَونا ٱلعظمَ لَحمًا ثُمَّ أَنشأنٰهُ خَلقًا ءَاخَرَ فَتَباركَ ٱللَّه أَحسَنُ
ٱلخٰلقينَ" 14 ٱلمؤمنون.
ٱلنطفة
تضمّ كل أفعال تسوية ٱلخلق وٱلمراحل ٱلتى تسبقها بدءًا من ٱلتراب. كما تضمّ مناهج أفعال
تسوية ٱلخلق ٱللاحقة على ٱلنطفة.
ويوكّد
ٱللَّه على ٱلربط بين ٱلتراب وٱلنطفة ثم متابعة أفعال تسوية ٱلخلق إلى مراحلها ٱلعليا
وفيها كمال تسوية ٱلبشر:
"فإِنَّا
خلقنـٰكم من تُرابٍ ثُمَّ من نُطفةٍ ثُمَّ من علقةٍ ثمَّ من مُضغَةٍ مُخَلَّقَةٍ
وغَيرِ مُخَلَّقةٍ لِنُبَيِّنَ لكم ونقِرُّ فى ٱلأرحامِ ما نشاۤءُ إلىۤ أجلٍ
مُسمًّى ثُمَّ نُخرِجُكُم طِفلاً ثُـمَّ لِتَبلُغُوۤاْ أَشـُدَّكُم" 5 ٱلحج.
ويوكِّد
اللَّه تعدد ٱلخلق (ٱلتصميم) وتسلسله وفق منهاج حىٍّ مسجل:
"يَخلُقُكُم
فى بُطُونِ أُمَّهـٰتِكُم خَلقًا من بعدِ خَلقٍ" 6 ٱلزمر.
فى
الأية /5/ من سورة ٱلحج تقسيم بيّن لأفعال تسوية ٱلخلق ٱلتى يرتبط بعضها ببعض فماۤ
أن تكتمل مرحلة حتى تبدأ ٱلمرحلة ٱلتالية تسوية منهاجها.
ما تقدم من ترتيل لبلاغات وأنبآء من ٱلقرءان
يبين لناۤ أنّ علم ٱلإنسان يجعله قادرًا علىۤ أفعال تسوية ٱلخلق ٱلمبيّنة له فى
كتاب ٱللَّه بدءاً من ٱلنطفة. سواۤء ءكان بوسيلة نكاح ذكر وأنثىۤ. أم بوسيلة توسيط
صناعى كما هو فى ٱلأنبوب.
كماۤ
أنّه يستطيع ٱلانتقال إلى ٱلمرحلة ٱلتالية على ٱلنطفة وهى ٱلعلقة (ٱلزيجوت zygote).
وهنا لا يلزمه نكاح ذكر وأنثى وبذلك يكون قد تجاوز مرحلة خلقية كاملة. وبعمل
ٱلإنسان هنا لا يوجد أى خروج عن ٱلعلم ٱلذىۤ أحطنا به من قبل ٱللَّه.
وأستطيع ٱلقول أن نظريات ٱلنشوء ٱلتى
وضعها علماۤء أحياۤء جميعها تصدّق ٱلأنبآء وٱلبلاغات ٱلقرءانية ٱلتى رتلتها. وهى لا
تخرج عنها فى شىء. وكان ٱللَّه قد أعلمنا فى بلاغه أننا سنتوصل بعلمناۤ إلى كل ذلك
"ولقـد علمتـم ٱلنشـأة ٱلأولى".
وأقول إن نظريات ٱلنشوء لم تستطع أن
تكشف عن ٱلوسيلة ٱلتى ٱنتقل بها ٱلبشر إلىۤ إنسان. أما ٱلبلاغ فأجد فيه بيان ذلك:
"فإذا
سَوَّيتُهُ ونَفَختُ فيهِ من روحى فَقَعواْ لهُ سـٰجدينَ" 72 ص.
ٱلتسوية
هى ٱلتنفيذ. وتسوية ٱلخلق هى كماله من دون نقص. هذا من ٱلجانب ٱلفزيولوجى. أما من ٱلجانب
ٱلمرتبط بٱلوعى وٱلفكر فقد جاۤء عنها فى ٱلقول "ونفخت فيه من روحى"
وبيّن ٱلمسألة فى بلاغ أخر:
"وعَلَّمَ
ءَادمَ ٱلأَسماۤءَ كُـلَّها" 31 ٱلبقرة.
فى
ٱلقول "ونفخت فيه من روحى" ما يدلّ على تزويد ءادم بٱلقوة
ٱلحركية ٱلمتعلقة بٱلمعلومات. فٱلرّوح هو ٱلقدرة على ٱلحركة وكسب ٱلمعلومات وحفظها
(ذاكرة). وزيادتها يأتى به ٱلكسب ٱلمتواصل. وفى ٱلبلاغ بيان عن فعل ٱلرّوح:
"ويَسئَلُونَكَ
عَنِ ٱلرُّوحِ قل ٱلرُّوحُ مِن أَمرِ رَبّى وماۤ أُوتِيتُم مِنَ ٱلعِلمِ إلاَّ
قَليلاً" 85 ٱلإسراء.
وفيه
أن ٱلرّوح هو بعض أمر ٱلرَّبّ. وٱلأمر لا يكون إلاّ معلومات.
ولبيان ٱلدليل علىۤ أنّ ٱلرّوح هو بعض
علم. أى علم قليل جآء فى ٱلبلاغ
"وماۤ أُوتِيتُم مِنَ ٱلعِلمِ إلاَّ قَليلاً". وكَيلُ ٱلقلَّة
هنا بٱلنسبة إلى علم ٱللَّه ذاته ٱلذى جاۤء عنه فى ٱلبلاغ أنّه:
"وَسِعَ
كُلَّ شىءٍ عِلمًا" 98 طه.
"وٱللَّه
يَعلمُ ما فى ٱلسَّمـٰوٰتِ وما فى ٱلأَرضِ وٱللَّه بكُلِ شىءٍ عليم" 16 ٱلحجرات.
"إن
ٱللَّه قد أحاطَ بكُلّ شىءٍ علمًا" 12 ٱلطلاق.
وجاۤء
فى ٱلبلاغ عن علمنا ٱلقليل:
"ولا
يُحِيطونَ بشىءٍ مِّن عِلمِهِ إلاَّ بِما شاۤء" 225 ٱلبقرة.
وهكذاۤ
أجد أن ٱلرّوح ٱلمعطى لنا هو مقدار ٱلمعلومات ٱلتى شاۤء ٱللَّه أن نحصل عليه بدءًا
من "ونفخت فيه من روحى" وحتى قيام ٱلساعة. وبه نعلم أنّ سلوك ٱلإنسان
يبتعد عن سلوك ٱلبشر كلما ٱزداد مقدار ٱلرّوح فى قلبه وإلىۤ أن يوصل إلى مقدار
"بما شاۤء".
لقد أبلغنا ٱللَّه أنّ سنّة ٱلخلق بكل ألوانه
لا تبديل لها:
"فلن
تَجِدَ لسُنَّتِ ٱللَّه تبديلاً ولن تَجدَ لسُنَّتِ ٱللَّه تحويلاً" 43 فاطر.
كماۤ
أبلغنا عن ٱلسبب:
"وما
خَلَقنا ٱلسَّماۤءَ وٱلأرضَ وما بَينهُما لٰعبينَ" 16 ٱلأنبياء.
فخَلقُ
ٱللَّه لا يبدَّل ولا يُحّول لأنه ليس لعبًا. وٱللعب هو ٱللَّهو وٱلسخرية وٱلعبث.
وتبديل أىّ سنّة فى ٱلوجود يغيّر مناهج تكوينه. ويغرق كل شىء فى ٱلعبث وٱلضياع.
ولذلك وكَّد ٱللَّه على ثبات وحزم فى سنّته:
"لا
مُبَدِّلَ لكلمـٰتِهِ" 27 ٱلكهف.
ٱلأنبآء فى كتاب ٱللَّه كثيرة. وجميعها
تدخل فى دليل ٱلقول "وماۤ أوتيتم من ٱلعلم إلاّ قليلاً".
وإنَّ
جميع أنباۤء ٱلكتاب يمكن للإنسان أن يعلمها ويبيّنها بٱلنظر وٱلبحث. وهذا لا يكون
دفعة واحدة من قبل ٱلناس. بل يخضع لربوّ علم ٱلإنسان وتطور نظره وبحثه. وعن هذا
ٱلأمر جاۤء ٱلنبأ:
"لِكُلِّ
نبإٍ مُّستَقَـرّ وسوفَ تَعلمونَ" 67 ٱلأنعام.
"ولتعلّمُنَّ
نبأهُ بَعـدَ حين" 88 ص.
وأنتهىۤ إلى ٱلقول أنّ ٱلأنبآء ٱلموجودة
فى كتاب ٱللَّه جميعها وٱلمتعلقة بٱلكون وتسويته وٱلإنسان وتطوره وعلمه تحتاج إلى طاعة
ٱلأمر "قُـل سيرواْ فى ٱلأرضِ فٱنظرواْ كيفَ بدأ ٱلخلقَ" وهو أمر
بٱلبحث ٱلعلمى يطيعه ٱليوم علماۤء ٱلبيولوجيا وٱلفيزياۤء وغيرهم.
ٱلاستنساخ
لكلّ علم سنن خاصة به. وٱلاستنساخ علم فى
ٱلحقّ ٱلحىّ له سنته وبيّناته ٱلحسيّة. ومن خلال هذا ٱلعلم يمكن تكثير ٱلبشر
وغيرهم من ٱلكائنات ٱلحية من دون ٱللجوۤء إلى فعل نكاح.
ويستند
هذا ٱلعلم على ٱلعلم وٱلمعرفة بمراحل تسوية ٱلخلق ٱلمبينة فى ٱلأية /5/ من سورة ٱلحج. حيث يبدأ ٱلتكاثر من ٱلعلقة
أو ٱلمضغة بدلاً من ٱلنطفة.
فى كتاب اللَّه أنبآء عن تسوية خَلقِ
إنسانٍ وفق سنّة لا يألفها ٱلناس فى حياتهم ولكنها لا تخالف البلاغ "لا
مبدل لكلمٰته". وهناك ثلاث عمليات تسوية خلق خالفت ما يألفه ٱلناس:
ٱلأولى
ولادة
إسحـٰق ٱبن إبرٰهيم من ٱمرأة عقيم.
وٱلثانية
ولادة يحيىٰۤ ٱبن زكريا من ٱمرأة عاقر.
وٱلثالثة
ولادة عيسى ٱبن مريم من ٱمرأة عذراۤء.
ونبدأ
بٱلأولى ونرتل ٱلأيات ٱلتى حملت لنا ٱلنبأ:
"قَالُواْ
لا تَوجَل إنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلـٰمٍ عَليمٍ" 53 ٱلحجر.
"فَأَقبَلَت
ٱمرأَتُهُ فى صَرَّةٍ فَصَكَّت وَجهَهَا وقَالَت عجوز عقيم" 29 ٱلذاريات.
"وٱمرَأَتُهُ
قآئِمَة فَضَحِكَت فَبَشَّرنٰها بإسحقٰقَ ومن وراۤءِ إسحـٰقَ يعقوبَ/71/
قَالَت يٰويلتى ءَأَلِـدُ وأَنا عَجُوز وهذا بَعلى شَيخًا إنَّ هٰذا لشىء عَجيب/72/"
هود.
فى
هذه ٱلأيات أرى ٱمرأة عجوزًا عقيمًا. وٱلعقيم لا يلد بسبب فقدان بذور ٱلحياة لديه.
وفى ٱلتعقيم إبادة للكاۤئنات ٱلحية الصغيرة. ومع ذلك أرى بشـارة "بغلٰم
عليم" ٱسمه إسحـٰق.
فى الأية /72هود/ ٱمرأة إبرٰهيم
تعجب من ٱلبشارة بسبب معرفتها أن ٱلعقيم لا تلد وكذلك ٱلعجوز. فكيف ستلد من كانت
عجوزًا عقيمًا؟!
هو
عجب مشروع بٱلنسبة لامرأة إبرٰهيم بسبب علمهاۤ أن ٱلعقيم وٱلعجوز لا تلد.
فهل
يستطيع رجال ٱلدين وٱلسياسيون ٱلذين يعارضون ٱلاستنساخ أن يقولوا لنا كيف يمكن
للعقيم وٱلعجوز أن تلد فى يومنا هذا؟
لقد أنبأنا ٱللَّه عن تسوية ٱلخلق ٱلأول
وحدّده من ٱلتراب ومن ٱلماۤء. ومنهما يتكون ٱلطين. وهو ليس ماۤءً ولا ترابًا. إنه
كينونة جديدة تجرى فيهاۤ أفعال ٱلفيزياۤء ويتولد عنها "اللبنات الجزيئية
الأولى للحياة العضوية".[2]
وبيّن لناۤ أنه "قضى أجـلاً"
تَتَابع وتَسَلسَلَ من بعده فى تسوية ٱلخلق حتى وصل إلى ٱلحال ٱلفيزيولوجى ٱلتى
عليها ٱلبشر.
ثم بيّن لناۤ أنه سجّل كل ٱلأفعال ٱلتى
جرت بدءًا من طين إلى ٱلبشر فى سجلٍّ حىٍّ داخل ٱلنطفة.
وبين بذلك أنه لا حاجة للعودة فى كل مرة
إلى ٱلبدء من ٱلطين لتسوية ٱلخلق.
ثم بين لناۤ أن تسوية ٱلخلق من بعد ٱلنطفة
ينطلق من ٱلعلقة (ٱلزيجوت zygote) وهو لقآء نطفة
ٱلمنىّ بٱلبويضة.
ويبيّن لناۤ أن تسوية خلقنا بعد ذلك تبدأ
من ٱلعلقة:
"خَلَقَ
ٱلإِنسـٰنَ مِن عَلَقٍ" 2 ٱلعلق.
ٱلأيات ٱلتى رتلتها عن ٱلبشارة "بغلـٰم
عليم" تبين أنه يمكن ٱلتوالد فى حال "عجوز عقيم". ثمّ يتابع
ٱللون ٱلحىّ طريقه فى ٱلحياة من دون ٱنقراض بسبب ٱلعجز وٱلعقم.
وأرىۤ
أنّ هذا يتوقف على طاعتنا للأمر "قل سيرواْ فى ٱلأرض فٱنظرواْ كيف بدأ ٱلخلق"
وٱلوصول إلى ٱلمعرفة وٱلعلم بٱلسنّة ٱلمتعلقة بالتوالد من دون نكاح.
لقد جاۤء ٱلدليل ٱلذى يبيّن أنّ ٱلعقم لا
يكون سببًا لانقراض ٱللون ٱلحىّ من بعد ٱلعلم بسنة تسوية ٱلخلق من ٱلعلقة "فبشرنـٰها
بإسحـٰق ومن وراۤء إسحـٰق يعقوب". وفيه نبأ عن مواصلة ٱلتوالد من دون
توقف.
كيف
يحدث ذلك؟
يقول
لنا ٱللَّه أنّ ذلك سنعلمه فى ٱلمستقبل:
"ولتعلمُنَّ
نبأه بعد حين" 88 ص.
ونحن
ٱليـوم أصبحنا نعلم أنّ نطفة ٱلمنىّ ٱلبشرى تضمّ كتابًا كبيرًا مكونًا من 22+X
سجلا من لون أنثوىّ. أو 22+Y سجلا من لون ذكرىّ. أمّا ٱلبويضة
فتضم لونًا واحدًا من ٱلسجلات ٱلأنثوية 22X+.
وتسمّى هذه ٱلسجلات كروموسومات. وتبدأ تسوية خلق ٱلإنسان من بعد لقآء ٱلنطفة
وسجلاتها بٱلبويضة وسجلاتها. وتتكون من هذا ٱللقآء ٱلعلقة (ٱلزيجوت zygote)
وعدد ٱلسجلات فيها هو 46 سجلا أو كروموسومًا. وبتكوّن هذه ٱلعلقة تبدأ تسوية خلق
كل فرد من ٱلناس. ٱلأنثى سجلاتها من لون 44XX+ وٱلذكر من لون 44XY+.
وٱلإنسان ٱلمتكوّن من هذا ٱلزيجوت تضمّ كلّ علقة (خلية) من جسمه 44XX+
سجلا أو 44YX+ سجلا (كروموسومًا) وفق لونه
ذكر كان أم أنثى.[3]
وكل علقة (خلية) فى جسم ٱلإنسان هى زيجوت zygote
(بويضة ملقحة) وبها يمكن ٱلتوالد من دون فعل نكاح.
وبعد أن علم ٱلإنسان ما فى ٱلعلقة (الخلية)
من سجلات لتسوية ٱلخلق صار يستطيع ٱلتوالد من دون نكاح. ويمكنه أن يجرى فعل ٱلتسوية
من دون أن يكون ذلك فسقًا على قول ٱللَّه "لا مبدل لكلمٰته". بل إنَّ
فى عمله هذا توكيد لقول ٱللَّه تسنده ٱلبيّنة ٱلعلميّة ٱلحسيّة ٱلتى توصل إلى
ٱلعلم أنّ وسيلة تسوية ٱلخلق ٱلمبلغة فى ٱلأية /5/ من سورة ٱلحج لا مبدل لها. وٱلبيّنة
ٱلعلمية هىۤ أقوىۤ أساليب ٱلبينة.
هكذا أصدّق أن ٱلعجوز ٱلعقيم يتوالد. ويحدث
ذلك بواسطة علقة (خلية) من جسم ٱلذى بُشّر بٱلغلام ٱلعليم. وهذا ما يفعله علماۤء ٱلاستنساخ
ٱليوم. وفى علمهم هذا ٱلعلمُ وٱلتّصديقُ لنبـإ توالد ٱلعقيم بعد حين "ولتعلمُنَّ
نبأه بعد حين".
إذن ٱلاستنساخ هو عمل علمىّ ينجم عن
طاعة ٱلأمر:
"قُل
سيرواْ فِى ٱلأرضِ فٱنظُرُواْ كيفَ بدأَ ٱلخَلقَ ثمَّ ٱللَّه يُنشِئُ ٱلنَّشأَةَ ٱلأخِِرةَ
إنَّ ٱللَّه على كل شىءٍ قدير" 20 ٱلعنكبوت.
وهو
عمل يوصل ٱلناس إلى ٱلعلم كيف بدأ ٱلخلق. ومن دون هذا ٱلعمل لا يعلم ٱلناس كيف بدأ
ٱلخلق ويكون كلّ قول لهم فيه ظنّ ورجم بٱلغيب.
وعليه أرىۤ أنَّ ٱلاستنساخ عمل يوافق ٱلسنّة
ٱلإلـٰهية ٱلمتعلقة بٱلعلم كيف بدأ ٱلخلق. وهو ٱلوسيلة لتوالد من كان عقيمًا
وٱلوسيلة لتصديق ٱلنبإ فى كتاب ٱللَّه.
وقد يسأل ساۤئل مَن قام بفعل ٱلاستنساخ
لكى يولد ٱلغلـٰم ٱلعليم إسحٰق؟
وأجد
فى النبـإِ أنّ مجموعة من ٱلملاۤئكة نقلت ٱلبشارة إلىۤ إبرٰهيم وٱمرأته.
وهم ٱلذين قاموا بٱلفعل بخبرة مسجلة فيهم بأمر من ٱللَّه. وفعلهم يشبه فعل روبوت.
أنتقل إلى ولادة ٱلنبى يحيى ٱبن
زكريا وأرتل ٱلأيات ٱلتى تبلغ عن ولادته. وقد وجدت أنه ولد بعد إصلاح عطل يمنع
ٱلزيجوت لدى والدته.
جاۤء
فى البلاغ:
"أَنَّ
ٱللَّه يُبَشّرُكَ بيَحيَـىٰ" 39 ءال عمران.
ولما
كانت ٱلبشارة تخالف علم زكريا وما هو مألوف بين ٱلناس سأل مستغربُا:
"أَنَّى
يكونُ لى غلام وقد بلغنى ٱلكِبَرُ وٱمرأَتِى عاقِر"40 ءال عمران.
وجاۤءه
ٱلجواب:
"كَذلِكَ
ٱللَّه يفعَلُ ما يشاۤءُ"40 ءال عمران.
ويظهر
لنا ٱللَّه ماذا فعل فى ٱلبلاغ ٱلتالى:
"وأَصلَحنا
لَـهُ زوجَهُ"90 ٱلأنبياۤء.
كانت ٱمرأة زكريا عاقرا. وإصلاح ٱلعقر
حديث على علم ٱلإنسان ٱليوم. وما جآء فى ٱلبلاغ عنه هو نبأ علمنا به بعد حين.
ٱلعقر
هو ٱلجرح أو ٱلقرح ٱلذى يمنع فعل ٱلزيجوت على ٱلرغم من توفر طرفيه.
وقد
تمّ إصلاح والدة يحيى بأمر من ٱللَّه فولدت يحيى بإخصاب مألوف من ٱلزوج زكريا.
وٱلغلام يحيى هو ولد زكريا بٱلوسيلة ٱلتى يتبعها ٱلناس بفطرتهم.
أما ولادة عيسى فكانت من ٱمرأة عذراۤء.
وٱلعذراۤء لا تلد بذاتها كما يعرف ٱلناس حتى يومنا هذا. كذلك هى مريم ٱلعذراۤء
تعلم مثل ٱلناس أن ٱلولادة لا تحدث إلاّ بفعل مسٍّ. ولذلك أظهرت ٱستنكارها:
"قَالَت
أَنَّى يكُونُ لى غُلام ولم يَمسَسنِى بَشَر ولم أكُ بَغِيًًّا"20 مريم.
ويأتيها
ٱلجواب:
"قَالَ
كذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ علىَّ هيّن ولِنَجعَلَهُ ءَايَةً لِّلنَّاسِ" 21
مريم.
ولما
كانت مؤمنة محصنة وصدّيقة صدَّقت وتوقف ٱستنكارها.
لقد وكّد ٱلنبأ فى ٱلقرءان أنها حملت
وولدت من دون مسّ زوج لها:
"إذ
قالتِ ٱلملـٰئِكَةُ يا مريمُ إنَّ ٱللَّه يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنهُ ٱسمُهُ ٱلمسيحُ
عِيسَى ٱبنُ مريمَ" 45 ءال عمران.
"فأَرسلنا
إليها رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لها بَشَرًا سوّيًا/17/ قالت إِنّى أَعُوذُ بٱلرَّحمٰنِ
مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً/18/ قالَ إنَّماۤ أَنا رَسُـولُ رَبِّكِ لأَهَبَ
لكِ غُلامًا زكِيًّا/19/" مريم.
ٱلبشارة
بكلمة من ٱللَّه. وكلمة ٱللَّه كما يبيّنها كتابه هى شىء حقّ:
"ويُحِقُّ
ٱللَّه ٱلحَقَّ بِكلمـٰتِهِ" 82 يونس.
هذا
ٱلحقّ هو عيسى ٱبن ٱلعذراۤء مريم وقد تمّ تحقيق هذه ٱلكلمة بواسطة ٱلرّوح ٱلذى
تمثّل أمامها بشرًا كاملاً وقام بإعلامها عن ٱلأمر "لأَهَبَ لك غلاماً
زكيًّا".
فكيف
حدث ذلك؟
ويأتى
ٱلجواب فى ٱلبلاغ ٱلتالى:
"إنَّ
مَثَلَ عيسى عندَ ٱللَّه كَمَثَلِ ءادم خَلَقَهُ من تُرَابٍ ثُمَّ قالَ لَـهُ كُن
فَيَكُونُ" 59 ءال عمران.
وفى
هذا ٱلبلاغ أنّ خلق عيسى لا يخالف خلق ءادم وهو مثله وخاضع لذات ٱلسنّة
ٱلتى لا تبديل لها. من تراب ثم وفق سلسلة أطوار ٱلخلق ٱلمتعدد حتى طور "خلق
الإنسٰن من علقٍ".
ولمـا
كـان خلـق عيسى لا يرتبط بنطفة فما هى وسيلة هذا ٱلخلق؟
كما
وجدنا فى ولادة إسحـٰق من عقيم فإن ٱلعلقة هى ٱلوسيلة لدى ٱلعذراۤء مريم.
وأىّ عذراۤء ٱليوم يمكن أن تلد ٱنطلاقـًا من ٱلعلقة من دون مسٍّ. وأنّ فعل علم
ٱلاستنساخ هو ٱلذى يبين كيف حدثت ءاية ولادة ٱلعذراۤء مريم ويصدقها.
ولما كان هذا ٱلنبأ يصعب تصديقه على
كثير من ٱلناس راحوا يرمون ٱلعذراۤء مريم بكل ألوان ٱلبهتان. وقد أبلغنا ٱللَّه
عن ٱلأمر فى ٱلبلاغ ٱلتالى:
"وبكُفرِهِم
وقَولِهم على مريَمَ بُهتـٰنًا عظيمًا" 156 ٱلنساۤء.
وٱلكفر
هو غطآء للبصر وٱلقلب وٱمتناع عن تصديق ٱلأية ٱلتى جاۤءتهم وٱلتى يكشف عنها ٱلبلاغ
ٱلتالى:
"وٱلَّتى
أَحصَنَت فَرجَها فَنَفَخنَا فيها مِن روحنا وجَعلنٰها وٱبنَها ءَايةً لِّلعـٰلمِينَ"91
ٱلأنبياۤء.
وٱلأية
شىء يحدث وله أشراط لا يمكن معرفتها وٱلعلم بهاۤ إلاّ بٱلنظر وٱلعلم فى مسألة "كيف
بدأ ٱلخلق" وٱلهمل على ٱلتصديق لاستقرار ٱلنبإ "لكل نبإٍ مستقرّ وسوف تعلمون".
وعلم
ٱلاستنساخ ٱلذى وفّر لنا معلومات كافية لتأويل أية ٱلعذراۤء مريم وءاية ٱبنها
يقطع طرق ٱلريب بهذه ٱلولادة ويدفعنا لتصديقها. كمـا يساعـدنا على فهم ٱلأيات ٱلعظيمة
ٱلتى تمثلها ولادة كلٍّ من إسحـٰق ويحيى وعيسى.
وأذكّر ٱلذين لا يصدّقون هذه ٱلأيات بٱلبلاغ
ٱلمنذر:
"وٱلَّذين
كَفَرُواْ وكذَّبواْ بأيٰتِناۤ أُوْلٰئِكَ أصحٰبُ ٱلنَّارِ هُم فيها خَٰلِدونَ"
39 ٱلبقرة.
ٱلاستنساخ ءاية بين أيدى ٱلناس منذ وقت
بعيد عن يومنا هذا. وهم يأخذون خلية نباتية (برعم) ويزرعونها فى لحاۤء غصن شجرة أو
نبتة. وبفعلهم هذا يسوّى خلق ٱلبرعم وينشأ عنه غصن جديد يحمل مواصفات وراثية من ٱلنبتة
أو ٱلشجرة ٱلمنقول منها ٱلبرعم. كماۤ أنهم يقومون بعمليات نقل وزرع أجزآء (أعضآء)
عن طريق زرع قلم يؤخذ من شجرة ويزرع فى شجرة أخرى. فينمو ٱلقلم وتتكون أغصان جديدة
تحمل مورثات ٱلشجرة ٱلمنقول منها. وٱستنساخ ٱلبشر هو مثل ٱستنساخ ٱلبرعم.
فى ٱلأية /53 ٱلحجر/ جاۤءت ٱلبشارة "بغلام
عليم". وٱلغلام هو ٱلمراهق ٱلهائج ٱلقوى ٱلجسم. وأنّ ٱلمألوف بين ٱلناس من
علم إلى يومنا هذا لا يقبل ولا يصدّق بٱجتماع ٱلوصف غلام مع ٱلوصف عليم. لأن صفة عليم
لا يحصل عليها ٱلإنسان إلاّ من بعد كسب وفير للعلوم. وٱلبشارة تقول أن إسحـٰق
عندما يكون فى سن ٱلمراهقة سيكون مختلفًا عن أقرانه بسبب علمه. وبه يكبح قوى
ٱلغلام ويوجهها كما يفعل ٱلعالم.
وفى ٱلأية /12 مريم/ "يـٰيَحيَى
خُذِ ٱلكِتٰبَ بِقُوَّةٍ وءَاتينٰهُ ٱلحُكمَ صَبيًَّا". فيها بلاغ عن
صبىّ حكيم. وٱلصبىّ هو ٱلصغير ٱلرضيع. وٱلحكمة يعرفها الناس عند ٱلشيوخ من ٱلعلماۤء
وهى غير مألوفة عند ٱلصبيان.
أماۤ ءاية عيسى فهى مسآئل علمية
متعددة. حيث جاۤء عنه فى ٱلنبـإِ:
"وَيُكَلِّمُ
ٱلنَّاسَ فى ٱلمَهدِ وَكَهلاً ومِنَ ٱلصَّـٰلحين" 46 ءال عمران.
وفيه
بلاغ عن طفل يولد ومن وقت ولادته يتكلم. وأوّلُ كلامهِ كان لوالدته:
"فنادـٰها
من تَحتِهاۤ أَلاَّ تَحزَنى" 24 مريم.
وقد
أرشدها بما تفعل وهى حاۤئرة مربكة:
"وهُزّى
إِليكِ بِجِذعِ ٱلنَّخلَةِ تُسـٰقِط عليكِ رُطَبًا جَنيًّا/25/ فَكُلِى وٱشرَبى
وقَرّى عينًا فإمّا تَرَيِنَّ من ٱلبَشَرِ أَحَدًا فقُولىۤ إنّى نَذَرتُ للِرَّحمٰنِ
صَومًا فَلَن أُكَلّمَ ٱليومَ إنسِيًّا/26/" مريم.
وعندما
ٱجتمع عليها قومها يستنكرون ما جاۤءت به أشارت إلى ٱلطفل فقالوا لها متعجبين ومستنكرين:
"كيفَ
نُكَلّمُ مَن كانَ فى ٱلمَهدِ صَبيًّـا" 29 مريم.
فقطع
ٱلصبى عجبهم وٱستنكارهم:
"قالَ
إنّى عَبدُ ٱللَّه ءَاتٰنِىَ ٱلكِتٰبَ وجَعَلَنِى نبيًّا" 30 مريم.
بشارة ٱلعذراۤء مريم ضمّت صفة
للمولود جاۤءت بقوله "لأهب لك غلامًا زكيًّا". وهذا يبيّن أنه فى
سن ٱلمراهقة على ٱلرغم من كونه غلام يخلو من ٱلمرض فى جسمه وإنّ نفسه لا تدفعه تحت
تأثير قوى جسمه ولا يوقع فى ٱلفاحشة ولا فىۤ أذى ٱلناس. بل يكون صالحًا فىۤ أقواله
وأعماله ونفسه ممتلئة بٱلحكمة. وهذا بسبب سعة نفسه بٱلعلم وٱلحكمة ٱلتى لُقم بها
فؤاده وهو جنين. وهو ما يبينه لنا ٱلبلاغ:
"إِذ
قالَ ٱللَّه يٰعيسى ٱبنَ مريَمَ ٱذكُر نِعمَتى عليكَ وعلى وٱلِدَتِكَ إِذ
أَيَّدتّكَ بِرُوحِ ٱلقُدُسِ تُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فى ٱلمَهدِ وكَهلاً وإِذ علَّمتُكَ
ٱلكتٰبَ وٱلحِكمَةَ وٱلتَّورـٰةَ وٱلإِنجِيلَ"110ٱلماۤئدة.
ٱلروح
القدس هو معلومات عالية خالصة من ٱلباطل تستند إلى علم ٱلكتاب وٱلحكمة
وٱلتورـٰة وٱلإنجيل. وقد حدث ذلك وخلقه يُسوَّى "خلقًا من بعد خلقٍ"
فى رحم والدته ٱلعذراۤء. وٱلدليل على وقت هذا ٱلكسب للمعلومات أنه "يكلّم
ٱلناس فى ٱلمهد".
ومن أمثلة ٱلعلوم ٱلتى كسبها ما جاۤء عنه
فى ٱلبلاغ ٱلتالى:
"وإِذ
تَخلُقُ مِنَ ٱلطّينِ كَهَيئَةِ ٱلطَّيرِ بِإِذنِى فَتَنفُخُ فيها فَتَكُونُ طَيرًا
بِإِذنِى وتُبرئُ ٱلأَكمَهَ وٱلأَبرَصَ بإِذنى وإِذ تُخرِجُ ٱلمَوتى بِإِذنِى"110
ٱلماۤئدة.
ٱلخلق
هو ٱلتصميم. وٱلمخلوق هنا "كهيئة ٱلطير" أى على صورته. وأشار إلى
مصدر ٱلخلق وهو "ٱلطين" وهو مصدر للمعادن وخاصة ٱلألمنيوم ٱلذى
يدخل فى ٱلألوان ٱلصناعية ٱلطاۤئرة. وقد ربط ذلك بٱلقول "بإذنى".
وإذنُ ٱللَّه فى ٱلوجود هو سنّته "قانون" ٱلتى لا تبديل لها ولا
تحويل عنها. وٱلإنسان له بعلمه وبمعرفته أن يفعل ذلك. وقد ٱستطاع ٱلإنسان أن يتوصل
إلى تأويل هذه ٱلأية بكل ٱلألوان ٱلطاۤئرة ٱليوم.
أمّا قوله "وتُبرئُ ٱلأَكمَهَ وٱلأَبرَصَ
بإِذنى" فهو يشير إلى تعليمه سنّة ٱلطب ٱلبشرى ٱلمتقدم على علمنا حتى
يومنا هذا. وإلى ٱليوم لم يستطع ٱلطب أن يبرئ ٱلأكمه وٱلأبرص. والنبأ فى ٱلقرءان يبين
أنّ ذلك ممكن من بعد معرفة وعلم بإذون ٱللَّه ٱلمتعلقة بهذين ٱلمرضين. ويدفعنا إلى
ٱلسعى فى ٱلبحث عن هذه ٱلأذون ٱسـتنادًا لأمره "قل سيرواْ فى ٱلأرض فٱنظرواْ
كيف بدأ ٱلخلق".
أمّا ٱلقول "وإذ تخرج ٱلموتى
بإذنى" فنجد فيه نبأ عن وجود إذن يتعلق بٱلقدرة علىۤ إخراج ٱلموتى. وما
زال علمنا حتى ٱلأن لم يتوصل إلى هذا ٱلإذن.
ومن
ٱلناس حتى يومنا هذا لا يصدّق هذه ٱلأنبآء ويرى فيها سحرًا كما جاۤء فى ٱلبلاغ ٱلتالى:
"فقالَ
ٱلَّذين كَفَرُواْ مِنهُم إِن هذا إلاّ سِحر مُبين" 110 ٱلماۤئدة.
بين أيدينا ٱليوم إذون متعددة نعلم بها وبوسيلتها
نسوى ٱلخلق. ومن هذه ٱلأذون هو علم ٱلاستنساخ. وعلى علماۤء هذا ٱلإذن ٱلاستمرار
فىۤ أعمالهم ٱلتى خلقها ٱللَّه فيهم كما جاۤء ٱلبيان فى ٱلنبإِ:
"وٱللَّه
خَلَقَكُم وَما تَعمَلُونَ" 96 ٱلصافات.
لقد خلقنا ٱللَّه من تراب ثم تابع تسلسل
ٱلخلق ٱلذى يضمّ منهاجًا لعملنا لا يبدأ فعله إلاّ من بعد كسب للعلم ٱلذى يتراكم
من خلال طاعة ٱلأمر "قل سيرواْ فى ٱلأرض فٱنظرواْ كيف بدأ ٱلخلق"
وبه تبدأ سلسلة خلق أعمال ٱلإنسان.
وكل
منها بعد أن يكتمل يكون بداية لخلق عمل جديد أعلى من ٱلسابق وصولاً إلىۤ أحسن ٱلأعمال
كما فىۤ ءاية عيسى.
وكل
ٱلأعمال ٱلتى يخلقهـا ٱلإنسان هى من أصل "وٱللَّه خَلَقَكُم وَما
تَعمَلُونَ" وما على ٱلإنسان ٱلعالم إلاۤ أن يعوذ "برب ٱلفلق من
شرّ ما خلق" وأن يكون مثله فى عمله هو عيسى ٱلذىۤ أعلمنا ٱللَّه
عن صفاته فى ٱلبلاغ:
"وبَرَّا
بوالِدَتِى ولم يجعلنِى جَبَّارًا شَقِـيًّا" 32 مريم.
لقد سُوِّى خلق عيسى فى رحم عذراۤء
مؤمنة محصنة وصدّيقة. وصفات هذه ٱلوالدة وٱلأم تبيّن أهمية ٱلعلاقة بين ٱلمولود وٱلوالدة
وكذلك ٱلأمّ. وهى ٱلتى تظهر ٱلبّر عند ٱلولد وٱلابن. وٱلبرّ هو ٱلوفاۤء وٱلصدق وٱلإحسان
وٱلصلاح وٱلخير.
وإن ٱلإنسان فى تقدمه للحصول على "وماۤ
أوتيتم من ٱلعلم إلاّ قليلاً" قد يتوصل إلى صناعة رحم. وٱلطفل ٱلذى يُسوَّى
خلقه فيه إذا لم يكن له أمّ مؤمنة محصنة وصدّيقة ترعى مسألة ٱلبرِّ فى نفسه. لن
يكون أكثر من إنسان صنعى روبوتى.
وٱلنبأ فى ٱلقرءان موجَّه ٱليوم إلىۤ
أولٰئك ٱلعلماۤء ٱلذين يؤولون ءاية ٱلعذراۤء وولدها وكذلك ءاية ٱلعقيم للانتباه
إلى صفات أم ٱلمستنسخ فى حال توصلهم إلىۤ إذن تزويده بٱلمعلومات وهو جنين. حتى
تتولى رعايته وتربيته وتعمل على تثبيت وتطوير ٱلعلم ٱلذى تزوّد به.
وٱلمستنسخ ٱلمطلوب من ٱلإنسانية ٱلصالحة
يجب أن يكون كمثل عيسى "ولم يجعلنى جبّارًا شقيَّا" لأن ٱلجبّار
هو ٱلمتسلط وٱلمتكبر ٱلذى يسعى لاستخدام ما لديه من علم لبسط سلطته على كل شىء. وٱلشقىّ
هو ٱلذى لا يتوقف عن ٱلسعى لجمع ٱلثروات وتكديسها لتحقيق جبروته. وهما صفتان
متلازمتان عند ٱلإنسان ناقص ٱلعلم وٱلبرّ معًا ٱلذى لا ينتبه إليهما حتى تتوقف
حياته بٱلموت. وقد جاۤء فى ٱلبلاغ بيان عن لهو هذا ٱلشقى:
"ألهـٰكُم
ٱلتكاثُـرُ/1/ حتَّى زُرتُمُ ٱلمقابِرَ/2/" ٱلتكاثر.
فإذاۤ أرادوا ٱليوم وقبل وصولهم إلىۤ
إذن تزويد ٱلمستنسخ بٱلمعلومات فليكن عملهم محصورًا على حـالات ٱلعقم كما فى مثل
ولادة إسحـٰق بٱنتظار ٱكتشـاف أذون كسـب ٱلمعلومات فى ٱلحال ٱلجنينىّ.
وإذاۤ أخذ علماۤء ٱلاستنساخ من ٱلتوجيه ٱلإلٰهى
هاديًا لهم فى مثل عيسى يمكنهم أن يخلقوا لونًا بشريّا عيسويّا راقيّا
فى تكوينه ٱلجسمى وٱلنفسى. ويكون ٱلمستنسخ بعلمه وصلاحه وبرّه وبعده عن ٱلجبروت وٱلشقاۤء
قد فتح ٱلباب لخلق إنسان جديد رحمانى عالى ٱلتطور. كما يلبى حاجة ٱلتوالد من دون
فعل ٱلمسِّ ٱلذى يمكن ٱلتخلى عنه للمرحلة ٱلبشرية فى حياة ٱلإنسان. وبه يكون ٱلإنسان
ٱلجديد لا تسوقه ٱلدوافع ٱلبهيمة بسبب علمه وطهارته وصلاحه. وبه يتخلص من معظم
وأخطر سلوكه ٱلوحشى ٱلذى يتمثل بٱلجبروت وٱلشقاۤء. ويوجه ٱهتمامه إلى ٱلعلم ٱلصالح
وٱلارتقاء به إلىۤ أقصى ما خوّله ٱللَّه فيه.
أمّا إذا طرح علماۤء ٱلاستنساخ ٱلتوجيه ٱلإلهى
جانبًا وسارت أعمالهم فى طريقها فهم قادرون على ٱستنساخ بشر وتزويده بٱلعلم. ولكن
قد يكون معظمه لحاجات ٱلجبروت وٱلشقاۤء حيث يتولد ٱلشرّ وٱلفساد. وإنسان عالى ٱلعلم
من دون إيمان وصلاح قوته ٱلتدميرية كبيرة فى ٱلمجتمع ٱلبشرى وٱلأرض على ٱلسواۤء.
لقد أعلمنا ٱللَّه أن كسب ٱلعلم يحدث عن
طريق ٱلسمع وٱلبصر وٱلفؤاد. وهى ٱلوساۤئط ٱلأساس للإدراك ٱلحسى. وهذا يجرى من بعد ٱلولادة
مباشرة. وهو ٱلطريق ٱلمألوف عند ٱلناس إلى يومنا هذا. ويوكِّد ٱللَّه ذلك فى ٱلنبـإِ:
"وٱللَّه
أَخرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهٰتِكُم لا تعلمُونَ شيئًا وجَعَلَ لكُمُ ٱلسَّمعَ وٱلأَبصٰرَ
وٱلأفئِدةَ لعَّلَكُم تَشكُرُون" 78 ٱلنحل.
وفىۤ
ءاية عيسىٰۤ تبيّن لىۤ أنه يمكن كسب ٱلعلم قبل ٱلخروج من رحم ٱلوالدة. وبعد
ٱلولادة تتابع وساۤئط ٱلإدراك ٱلحسّى ٱلكسب وتتقوى بٱلخبرة.
إن تقدمنا ٱلعلمى يوصلنا ٱليوم وسنوصل
فى ٱلمستقبل إلى ٱلعلم فى كيف بدأ ٱلخلق "ولقد علمتم ٱلنشأة ٱلأولى".
كماۤ أن تقدمنا ٱلعلمى يجعلنا نتعرف علىۤ أية عيسى من خلال تأويلنا لها ٱستنادًا
للنبـإِ:
"وقُلِ
ٱلحمدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُم ءايـٰتِهِ فَتَعرِفُونَها وما رَبُّكَ بغـٰفلٍ عمّا
تَعملَون" 93 ٱلنمل.
يقول
ديتفورت:
["فى
هذا العالم لا يضيع أي شيء. ما من شيء حصل في أي وقت من الأوقات إلا وترك
بعد انقضائه آثاراً ما تدل عليه. والمطلوب هو فقط كشف وإيجاد هذه الآثار
وتعلم طريقة قراءتها". لقد "اكتشف العلماء في السنين الأخيرة
الآثار الأولى لتطور الحياة المبكر قبل ثلاثة ونصف مليار سنة. علاوة على
ذلك فقد نجحوا في أن يشتقوا من هذه الآثار المعلومات الأولى التى تبين كيف سارت
الأمور في هذه الخطوة الهامة من التطور. إن الصدى الأول الذي بدأنا نسمعه
بفضل هذه الدراسات الحديثة حول ذلك الماضي البعيد هو جدال عارم لا رحمة فيه.
أمّا التكنيك الذي استخدمه العلماء لالتقاط هذا الصدى فإنه مذهل لكن ما يبعث أكثر
على الذهول هو المكان الذي اكتشف فيه هذا الأثر إنه الإنسان ذاته. كل منا
وكذلك جميـع الكائنـات الحية الموجودة اليوم بدون استثناء يحمل في داخله آثار ما
حصل على الأرض آنذاك قبل حوالي /4/مليار سنة"].[4]
ٱلذى يوصفه ديتفورت جاۤء ليكشف
عن مقدار تقدم ٱلعلم ٱلإنسانى. ومجال ٱلتقدم ما زال مفتوحًا ولاۤ إغلاق له إلاّ بٱنتهاۤء
حياة ٱلإنسان ذاته. وقد جاۤء ما وصفه ديتفورت فى ما يضمّه ٱلنبأ فى ٱلأية 93
ٱلنمل.
وكان ديتفورت قد قال قبل هذا ٱلوصف
أنّ:
["على
المتدينين أولاً أن لا ينزعجوا بمقدار شعرة واحدة إذا ما حصل التقدم العلمي ضمن
الخليقة وإلاّ أين سيحصل ؟ إذا كان الخالق الذي تتحدث عنه الأديان موجوداً
فإن وجوده لا يمكن أن يتأثر بالمستوى الذي بلغته علوم الأحياء على الأرض في هذه
اللحظة من التاريخ"].[5]
وهو
محقّ فيما قاله عن موقف ٱلمتدينين ٱلذين لا يعلمون أن علماۤء ٱلأحياۤء يعبدون أمر ٱلخالق
"قل سيرواْ فى ٱلأرض فٱنظرواْ كيف بدأ ٱلخلق".
ولكن
على ديتفورت أن يعلم أن ٱلبحث فى "كيف بدأ ٱلخلق" هو أمر
من ٱلخالق ذاته ٱلذىۤ أنبأنا فى ٱلأية 93 ٱلنمل عمّا جاۤء به ٱلعلم فى وصف ديتفورت.
كماۤ أنبأناۤ أن علمنا بٱلنشأة ٱلأولى حتمىّ:
"ولقد
عَلِمتُمُ ٱلنَّشأَةَ ٱلأُولَى فَلَولا تَذَّكرُونَ" 62 ٱلواقعة.
لقد توصل علماۤء ٱلفيزيآء وعلماۤء
الأحياۤء إلى مسألة هامة وهىۤ أنه يوجد فى ٱلوجود (ٱلطبيعة) علم وذاكرة (ذكـاۤء)
منذ ٱلبداية وقبل وجود ٱلفؤاد (ٱلدماغ) ٱلإنسانى. وهذا ٱلأمر هو حقّ. إذ كيف ٱتفق
للطاقات ٱلأولية (ٱلكواركات) أن تكوّن ٱلبروتونات وٱلنيترونات وٱلإلكترونات؟!.. ثم
كيف ٱتفق أن تكوّنت ٱلسورة (ٱلذَّرة) وٱلجزيئات؟
هذا
فى عالم ٱلمادة ٱلميتة.
ثم
كيف ٱتفق للمادة ٱلميتة أن تتحول إلى حيّة؟!..
كل
هذه ٱلأسئلة تبقى بلا جواب لدى جميع هؤلاۤء ٱلعلماۤء رغم أنَّ ما توصّلوۤا إليه حقّ
وهو تأويل للنبـإِ:
"قالَ
ربُّنَا ٱلَّذىۤ أعطَى كُلَّ شىءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى"50 طه.
فٱللَّه
هو ٱلذىۤ أعطى ٱلخلق لكلّ شىء وزوّده بٱلهداية ٱلتى تمثل منهاجًا لفعل وسلوك هذا ٱلشىء
من دون أخطاۤء.
وعلى ٱلرغم من توصّل هؤلاۤء ٱلعلماۤء إلى
ٱلعلم بهذا ٱلحقّ فهم ما يزالون على قولهم أنّ "الطبيعة طوَّرت وأنها
كيّفت وأنها اصطفت وهكذا..".
وهم يتوقفون عن متابعة ٱلقول عن ٱلوسيلة
ٱلتى جعلت "ٱلطبيعة" بهذه ٱلقدرة على ٱلتطوير وٱلتكيف وٱلاصطفاۤء.
وهم فى ذات ٱلوقت يحيلون كل هذا "ٱلذكاء"
إلى "ٱلطبيعة" من دون ٱلتصديق بٱلفعل ٱلإلٰهى ٱلذى جاۤءت بحوثهم وأقوالهم
مصدقة له.
وهم يجدون أن "ٱلطبيعـة" ٱلتـى
تملك كل هذا "ٱلذكاء" لا يلزمها خالق!.
وهذا يدل على غفلة يولدها جهل فى ٱلحقّ.
وهى ليست من علم كامل.
وقد جاۤء فى ٱلبلاغ عن أصحاب هذه ٱلغفلة
ٱلجاهلة:
"فأَمَّا
ٱلَّذينَ فى قُلُوبِهم زيغ فيتَّبِعُونَ ما تشٰبَهَ مِنهُ ٱبتِغَاۤءَ ٱلفِتنَةِ وٱبتغاۤءَ
تَأوِيِلِهِ وما يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّه" 7 ءال عمران.
أمّا ٱلعلماۤء ٱلذين يصدّقون ٱلنبأ فقد جاۤء
عنهم ٱلبلاغ ٱلتالى:
"وَٱلرَّاسخونَ
فى ٱلعلمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بهِ كلّ مِن عِندِ رَبّنا وما يَذَّكَّرُ إِلاَّ
أُولُواْ ٱلأَلبـٰبِ" 7 ءال عمران.
وعن ٱلذين يتبعون ٱلأية ٱلتى جاۤء بها عيسى
بن مريم ومنهم ٱلراسخون فى ٱلعلم جاۤء فى ٱلنبإ:
"وجاعِلُ
ٱلَّذينَ ٱتَّبَعُوكَ فوقَ ٱلَّذينَ كَفَرُواْ إلى يومِ ٱلقِيـٰمةِ" 55 ءال
عمران.
وٱلإتبـاع
لا يكـون إلاّ لمنهاج. وهذا ٱلمنهاج جاۤء فى ٱلبلاغ ٱلتـالى:
"أَنّى
قد جِئتُكُم بأَيةٍ من رَبّكُم أَنِّىۤ أخلُقُ لَكُم مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيئَةِ ٱلطَّيرِ
فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طيرًا بإذن ٱللَّه وأُبرئُ ٱلأَكمَهَ وٱلأَبرصَ وأُحِى ٱلمَوتَى
بإِذن ٱللَّه وأُنَبِّئُكُم بما تَأكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ فى بُيُوتِكُم إِنَّ
فى ذلِكَ لأيةً لَّكُم إن كُنتُم مُؤمِنِين/49/ وَمُصَدّقًا لِّما بينَ
يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّورـٰةِ ولأُحِلَّ لكُم بَعضَ ٱلَّذى حُرّم عَليكم وجِئتُكُم
بأَيَةٍ مِّن رَّبّكُم فَاتَّقُواْ ٱللَّه وأَطِيعُونِ/50/" ءال عمران.
وماۤ أجده فى هذه ٱلأيات أنّ منهاج
عيسى هو من عند ٱللَّه. وهو موجه للاهتمام بٱلخلق (ٱلتصميم) وٱلتسوية (ٱلتنفيذ
ٱلدقيق) وعلوم ٱلطب (بما فى ذلك إخراج ٱلموتى) وعلم ٱلتغذية (بما فى ذلك ٱلسماح
بما كان ممنوعًا من بعد ٱلكشف عن أسباب ٱلمنع وٱلتغلب ٱلعلمى عليه) وعلوم ٱلاقتصاد.
كما يبين أنّ تصديق وٱتباع ٱلمنهاج يأتى
من ٱلصراط ٱلمستقيم ٱلذى يبيّنه قول عيسى:
"إِنَّ
ٱللَّه ربّى وَرَبُّكُم فٱعبُدُوهُ هذا صِرٰط مُّستَقِيم" 51 ءال عمران.
أى
وجّهوا ٱتباعكم لهذا ٱلمنهاج وفق أوامر ٱللَّه وحده من دون غيره.
وأجد ٱليوم شعوبًا تقدمت فى مجالات ٱلخلق
وٱلتسوية وٱلطب وٱلتغذية وٱلاقتصاد. وهى بتقدمها هذا تتبع منهاج عيسى ولكن من
دون تصديق. وهذه ٱلشعوب تسير وفق منهاج ٱلذيـن "فى قلوبهم زيغ".
أمّا ٱلشعوب ٱلتى لم تتبع منهاج عيسى
فلا خلق لديها ولا تسوية ولا علوم طب ولا علوم تغذية ولا علوم ٱقتصاد فهى شعوب
كفرت بمنهاج عيسى وقد جاۤء عنها فى ٱلبلاغ:
"فأَمَّا
ٱلَّذينَ كَفَرواْ فأعذّبُهُم عذابًا شديدًا فى ٱلدُّنيا وٱلأَخِرَةِ وما لهم من نَـٰصرينَ"
56 ءال عمران.
وعذابهم
فى ٱلدنيا يأتى بسبب تفوّق ٱلذين ٱتبعوا منهاج عيسى على ٱلذين كفروا "وجاعل
ٱلذين ٱتبعوك فوق ٱلذين كفروۤاْ إلى يوم ٱلقيـٰمة".
وهذا
ٱلعذاب يستمر إلى يوم ٱلقيامة ليبدأ عذاب شديد جديد هو عذاب ٱلأخرة.
كسب ٱلمعلومات
إن عملنا ٱلمتعلق بكسب ٱلمعلومات يختلط
مع بحث ٱلاستنساخ ويقترن بأيات يجرى تأويلها عن طريق أعمال ٱستنساخ.
ولكن يوجد فى كتاب ٱللَّه (ٱلقرءان)
أنبآء أخرى عن ٱلوسائل ٱلمختلفة ٱلتى كانت متسلسلة فى كسب ٱلإنسان ٱلمعلومات. ٱبتداۤء
من ءادم ٱلذى يمثل ٱلإنسان ٱلأول.
ومآ
أجـده أنّ كسـب ٱلمعلومـات ٱبتـدأ بعد ٱلتسوية مباشرة كما يبين ٱلنبـأ ٱلتالى:
"إذ
قَالَ ربُّكَ لِلملـٰئِكَةِ إِنّى خـٰلِق بَشَـرًا مِن طينٍ/73/ فإِذا سَوَّيتُهُ
ونفختُ فيهِ مِن رُوحى فَقَعوا له سـٰجدينَ/74/" ص.
"فإذا
سوّيته" أىۤ أكملت تنفيذ ٱلخلق للبشر من دون نقص. و"نفخت فيه من
روحى" أى ذكيّت وهيّجت فيه من علمى وصار قادرًا على كسب ٱلمعلومات وحفظها
وٱستخدامها فى ٱلتأويل. وهو إعادة ٱلنظرية إلىۤ أصلها فى ٱلوجود وتصديقها.
لقد كان ٱلبشر قبل "ونفخت فيه
من روحى" يسلك فى ٱلحياة وفق ٱلهداية ٱلتى تحكم وتوجه سلوكه تلقائيًّا.
أمّا من بعدها فصار يوقع تحت سيطرة ٱلقلب ٱلذى يتلقى ٱلمعلومات ويقلبها ويعقل بين ٱلمفاهيم
ويكشف عن ٱلتناقض فيها ويجرى ٱلمطابقة ثم يصدر ٱلحكم ٱلذى يوجّه سلوكه.
وهذه
ٱلعملية لا تحدث وتكتمل عند ٱلإنسان ٱلأول دفعة واحدة بعد "ونفخت فيه من
روحى" من دون تعلّم ٱلخوض وٱلخبرة فيه. وهو ما قام به خبراۤء مهديون
(ملاۤئكة).
إنَّ ٱلإنسان ٱلأول لم يكتشف ٱلمحراث ولم
يحرث ٱلتربة ولا زرع ٱلحبوب ولا قام بحصادها ولا بتأهيل ٱلدّواۤبّ وٱلطيور ولا بصنع
ٱلطين وٱلفخار ولا بٱستخراج ٱلمعادن وصهرها ولا بغزل ٱلخيوط ولا بنسجها ولا بٱستنساخ
ٱلنبات بمفرده. وكل ذلك جرى بمرافقة خبـراۤء ملاۤئكة. ومثله حدث مع نطق ٱلكلام حيث
ٱقترن مع كل كلمة صوت.
لقد ٱستمر هذا ٱلعمل ٱلتعليمى منذ
"ونفخت فيه من روحى" وحتى ٱلرسول وٱلنبى نوح. ٱلذى كان
أول إنسان يُسند إليه عمل ٱلمعلم للبشر.
إنَّ قوم نوح لم يستطعوا ٱلتصديق
أنّه رسول ٱللَّه إليهم بسبب تعوّدهم على رسل من ٱلملاۤئكة. وقد جاۤء موقفهم من
ٱلرسول نوح فى قولهم:
"ولو
شاۤءَ ٱللَّه لأَنزَلَ ملٰۤئِكةً ما سَمِعنَا بِهذا فىۤ ءَاباۤئِنا ٱلأوّلين"
24 ٱلمؤمنون.
كان نوح أول متلق للمعلومات ٱلنظرية
عن طريق ٱلوحى كما يبين ٱلبلاغ:
"إنَّاۤ
أوحَيناۤ إليكَ كماۤ أَوحيناۤ إلى نوحٍ وٱلنبيّن مِن بعدِهِ" 163 ٱلنساۤء.
فعملية
كسب ٱلمعلومات عن طريق ٱلوحى بدأت مع نوح.
أما
من قبله فكان كسب ٱلمعلومات يحدث عن طريق تعليم مباشر تقوم به ٱلملاۤئكة ٱلتى تشبه
ٱلروبوت.
لقد وصل ٱلإنسان فىۤ أيام نوح إلى
كسب ٱلمعلومات بٱلخوض ٱلمباشر ٱلمتكرر وٱلخبرة فيه. وصار مخزونه ٱلمكتسب يكفيه للتزود
بٱلمعلومات ويعينه فى ٱلخوض وٱلخبرة من دون معلّم. وقلّت حاجة ٱلإنسان إلى ملاۤئكة
تدربه. وصار الوحى (وهو إدخال معلومة إلى ٱلقلب بأمر من ٱللَّه من دون ٱلمرور بٱلسمع
وٱلبصر) هو ٱلسبيل ٱلجديد لكسب ٱلعلم فى ٱلخوض وٱلخبرة إلى جانب مراقبة من قبل
ملاۤئكة وتقديم ٱلعون عند ٱلحاجة. ومثل ذلك نجده فى ٱلنبـأ ٱلتالى:
"فأَوحيناۤ
إليهِ أَنِ ٱصنَعِ ٱلفُلكَ بأَعيُنِنَا ووحيِنا" 27 ٱلمؤمنون.
صنع
ٱلفلك لم يكن من ٱلمعلومات ٱلتى ٱكتسبها ٱلإنسان عن طريق ٱلملاۤئكة من قبل نوح.
وهذا يستدعى ٱلعمل تحت رقابة بيّنها ٱلنبأ "بأعيننا ووحينا".
أىۤ
أن ٱلمعلومات ٱلنظرية ٱلمتعلقة بخطة بناۤء ٱلفلك وردت إلى قلب نوح بفعل ٱلوحى
وهو يقوم بصنعه بإشراف خبراۤء ملاۤئكة رافقوه فى صنعه.
ثم نجد من بعد نوح أسلوبا جديدًا
لكسب ٱلمعلومات وهو ٱلوحى على هيئة رؤياۤ أثناۤء ٱلنوم (رؤياۤ إبرٰهيم ورؤيا يوسف)
وهى وسيلة لتوريد معلومة إلى قلب ٱلإنسان تجعله يستنبط معلومات ويتنبأ بأحداث فى ٱلمستقبل
ثم يأتى ٱلحدث لاحقًا ليصدق ٱلرؤيا ويؤولها.
ونجد مع موسى تقدمًا كبيرًا فى "ونفخت
فيه من روحى" فقد تطورت قدرة ٱلإنسان على ٱكتساب ٱلمعلومات عن طريق ٱلسمع
بوسيلة ٱلخطاب ٱلمباشر كما فى ٱلمحاضرة أو ٱلمعلومة ٱلواردة عبر راديو. ثم يتعود
على حفظ ٱلمعلومة فى ذاكرته ويتدرب علىۤ إعادتها. وقد جاۤء فى ٱلبلاغ ما يبين ذلك:
"وكلَّمَ
ٱللَّه موسى تكليمًا" 164 ٱلنساۤء.
ويتابع ٱلإنسان ٱكتسابه ٱلمعلومات عن
طريق ٱلوحى حتى نوصل إلىۤ ءاية عيسى فنجد أن ٱلمعلومات ٱلإبداعية فى ٱلخلق
وتسويته وٱلطب وعلم ٱلتغذية وعلم ٱلاقتصاد قد تم إدخالهاۤ إلى قلبه وهو جنين. مع ٱقتران
تلك ٱلمعلومات ٱلنظرية ٱلإبداعية بخبرة تسوية إبداعية.
ونوصل إلى ٱلوحى ٱلأخير وٱلمكمل ٱلذى جاۤء
فى ٱلقرءان أنبآء لا نعلمهاۤ إلاّ بعد حين. وٱقترن ذلك بأوامر من ٱللَّه للإنسان ٱلذى
يصدّق ويعمل وفق ٱلأمر "قل سيرواْ فى ٱلأرض فٱنظرواْ كيف بدأ ٱلخلق".
ٱلرجل ٱلذى جاۤءه هذا ٱلوحى المكمل على
هيئة أنبآء نظرية وبلسان عربى مبين هو رجل فى ٱلأربعين من ٱلعمر ولم يسبق له أن ٱكتسب
علمًا نظريًا من قبل. وقد بين ٱلبلاغ حاله ٱلعلمىّ:
"وكَذلِكَ
أَوحيناۤ إليكَ رُوحًا مِّن أَمرِنا ما كُنتَ تَدرِى ما ٱلكِتَـٰبُ ولا ٱلإيمـٰنُ
ولكن جعلنـٰهُ نورًا نَّهدِى بهِ من نَشَاۤءُ من عِبَادِنا وإِنَّكَ لَتَهدِىۤ إلى
صِرٰطٍ مُّستَقِيمٍ" 52 ٱلشورى.
ٱلروح
هو ٱلمادة ٱلعلمية ٱلتى دلَّ عليها "أَوحيناۤ إليكَ". وماۤ أوحىَ
هو كتاب ٱللَّه "ٱلقرءان". وفيه ٱلمنهاج ٱلكامل للعلم وأنبآء عن
عدَّة ٱلتكوين وجَرىَ تسوية ٱلخلق. ومنها ما يمكن للإنسان أن يعلم بها علمًا
مباشرًا. وهى ٱلتى تبدأ من ٱلفجر وتنتهى بتكوير ٱلشمس.
ومع
ٱلأنبآء ٱلمتعلقة بتسوية ٱلخلق لحياتنا ٱلدنيا ومكانها فى ٱلمجموعة ٱلشَّمسية أتت
أنبآء عن ٱلحياة ٱلأخرة. وفى هذه ٱلأنبآء كل ٱلعلم ٱلذى يمكن للإنسان أن يحصل عليه
ومقداره هو "وماۤ أوتيتم من ٱلعلم إلاّ قليلاً".
هذه ٱلأنبآء حملت معها جميع ٱلأقوال ٱلنظرية
ٱلتى يتوصل إليها نظر وبحث ٱلإنسان. وهو لا يقدر على ٱلخروج عنها لأنها جميع ٱلحق
ٱلذى يمكن للإنسان أن يمدّ يده إليه.
أمّا مسألة ٱلتصديق لهذه ٱلأنبآء فإنها
تسوق ٱلإنسان ٱلعالم إلى ٱليقين. لأن ما جاۤءه من علم منزّل من عند ٱللَّه تطابق
مع ما رأى بنظره وبحثه فى ٱلحق. وبٱلتصديق يسقط ٱلغرور وٱلتكبر وٱلشقاۤء لديه. ويحلّ
ٱلبرّ وٱلصلاح مكانها.
وأجـد أن هذا ٱلمنهاج قد لُقم به قلب رجل
ليس لديه بنآء علمى يؤسس معلومات من هذا ٱلقبيل. وٱلبلاغ ٱلتالى يبين ذلك:
"وما
كُنتَ تَتلُواْ مِن قَبلهِ مِن كِتٰبٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إذًا لارتابَ
المُبطِلونَ" 48 ٱلعنكبوت.
ءاية ٱلرسول محمد هى فىۤ إدخال منهاج
كامل للمعلومات إلى قلبه. وهو ٱلذى لا يتلو ولا يخط كتابًا وقد بلغ ٱلأربعين من ٱلعمر.
رجل فى ٱلأربعين وفى مثل هذه ٱلصفة ٱلعلمية
لا يمكن جعله يكسب معلومات علمية ويخزنها فى ذاكرته إلاّ بجهود صعبة منه ومن ٱلذى
يعلمه حتى فى يومنا نحن.
أماۤ
ءايته فيمكن تأويلها بعد ٱلكشف عن ٱلأذون ٱلإلٰهية ٱلتى تمكننا من إدخـال ٱلمعلومات
إلى قلب ٱلإنسان ٱلذى ٱجتاز سنَّ ٱلتعلم.
لم يقتصر ٱلنبأ فى ٱلقرءان على حصر كسب ٱلمعلومات
بٱلإنسان وحده. بل يبين النبأ وجود أذون لنقل ٱلمعلومات إلى كاۤئنات حية أخرى:
"وَوَرِثَ
سُليمٰنُ داوودَ وقَالَ يَٰۤأيُّها ٱلنَّاسُ عُلِّمنا مَنطِقَ ٱلطَّيرِ وأُوتِينا
مِن كُلّ شىءٍ إنَّ هذا لَهُوَ ٱلفَضلُ ٱلمُبِينُ/16/ وحُشِرَ لِسُليمٰنَ
جُنُودُهُ مِنَ ٱلجِنّ وٱلإنسِ وٱلطَّيرِ فَهُم يُوزَعُونَ/17/ حَتَّىۤ إذاۤ
أَتَواْ على وادِ ٱلنَّملِ قَالَت نملة يٰۤأيُّها ٱلنَّملُ ٱدخُلُواْ مسٰكِنَكُم
لا يَحطِمَنَّكُم سُليمٰنُ وجُنُودُهُ وهم لا يشعُرُون/18/ فَتَبَسَّمَ
ضَاحِكًا مِن قَولِها وقَالَ ربّ أوزِعنىۤ أن أَشكُرَ نِعمَتَكَ ٱلتىۤ أَنعَمتَ
على وعلى وٱلدَى وأن أَعملَ صَٰلِحًا تَرضٰهُ وأَدخِلنِى بِرَحمَتِكَ فى عِبَادِكَ
ٱلصٰلحينَ/19/ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيرَ فَقَالَ ما لِىَ لاۤ أرى ٱلهُدهُدَ أم
كَانَ مِنَ ٱلغاۤئبينَ/20/ لأُعَذّبَنَّهُ عذابًا شديدًا أو لأَذبَحَنَّهُ
أو ليَأتِينّى بسلطـٰنٍ مُبينٍ/21/ فَمَكَثَ غَيرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ
بما لم تُحِط بِهِ وَجِئتُكَ مِن سبإٍ بنباءٍ يقينٍ/22/ إِنّى وَجَدتُّ ٱمرأةً
تَملِكُهم وَأُوتِيِت من كلّ شىءٍ ولها عرش عظيم/23/ وجدتُّها وقومَها
يَسجُدُونَ للشَّمسِ مِن دونِ ٱللَّه وزيَّـنَ لَهُمُ ٱلشَّيطٰنُ أعمٰلَهُم
فصَدَّهُم عَنِ ٱلسَّبيلِ فَهُم لا يهتَدُونَ/24/ ألاّ يَسجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذى
يُخرِجُ ٱلخَبءَ فى ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأرضِ ويَعلَمُ ما تُخفُونَ وما
تُعلنُونَ/25/ ٱللَّه لا إلٰه إلاّ هُوَ رَبُّ ٱلعرشِ ٱلعظيمِ/26/ قَالَ
سَنَنظُرُ أَصَدَقتَ أَم كُنتَ من ٱلكٰذبين/27/ ٱذهب بكتٰبى هذا فأَلقِهِ
إِليهِم ثُمَّ تَوَلَّ عنهم فٱنظُر ماذا يَرجِعُون/28/" ٱلنمل.
ٱلنبأ
فى هذه ٱلأيات يبين أن ٱلعلم يمكن نقله إلى ٱلكاۤئنات ٱلأخرى. وماۤ أثاره طآئر ٱلهدهد
يبين معرفته بوحدانية ٱللَّه وبقدرته. وقد أظهر بعلمه وبمعرفته شركَ ملكة سبإ
وقومها. وقد جاۤء ذلك مع بيان لسبب غيابه. كما أنّ تكليف سليمان للهدهد
بحمل كتاب ونقله إلى ملكة سبإ وٱنتظار ٱلجواب يبين خبرة هذا ٱلطآئر وعلمه.
> <
إن ترتيل ٱلأيات ٱلواردة فى مقالنا هذا
وفى مقالنا "ٱلاستنساخ" أظهر أنها تصدِّق علم ٱلاستنساخ وأنّ علم
ٱلاستنساخ هو ٱلأخر يصدِّقها.
وقد
وجدت فى علم ٱلاستنساخ تصديقًا لولادة إسحٰق ولولادة عيسى.
كما
ٱستنبطت من هذا ٱلترتيل ما يبين ٱلأذون ٱلإلٰهية ٱلتى تتعلق بكسب ٱلمعلومات بدءًا
من ٱلتعليم ٱلحسى وحتىۤ ءاية ٱلرسول محمد. وفيها بيان عن كسب ٱلمعلومات ٱلنظرية
ٱلكاملة بوسيلة ٱلتلقيم من دون قرنها بخبرة خوض وتسوية كما جرى مع ءاية عيسى.
لقد ضمّ كتاب ٱللَّه ٱلقرءان مسألة كسب ٱلمعلومات.
وبين حرية حاملها لتحويلهاۤ إلى خبرة خوض وتسوية تعتمد على تراكم خبرات سابقيه.
ولقد أظهر ٱللَّه لناۤ أن ٱلمعلومات ٱلكاملة
ليست لأخذ ٱلعلم بل هى نور نهتدى به.
وقد كلفنا ٱللَّه بٱلبحث ٱلعلمى من دون
توقف حتى قيام ٱلساعة "قل سيرواْ فى ٱلأرض فٱنظرواْ كيف بدأ ٱلخلق".
وبدء ٱلخلق لا يقتصر على خلق ٱلإنسان وحده. بل جميع ألوان ٱلخلق وصيرورتها سواۤء ءكان
فى ٱلميِّت أم فى ٱلحىّ .
وعلم ٱلاستنساخ هو بداية لطور جديد من كسب
ٱلإنسان للعلم. وعليه أن يتابع حتى يوصل إلى ٱلمرحلة ٱلتى يبدأ فيها نقل ٱلمعلومات
إلى قلب ٱلإنسان وهو جنين أوۤ إلى قلب جاهل.
وإن ٱلإنسان ٱلعالم ٱلذى يتبع منهاج عيسىٰۤ
إذا ٱهتدى بكتاب ٱللَّه (ٱلقرءان) يمكنه أن يتقدم فى ٱلعلم وٱلتعرف علىۤ إذون ٱللَّه
فى ٱلوجود إلى ما لا نهاية من دون فساد فى ٱلأرض كمآ أمر ٱللَّه:
"ولا
تُفسِدُواْ فى ٱلأرضِ بَعدَ إصلٰحِها" 56 ٱلأعراف.
"ولا
تَعثَواْ فى ٱلأرضِ مُفسِدِينَ"60
ٱلبقرة و85 هود.
كماۤ أنه يوقف ٱلتبذير ويحقـق وفورات عظيمة
كما يظهر له ٱلبلاغ:
"وَلَو
أَنَّ أَهلَ ٱلقُرى ءَامَنُواْ وٱتَّقواْ لَفَتَحنَا عليهم بَرَكَٰتٍ مِنَ ٱلسَّماۤءِ
وٱلأرضِ ولٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذنٰهُم بِما كانواْ يَكسِبُون" 96 ٱلأعراف.
فٱلذين
يكذّبون بٱلإيمان وٱلتقوى لصالح شهواتهم بزيادة أموالهم وأملاكهم وأولادهم يدمرهم تكذيبهم.
وهنا تظهر أهمية قول عيسى عن نفسه "ولم يجعلنى جبّارًا شقيًّا".
إنّ الإيمان هو تصديق الأنبآء الواردة
فى كتاب اللَّه (القرءان) وٱلعمل على متابعة تأويلها بٱلنظر وٱلبحث فىۤ ءايات ٱلوجود.
أمـا ٱلتقـوى فهـى فى ٱلطاعة للأوامر ٱلإلٰهية
من دون غيرها.
وولادة عيسىٰۤ ءاية من ٱللَّه
للناس وهو ٱلمثل عن ٱلمؤمن ٱلمتقى ٱلمطلوب من ٱلإنسانية أن تحقق وجوده فى حياتها
مقترنًا وجوده بٱلتصديق لكتاب ٱللَّه ٱلكامل (ٱلقرءان).
يوسف وإخوته
تناولت مسألة ٱلتكوين فى كتابى "ٱلدين خرافة أم علم؟" مستندًا
فى ذلك إلىۤ ءايات من كتاب ٱللَّه (ٱلقرءان) ومنها ٱلأية /4/ يوسف ٱلتى
تشير إلى عدد كواكب ٱلمجموعة ٱلشمسية وأصلها ٱلشمسى. مع بيان سلطة واحد من ٱلكواكب
على كامل ٱلمجموعة. وقد ورد ذلك فى رؤيا يوسف:
"إذ
قال يُوسُفُ لأبيهِ يٰۤأَبتِ إنّى رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا والشَّمسَ
والقَمَرَ رأيتُهُم لى سَٰجِدين" 4 يوسف.
سجد
تدلّ على خضع من دون تمرد.
هذه
ٱلرؤيا حملت تأويلين:
ٱلأول
هو فيماۤ أرـٰه فى ٱلبلاغ ٱلتالى:
"وَرَفَعَ
أَبَوَيهِ على ٱلعرشِ وخَرُّواْ له سُجَّدًا وقالَ يـٰۤأبتِ هذا تأويلُ رُؤيٰىَ من
قَبلُ قَد جَعلها ربّى حقّاً.." 100 يوسف.
وفيه
بيان سلطته فى ٱلمجتمع تفسيرًا لما رأى فى نومه وهو صغير وقد تحققت ٱلرؤيا.
وعلاقته ٱلحسنة مع والديه.
وٱلتأويل
ٱلثانى يتعلق بسلطة يوسف (إنسان ٱلأرض ٱلعالم ٱلمصطفى ٱلذى تعلَّم تأويل
ٱلأحاديث) على جميع ٱلمجموعة ٱلشمسية ٱلتى نحيا فيها (والديه ٱلشمس وٱلقمر وإخوته
ٱلكواكب).
ومن ٱلمسآئل ٱلتىۤ أرى بيان ٱلرأى فيها
هو دليل ٱسم ٱلنبىّ وٱلرسول. فدليل ٱسم يوسف من دليل ٱلفعل وسَفَ ٱلذى
يدلّ علىۤ (أخصب وجدد وبدل وأخرج).
هذه
صفة للإنسـان ٱلعالم ٱلذى يتجدد بعلمه ويكنس عنه ما هو قديم ويبدله بمفاهيم جديدة
فيزداد بقوته وقدراته ٱلعلمية ٱلمتجدد من دون توقف. وقد جاۤء ٱلبيان عن ذلك فى ٱلبلاغ
ٱلتالى:
"وكَذلِكَ
يَجتَبيكَ رَبُّكَ ويُعلّمُكَ من تأويلِ ٱلأَحاديثِ" 6 يوسف.
"ويعلمك
من تأويل ٱلأحاديث" يبين أنّ ٱلإنسان ٱلعالم يستطيع أنّ يرىۤ أنّ ٱلنبأ بلاغ
عن ٱلحقّ. ويحدث ذلك بعقل ما وصل إليه نظره مع ما جآء فى ٱلنبإ ليوصل إلى تطابقهما
وهو عين ٱلتأويل. وبه تتحرك مفاهيمه وتتجدد لتطابق ٱلحقّ.
هذا ٱلإنسان ٱلعالم يسعى لبسط سلطته على
ثروات ٱلأرض حتى يوجهها فى ٱلوجهة ٱلتى تخدم مأربه ٱلعلمى. وقد جاۤء فى ٱلبلاغ عن يوسف
وطلبه ٱلموجه إلى ٱلملك لإحكام تلك ٱلسلطة على ٱلثروات:
"قالَ
ٱجعَلنِى على خَزَاۤئِنِ ٱلأرضِ إنّى حَفيظ عَليم" 55 يوسف.
وهكذاۤ
أجد أنّ يوسف ٱلذى يعلم من تأويل ٱلأحاديث يسعى للسطلة على مصادر ٱلثروة ليحفظها
بعلم وخبرة حصل عليهما من ٱللَّه "ويعلمك من تأويل ٱلأحاديث".
وقد
مكَّن ٱللَّه يوسفَ من ٱلسلطة كما يبين ٱلبلاغ:
"وكَذلِكَ
مَكَّنَّا لِيوسُفَ فى ٱلأرضِ يَتَبوَّأُ مِنها حيثُ يشاۤءُ" 56 يوسف.
وتمكّنه
ينطلق من إتباعه منهاج ٱللَّه ٱلذى يستند إلى سنَّة ٱلاصطفاۤء وتقدّم وتفوّق ٱلعالم
على ٱلجاهل:
"إنَّ
ٱللَّه ٱصطفَى ءادمَ ونُوحًا وءَالَ إِبرٰهيمَ وءَالَ عِمرانَ على ٱلعـٰلمينَ"
33 ءال عمران.
ٱلاصطفاۤء يقوم على ٱلتفوّق وٱلصلاح. وأوّل
مصطفى هو ءادم. وهو أوّل بشر صار إنسانًا بسبب تفوّقه على ٱلبشر
ٱلذين نفروا من ٱلتعليم وٱلخبرة ٱلمباشرة ٱلتى جاۤء بها ٱلملاۤئكة. وقد تركهم
نفورهم فى مملكة ٱلبشر ٱلبهيم. وسار ٱلتطور بٱلإنسان ءادم ٱلمصطفى وتكاثر ٱلذين
ٱشتركوا فى هذا ٱلاصطفآء إلىۤ أطوار أعلى من ٱلإنسانية.
وثانى
ٱصطفآء هو ٱصطفآء نوح ومن معه. فهم أوّل ٱصطفاۤء فى مسيرة ٱلإنسانية من بعد
ءادم أوّل ٱصطفاۤء فى ٱلطور ٱلبشرى.
وأرى
فى ٱلبلاغ أنّ نوحًا ٱلمصطفى جآء بمعلومات لقومه فلم تصدّقه ٱلأكثرية:
"قالَ
رَبّ إنّى دَعَوتُ قومى ليلاً ونَهارًا/5/ فلم يَـزدهُم دُعاۤءِىۤ إلاَّ
فِرارًا/6/ وإِنّى كُلّما دَعوتُهُـم لِتَغفِرَ لهم جَعَلُوۤاْ أَصَـٰبِعَهُم
فىۤ ءاذانِهم وٱستَغشَواْ ثِيابَهُم وأَصَرُّواْ وٱستَكبَرُواْ ٱستِكبارًا/7/ ثُمَّ
إنّى دعوتُهُم جِهارًا/8/ ثُمَّ إنّىۤ أَعلَنتُ لهم وأسرَرتُ لهم إِسرارًا/9/"
نوح.
ٱلجهل هو سبب ٱلفرّ وٱلامتناع عن ٱلسمع
لما يدعوهم إليه نوح. وبسبب ٱلجهل نشأ فى نفوس ٱلأكثرية من قومه موقف ٱلتكبّر
وعدم ٱلتصديق. وهذا جعل نوحًا يتخلى عن قومه ٱلجاهلين ويتقدّم فى ٱلحياة
بفعل سنَّة ٱلاصطفاۤء ٱلتى ٱمتلك ٱلعلم بها ومعه ٱلذين صدّقوه. وٱنقرض ٱلذين
كذّبوا وٱستّكبروا من قومه.
أمّا طور ٱلاصطفآء ٱلثالث فهو طور
ٱصطفآء إبرٰهيم ٱلساۤئل ٱلناظر:
"فنظر
نظرةً فى ﭐلنّجوم" 88 ٱلصّافات.
"فلمَّا
جنَّ عليه ﭐلّيلُ رَءَا كوكبًا قال هٰذا ربّى فلمَّآ أَفَلَ قال لآ أحبُّ
ﭐلأَفِلِينَ(76) فلمّا رَءَا ﭐلقمر بازغًا قال هٰذا ربّى فلمّآ أَفَلَ قال
لَئِن لّم يهدنى ربّى لأكونَنَّ من ﭐلقوم ﭐلضّآلِّين(77) فلمّا رَءَا
ﭐلشّمسَ بازغةً قال هٰذا ربّى هٰذآ أكبر فلمّآ أفلت قال يَـٰٰقومِ إنّى برىۤء
مِّمَّا تشركون(78) إنّى وجّهت وجهى للّذى فطر ﭐلسّمٰوٰتِ وﭐلأرضَ حنيفًا
ومآ أنا من ﭐلمشركين(79)" ٱلأنعام.
إبرٰهيم
هو من سأل وسار ينظر وأطال نظره وصولا إلى ٱطمئنان:
"وإذ
قال إبرٰهِمُ ربِّ أَرِنِى كيف تُحِى ﭐلموتى قال أوَلَم تُؤمِن قال بلى ولكن
ليطمئنّ قلبى" 260 ٱلبقرة.
ومثل إبرٰهيم هم ٱلذين يسألون
ويسيرون ناظرين فى كلّ وقت. وهؤلاۤء هم "ءَالُ إبرٰهيم".[6]
وهو ما يدلّ عليه ٱسم "ءَالُ" وٱسم "تأويل"
وٱلفعل "ءَالَ". فهم سلسلة من جميع ٱلذين يواصلون ٱلسؤال
ويتابعون ٱلنظر فىۤ ءايات ٱلوجود طلبًا للعلم كيف خلقت. وهم ٱلذين يتوصلون مطمئنين
إلى وضع ٱلنظريات ٱلعلمية ٱلتى تفسر وتبين كيف بدأ ٱلخلق وفى جميع فروع ٱلعلم.
إنَّ كلمة "ءَال" لا تدلّ
على مفهوم ٱلنسب كما يظن جماعة ٱللغة ٱلفصحى. بل تدلّ على مفهوم ٱلتأويل ٱلذى
تعلّمه يوسف من ٱللّه.
إبرٰهيم
وءال إبرٰهيم هم ٱلطور ٱلثالث للإنسان ٱلذى ٱرتقى عن أصل بشرىّ. ومن لا
يسير على طريق هؤلآء يبقى فى دآئرة ٱلتخلف وٱلمتخلفين.
ويلى ءال إبرٰهيم طور رابع هو
طور ءَال عمرٰن. وهم ٱلذين يصدقون ءَال إبرٰهيم ويجعلون من نظرياتهم
عمرانًا تسوية وصناعة.
فى هذه ٱلأطوار ٱلأربعة يفعل ٱلاصطفاۤء ٱلذى
يخرج منه يوسف ٱلذى تمكَّن فى ٱلأرض وثرواتها.
ويبيّن لنا ٱللَّه أن هؤلاۤء يتوجّه حرصهم
على ٱلتزاوج حفاظًا على ٱللّون ٱلمصطفى:
"ذُرّيَّةً
بعضُها مِن بعضٍ وٱللَّه سميع عليم" 34ءال عمران.
فهم
يحافظون على متابعة سنّة ٱلاصطفآء فلا يتزاوجون مع ٱلذين يتمسكون بٱلعوامل
ٱلمحبطة لفعل ٱلاصطفآء.[7]
ويبيّن لنا البلاغ أن سنّة ٱلاصطقآء
يجرى فعلها على هذه ٱلذرية:
"ولقد
أَرسلنا نُوحًا وإِبرٰهيمَ وجَعَلنا فى ذُرِيَّـتِهِما ٱلنُّبُوَّةَ وٱلكتٰبَ
فمنهم مُهتدٍ وكثير منهم فـٰسِقونَ" 26 ٱلحديد.
وهذا
يدل علىۤ أن سنّة ٱلاصطقآء لا يتوقف فعلها وهو يجرى داخل داۤئرة ٱلمصطفين. وجريَه غير
محصور بفئـة محددة أو مرحلة محددة بل يستمر جريَه فى حياة ٱلنـاس حتىۤ أخر يوم من
حياتهم.
> <
إن كتاب ٱللَّه
(ٱلقرءان) يجب أن لا يحصر فهمه فى داۤئرة ٱلتّكبر وٱلنفور من ٱلمعلومات ٱلجديدة.
فأيات ٱللَّه يجب عقلها مع ما يخرج به ٱلنظر وٱلبحث ٱلعلمى. سواۤء ءَكان ذلك فى داۤئرة
ءَال إبرٰهيم (ٱلسؤال وٱلنظر) أم فى داۤئرة ءَال عمرٰن (ٱلتسوية وٱلصناعة).
ٱلسؤال وٱلنظر وٱلبحث وٱلتسوية وٱلصناعة
كلها تكشف عن أذون (قوانين) ٱلحدث. وٱلإنسان ٱلعالم يتوصل إلى ٱلكشف عن إذون جميع ٱلأيات.
وقد جاۤء بيان ذلك فى ٱلبلاغ:
"سَنُرِيهِم
ءَايـٰتِنا فى ٱلأفاقِ وفىۤ أَنفُسِهم حتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ ٱلحَقُّ.."
53 فصلت.
ولقد
أبلغنا اللَّه أنّ فى يوسف وإخوته ءايات للسآئلين:
"لقد
كانَ فى يُوسُفَ وإِخوتِـهِ ءَايـٰت للساۤئِلينَ" 7 يوسف.
وٱلساۤئلون
هم ٱلذين يطلبون ٱلعلم فيسيرون ينظرون ويبحثون فيه حتىۤ إدراك ٱلحقّ. وفى يوسف
وإخوته مسآئل كثيرة للنظر وٱلبحث. حيث يمثل يوسف وإخوته جميع ٱلكواكب ٱلتابعة
لشمسنا كماۤ أرى فى تأويلى ٱلثانى. وفى هذه ٱلكواكب ٱلكثير من ٱلأيات ٱلتى تنتظر ٱلنظر
وٱلبحث.
وأجد أنّ ٱلساۤئلين ينطلقون ٱليوم فىۤ أرجآء
ٱلمجموعة ٱلشمسيـة سعيًا وراۤء ٱلجواب علىۤ أسئلة كثيرة ومنها ٱلبحث عن حياة خارج ٱلأرض.
وماۤ أرـٰه فى ٱلبلاغ وبتأويلى ٱلثانى
لرؤيا يوسف أنَّه يتعلق بسلطة يوسف (إنسان ٱلأرض ٱلعالم ٱلمصطفى ٱلذى
تعلَّم تأويل ٱلأحاديث) على جميع ٱلمجموعة ٱلشمسية ٱلتى نحيا فيها (والديه ٱلشمس
وٱلقمر وإخوته ٱلكواكب). وأرىۤ أنه هو ٱلمثل على ٱلذين ينفذون فىۤ أرجآء ٱلمجموعة ٱلشمسية
بحثًا عن جواب على كلّ سؤال. وقد بين لنا ٱلبلاغ أنّه لا يوجد فى ٱلكواكب الأخرى يوسف
أخر:
"وجاۤءَ
إِخوةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عليهِ فَعَرَفَهُم وهُم لَهُ مُنكِرُونَ" 58
يوسف.
وفيه
بيان أن إخوة يوسف (أحد عشر كوكبًا) لا تملك قدرة ٱلتعرف على يوسف
(ٱلأرض). وإنسان ٱلأرض يوسف وحده ٱلقادر على معرفة إخوته.
وماۤ أستنبطه من ٱلبلاغ أنّ يوسف
هو مستكشف إخوته بحثًا عن ٱلحياة فيها. ويعلم أن عشرة من ٱلكواكب ٱلإخوة لا حياة
فيها ولا تملك قدرة على ٱلحياة.
أما ٱلكوكب ٱلحادى عشر فيرى يوسف
أنّ فيه قدرة على توليد ٱلحياة تنتظر تحريرها فيبدأ فى ٱستخراجها:
"فَبَدَأَ
بأَوعِيَتِهِم قَبلَ وِعَاۤۤءِ أَخيهِ ثُمَّ ٱستَخرَجَها مِن وِعاۤءِ أَخيـهِ"
76 يوسف.
يبدأ يوسف بحثه فىۤ أوعية إخوته
ٱلعشرة فلا يجد فيها ما يبحث عنه.
ويبين لنا ٱلبلاغ أنّ ما يبحث يوسف
عنه هو ٱلمآء:
"فَلَمَّا
جَهَّزَهُم بِجِهازِهِم جَعَلَ ٱلسّقَايَةَ فى رَحلِ أَخِيهِ.." 70 يوسف.
أستند فى ٱستنباط هذا ٱلأمر على ٱلقول "وجعل
ٱلسقاية فى رحل أخيه". فٱلسقاية هى شىء يُصبّ به ٱلمآء
أو غيره ليطفئ ظمأ أو حريقًا أو ليبرد سطحًا أو يسقى زرعًا.
وٱلشىء ٱلمصبوب
يوجّهه يوسف إلى رحل أخيه ٱلحادى عشر.
وٱلرحل هو شىء يتحرك
ومنه ٱسم رحلة. أمّا رحل ٱلكوكب فهو غلافه ٱلجوى وفيه جعل يوسف
ٱلسقاية ومنه ٱستخرج ٱلمآء "ثم
ٱستخرجها من وعاۤء أخيه".
وٱلسقاية
ٱلتى وضعها فى رحل أخيه يبينها ٱلبلاغ أنها:
"صُوَاعُ
ٱلمَلِكِ" 72 يوسف.
وٱلصُواع
هو ٱلتمهيد وٱلتهيوء لتفريق أشياۤء عن بعضها. وهو ما يمكن فعله فى رحل كوكب ٱلزهرة
(غلافها ٱلجوى) لتفريق ٱلمآء عن ٱلكبريت.
بهذا ٱلاستنباط أكون قد رأيت ٱلهداية فىۤ
إصلاح كوكب ٱلزهرة وجعله أرضًا صالحة لحياتنا. وبه أعلم أنَّ ٱلسقاية هى ذلك
ٱلصُواع وقد يكون مآءات ٱلصوديوم أو غيره.
وأريد أن أذكّر بصفات ومحاسن يوسف
ٱلتى وردت فى ٱلعهد ٱلقديم وفى ٱلقرءان وحتى فى ٱلقصص ٱلشعببية.
جاۤء فى سفر ٱلتكوين أنّ أباه "صنع
له قميصًا ملونًا".
وجآء فى ٱلقصص ٱلشعبية ٱلمثل "حلَّة
ولا حلّة يوسف". وهو قول يبين أنّه لا قميص كقميصه. وأن جمال وجهه لا
مثيل له.
وجاۤء فى ٱلقرءان وصف ليوسف على لسان "نِسـوة
فى ٱلمدينة":
"وَقُلنَ
حَٰشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَرًا إن هذاۤ إلاّ مَلَك كريم" 31 يوسف.
وعندما ٱنطلق ٱلإنسان إلى ٱلفضاء نظر
إلى كوكب ٱلأرض فرأى قميص يوسف ٱلملون ٱلذى لا مثيل له.
لقد
رأى ٱلأرض أجمل ما يمكن أن يرـٰه من ٱلفضاۤء. "إنها كوكب لامع تصدر عنه ألوان
لا يمكـن تمثيلهـا بواسطة ٱلأصبغة ٱلمعروفة للإنسان".
كمآ أستنبط من ٱلقصة ٱلكاملة فى سورة
يوسف حّلا سليمًا للنفايات ٱلشريرة ٱلتى تخلفها حاجتنا للتقدم ٱلعلمى:
"قالَ
أَنتم شـرّ مكانًا وٱللَّه أَعلَمُ بما تَصِفُونَ" 77 يوسف.
وهو
قول موجّه لإخوته ٱلعشرة يبيّن أنهم مكان للشرّ.
وفى
هذا هداية لناۤ إلى ٱلمكان ٱلذى نرمى فيه ٱلنفايات ٱلشريرة ٱلتى تفسد فى ٱلأرض.
حيث أنّ عشر كواكب لا تصلح لحياة.
وأرىۤ أنّ ٱلإنسان قد بدأ حياته علىۤ
أرض أخرى تحولت إلى ٱلموت. كان على كوكب ٱلمريخ قبل أن يأتىۤ إلى هذه ٱلأرض.
ومن أرضه ٱلأولى توجه بنفاياته ٱلنووية إلى ٱلكواكب ٱلقريبة ومنهاۤ أرض ٱليوم. حيث
تم ٱكتشاف نفايات مشعة فى ٱلكابون ٱعتبرت "نفايات نووية طبيعية".[8]
ثم تحوّل إلى ٱلمشترى ٱلذى كان مريخًا. وتابع رمى ٱلنفايات على سطحه.
وهذا ماۤ أرى فيه تفسير زيادة ٱلنشاط ٱلإشعاعى
على ٱلمشترى ٱليوم وتكوّن أحزمة إشعاع قوية "تحيط بكوكب المشترى. وتشكل
عواصف من الجسيمات العالية الطاقة".[9]
ٱلنشأة ٱلأولى
قصة ٱلنشوء من ٱلأسئلة ٱلتى سعى ٱلإنسان
فى كل وقت وما زال يسعى بحثًا عن جواب فيها.
وجميع ٱلناظرين يقولون أنه كانت توجد
بداية. ولهم فى ذلك نظريات متعددة. وقد رأىۤ أكثرهم فى نظرية ٱلانفجار ٱلأعظم the
big-bang تلك ٱلبداية.
وعلى ٱلرغم من ٱلتقدم ٱلكبير ٱلذى تحقق ٱليوم
فى صناعة ٱلطيران فى ٱلفضآء وصناعة ٱلمناظير ٱلمقربة فما زال ٱلغموض يلفّ ٱلمسألة.
وما زالت مسألة نشوء ٱلمجموعة ٱلشمسية ٱلتى نحيا فيها ونجرى بحوثنا على ٱلأشيآء
فيها مجهولة. فكيف بٱلكون ٱلفسيح ٱلذى لم نستطع ٱلقيام بأى بحث مباشر علىۤ أى جزء
منه؟
يقول
هويمارفون ديتفورت:
[يوجد
اليوم أكثر من 30 (ثلاثين!) نظرية مختلفة تحاول جميعها الإجابة على هذا السؤال].[10]
وٱلسؤال
هو كيف نشأ ٱلكون؟
ونتابع مع ديتفورت فى قوله:
[إن
العدد وحده يعبّر بوضوح عن حالة الضياع. يعود السبب فى تضخيم العدد إلى أن كل
نظرية تحاول تفسير خاصّية معينة من خصائص المنظومة. غير أن ما ينتج في النهاية
يناقض خاصّية ما من الخصائص الأخرى. بغية تفسير هذا التناقض تنشأ نظرية جديدة،
وهكذا. لكن ما من واحدة من هذه المحاولات العديدة تمكنت حتى الآن من تقديم تفسير
مقنع لكامل المسألة].[11]
هناك محاولات نظرية حتى ٱلآن.
ولو تابعنا ٱلنظر فى جميع ٱلنظريات
التى حاولت أن تقدم تفسيرًا فى هذا ٱلأمر لوجدناۤ أنّها توقف علىۤ أرضية ظنية ولا
تخرج عن ٱلخيال أو ٱلظّنِّ.
وما
نعرفه فى ٱلعلم أن ٱلنظرية تملك ٱلقدرة على ٱلانتقال إلى ٱلحق إذا كانت أسس هذه ٱلنظرية
من ٱلحق.
معظم علماۤء ٱلكوسمولوجيا وٱلبيولوجيا وٱلفيزياۤء
وٱلكيمياۤء ينطلقون فى بحوثهم من أشيآء ٱلوجود. وهم يقدمون للإنسانية كل أسس ٱلتقدم
فى ٱلعلم. ومع ذلك عندما يتناولون مسألة كبرى كمسألة ٱلنشوء تتغير أساليب ٱلقول فى
ٱلبحث ٱلعلمى وتستبدل بأساليب أخرى يغلب عليها ٱلخيال وٱلظّنّ. وتجد أفكارهم ٱلتى
تنسـج نظريات ٱلنشوء لا تنتبه لأبسط أسس ٱلعلم.
ومن وجهة ٱلإيمان فإن معظم هؤلاۤء ٱلعلماۤء
يؤمنون بٱللَّه. ومع ذلك لم يسأل أىّ منهم ٱللَّهَ كيف وجد هذا ٱلكون! وتجدهم وقد ٱتخذوا
موقف "ٱلذين فى قلوبهم زيغ".
ولوۤ أنهم وجهوا نظرهم فى هذه ٱلمسألة
إلى ٱللَّه لكانت نظرية ٱلنشوء قد بدأت أسسها تظهر لهم. فٱللَّه هو ٱلخالق وهو
أولى من ٱلجميع فى وضع ٱلنظرية ٱلتكوينية لخلقه.
وهؤلآء
ٱلعلماء رغم وساۤئلهم ٱلعلمية لا يزالون حتى ٱليوم يقولون بعشرة كواكب حول ٱلشمس.
فى حين نبيّن نبأً من ٱللَّه أن ٱلشمس والدة وأولادها إثنا عشر كوكبًا. وأن أعمار ٱلكواكب
ليست واحدة.
ٱلإنسان ٱلعالم لم يؤمن بعشرة كواكب إلاّ
من فترة قصيرة. بل إنّه أخرج عام 1972 مركبة فضاۤئية "بيونير10"
فى رحلة خارج ٱلمجموعة ٱلشمسية وقد حملت معها معلومة عن عدد ٱلكواكب فى ٱلمجموعة
علىۤ أنها تسعة.
وحتى مطلع ٱلستينات كان إيمان ٱلعلمآء بسبعة
كواكب. ولم يكن أحد من ٱلعلماۤء قد ٱهتم بٱلنبـإِ ٱلإلهى حتى ٱلأن.
فما
هى ٱلأنبآء ٱلإلهية ٱلمتعلقة بهذه ٱلمسألة؟
إن مقالاتى ٱلسابقة فى هذا ٱلكتاب أكثرها
يرتبط بٱلمسألة. ومع ذلك رأيت أن ٱلمسألة تحتاج لبسط أكبر ٱستناداً للبلاغ فى كتاب
ٱللَّه.
كما رأيت أن ٱلنّشأة ٱلأولى ٱعتمدت على ٱلإرادة
وٱلفعل ٱلإلهيين.
وأبدأ مع وضع ٱلمخططات.
فقد
جاۤء فى ٱلبلاغ أنّ ٱللّه:
"خَلَقَ
ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأرضَ" 1ٱلأنعام.
وهذا
ٱلخلق لا سابق له:
"بديعُ
ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأَرضِ" 117 ٱلبقرة.
ويبين لنا ٱلبلاغ أن ٱلتسوية لهذا ٱلخلق
(ٱلتصميم) ٱستندت إلى ٱلإرادة ٱلإلهية للشىء. ووسيلة تكوينه تجرى بقوة ٱلفعل "كن".
وعن هذا ٱلأمر جاۤء فى ٱلبلاغ:
"إِنَّماۤ
أَمرُهُ إِذاۤ أَرادَ شيئًا أن يَقُولَ لَهُ كُن فيكُونُ" 82 يس.
وعن
ٱلأمر ببدء ٱلتشيّوء ووسيلته:
"فاطِرِ
ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأَرضِ" 1 فاطر.
ولما كانت ٱلإرادة ٱلإلٰهية تتوجّه إلى
تكوين محدد لا لعب فيه يظهره ٱلبلاغ:
"وما
خَلَقنَا ٱلسَّماۤءَ وٱلأرضَ وما بَينَهُما لٰعِبِينَ" 16 ٱلأنبياۤء.
فقد
ٱقترن هذا ٱلخلق وتسويته بمنهاج لا يتبدل يحكم ٱلتسوية:
"لا
مبدّلَ لِكَلِمٰتهِ" 27 ٱلكهف.
ولما كانت تسوية هذا ٱلخلق يلزمها زمان
ومكان كان ٱلوجود يقترن ببداية ونهاية بينهما ٱلبلاغ:
"وَهُو
الَّذى يَبدَؤُاْ ٱلخلقَ ثُمَ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهوَنُ عليهِ" 27 ٱلروم.
فتسوية
ٱلخلق تبدأ وتعبر فى ٱلزمان بمراحل متعددة. ثم يعود ٱلخلق إلى ٱلبداية. وهذا كلّه
من قدرتنا ٱلعلم به كما يبين لنا ٱلبلاغ:
"وَلَقَد
عَلِمتُم ٱلنَّشْـأَةَ ٱلأُولى فلولا تذكَّرُون" 62 ٱلواقعة.
فعلمنا
بٱلنشأة ٱلأولى حقّ واقع يبينه ٱقتران ٱلنبإ بٱلتحقّق (لقد) وٱلفعل ٱلماضى
(علمتم). وهذا يشير إلى حتمية علمنا. ويحدث علمنا بطاعتنا ٱلأمر ٱلإلهى "قُل
سِيرُواْ فى ٱلأرضِ فٱنظُرُواْ كيفَ بَدَأَ ٱلخَلقَ".
لقد بين ٱلبلاغ أنَّ تسوية ٱلخلق تنطلق
من "ٱلفجر":
"وٱلفَجر/1/
وَليالٍ عَشرٍ/2/ وٱلشَّفعِ وٱلوَترِ/3/ وٱلَّيلِ إذا يَسرِ/4/"
ٱلفجر.
هذه
ٱلبداية يلفها ظلام "ليال عشر" كما يبين ٱلبلاغ. ولقد ٱكتشف علماۤء
ٱلفيزياۤء ٱلكونية مادة مظلمة لا تصدر ضوءًا أوۤ أىَّ شعاع كهرمغنطيسىّ أخر.
كما
صُنع فى مختبر ٱلفيزياۤء ٱلأوروبى لفيزياۤء ٱلجسيمات فى عام 1955 سُوَر (ذرات) هيدروجين
مضادة عن طريق جمع ٱلبوزيترونات وٱلبروتونات ٱلمضادة فى مسرع للجسيمات.[12]
وإلى يومنا هذا ما زالت ٱلمادة ٱلمظلمة
من أعظم أسرار ٱلفيزياۤء ٱلفلكية. إلاۤ أن هذه ٱلفيزياۤء ٱكتشفت فى ٱلمسرعات أن ٱصطدام
جسيد بمضاده يفنيهما وتنطلق أشعة جاما عالية ٱلطاقة.
ٱلفيزياۤء ٱلفلكية تتوقف ٱليوم أمام هذه
ٱلمسألة. وهى لم تدخل إليها بعد. ولم تستطع ٱلقول عن هذه ٱلمسألة شيئاً كاملاً موكّدًا
حتى ٱلأن. إلاۤ أن تصنيعها لسورة ٱلهيدروجين ٱلمضادة فى ٱلمسرع هو بداية عظيمة وفيها
تأويل للنبـإِ ٱلتالى:
"وَمِن
كُلّ شىءٍ خَلَقنا زوجينِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُون" 49 ٱلذاريات.
ٱلهيدروجين زوجه هيدروجين مضاد. وأشعة
جاما ٱلعالية ٱلتى ٱنطلقت علىۤ أثر ٱصطدام جسيد بمضاده ألا تقابلهاۤ أشعة جاما ٱلزوج
(ٱلمضادة)؟
ٱلفيزياۤئيون
ما يزالون لا يدرون بذلك. أما ٱلنبأ فيقول لنا:
"وَجَعَلَ
ٱلظُلُمٰتِ وٱلنُّورَ" 1 ٱلأنعام.
ٱلظلمات وٱلنور كلاهما مؤشر على ٱنبعاث
مادى على هيئة طاقة. وهما زوجان ينبعثان من خـلال جسيـد ومضاده (زوج)[13]
من بعد لقاۤئهما. فٱلوجود ٱلمادى هو وجود ووجود مضاد (زوج). وفى ٱجتماعهما بٱلزواج
تتحرر طاقتان ٱلظلام وزوجه ٱلنور ثم يعودان إلى ٱللقاء ليتكون وجود (شىء). وٱلمادة
فى ٱنتقالها من طاقة زوجية إلى وجود (شىء) تمرّ بأطوار فى ٱلزمان وٱلمكان وساحتهما
ٱلفضاۤء ٱلكونى. ويبدأ ٱلزمان بٱلفجر وبه تبدأ ٱلمادة تنبع وتعبر فى ٱلمكان داخل
أطوار مظلمة "ليال عشر".
ثم
تتابع ٱلمادة تكويناتها ٱلزوجية حتى ٱلنهاية. ثمّ تعود إلى بدايتها ٱلطاقية (طاقة
وطاقة زوج).
"وليال
عشر" هى مراحل تكون فيه ٱلطاقة ٱلمنتشرة من موقع ٱلفجر مظلمة. وعندما توصل
فى تكويناتها ٱلزوجية إلى مرحلة "ٱلشفع وٱلوتر" يبدأ ٱلنور بٱلانتشار.
فى ٱلأية /1/ ٱلأنعام ٱلظلمات تسبق ٱلنور
فى تسلسل ٱلنبـإِ. وهذا يدلنا علىۤ أسبقية ٱنبعاث ٱلطاقة ٱلمظلمة وعلى تعددها. فقد
جاۤء فى ٱلنبأ أنّ ٱلظلام جمع. وجاۤء عن ٱلنور أنه فرد.
وما يستدل عليه من هذه ٱلأية أن ٱلمادة ٱلمظلمة
أكثر من ٱلمادة ٱلمنيرة. كماۤ أنهاۤ أسرع منها فى ٱلانتشار.
وبٱلعودة إلى ٱلنظريات ٱلكوسمولوجية فإنّ
معظمها تقول بٱلانفجار ٱلأعظم.
وإذا
قارنا ٱلقول بٱلانفجار مع قول ٱللَّه بٱلفجر. ولتكن مقارنتنا فى ٱلمسألة على حدث
مثله وقريب منّا يجرى فى ٱلشمس ٱلتى نحيا فى مجموعتها.
فلوۤ
أن ٱلشمس ٱنفجرت حقًا لما وجدنا شمسًا على ٱلإطلاق. لأن ٱلانفجار لا يترك أثرًا
للمادة فى موقع حدوثه. وكل ٱلمادة تقذف بقوة ٱلانفجار بعيدًا عن ٱلموقع.
كلمة ٱلفجر فى ٱلقرءان تدل على
نبع تتدفّق منه ٱلمادة ٱلطاقية وتنتشر حول ٱلموقع (ٱلنبع).
وحتى لا نخرج عن حدود ٱلنبـإ فى ٱلقرءان
فإن موقعًا واحدًا فى ٱلوجود لا يُحدث فجرًا. ولا بد من وجود موقع زوج على ٱلنقيض
منه. فٱلموقع ٱلذى يمثل فجرًا فى مجموعتنا ٱلتكوينية هو ٱلشمس. فأين هو ٱلموقع
ٱلمضاد للشمس؟
نجد
هذا ٱلموقع فى بلاغ سورة ٱلطارق:
"وٱلسَّماۤءِ
وٱلطَّارِقِ/1/ وماۤ أَدراكَ ما ٱلطَّارِقُ/2/ ٱلنّجمُ
ٱلثَّاقِـبُ".
وأرى
فى ٱلقول "ٱلنجم ٱلثاقب" أنّه ٱلزوج للشمس ٱلتى تمثل موقعًا للفجر
فى مجموعتنا ٱلشمسية. وهذا ٱلقول يقابله فى ٱلفيزياۤء ٱلفلكية ٱلنجم.
كماۤ
أرىۤ أن "ٱلسَّماۤء" هى ٱلمكان ٱلذى يوقع على طرفيه كل من ٱلنجم ٱلثاقب
وٱلشمس. وإن ٱلعلاقة ٱلزوجية بين ٱلشمس وٱلنجم ٱلثاقب هى ٱلتى تسبب فعل ٱلفجر. حيث
تنطلق ٱلمادة من ٱلنجم على هيئة نوافير Jets لتشق طريقها وجهة ٱلشمس.
وأثناۤء ٱلعبور فى ٱلطريق إلى ٱلشمس تقوم بين هذه ٱلنوافير وجسيدات من ٱلشمس علاقات
زوجية وتمر بمراحل تكوين متعددة جآءنا عنها فى ٱلبلاغ:
"وٱلصَّٰفَّٰتِ
صَفّـًا/1/ فٱلزَّاجِراتِ زَجرًا/2/ فٱلتَّٰلِيٰتِ ذِكرًا/3/"
ٱلصافات.
صفّ
يدل على ٱنتشر فى صفوف.
وزجر
يدل علىۤ أثار وحثّ وحفّز.
وتلا
يدل على اتّبع بتسلسل.
وإنَّ
ٱلواو ٱلتى تسبق "ٱلصَّٰفَّٰتِ" هى واو عطف ٱلطور. فحدوث "ٱلصَّٰفَّٰتِ"
يجرى بعد ٱلفجر. وٱلفاۤء ٱلتى تسبق "ٱلزاجرات" تدل على ٱلتعقيب.
أىۤ أن ٱلزاجرات تعقب ٱلصافات.
فى هذه ٱلأيات يقول لنا ٱللَّه أن ٱلمادة
ٱلمتدفقة من ٱلفجر تنتشر فى صفوف من دون ضياع. وتلحق بها مادة حفّازة لها على ٱلتفاعل
ٱلذى يحدث وفق ذاكرة فى كلّ منها "فٱلتَّٰلِيٰتِ ذِكرًا".
كذلك هى ٱلفاۤء ٱلتى تسبق "ٱلتاليات"
تدل على ٱلتعقيب. كما تدل علىۤ أن ٱلصافات وٱلزاجرات تتبع ذاكرة فيما بينهما عقب ٱلانطلاق
من موقع ٱلفجر.
ٱلصافات وٱلزاجرات كلمات قرءانية (مصطلحات)
للمادة ٱلتى تنبع من ٱلفجر ٱلشمسى. وسرعان ما تبدأ من خلال ذاكرة علاقات ترابط لتكوين
ٱلمادة فيما بعد.
وأرى فى فيزياۤء ٱلجزيئات أن مصطلح ٱلكواركات
وٱلليبتونـات للجسيدات ٱلطاقية يقابلها فى ٱلقرءان ٱلصافات. وعن هذه ٱلكواركات وٱلليبتونات
يقول علماۤء ٱلفيزياء "وإن كانت قد وجدت بكثرة في اللحظات الأولى التى تلت
الانفجار الأعظم، فإنها لا تُنتج الآن إلاّ في المسِّرعات".[14]
أما ٱلجسيدات ٱلطاقية وسيطة ٱلتفاعل
فيقابلها فى ٱلقرءان ٱلزاجرات.
وأستطيع أن أقول ٱستنادًا لنظرية ٱلفجر ٱلقرءانية
أنّ هذه ٱلجسيدات ما زالت تنبع طالماۤ أن ٱلشمس تصدر منها ٱلطاقة. وإن ظهورها فى ٱلمسرعات
هو ٱلدليل على صدق ٱلنظرية فى ٱلقرءان.
وحبذا لو يوجه ٱلسادة علماۤء ٱلفيزياۤء ٱلفلكية
بحوثهم وجهة ٱلشمس لمراقبة ٱنطلاق وتزاوج تلك ٱلجسيدات ويتوكّدون من أن ٱلنبأ فى ٱلقرءان
هو أساس أى نظرية علمية.
يمكن ٱلقول أن ٱلجسيدات ٱلطاقية (ٱلصافات
وٱلزاجرات) تعمل وفق ذاكرة تشبه مخططات ٱلـDNA ٱلتى تؤلف جوهر ٱلجينات فى ٱلخلية ٱلحية. وبعد ٱلزواج ٱلأول ينشأ فعل
جديد تكوّنه ٱلذاكرة ٱلاتحادية للزوج. وهذه ٱلذاكرة ٱلاتحادية تتبع فعل زواج جديد
أكبر وقدرة على ٱلرّبوّ وٱلتغيير فى ٱلهيئة وٱلوزن حتى يوصل ٱلتجمع إلى مرحلة
"ٱلشفع وٱلوتر" وهو ٱلذى تسميه ٱلفيزياۤء ٱلهيدروجين.
لقد أنبأنا ٱللَّه أنه هو ٱلذى خلق وأنه
هو ٱلذى هدى:
"قالَ
رَبُّنا ٱلَّذىۤ أَعطى كلَّ شىءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هدى" 50 طه.
فٱلخلق
(ٱلتصميم) من ٱللَّه. وكذلك ٱلهداية (ٱلذاكرة) لهذا ٱلخلق. وهى ٱلتى تحفظه وتسوقه
إلى بناۤء علاقة زوجية مع خلق أخر يناقضه فى شحنته ٱلكهرباۤئية.
لقد أنبأنا ٱللَّه عن هذا ٱلحقّ منذ ٱلبداية.
وكان أمامناۤ أن نبحث عن "كيف بدأ ٱلخلق" وفق ٱلنبإ. أوۤ أن نتوجّه
للبحث عن "كيف بدأ ٱلخلق" من دون ٱهتمام بٱلنبـإ. وٱلوجهتان
يوصلان ٱلإنسان ٱلعالم إلى ٱلمأرب من ٱلبحث "كيف بدأ ٱلخلق". وٱلذى
يدلنا على ذلك هو ٱلبلاغ:
"وَلِتَعلَمُنَّ
نَبَأَهُ بَعدَ حين" 88 ص.
ٱلحين
هو ٱكتشاف ٱلجسيدات فى ٱلمختبرات بالنسبة للبحث ٱلمتعلق بٱلتكوين وهذا بداية ٱلعلم
بـ "كيف بدأ ٱلخلق".
لقد حمل ٱلنبأ ٱلقرءانى مسألة هامة تفيد
أنّ علمنا بٱلنبإ وتأويله فى ٱلوجود مصدره ٱللَّه. وأنّ ٱللّه واحد لا شريك له فى ٱلألوهة
وأنه سيد ٱلسَّمٰوٰت وٱلأرض وما بينهما ومالكها جميعها. كماۤ أنه هو سيد ٱلمشارق ٱلعديدة
على خطوط ٱلطول ٱلأرضية:
"إنَّ
إلٰهَكُم لواحِد/4/ رَبُّ ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأَرضِ وما بينَهُما وَرَبُّ ٱلمشٰرِقِ/5/"
ٱلصافات.
هذا ٱلتوكيد على وحدانية ٱللَّه وسيادته
على ٱلوجود جاۤء من بعد ٱلنبإ عن ٱلصافات وٱلزاجرات وٱقترن بشدة ٱلتوكيد ٱلتى
تدلنا عليه "إنَّ" ٱلموكّدة و(لام) ٱلتوكيد.
كماۤ أنّ ٱلأية /5/ تحمل لنا نبأ من لون
أخر يشير إلى دوران ٱلأرض حول محورها. وأن شروق ٱلشمس على سطح ٱلأرض يتتابع على
خطوط ٱلطول بحيث يكون شروق عند كل خط طول. وأن أزمنة ٱلشروق على ٱلأرض متعددة.
وهذا يؤول تعدد ٱلتواقيت على سطح ٱلأرض.
ويتابـع ٱلنبـأ فى سـورة ٱلصافات عن ٱلتكوين
ٱلكوكبى:
"إِنَّا
زَيَّنَا ٱلسَّماۤءَ ٱلدُّنيا بِزِينَةٍ ٱلكواكِبِ" 6 ٱلصافات.
فبعد
ترابط ٱلجسيدات وٱلوصول إلى تكوين "ٱلشفع وٱلوتر" تتابعت أفعال ٱلتكوين
حتى وصلت إلى ٱلكوكب. وٱستمرت هذه ٱلأفعال وما زالت مستمرة إلى يومنا هذا. وستبقى
حتى توصل ٱلشمس إلى مرحلة ٱلنضوب ٱلتىۤ أنبأنا ٱللَّه عنها:
"إذا
ٱلشَّمسُ كُوّرَت" 1 ٱلتكوير.
تكوير
ٱلشمس هو بفراغ بطنها من ٱلطاقة فتصبح كورا. فتتوقف أفعال ٱلتكوين فى مجموعتنا
ٱلشمسية.
لقد أجريت حتى ٱلأن مقارنة بين ٱلنظرية ٱلقرءانية
وٱلنظرية ٱلفيزيائية ٱلفلكية. ورأيت أن ٱلنبأ فى ٱلقرءان بين ٱلذاكرة ٱلتى تتبعها
كل من ٱلصافات وٱلزاجرات. أما ٱلفيزياۤء فلم تقل لنا شيئًا عن ذاكرة ٱلكواركات وٱلليبتونات
وٱلجسيدات وسيطة ٱلتفاعل.
إلاۤ أن ٱلفيزياۤء قد حققت ٱلكثير فىۤ أعمال
تأويل ٱلنبإ ٱلقرءانى.
وأوجّه نظرىۤ إلى ما يقوله علمـاۤء ٱلبيولوجيـا
ومنه ما هو فى مقال "هندسة معمارية" وفيه يقولE.D
إنكبر:
[وعلى
الرغم من الدراسات على مدى القرون الماضية فلا يزال الباحثون لا يعرفون إلاّ
القليل عن القوى التى توجه الذرات إلى التجمع الذاتي في جزيئات. ولا يعرفون
إلاّ ما هو أقل عن كيفية انضمام مجموعات الجزيئات بعضها إلى بعض لتكوين خلايا ونسج
حيّة". "ولكنني على مدى العقدين الماضيين اكتشفت واستكشف ناحية
تبدو أساسية ومثيرة للاهتمام للتجمع الذاتي، وهي تشكيلة واسعة التنوع وبشكل
مذهل من المنظومات الطبيعية - بما في ذلك ذرات الكربون وجزيئات الماء والبروتينات
والفيروسات والخلايا والنسج وحتى البشر ومخلوقات حيّة أخرى - إنما تبنى وفقاً
لقاعدة عامة من قواعد الهندسة المعمارية، تعرف باسم الانشدادية Tensegrity.
ويشير
هذا المصطلح إلى نظام يرسخ نفسه ميكانيكياً تبعاً للأسلوب الذي تتوزع به وتتوازن
فيه القوى الشادة والقوى الضاغطة Tensional and
Compressivetorces داخل البنية المعنية".
"وإذا
أمكن معرفة الأسباب التى جعلت ظاهرة الانشدادية كلية الوجود في الطبيعة،
فإن ذلك يعمّق فهمنا ويزوّدنا بتبصر جديد في القوى المطلقة التى تحكم القضية
البيولوجية، وربما في موضوع النشوء والتطور ذاته].[15]
وأرى فى هذا ٱلقول تقدمًا كبيرًا فى
توصيف ٱلمادة. خصوصًا "ٱلمنظومات ٱلهندسية". كماۤ أرى عجزًا ما
زال قاۤئمًا فيما يتعلق بٱلقوى ٱلتى توجه ٱلسُّوَر (ٱلذرات) إلى "التجمع
الذاتي فى جزيئات". وكذلـك "الأسبـاب التى جعلت ظاهرة الانشدادية
كلية الوجود فى الطبيعة".
وأرىۤ
أن أذكّر بٱلنبـإِ:
"قال
ربُّنا ٱلذىۤ أعطى كلَّ شىءٍ خَلقهُ ثم هدى" 50 طه.
وكذلك
أذكّر بٱلنبإ:
"فٱلتّٰلِيٰتِ
ذِكرًا" 3 ٱلصافات.
ولكن لاۤ أنسى عظمة ٱلاكتشاف لهذه ٱلمنظومات
ٱلهندسية للتجمع ٱلذاتى ٱلذى يدفع إلىۤ أمام بٱلبحث عن "كيف بدأ ٱلخلق"
ويقربنا منه.
ومما
يزيدنا ثقة فى هذا ٱلأمر هو ما جآء فى ٱلبلاغ:
"ولقد
علمتم ٱلنشأة ٱلأولى فلولا تَذَكَّرون" 62 ٱلواقعة.
وعليناۤ
أن نجعل هذه ٱلأنبآء فى مقدمة ٱهتماماتنا ونحن نجرى ٱلبحث فلا ننسىۤ أن ٱللَّه هو ٱلخالق
وهو ٱلهادى.
وأعود إلى ٱلسيد إنكبر حيث يقول:
[ويعتقد
الباحثون اليوم، أن التطور البيولوجي بدأ من طبقات الطين وليس من البحر
البدائي الأزلي. ومما يستأثر بالاهتمام أن الطين نفسه هو شبكة مسامية من
الذرات مرتّبة بشكل جيوديسي داخل أشكال ثُمانية ورباعية السطوح. ولكن لكون
هذه المثمنات والرباعيات غير مرصوصة بشكل وثيق، فإنها تحتفظ بقابلية التحرك
والانزلاق بالنسبة لبعضها بعضاً. ويبدو أن هذه المرونة تسمح للطين أن يحفّز
العديد من التفاعلات الكيميائية، بما في ذلك التفاعلات التى ربما أنتجت
اللبنات البنائية الجزيئية الأولى للحياة العضوية].[16]
وأذكر أنّ علماۤء فيزياۤء ٱلجسيدات كانوا
قد وجدوا بمساعدة وسآئل ٱلبصر وٱلكشف أن نوى ٱلسُّوَر (ٱلذرات) "لا تكون
كروية أو متطاولة فقط، ولكن من الممكن أيضاً أن تكون مفلطحة Oblate
الشكل (مثل القرص)، أو ذات
شكل "ثلاثي المحور Triaxial (مثل كرة قدم
أمريكية غير تامة النفخ)، أو لها شكل "ثماني القطب"Octupole
(مثل
الكمثرى)".[17]
وهذا يطابق ٱكتشاف إنكبر ٱلمتعلق
بتجمع ٱلسُّوَر (ٱلذرات) ٱلذاتى فى جزيئات وفق "أشكال هندسيـة ثلاثيـة
ورباعية وخماسية".
وأنظر
فى ٱلنبإ ٱلتالى:
"ٱلحَمدُ
لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأَرضِ جاعِلِ ٱلمَلٰئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أجنحةٍ
مَثنى وثلاثَ ورُبَٰعَ يَزيدُ فى ٱلخَلقِ ما يشـاۤءُ إنَّ ٱللَّه على كُلِّ شىءٍ
قدير" 1 فاطر.
وأرى
فيه ما ٱكتشفه إنكبر وٱلفيزياۤئيون. فٱلمَلَك وٱلمَلاَك هـو قوام ٱلشىء
وخلاصته أو جوهره. وهو جسيد أو جسد نورانى يتكون بألوان مختلفة. وهو ٱلمملوك
لمالِك وليس له من ٱلملكية شىء. وٱلمَلَكة صفة راسخة وٱستعداد كامل للقيام بأفعالٍ
محددة وبٱتقان ومن دون نقص. وٱلمَلَك وٱلمَلاَك جمعها ملاۤئكة. وهى ٱلصّافات وٱلزَاجرات
ٱلتى تمثل جوهر ٱلجسيدات ٱلمكونة للمادة وملَلَكتُها منهاج وهداية.
"رُسُلاً
أوْلِى أجنحةٍ" ٱلرّسل هى ٱلمُطلَقَة وفق منهاج لا قيد عليه. وهذه ٱلرّسل
ذات أجنحة (جوانب) مثنى وثلاث ورباع. وخلقها ومنهاجها يتبع زيادة فى تكوين ٱلأجنحة.
ٱلنبأ عن هذه ٱلجواهر جاۤء بعد ٱلنبإ "فاطر
ٱلسمٰوٰت وٱلأرض" مع ٱلتوكيد على قدرة ٱللَّه فى ٱلخلق. وماۤ أرـٰه فى
هذا ٱلنبأ يعززه ٱلأمر ٱلتالى:
"يـٰۤأَيُّها
ٱلَّذين ءَامنواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُم وأَهلِيكُم نَارًا وقُوُدها ٱلنَّاسُ وٱلحِجَارَةُ
عَليها مَلٰۤۤئِكة غِلاظ شِدَاد لا يَعصُونَ ٱللَّه ماۤ أَمَرَهُم ويَفعَلُونَ ما
يُؤمَرُونَ" 6 ٱلتحريم.
وفى هذا ٱلقول بلاغ لناۤ أن ٱلملاۤئكة
لا تملك مشاعر ولا عواطف. ولاۤ أفكار خاصة بها تدفعها للعصيان. وأنها تفعل ٱلأمر ٱلصادر
لها من دون زيادة ولا نقص.
وهذا
ٱلوصف يقرّبهُ ٱليوم إلى فهمنا ٱلرّوبوت.
وٱلدليل أن ٱلملاۤئكة لا تملك لنفسها ما
يمنعهاۤ أو يجعلها تتردد فى طاعة ٱلأمر ما جاۤء فى ٱلنبإِ ٱلتالى:
"وماۤ
أَمرُنا إِلاَّ وٰحِدة كَلَمحٍ بٱلبَصَر"50 ٱلقمر.
وهذا
يدل على طاعة ٱلأمر ٱلصادر لمرة واحدة من دون حاجة للتكرار وبسرعة بصر ٱلعين (سرعة
ٱلضوء).
وللتوكيد علىۤ أن ٱلملاۤئكة هى كاۤئنات
ذات ألوان متعددة وأفعالها تتبع منهاجا وذاكرة بدءًا من ٱلجسيدات ٱلطاقيـة وحتـى ٱلملاۤئكة
ٱلتى تتولى ٱلقيام بأفعال تعليمية للبشر. أو تنقـل رسـالات من ٱللَّه. أو تجرى
عمليات ٱستنساخ. أورد ٱلبلاغ ٱلـذى يربط بين ٱلعلم بها وٱلإيمان بٱلأخرة:
"إِنَّ
الَّذينَ لا يُؤمنونَ بٱلأَخِرَةِ لَيُسمُّون المَلٰۤئكة تسميةَ الأُنثَى/27/ وما
لهم بهِ مِن علمٍ إن يَتَّبِعُونَ إلاَّ ٱلظَّنَّ وإنَّ ٱلظّنَّ لا يُغنى مِنَ ٱلحَقّ
شيئًا/28/ فأَعرِض عَن مَن تَولَّى عَن ذِكرِنا ولَم يُرد إلاَّ ٱلحيوٰةَ ٱلدُّنيا/29/
ذلِكَ مَبلَغُهُم مِنَ ٱلعِلمِ إنّ ربَّكَ هُوَ أعلَمُ بِمن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ
وهو أعلمُ بِمَن ٱهتَدى/30/" ٱلنجم.
إن ٱلعلم فى ٱلحقّ يسوق ٱلعالم إلى ٱلنبإ
"كل شىءٍ هالك إلاّ وجهه". وكذلك إلى ٱلاستنباط ٱلعلمى للنشأة ٱلأخرة.
لقد ربط ٱلبلاغ بين ٱلعلم بٱلملاۤئكة وٱلإيمان
بٱلأخرة. وبيّن أن ٱلذين لا يقيمون هذه ٱلرابطة ٱلعلمية لا علم لهم بٱلأمرين. وهم
فى موقف ظنّ يخالف ٱلحقّ.
كما بين أنّ هذا ٱلموقف ٱلظنى يسوق
صاحبه إلى ٱلركض وراۤء ٱلحياة ٱلدنيا وإهمال بل نسيان للأخرة بسبب ٱلجهل ٱلذى يسببه
ٱلامتناع عن ٱلسعى لكسب ٱلعلم فى ٱلوجود ومنه ٱلملاۤئكة ٱلجسيدية.
وأرىۤ أن ما ٱكتشفه ٱلفيزياۤئيون وٱلبيولوجيون
يطابق ٱلنبأ ٱلقرءانى ويصدقه. كماۤ أن ٱكتشاف "المنظومات الهندسية"
للتجمع ٱلذاتى دفع ٱلسيد إنكبر لوضع نظرية عن ٱلبناۤء ٱلحىّ ٱلذى بدأ من ٱلطين.
وهذا وصول إلى تأويل ٱلنّبإ وتصديقه:
"وَبَدأَ
خَلقَ ٱلإنسٰنِ من طينٍ" 7 ٱلسجدة.
وما
هذاۤ إلا نبأ عن ٱلبداية ٱلتى ٱنطلقت من ٱلطين. وما يزال ٱلبحث عند ٱلبداية.
ويجب
أن تتركز جهود ٱلباحثين ومنهم ٱلسيد إنكبر لتصديق ٱلبلاغ "فٱلتٰليٰت
ذِكرًا" ٱلذى يجرى فيه ٱلعلم بهذا ٱلمنهاج ٱلذى يوجه ٱلجسيدات وٱلسُّوَر
(ٱلذرات) وٱلجزيئات وٱلخلايا لهذا ٱلتجمع ٱلهندسى.
كماۤ أنّ ٱلاستعانة بعلم ٱلهندسة ٱلجينية
يساعد على متابعة ٱلبحث فى فروع ٱلعلم ٱلأخرى. وخصوصًا فيزياۤء ٱلجسيدات ٱلطاقية ٱلتى
وجدت أنه بلقاۤء (كواركين فوق) مع (كوارك تحت) يتكون مولود جديد هو ٱلبروتون.
ومن لقاۤء (كوارك فوق) مع (كواركين تحت) يتكون ٱلنترون.[18]
ويصير لكل من ٱلنترون وٱلبروتون ذاكرة جديدة ومخططات فعل جديدة حيث
يقترن نترون وبروتون فيتكون مولود جديد هو ٱلنوى. وتجتمع ٱلنوى مع
إلكترون فتولد ٱلسُّورة (ٱلذرة).
يبقىۤ أن نتابع ٱلولادة فى كلٍّ من ٱلمادة
ٱلحيّة وٱلميتة مع توجيه ٱلنظر إلى ٱكتشاف ٱلذاكرة فنوصل إلى علمنا بٱلنشأة ٱلأولى.
وإنا مطمأن أننا سنتمكن من قرء هذه ٱلذاكرة فى ٱلمستقبل ٱلقريب.
كمآ أرىۤ أن ما تجده ٱلفيزياۤء وما تجده
ٱلبيولوجيا يدلّ على وحدة هندسية تعمُّ كل شىء فى ٱلكون. ممّا يوكّد علىۤ أنّ ٱلمهندس
واحد وهو ما بيّنه ٱلنبأ بالتوكيد:
"إنَّ
إِلٰهَكُم لَواحِد/4/ ربُّ ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأرضِ وما بَينَهُما وربُّ ٱلمشٰرقِ/5/"
ٱلصافات.
وما
وجدته ٱلفيزياۤء وما وجدته ٱلبيولوجيا ما هو إلاۤ ءايات كان ٱللَّه قد أعلمنا
برؤيتنا لها:
"سَنُرِيهِم
ءَايٰتِنا فى ٱلأفاقِ وفىۤ أنفُسِهم حتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ ٱلحَقُّ" 53 فصلت.
وهذا
ٱلتقسيم فى ٱلنبإ يتطابق معه تقسيم ٱلناظرين فى ٱلفيزياۤء (ٱلأفاق) وٱلبيولوجيا
(أنفسهم). ولو كان ٱلشاميون هم ٱلذين ساروا ونظروا وتابعوا ٱلبحث فى ٱلفيزياۤء وٱلبيولوجيا
لجاۤءت كلمات (مصطلحات) ٱلعلمين وفق كلمات ٱلقرءان. ولكن ٱلشاميين هجروا ٱلنظر وٱلبحث
بدليل ٱلبلاغ:
"وقالَ
ٱلرَّسُولُ يٰرَبّ إِنَّ قومِى ٱتَّخَذُواْ هذا ٱلقُرءَانَ مَهجُورًا" 30
الفرقان.
قوم ٱلرسول هم ٱلشاميون ولسانهم هو لسان
ٱلقرءان. ولمّا كان هجرهم للقرءان هو هجر للنظر وٱلبحث ٱلعلميين جاۤء ٱلنظر وٱلبحث
ٱلعلميين بألسن عربية أخرى. وعربية ٱلِّسان هى فى بيانه وفصاحته وكشفه عن ٱلحقِّ. وكان
ٱللَّه هو ٱلذى أنبأنا عن ٱلحقِّ بواسطة لسان شامىّ هو لسان قوم ٱلرسول. وبه جآء
لسان ٱللّه عربى مبين.
قرأ
ٱلشىء قرءاً وقرءانًا أخرجه من مكان خفىّ وأعربه وبيّنه. وهو فعل يحدث بٱلنظر فى ٱلأشيآء
وٱلأجزاۤء وجمعها فى كليات ثمّ إخراجها بلاغًا مبينًا. وهو عين ٱلبحث العلمى
وأسلوب بلاغه.
أتابع مع ٱلنظرية ٱلقرءانية حيث توصلنا
فى ٱلأية /6/ ٱلصافات إلى ٱلكواكب ومنها ٱلأرض ٱلتى نبت منها ٱلبشر ٱنطلاقًا من ٱلطين.
وهو ما توصل ٱلباحثون إلى ٱلقول به اليوم.
لقد بدأ ٱلخلق ٱلحىّ من ٱلطين. وعبر فىۤ
أطوار عقبت ٱلبداية حتى تكوّن ٱلبشر ٱلسوىّ.
ثم جاۤء دور "ونفخت فيه من روحى"
ليتحول ٱلبشر بتدخل من ٱللّه مباشر إلىۤ إنسان. فيصير ٱلبشر يستطيع كسب ٱلمعلومات.
ويستطيع متابعة ٱلكسب بواسطة ٱلنظر وٱلبحث ٱلعلميين فى جميع ٱلوجهات بما فى ذلك ٱلسَّمٰوٰت
وٱلأرض:
"إِنَّ
فى ٱلسَّمٰوٱتِ وٱلأَرضِ لأَيٰتٍ للمؤمنينَ" 3 ٱلجاثية.
فٱلأيات
ٱلتى يلاحقها ٱلساۤئلون سواۤء ءكانت فى ٱلفيزياۤء أم فى ٱلبيولوجيا تسوق إلى تصديق
ٱلنبإ ٱلقرءانى. وهذا يسوق إلى ٱلإيمان بوحدانية ٱللَّه.
لقد تناولت ٱلأنبآء جميع ٱلوجهات ٱلعلمية.
وأبدأ بٱلأرض ٱلتىۤ أعلمنا ٱللَّه عن تسويتها وجعلها صالحة:
"أَنَّا
صَبَبنَا ٱلمَاۤءَ صَبّاً/25/ ثُمَّ شَقَقنَا ٱلأَرضَ شَقّا/26 " عبس.
ٱلنبأ
عن ٱلماۤء ٱلمصبوب على ٱلأرض. وبصبّه أحدث تشققها وخروج ما فى داخلها إلى ٱلسطح.
وهذا يبين فعل ٱلماۤء ٱلمصبوب فى ٱلسطح وٱلجوف على ٱلسواۤء:
"وإِلى
ٱلأَرضِ كَيفَ سُطِحَت" 20 ٱلغاشية.
أى
صار لها سطح بفعل حركة وثقل ٱلماۤء.
ويزداد ٱلحدث بيانًا وتسلسلاً فى ٱلنبإ ٱلتالى:
"وٱلأَرضَ
بعَدَ ذَلكَ دَحَٰها/30/ أَخرَجَ مِنهَا ماۤءَها وَمَرعَٰها/31/ وٱلجبالَ
أَرسٰها/32/" ٱلنازعات.
دحى
ٱلأرض نبشها وأخرج ما فى بطنها. وهذا يبيّن لنا ٱلأحداث ٱلجيولوجية ٱلتى تكونت بفعلها
ٱلجبال. وكذلك خروج ٱلمعادن ٱلأثقل إلى ٱلسطح لتختلط مع ٱلمعادن ٱلأخف. وبفعل ٱلماۤء
فيها تتحول إلى طين ثم تراب صالح لإنبات ٱلمرعى.
فى هذا ٱلنبإ معلومة هامة للغاية عن ٱلماۤء
ٱلتىۤ أخرجت من ٱلأرض ذاتها. وهذا ٱلنبأ يقطع تمامًا ٱلظنّ ٱلذى يقول أن مذنبًا
جليديًا ٱصطدم بٱلأرض وكان سببا لوجود ٱلماء فيها.
كماۤ أن هذا ٱلنبأ يوكّد قدرة ٱلإنسان ٱلعالم
ٱلصالح على ٱستخراج ٱلماۤء من كوكب ٱلزهرة كما جاۤء قولنا عن يوسف*
ويحثنا عليه.
وعن تأثير ٱلفعل ٱلبيولوجى فى سطح ٱلأرض
بعد خروج ٱلنبات جاۤء فى ٱلنبإ:
"وٱلأَرضِ
وما طَحَٰها" 6 ٱلشمس.
وهذا
عن ٱنتشار وتدافع ٱلنبات فى سطحها مسببًا ٱنتفاخه وٱهتزازه:
"ٱهتزَّت
وَرَبَت وأنبتَت مِن كُلّ زوج بَهِيج" 5 ٱلحج.
وفى سورة ٱلمرسلات نبأ عن ٱلطفرة فى ٱلأرض:
"أَلَم
نجعلِ ٱلأرضَ كِفاتًا/25/ أَحياۤءً وأَمواتًا/26/ وجَعَلنا فِيها
رَوَاسِىَ شٰمِخٰتٍ وأَسقينٰكم ماۤءً فُراتًا/27/" ٱلمرسلات.
جعل
ٱلأرض كفاتا. أى حوّلهاۤ إلى حاضنة للمادة ٱلحيّة وٱلمادة ٱلميتة. وهو ما تدلنا
عليه كلمة "كفاتا" ٱلتى نجد عامّة بلاد ٱلشام تستعملها لتدل بها
على لحم مخلوط بٱلدهن "كفتة". ورافق ذلك طفرة جيولوجية أحدثت ٱلجبال
ٱلشامخة.
ويبين ٱلنبأ أن ٱلماۤء ٱلمصبوب على ٱلأرض
ٱلمستخرج منها لم يكن صالحًا للشرب. وأن ٱلجبال ٱلتى حدثت بٱلحركة ٱلجيولوجية كانت
سبب تكّـون ٱلماء ٱلصالح للشرب.
وفى سورة ٱلنبإ نجد تمهيدًا لبداية ٱلحياة:
"أَلَم
نَجعَلِ ٱلأَرضَ مِهٰدًا/6/ وٱلجِبالَ أَوتادًا/7/ وخلقنَٰكُم
أَزواجًا/8/" ٱلنبـإ.
ٱلمهد
هو ٱلفراش ٱلمهيأ للصغير. أى حدثت طفرة هيأت ٱلأرض لبداية ٱلحياة. كما جُعلت ٱلجبال
لحماية سطح ٱلأرض من ٱلانزلاق مع كل هـزّة أو زلزال. وعقب ذلك طفرة نقلت وحيدات ٱلخلية
إلىۤ أزواج ذكر وأنثى ومنها ٱلبشر لاحقًا.
إنّ ٱلإنسان ٱلذى يمثله يوسف فى ٱلقرءان
بعد أن يكتمل علمه ويشتد كما يبيّن ٱلنبأ:
"ولَّما
بَلَغَ أَشُدَّهُ ءاتينَٰه حُكمًا وعِلمًا وكَذلِك نَجزِى ٱلمُحسِنين" 22
يوسف.
تكون
ٱلأرض ٱلتى يحيا عليها قد ٱقتربت من نهاية صلاحها. ويكون يوسف ٱلصديق ٱلعالم
قد أرسىۤ أسس ٱلحياة فىۤ أرض جديدة هى ٱلكوكب ٱلذى يلى ٱلأرض مباشرة بٱلتكوين.
وفى
ٱلقرءان بلاغ عن عدد ٱلسَّمٰوٰت:
"ٱلّذى
خَلَقَ سَبعَ سَمٰوٰتٍ طِباقًا" 3 ٱلملك.
فهى
سبع سمٰوٰت طبق بعضها.
وحتى لا يذهب تفكيرناۤ إلى عوالم أخرى
غير مجموعتنا ٱلشمسية نعود إلى فهمنا عن يوسف ٱلذى "جعل ٱلسقاية فى
رحل أخيه ثم ٱستخرجها من رحل أخيه".
كما نعود إلى فهمنا لدليل أسم ٱلكوكب ٱلذى
عرضنا له فى مقدمة كتابنا "ٱلدين خرافة أم علم؟". وقد جآء فيه أن
سبعة كواكب فى مجموعتنا ٱلشمسية تمر بمرحلة ٱلصلاح تباعًا. وأن ٱلإنسان ٱلذى خلقه ٱللَّه
فىۤ أوّل أرض يتولىۤ إصلاح ٱلكوكب ٱلذى يلى ٱلأرض من وجهة ٱلشمس. ثم ينتقل إليه
عندما توصل أرضه إلى نهايتها ٱلمريخية.
هذا عن يوسف ٱلصديق. أما بقية ٱلناس
فهم ٱلجاهلون ٱلذين يرغبون عن ملة إبرٰهيم ٱلذى ٱصطفاه ٱللَّه فى ٱلدنيا وٱلأخرة
كما يبين ٱلبلاغ:
"وَمَن
يَرغَبُ عَن مِلَّة إِبرٰهيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفسَهُ ولقدِ ٱصطفينٰهُ فى ٱلدُّنيا
وإِنَّهُ فى ٱلأخِرةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِين" 130 ٱلبقرة.
وجاۤء وصف أولئك ٱلذين يرغبون عن ملة
إبرٰهيم فى ٱلبلاغ ٱلتالى:
"إِنَّ
شَرَّ ٱلدَّواۤبِّ عند ٱللَّه ٱلصُّمُّ ٱلبُكمُ ٱلَّذين لا يعقلُونَ" 22 ٱلأنفال.
وهم
ٱلذين أعرضوا عن ذكر ٱللَّه وأوامره ٱلتى يأتى فى رأسهاۤ أمره بٱلنظر وٱلبحث ٱلعلميين
للوصول إلى ٱلعلم فى "كيف بدأ ٱلخلق". ويبين ٱلنبأ مستوى عيشهم
فى ٱلدنيا وٱلأخرة:
"ومَن
أَعرَضَ عن ذِكرى فإِنَّ له مَعِيشَةً ضَنكًا ونَحشُرُهُ يومَ ٱلقيٰمةِ أعمى"
124 طه.
ٱلضَّنكُ
هو ٱلضَّيِّقُ من كل شىء فى ٱلبدن وٱلرأى. وهو ٱلتابع ٱلذى يخدم بطعامه. ويقابل
كلمة ضنك فى لسان ٱلإنكليز كلمةDonkey فى ٱلنطق وٱلدليل. وهى فى ٱلِّسانين تدل على من لا يفكر أو حمار.
إنّ
يوسف ومن معه ينتقلون إلى كوكب صالح جديد. ويبقى على سطح ٱلكوكب (ٱلذى بدأ يتحول
إلى مريخ) جميع ٱلذين رغبوا عن ملة إبرٰهيم.
لقد
جاۤء فى ٱلنبإ:
"ٱللَّه
الَّذى خَلَقَ سَبعَ سَمٰوٰتٍ ومِنَ ٱلأَرضِ مِثلهُنَّ" 12 ٱلطلاق.
وٱلسماء
ٱلدنيا هى واحدة ٱلسمٰوٰت ٱلسبع. فمع خلق كل أرض سماۤء دنيا تمثل رحلها (غلافها) ٱلجوى
ٱلذى يحميها من رجم ٱلحجارة ٱلتى تنحرف عن مسارها وتتوجه إلى ٱلأرض فتحترق وتتفتت
عندما تخترق رحلها .
وعن
هذا جاۤء فى ٱلنبإ:
"ولقد
زيَّنَّا ٱلسَّماۤءَ ٱلدُّنيا بمصٰبيحَ وجعلنٰها رُجُوماً للشَّيٰطينِ" 5
ٱلملك.
وهى
ٱلحجارة ٱلتى تسبح من دون فلك يقيد سباحتها.
وإذا تابعنا ٱلأوصاف ٱلأولية لكل من ٱلمريخ
وٱلزهرة وهما ٱلجاران للأرض. وقد جاۤءت هذه ٱلأوصاف بواسطة بعثات ٱستكشاف فضاۤئية قام
بها ٱلإنسان. فنجد وصفًا لكوكب ٱلزهرة يقول عنه:
"كوكب
شديد التسخن، حيث درجة حرارته تبلغ 470 ْ, والضغط الجوي 100 جوي، والصخور
شبيهة بأنواع الجرانيت الأرضية، وهي أحجار حديثة النشوء ذات أطراف حادة وأشكال
غير منتظمة، وأخرى قديمة مدورة وحوافها مسوّاة. ويتشكل جو الزهرة من
95٪ غاز ثاني أوكسيد الكربون وحامض الكبريتيك الذي يتميز محلوله المركز بقدرة
عالية على امتصاص الماء، وجو الزهرة يسمح بمرور أشعة الشمس إلى سطح الكوكب
ويمنع انبعاث الإشعاع الحراري المنعكس عنه مسبباً دفيئة ذات درجة حرارة عالية.
ولون السماء فوق الأفق يميل إلى الخضرة والصفرة، وعلى ارتفاع كبير فوق سطح
الكوكب تنفرد قبة من السحب برتقالية اللون، كما يوجد نشاط بركاني".[19]
وهناك وصف أخر يقول عن ٱلمريخ:
["الضغط
الجوي عند السطح أقل من 1٪ كما هو في الأرض، كما أن درجات الحرارة في
النهار، نادراً ما تتجاوز درجة الصفر المئوية، حتى في أحرِّ مناطق
الكوكب خلال فصل الصيف، والأهم من هذا كله، هو أن أحد أهم مقومات الحياة،
وهو الماء السائل، يبدو غير موجود على سطح الكوكب". "ثمة
مقادير كبيرة من الماء غيّرت شكل سطح الكوكب منذ بضعة ملايين من السنين، بل
ربما في زمن أحدث لايتجاوز عدة مئات من ملايين السنين". "لقد كان
على سطح المريخ في بدايات تاريخه ماء سائل. وتوجد على السطح وديان ضيقة
وضخمة.. لقد كان الماء السائل يغمر أجزاء المريخ، ويحوي سطح المريخ
مقادير وفيرة من المواد البازلتية التى تشققت وتحولت إلى مجاري مياه. ولهذا
الوضع ما يشبهه على الأرض". "ثمة نيازك عُثِرَ عليها على كرتنا
الأرضية، تبيّن أنها أتت من المريخ، تقدم براهين مادية على الماضي
المائي للمريخ"].[20]
["إن الجو الخارجي للمريخ مخلخل جداً، أما طبقاته العليا فكثافتها
قليلة للغاية". "سرعة الريح عند سطح الكوكب تبلغ قيماً خيالية،
وهي عواصف ترابية. هناك براكين جبارة تدعو للدهشة، وهناك صحارى
شاسعة ملساء تماماً..وشقوقاً وأخاديد طويلة وملتوية، وجبال وتلال،
ومجاري أنهار جفت..الجو مخلخل لدرجة أن الماء السائل لا بد أن يغلي ويتبخر..هناك
وهاد ضخمة لا تختلف من حيث شكلها كثيراً عن مثيلاتها الأرضية..سطح المريخ
بادية حمراء تعلوه سماء ذات لون وردي خلاب تضيء في جزئها الأسفل.."].[21]
بعد عرض هذه ٱلأوصاف لكل من كوكب ٱلزهرة
وكوكب ٱلمريخ يمكن ٱلقول أن ٱلمريخ كوكبًا ميّتًا وأن ٱلزهرة يمر بمرحلة جنينية[22]
تسبق ٱلصلاح.
ويقول ٱلناظرون وٱلباحثون عن جو ٱلزهرة "أن
حامض الكبريتيك في جو الزهرة يقوم بدور كبير في عملية امتصاص الماء، وهذا ما يبرر
قلة كمية بخار الماء في جو الزهرة ".[23]
وتحرير ٱلماء ٱلمحبوس فى جو ٱلزهرة وجعله
ينصبّ على سطحها صبًّا أستنبط فعل ٱلتحرير من فهم ٱلصَّبِّ ٱلذى جآء فى ٱلبلاغ:
"أنّا
صببنا ٱلماۤء صبًّا" 25 عبس.
صبّ ٱلماۤء على سطح ٱلكوكب ليس مطرًا
ولا غيثًا بل هو مقدار عظيم من ٱلمآء ينصبُّ دفعة واحدة. وبه تنخفض حرارة ٱلكوكب بفعل
ٱلسعة ٱلحرارية ٱلكبيرة للماۤء.
كما تحدث بفعل قوَّة ٱلصَّبِّ وٱلثقل
للمآء ٱلمصبوب ٱنكسارات وشقوق عظيمة فى ٱلسطح. وهو ما جآء عنه فى ٱلبلاغ:
"ثم
شققنا ٱلأرض شقًّا" 26 عبس.
وهنا
يُظهر لنا ما بيّنه ٱلبلاغ فى عمل يوسف ٱلذى "جعل ٱلسقاية فى رحل
أخيه". وبه نهتدىۤ إلى فصل ٱلماۤء عن ٱلكبريت بواسطة "صُوَاعُ
ٱلمَلِكِ". ٱلذى يبيّنه إدخالنا لما يفرّق ٱلمآء عن ٱلكبريت مثل ماۤءات
ٱلصوديوم إلى جو ٱلزهرة ( مرّ معنا أنّ ٱلصُواع هو ٱلتمهيد وٱلتهيوء
لتفريق أشياۤء عن بعضها).
وأرىۤ
أنّه بٱدخال ماۤءات ٱلصوديوم إلى جو الزهرة يمهد لتفريق ٱلماۤء عن ٱلكبريت.
وبه تتكون كبريتات ٱلصوديوم ويتحرر ٱلماۤء لينصبّ على سطح ٱلكوكب. ويبدأ
فعله فيه من شقّ وتبريد وتكوّن جباله كما بين ٱلبلاغ فى ٱلقرءان.
وبمراقبة
أفعال ٱلتطور ٱلتى تجرى بعد ذلك سنرى وصول ٱلزهرة إلى طور ٱلعلم ٱلمبلَّغ لنا فى
ٱلقرءان:
"أَلَم
نجعلِ ٱلأرضَ كِفاتاً/25/ أَحياۤءً وأَمواتًا/26/ وجَعَلنا
فِيها رَوَاسِىَ شٰمِخٰتٍ وأَسقينٰكم ماۤءً فُراتًا/27/" ٱلمرسلات.
أما كوكب ٱلمريخ فإن ما جاۤء فى
وصفه على لسان ٱلناظرين يتطابق مع رأى عنه فى كتابى "ٱلدين خرافة أم علم؟".
وهو ما كنت قد توصلت إليه من دليل ٱسم ٱلمريخ. فقد رأيت أنّ ٱلمريخ كان
أرضا صالحة ماتت ولا يمكن إصلاحها مرّة أخرى. وأرىۤ أنّه يمثل ٱلأرض ٱلتى جاۤء وصف
أفعال ٱلفساد فى جوّها فى بلاغ ٱلقرءان:
"وإذا
ٱلسَّماۤء كشطت" 11 ٱلتكوير.
"وإذا
ٱلبحار سجّرت" 6ٱلتكوير.
كشطت
ٱلسمآء. ذهب رحلها (غلافها) ٱلجوى.
وسجّرت
البحار. تبخر ٱلمآء منها وجفّت.
هذا
ٱلوصف يبين ذهاب قميص يوسف (ٱلغلاف ٱلجوى) وبذهابه تتبخر ٱلبحار.
وما جآء فى وصف ٱلناظرين عن جوّ ٱلمريخ "مجاري
أنهار جفت..الجو مخلخل لدرجة أن الماء السائل لا بد أن يغلي ويتبخر..."
يبين أنّ بلاغ ٱلقرءان يهدى إلى ٱلحقّ".
وعن لون سماۤئه "سطح المريخ
بادية حمراء تعلوه سماء ذات لون وردي خلاب تضيء في جزئها الأسفل".[24]
وهو
وصف يقترب ممّا جآء فى ٱلبلاغ:
"يوم
تكونُ ٱلسَّماءُ كٱلمُهلِ" 8 ٱلمعارج.
ٱلمُهل
هو ٱلمعدن ٱلمذاب بٱلحرارة ويكون لونه ورديّا.
"فإذا
ٱنشَقَّت ٱلسَّماۤءُ فكانت وردةً كٱلدِّهانِ" 37 ٱلرحمن.
وردة
كٱلدهان يدل على لون ٱلورد ٱلأحمر.
أتوقف عن متابعة ٱلكواكب عند ٱلمريخ. فقد
تناولت ٱلبقية بدليل أسماۤئها.[25]
وأنتقل إلى ٱلحدث ٱلكونى ٱلذى يبدأ فيه فعل ذهاب ٱلكواكب جميعها بفعل قوة سحب عظيمة.
ويكون ٱلإنسان ما يزال علىۤ أرض صالحة سواۤء ءكان ذلك علىۤ أرضنا ٱلحالية أم على ٱلزهرة.
أيُّها تحمل ٱلرقم سبعة. وقد جاۤء تصوير ٱلحدث فى ٱلبلاغ:
"يَومَ
يَكُونُ ٱلنَّاسُ كٱلفَراشِ ٱلمَبثُوثِ/4/ وتَكُونُ ٱلجِبَالُ كَٱلعِهنِ ٱلمنفُوشِ/5/"
ٱلقارعة.
فيه
بلاغ عن قوة سحب عظيمة تفكك جزيئات ٱلجبال وتحوّلهاۤ إلى ما يشبه ٱلقطن ٱلمندوف ٱلمتطاير.
كذلك ٱلناس يتطايرون كٱلفراش ٱلمنتشر.
ويتابع
تصوير ٱلحدث ٱلكونى:
"وفُتِحَتِ
ٱلسَّماۤءُ فكانَت أبوابًا/19/ وسُيّرتِ ٱلجبالُ فكانت سَرَابًا/20/"
ٱلنبأ.
أبلغ
تصوير عن تفتت ٱلجبال وجعلها غبارا ينطلق وجهة قوّة ٱلسحب.
فى نور ٱلأنبآء ٱلتى جاۤءت فى ٱلقرءان.
وفى مطابقتها مع بلاغات ٱلبحث ٱلعلمى ٱلذى أرى فيه عمل من طاع ٱلأمر ٱلإلٰهى "قل
سيرواْ فى ٱلأرض فٱنظرواْ كيف بدأ ٱلخلق" وجآء بتصديق ٱلبلاغ فى ٱلقرءان.
فأرى واقول مطمئنًّا أنّ ٱلإيمان
بوحدانية ٱلخالق وجعله إيمانًا يقينيّا لا يحدث إلا من بعد طاعة أمر ٱللّه بٱلسير
وٱلنظر كيف بدأ ٱلخلق. وبه ينشأ ٱلإيمان. وبه تتقوى طاعة ٱلأوامر ٱلإلٰهية جميعها.
سواۤء ٱلمتعلق منها بٱلنظر وٱلبحث ٱلعلميين أم ٱلمتعلق منها بٱلسلوك مع ٱلناس وٱلبيئة.
وبه يسير ٱلإنسان إلى توسيع علمه فى وجهة ٱلكشف عن جميع تفاصيل ٱلنشأة ٱلأولى.
أمّا ٱلذين يجحدون ٱلنبأ ٱلقرءانى فهم لا
يصدقون على ٱلرغم من قوة ٱلبيّنة بفعل ٱلمقارنة وعلى ٱلرغم من ٱلعلم ٱلذى بين
أيديهم. وقد جاۤء فى ٱلبلاغ تذكير لهم:
"أَفَلَم
يَسيرُواْ فى ٱلأَرضِ فَيَنظُرُواْ كَيفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذينَ مِن قَبلِهم
كَانُواْ أَكثَرَ مِنهُم وأَشَدَّ قُوَّةً وءَاثارًا فى ٱلأرضِ فما أَغنَى عَنهم
ما كَانواْ يَكسِبُونَ/82/ فَلَمَّا جاۤءَتهُم رُسُلُهُم بٱلبّيِنٰت
فَرِحُواْ بما عِندَهُم من ٱلعِلمِ وحاقَ بِهِم ما كانُواْ بهِ يستَهزءُون/83/"
غافر.
فيه
وصف لقوم أقوياۤء ولهم درجة علمية عالية وقدرة علىۤ إحداث ٱلأثر فى ٱلأرض. ومع ذلك
لم يكترثوا بٱلرسالات وٱستخفّوا بها وٱستكبروا بغيرِ حقّ وتفاخروا بعلمهم وقوتهم
وشدّتهم.
ٱلإنسان ٱلذى خلّف وراۤءه أثار بعلبك وأهرامات
مصر وٱلإنكا ليس بداۤئيًا. وعلمنا نحن ليس أكبر من علمه. بل قد يكون أقلّ منه
بكثير!. وقول فرعون لـ هامان يظهر لون ٱلقوّة ٱلعلمية ٱلتى كان يملكها:
"وقالَ
فِرعَونُ يَٰهَٰمٰنُ ٱبنِ لى صَرحًا لعِلّى أبلُغُ ٱلأسبٰبَ/36/ أسبٰبَ ٱلسَّمٰوٰتِ
فأَطَّلِعَ إلىۤ إلٰهِ مُوسى/37/" غافر.
هذا يذكرنى بـ خروشوف*
ٱلذى سأل غاغارين أول راۤئد فضاۤء فى حضارتنا ٱلحالية عمّاۤ
إذا كان قد رأى ٱللَّه!..
فرعون
كان يطلب صرحًا ليبلغ أسباب ٱلسّمٰوٰت.
وأسبابها
هى نواحيها.
وٱلصرح
هو كل بناۤء عالٍ ظاهرٍ.
مثل هذا ٱلبناۤء ٱلذى يمكن أن يبلغ نواحى
ٱلسّمٰوٰت لا يكون ثابتًا كٱلبرج. بل هو بناۤء ينطلق ويسبح متجوّلا فى ٱلفضاۤء.
كما يذكّرنى هذا ٱلأمر بقوم عادٍ
ٱلذين ٱستكبروا فى ٱلأرض:
"فَأَمَّا
عاد فٱستَكبَرُواْ فى ٱلأرضِ بِغَيرِ ٱلحقّ وقالواْ مَن أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
أَوَلَم يَرَواْ أَنَّ ٱللَّه ٱلَّذى خَلَقَهُم هُو أشدُّ منهُم قُوَّةً وكانواْ
بأيتنا يجحدون" 15 فصّلت.
وٱليوم هناك ٱلولايات ٱلمتحدة ٱلأمريكية
ٱلتى تملك أن تكون "يوسف" ٱلذى "جعل ٱلسقاية فى رحل أخيه".
فهىۤ إلى جانب ذلك تشبه عادًا فى ٱستكبارها.
كماۤ أنّ موقف رئيسها ٱلحالى كلنتون
وتشريعه ٱلذى يمنع ٱلاستنساخ يشبه موقف ٱلذين كذّبوا بأية ٱلعذراۤء مريم.
ما رتلته إلى هنا كان عن ٱلنشأة ٱلأولى.
أمّا ما يتعلق بٱلنشأة ٱلأخرة فقد جاۤء
عنها فى ٱلبلاغ:
"ثُمَ
ٱللَّه يُنشِئُ ٱلنشأةَ ٱلأخرة إنَّ ٱللَّه على كلِ شىءٍ قدير" 20 ٱلعنكبوت.
لقد ورد فى بداية ٱلبلاغ /20/ ٱلعنكبوت ٱلأمر
ٱلإلٰهى بٱلنظر كيف بدأ ٱلخلق. وبه يوصل إلى ٱلعلم بٱلنشأة ٱلأولى ٱلتى ورد ٱلقول
عنها فىۤ أخر ٱلبلاغ.
وفى ذات ٱلوقت ضمّ ٱلبلاغ نبأ يبين أن ٱلإنسان
بعد حصوله على ٱلعلم بٱلنشأة ٱلأولى يستطيع أن يعلم بحتمية ٱلنشأة ٱلأخرة
ٱستنباطًا. وبه يصدّق ٱلنبأ من دون سير ونظر فى ٱلمسألة. لأنه يعلم أنّ ٱلنشأة ٱلأخرة
يجرى حدثها فى غيابه عن ٱلأرض ٱلذى يبدأ وفق بيان ٱلبلاغ عن ٱلأرض ٱلتى سُيّرت
جبالها "فكانت سرابًا".
لقد خلق ٱللَّه ٱلإنسان وسوّـٰه على ٱلأرض
ٱلأولى. وقام يوسف بإصلاح ٱلثانية وٱلثالثة إلى ٱلسابعة.
وفى حياة ٱلإنسان ٱختبار له يحصد ما
عمله فى ٱلحياة ٱلدنيا بعد قيام ٱلنشأة ٱلأخرة. وفيها يَحيىَ حياة جديدة خالدة من دون
ٱختبار.
وٱستنباط ٱلإنسان لقيام ٱلنشأة ٱلأخرة يستند
على ما جآء من تعريف لها فى بلاغ ٱلقرءان. فقد بين لناۤ أنّ علمنا بها هو علم
تعريف نحصل عليه من ٱلبلاغ:
"ويُدخِلُهُم
ٱلجنَّةَ عَرَّفَها لَهم" 6 محمد.
حاجة ٱلإنسان للتعريف بٱلجنّة أنَّه
عندما يبعث ويشاهدها يعلم علم يقين أنها ٱلجنّة ٱلتى وعده ٱللَّه بها. وفاعل ٱلعلم
ما فى قلبه من تعريف لها كان قد جآءه فى ٱلحياة ٱلدنيا عن طريق بلاغ ٱلقرءان.
لقد جاۤء ٱلتعريـف مقترنـًا بٱلنبـإ عـن
تكون ٱلنشأة ٱلأخرة:
"إِذا
ٱلسَّماۤءُ ٱنفَطَرَت/1/ وإِذا ٱلكواكبُ ٱنتَثَرت/2/ وإِذا ٱلبِحَارُ
فُجِّرت/3/" ٱلانفطار.
فيه
تعريف بكيفية إعادة ٱلخلق وتكوينه من سماۤء وكواكب وبحار تتفجر بٱلماۤء.
هناك أرض وسمٰوٰت جديدة كما يبين ٱلبلاغ:
"يومَ
تُبَدَّلُ ٱلأرضُ غَيرَ ٱلأَرضِ وٱلسَّمٰوٰتُ" 48 إبرٰهيم.
ٱلجنة ٱلتى عرّفها لنا ٱلبلاغ طريقة
إظهارها وإعلانها فى ٱلسّمآء تشبه طريقة إعـلان وإظهـار أرضنـا ٱلحالية وهو ما
يبينه ٱلبلاغ:
"سَابِقُوۤاْ
إلى مَغفِرَةٍ مِن رَبّكُم وجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِ ٱلسَّماۤءِ وٱلأَرضِ أُعِدَّت
للَّذينَ ءَامنواْ بٱللَّه ورُسُلِهِ ذلكَ فَضلُ ٱللَّه يُؤتِيهِ مَن يشاۤءُ وٱللَّه
ذو ٱلفضلِ ٱلعظيم" 21 ٱلحديد.
لقد بين ٱلبلاغ فى سورة ٱلانفطار أن ٱلناس
قد تمَّ حسابهم وعلم كلّ منهم بمقرّه ٱلجديد:
"عَلِمَت
نفس ما قدَّمَت وأَخَّرَت" 5 ٱلانفطار.
وقد بين ٱلبلاغ أنّ حياة ٱلناس خالدة فى
ٱلنشأة ٱلأخرة:
"خٰلدينَ
فيها ما دَامتِ ٱلسَّمٰوٰتُ وٱلأَرضُ" 107 هود.
وهذا
يبين دورة كونية كاملة.
أمّا عن توزع ٱلناس إلى مقراتهم فى ٱلأخرة
فإنّ ٱلمكذبين للنبإ فى مقرّ يجعلهم يصدقون من بعد فوات ٱلأوان:
"إنَّاۤ
أَعتَدنا للكَٰفرِينَ سَلٰسِلاً وأَغلـٰلاً وسَعِيرًا" 4ٱلإنسان.
وعن مقرّ ٱلذين صدّقوا ٱلنبأ وعملوا
صالحًا أنهم:
"مُتَّكِئِينَ
فيها على ٱلأَراۤئِكِ لا يَرَونَ فيها شمسًا ولا زمهَرِيرًا" 13 ٱلإنسان.
ٱلعدد 19 يستحق ٱلاهتمام!
"عليها
تسعة عشر"30 ٱلمدّثر.
إلى
ماذا تشير كلمة "عليها" فى ٱلأية؟
هل
هى ٱلنشأة ٱلأولى؟
وهل
ٱلنشأة ٱلأولى محكومة بهذا ٱلمقدار؟
جاۤء
فى ٱلبلاغ:
"وكُلُّ
شىءِ عِندَهُ بمقدارٍ" 8 ٱلرعد.
وقد
ظنّ ٱلمفسرون[26]
أن ٱلـ "تسعة عشر" هو عدد خزنة ٱلنار. وٱلبلاغ يدحض ظنَّ ٱلمفسرين
ويرى فيهم مفتونين:
"وما
جَعَلناۤ أَصحٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَـٰۤئِكةً وما جَعَلنا عِدَّتَهم إلاَّ
فِتنةً" 31 ٱلمدثر.
< >
لقد تناول ٱلدكتور محمد رشاد خليفة[27]
ٱلعدد 19 وراىۤ أنّ أول ءاية فى ٱلقرءان وهى "بسم ٱللَّه ٱلرحٰمن ٱلرحيم"
تتكون من 19 كتاب (حرف).
وأن عدد سور ٱلقرءان ٱٰلـ 114 هو من
مضاعفات ٱلعدد 19.
وبيّن أن كتب (حروف) ٱلألف وٱللام وٱلميم
فى سورة ٱلبقرة هى من مضاعفات ٱلعدد 19. وتبدأ هذه ٱلسورة بأية مكونة من هذه ٱلكتب
ٱلثلاثة (الۤمۤ).
كما رأىۤ أن هذه ٱلمقادير موجودة فى 29
سورة. تبدأ كل منها بكتب يسميها ٱلمفسرون للقرءان فواتح ٱلسور.[28]
ويستدل ٱلدكتور خليفة من ذلك أن ٱلقرءان
من عند ٱللَّه بدليل هذه ٱلعلاقة ٱلمقدارية.
وتوصل ٱلعالم ٱلأمريكى "فرانك
دريك"[29]
إلىۤ إنشآء مثل (نموذج) لرسالة (على طريقة ٱلمربعات ٱلمخصصة للتسلية فى ٱلمجلات) بين
شريكين لا توجد بينهماۤ أى شراكة سوى قدرتهما على "ٱلتفكير ٱلمنطقي ٱلرياضي".
ورأىۤ أنهما يستطيعان ٱلتفاهم لاسلكيًّا على طريقة ٱلمورس وفق هذا ٱلنموذج.
كما رأىۤ أنّ هذا ٱلمثل (ٱلنموذج) وحيد.
وهو يتكون من 551 نبضة وتوقف (_/.) مرتبة ضمن 19 رمزًا على 29 سطر.
مثل "دريك" يشبه ما قاله
ٱلدكتور خليفة عن ٱلعدد 19 وٱلسور ٱلـ 29 فى ٱلقرءان.
بل هو بيان يمكن إدراكه من هذا ٱلمثل ٱلمدرسىّ.
وجد
"ج.ووكر" أنّ "زاوية المخر المقيسة بين الخط ومسار
القارب مساوية (19.1) درجة. وعن زاوية الأثر الذي يتركه قارب يمخر الماء،
وأي شيء من البط حتى ناقلات النفط الضخمة، يولّد أثناء حركته عبر الماء
نمطاً لأثر المخر له الزاوية ذاتها".[30]
وأورد بعضًا من أمثلة ٱلفيزياۤء ٱلمسلية:
["وتنص
القوانين الهندسية، على أن الجسم الذي يبعد عن العين مسافة تزيد على قطره
بمقدار (57) مرة، يجب أن يظهر لعين المراقب بزاوية إبصار تساوي درجة واحدة".
"وعند ضعف هذه المسافة، تصبح زاوية إبصارها مساوية لنصف درجة"].[31]
ٱلعدد 57 هو من مضاعفات ٱلعدد 19 وكذلك
ضعف ٱلمسافة 114.
"وإذا
طلب منك أن ترسم على الورقة، دائرة تمثل قرص القمر، كما تراه بالعين
المجردة، لظهر لك بأن هذا الطلب غير متكامل الشروط. ذلك لأن الدائرة
قد تكون كبيرة أو صغيرة، تبعاً لبعدها عن العين. ولكن الشروط ستصبح متكاملة
إذا حددنا بعدها عن العين، بالمسافة التى نبعد بها الكتاب أو الرسم وغير
ذلك، عن العين عادة، أي بالمسافة التى تؤمّن لنا رؤية جيدة جداً.
وتبلغ هذه المسافة بالنسبة للعين السليمة (25سم). والآن، لنحسب
الحجم الذي يجب أن تكون عليـه الـدائــرة، ولــو علــى صفحـة هـذا الكتاب،
لكي يصبح حـجـمـهـا الظاهري، مساويـاً لحجـم قـرص القمـر. إن
الحساب بسيط، ويتلخص في قسمة المسافة /25/سم (250) مم، على العدد
114".[32]
هذه ٱلتسلية فى ٱلفيزياء ليست عبثا.
أما ٱلفيزياۤء ٱلجدية فقد وصفت لنا هيئات
نوى ٱلسُّوَر (ٱلذرات) وقالت أن هيئة ٱلنوى يتعلق بعدد نتروناتها وبروتوناتها.
وثبت لهم ["أنه نادراً ما تتخذ
القوى الذرية الشكل الكروي". "وعند التشوهات*
الكبيرة أظهرت الحسابات فُرجة جديدة غير متوقعة في الطاقة عند العدد (38). نتيجة لذلك يُتوقع أن
تحصل نواة ذاتN أو Z قريب من (38)
على ما يكافئ دفعة في اتجاه التشوه. وبالتأكيد سوف يسود التشوه في نواة ما،
إذا ما ساندت البروتونات والنترونات ذلك. ومن ثم تنبأ مولر ونكس بأن
القوى القريبة من N أو Z
= 38 يجب أن تكون ضمن أعظم النوى تشوهاً في الطبيعة، والتشوه
المفرط للكريبتون 74 (36 بروتوناً و 38 نتروناً) يوكّد هذا
التنبؤ بشدة". "ومع ذلك فإن الموقف يتأثر بقُرْب العدد السحري
الكروي (40) من العدد السحري المشّوه (38)"].
[33]
عدد ٱلنبضات وٱلتوقف فى مثل "فرانك
دريك" هو (19×29).
وزاوية مخر ٱلماء (19) درجة.
وقوانين ٱلهندسة ٱلمتعلقة بٱلمسافة بين ٱلعين
وٱلجسم ٱلمنظور إليه (57) مرة من قطر ذلك ٱلجسم هى (19×3).
وٱلعدد ٱلسحرى ٱلمشّوه للنوى ٱلذرية هو
(19×2=38).
فهل
كل هذا يحدث من دون رابط بينها؟
وما
علاقة ذلك بٱلنبـإ "عليها تسعة عشر"؟
لقد رأينا أنّ ٱلعدد 19 يتدخل فى تكوين ٱلنوى.
وفى حركة ٱلأجسام على ٱلماۤء. وفى
قوانين ٱلهندسة.
كذلك فى ٱلتفكير ٱلمنطقى ٱلرياضى عند
"دريك".
وهذا يدفعنا للانتباه إلى هذا ٱلعدد وٱلسعى
للعلم بأهميته وبعلاقته مع وجود ٱلأشيآء وحركتها وٱلبلاغ عنها.
لقد قال "دريك" عن
مثله أنه ٱلوحيد! ومثله يطابق ما جاۤء فى محاضرة ٱلدكتور محمد رشاد خليفة
عن ٱلعددين (19 و29).
ألا
يدعوا هذا للدهشة!.
وإذا نظرنا فىۤ أول سورة من ٱلقرءان نرىۤ
أنها تتكون من ست ءايات تعلوها وتتقدمها أية "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم"
ذات ٱلـ 19 كتابًا. وقد ٱختلف ٱلمفسرون فى عدد ءايات هذه ٱلسورة.[34]
وخلافهم يبين أن ٱلأية ٱلمختلف عليها وٱلتى تتكون من 19 كتاب ليست من لون ٱلأيات ٱلست
إلاّ أنها معها فى وحدة ٱلسورة.
ومن ٱلمفيد أن نعلم أن "ٱلسورة"
تدل على ٱلشىء ٱلذى يشترك فى بناۤء ما.
وأن أىّ شىءٍ يتكون من عدد من ٱلسُّوَر
(ٱلعناصر).
وأن "ٱلأية" هى ٱلشىء ٱلذى
يتكون من عدد من ٱلسُّوَر (ٱلعناصر).
وتتبادل "ٱلسورة"
و"ٱلأية" ٱلمواقع فى ٱلبناۤء. حيث تتكون "ٱلسورة"
من عدد من "ٱلأيات" ٱلمكونة من "سور" أصغر.
وهكذا حتى نصل إلى ٱلكون جميعه. وهو ما يبلغنا ٱلقرءان عنه. وهو يتكون من سوَر
يماثل عددها عدد سوَر ٱلتكوين وٱلتى يبلغ عددها 114 سورة وكل منها يتكون من عدد من
ٱلأيات. فإنّ ضرب عدد ءايات سورة ٱلفاتحة ٱلست بٱلعدد 19 نحصل على عدد سور ٱلقرءان
ٱلـ (114)!.
وما يدلنا عليه ٱسم "سورة ٱلفاتحة"
أنها ٱلسُّورة ٱلأولى – ٱلمبتدأ! وكأنها ٱلبداية ٱلتى
ٱنطلقت منها ٱلنشأة ٱلأولى!.
وحتى لا نتسرع فى قولنا ونوقع فى ٱلتخريص
وٱلظن نسأل فيزياۤء ٱلجسيدات عن ٱكتشافاتها ونسير معها. وهى ٱلتى تقول "أن
عدداً صغيراً مـن القـوى يفسـر سلوك أي شكل من أشكال المادة الممتـدة من الجسيمات
دون الذرية Subatomic إلى المجرات".[35]
إذن تعتمد ٱلفيزياۤء على ٱلاستنباط
(ٱلاستنتاج) ٱنطلاقًا من "عدد صغير من القوى". وهذا لا عيب فيه
طالماۤ أن ٱلاستنباط يستند علىۤ أرضية حسية.
لقد قالت الفيزياء ["أن كوارك
القمة هو سادس الكواركات وآخرها على الأغلب".
"فالمادة
تتكون من جزيئات مكونة بدورها من ذرات. وتتكون الذرة من نواة تحيط بها غيمة
من الالكترونات. أما النواة فتتكون من بروتونات ونترونات". "ويتركب
البروتون مثلاً من كواركين-فوق. وكوارك –
تحـت، أمَّـا النتـرون
فيتـركب من كوارك – فوق وكواركين تحت". "وخلافاً لما هي الحال في البروتونات والنترونات، فإن
الالكترونات جسيمات أساسية على ما يبدو. وهي في الواقع تنتمي إلى فصيلة
أخرى مما يسمى بالجسيمات الأولية (elementary
particls) تعرف باسم الليبتونات Liptons. وهناك ست
نكهات لليبتونات أيضاً:* الالكترون Electron والميون Muon
والجسـيم تاو Tau
ونترينو الالكترون Electron
neutrino ونترينو الميون، ونترينو التاو"].[36]
وتتابع ٱلفيزياۤء فى توصيفها لجسيدات ٱلمادة
بقولها "أن الكواركات الأكثر خفة [الكوارك الفوقي، والكوارك
التحتي] تُكوّن البروتونات والنترونات المعروفة، كما أنّها تكوّن مع
الإلكترونات الجدول الدوري بأكمله. أمّا الكواركات الأثقل [الكوارك
البديع (الرقية) والغريب والقمة والقاعدة] والليبتونات فهي
وإن كانت قد وجدت بكثرة في اللحظات الأولى التى تلت الانفجار الأعظم فإنها لا تنتج
الآن إلاّ في المسّرعات".[37]
فى هذا ٱلوصف لجسيدات ٱلمادة ٱلأساسية
نجد ست كواركات وست ليبتونات. أىۤ أن ٱلجسيدات ٱلأساس 12 جسيداً.
ولننظر فى النبـإ ٱلتالى:
"إِنَّ
عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّه ٱثنَا عَشَرَ شَهرًا فى كتٰبِ ٱللَّه يَومَ
خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأَرضَ مِنهاۤ أَربعة حُرَم" 36 ٱلتوبة.
ٱلعدّةُ
تشير إلى ٱلمقدار وٱلاستعداد (ٱلتهيؤ ٱلكمى).
وٱلشهر من شَهَرَ ودليله فىۤ أعلن
وأذاع وأظهر. وٱلشَّهرُ هو ٱلشىء ٱلمعلن وٱلمُذاع. وهو جزء من ٱلسنة يعرف من حركة ٱلقمر
وميول محور ٱلأرض عن ٱلشمس.
وكتاب ٱللَّه ٱلحقّ هو ٱلكون وفيه جميع
كلمات ٱلحقّ. من ٱلبداية إلى ٱلنهاية. وٱلقرءان ٱلمنزل على قلب رسوله محمد
هو كتابه ٱلذى يمثل ٱلقول ٱلعربى ٱلمبين ٱلمبلّغ عن كتابه ٱلحقّ.
وما أرـٰه فى هذا ٱلنبإ أنّ عدّة ٱلشهور.
ٱلتى تشير إلى مقدار وٱستعداد وتهيؤ للإعلان. جرى وصفهاۤ أثناۤء خلق (تصميم) ٱللَّه
للسمٰوٰت وٱلأرض وقبل تسوية هذا ٱلخلق.
وهذه
ٱلعدّة هى ٱلاثنا عشر شهراً. وهذا يطابق وصف ٱلفيزياۤء لعدد جسيدات ٱلمادة ٱلأساس.
كما يطابق عدد كتب (حروف) ٱلقول "عليها تسعة عشر".
من هذه ٱلشهور "أربعة حُرُم"
أى محمية وممتنعة. وقالت ٱلفيزياۤء عن كواركات أربعة أن ظهورها فى ٱلمسرعات يتطلب
طاقة عالية.
لهذا ٱلنبإ تأويلان:
ٱلأول:
أن ٱلشهر جزء من ٱلسنة على ٱلأرض ومنهاۤ أربعة حُرُم. ثلاثة متوالية هى ذو ٱلقعدة
وذو ٱلحجة ومحرّم. وواحد فرد وهو رجب.
وٱلتأويل
ٱلثانى: أن ٱلشهر هو ٱلجسيد ٱلمهيَّأ للدخول مع جسيدات أخرى فى تكويـن ٱلمادة بعد
أن يأتيها ٱلأمر على هيئة طاقة حفّازة.
ووجد
ٱلفيزياۤئيون أن ٱلكواركات (ٱلبديع وٱلغريب وٱلقاعدة) كانوا قد ظهروا فى ٱلمسرّعات
على ٱلتوالى وبطاقات عالية. أما ٱلكوارك ٱلرابع وهو كوارك ٱلقمة فقد تطلب ظهوره فى
ٱلمسّرع [تركيز طاقة هائلة في حيز دقيق].[38]
وأرى
فى هذا ٱلوصف ٱلفيزياۤئى ما يطابق ٱلنبأ فى ٱلقرءان. فٱلأشهر ٱلحرم فى ٱلسنة ٱلقمرية
أربعة. ثلاثة متوالية وواحد فرد.
كذلك
هو حال ظهور ٱلجسيدات فى ٱلمسّرعات. فهىۤ أربعة. ثلاثة متوالية ٱلظهور وواحد فرد.
وٱلشىء
ٱلذى يقوّى ما رأيته فى ٱلبلاغ (36 ٱلتوبة) أنّ سورة ٱلتوبة هى ٱلسورة ٱلوحيدة فى ٱلقرءان
ٱلتى لا تعلوهاۤ ءاية "بسم ٱللَّه
ٱلرحمٰن ٱلرحيم".
وأنّ
ٱلنَّبأ فى ٱلأية 36 يضم معلومة تسبق ٱلتسوية للوجود ٱلمادى.
وهذه
ٱلمعلومة تبين لى عدة ٱلجسيدات ٱلأساس (ٱلشهور) ٱلتى سيطلب إليهاۤ أن تبنى ٱلكون جميعه.
وهذا
يبين مسألة "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم" ٱلتى تتكون من 19 كتاب وٱلتى
تمثل ٱلأمر ٱلحفّاز لهذه ٱلجسيدات للبدء بتسوية مناهجها ٱلتى تكوّن ذاكرتها
وهدايتها.
وسورة
ٱلفاتحة تمثل أوّل تكوين كامل لها.
بسم
ٱلباء واسطة (حرف جر).
وٱسم
تحديد وتعليم لوجهة ٱستعمال ٱلواسطة (ٱسم مجرور).
وحسب
قواعد ٱللّغة ٱلفصحى فٱلجار وٱلمجرور متعلقان بفعلِ أمرٍ تقديره: ٱبدأ أو ٱفتتح Start.
وٱلرحمٰن
ٱسم مطلق للرّحم. وهو على وزن فعلان. وهو وزن ٱلصفات ٱلمطلقة ٱلحفّازة.
مثل شبعان وجوعان وعطشان وحيوان وموتان الخ..
فهو
ٱسم يدل على مطلق ٱلتوليد وٱلتطور.
أما
ٱلرحيم فهو ٱسم للرّحم ٱلمقيّد على وزن فعيل. وهو وزن ٱلصفات ٱلمقيّدة
وفيها دليل ٱلكبح وٱلتوقيف تدلّ عليه ٱليود ٱلحاملة لمنهاج (ٱليآء ٱلمنقوطة).
بين ٱلصفتين تناقض (مطلق ومقيّد) يبيّنه
تناقض (ٱلصف وٱلزجر) فى سورة ٱلصافات.
لقد وجدت عند ٱلفيزياۤئيين وصفًا لبنية ٱلمادّة
ٱلأساس. ولتكوّن ٱلنوى. ولعلاقة ٱلهيئة بٱلعدد ٱلسحرى ٱلمشوّه (38). وللزاوية ٱلمتعلقة
بٱلأثر ٱلذى يتركه قارب يمخر ٱلماۤء. ولقوانين ٱلهندسة ٱلمتعلقة بمسافة جسم عن عين
ناظرة إليه. وعلاقة ذلك كلّه بالعدد (19). كماۤ أنّ "ٱلتعبير ٱلمنطقى ٱلرياضى"
يقوم على علاقة حصرية للعددين 19 و29.
إلاۤ أننى لم أجد تفسيرًا لهذه ٱلعلاقة.
كماۤ أننى لم اقدم مثل هذا ٱلتفسير ٱلمطلوب. وجلّ ما قمت به هو ٱلمقابلة بين ٱلأنبآء
فى ٱلقرءان ٱلتى رأيت منها ما يوازى ٱلنبأ فى ٱلفيزياۤء وصفيًّا.
هناك تناقض فى وصف ٱلفيزياۤء للجسيدات. فهى
تقول عنها "أنها لا تنتج إلاّ في المسّرعات". فى حين أنه يجرى
تصادم جسيدى فى هذه ٱلمسرعات بطاقات عالية تدفع هذه ٱلجسيدات للتفكك كاشفة عن
محتوياتها ٱلتى "وجدت بكثرة في اللحظات الأولى التى تلت الانفجار الأعظم".[39]
ولما كنت لاۤ أناصر مسألة ٱلانفجار ٱلأعظم
وأقول أن هناك فجرًا وما زال ٱلفجر ينبع بهذه ٱلجسيدات. فإننىۤ أقول أن هذه ٱلجسيدات
ما زال تدفقها على شدّته حتى ٱليوم.
لقد جاۤء ٱلنبأ فى ٱلقرءان واصفًا لنا
هذه ٱلجسيدات:
"وٱلصَّـٰۤفّٰت
صفًّا/1/ فٱلزّٰجرٰت زجرًا/2/ فٱلتّٰليٰت ذِكرًا/3/" ٱلصَّاۤفَّات.
فٱلجسيدات
لونين (صاۤفَّات) وهى ما دلّ عليه فى ٱلقرءان بٱسم ٱلشهور ٱلـ 12. و(ٱلزاجرات) وهى
ما دلَّ عليه فى ٱلقرءان بٱلعدد "عليها تسعة عشر".
لقد قسم ٱلفيزياۤئيون ٱلجسيدات إلى لونين
أصليين:
ٱلأول
ٱلفيرميونات[40]
Fermions (ٱلليبتونات وٱلكواركات) وعددها 12
جسيداً. وهذا يقابله فى ٱلقرءان ٱسم ٱلشهور وهى (ٱلصافات).
وٱلثانى ٱلبوزونات Bosons
وهى جسيدات وسيطة قوى ٱلتفاعل وعددها 18.[41]
يقابلها فى ٱلقرءان ٱسم (ٱلزاجرات). وأجد فى ٱلبوزونات ٱلثمانية عشر أنها تنقص
بوزونًا حتى تكون مطابقة لعدد ٱلقوى فى ٱلقرءان "عليها تسعة عشر".
وهو ما تمثله ءاية "بسم ٱللَّه ٱلرحمن ٱلرحيم" ٱلأمر ٱلحفّاز
للصافات من أجل ٱلترابط. وٱلصافات ٱلـ 12 تبقى من دون أىّ علاقة ترابط حتى يأتيها ٱلأمر
ٱلحفّاز على هيئة طاقة من ٱلخارج. وهو ما تقوم به ٱلزاجرات ٱلـ 19. وهذا هو حال كل
ٱلتفاعلات حيث تبقى فى وضع ٱلعطالة حتى تأتيها طاقة حفّازة من ٱلخارج.
يقول ديتفورث معللا ٱلعطالة ٱلتفاعلية
:
[لو
كان الصدأ ينخر الحديد خلال ثوانٍ وكان الأوكسجين يتحد مع الهدروجين فى كل الأحوال
وبدون مدِّهما بالطاقة، ولو كانت العناصر الكيميائية والجزيئات الموجودة
تتفاعل مع بعضها البعض في كل لحظة بدون أية عوائق، لعمّت سطح الأرض الفوضى
الكيميائية الشاملة". "على العكس من ذلك لو سيطر الخمول التفاعلي
الكامل، أي لو تألف العالم من "العناصر الكريمة" فقط
لكان عالماً لا يخضع للتغيرات ولا يمتلك القدرة على التطور]. [42]
وأجد
ٱسم (ٱلرحمٰن) هو ٱلمتحكم فى جميع ٱلتكوينات ٱلمادية ٱلحيّة من ٱلبداية إلى ٱلنهاية.
وهو ما بينه ٱلبلاغ:
"ٱلرَّحمٰن
على ٱٰلعرشِ ٱستَوَى" 5 طه.
هذا
ٱلاستواۤء حصرى لاسم ٱلرحمٰن. ولا يشاركه ٱسم أخر فى ذلك. وهو يمثل ٱلأمر ٱلطاقى
ذاته "تسعة عشر". فى حين يمثل ٱسم ٱلرحيم سمة ٱلعطالة ٱلتفاعلية
فى ٱلصافات.
وفى
ٱلأمر ٱلتالى يبين لناۤ أن ٱللَّه يملك وحده ٱلأسمآء ٱلحسنى. وهىۤ أسمآء مواصفات ٱلخلق
وٱلصنع وٱلإتقان وٱلجمال ٱلكاملة ٱلجيدة. وهى صفات خَلقه وصُنعه وحده:
"قُلِ
ٱدعُواْ ٱللَّه أَوِ ٱدعُواْ ٱلرَّحمٰنَ أيًّا ما تدعُواْ فَلَهُ ٱلأَسمَاۤءُ ٱلحُسنَى"
110 ٱلاسراۤء.
دعوَ
بٱلشىء دعوًا ودعوةً ودعاۤءً ودعوى. طلب ٱحضاره وٱحتاج إليه وٱستعان به "رغب
إليه".[43]
ووجهة
ٱلإنسان فى ٱلحياة كيفما كانت أمامه ٱللَّه من خلال سمات فعله فى ٱلوجود بكل ألوانه.
فهو ٱلرحمٰن لمن يبحث فى علوم ٱلنشوء وٱلتطور ٱلحىّ. وهو ٱلحى ٱلقيوم لمن يبحث فى
علوم ٱلحياة وٱلموت. وهو ٱلكبير ٱلمتعال لمن يفكر فى ٱلسلطة وٱلتكبّر وٱلعظمة. وهو
ٱلملك ٱلحق لمن يفكر ويبحث عن ٱلملك وٱلتسلط الخ.. ويبيّن ذلك ٱلبلاغ:
"فَأَينَما
تُوَلُّواْ فَثَمَّ وجهُ ٱللَّه" 115 ٱلبقرة.
وعليه فإن توجهات ٱلبحث ٱلعلمى يجب أن
تنطلق فى وجهة ٱلسمة ٱلحسنى ٱلمناسبة لمسألة ٱلبحث علىۤ أنها سمة ٱلفعل ٱلإلهى.
وٱلإنسان ٱلباحث عندما يؤمن بوحدانية ٱلخالق
يستطيع أن يدعوه بٱلأسماۤء ٱلحسنى لأنها تمثل سمات أفعاله وصنعه.
وعليه أن يعلم أنه لا يستطيع أن يبلغ
هذه ٱلسمات. وكل من يحاول أن يتخذ لنفسه ولما يصنعه هذه ٱلسمات يوقع فى ظلم نفسه
وظلم ٱلمكان (ٱلبيئة) وظلم ٱلناس.
وإذا عدناۤ إلى سورة ٱلفاتحة ٱلتى
تحتوى على ست ءايات تعلوهاۤ ءاية "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم" وهى
معها فى وحدة ٱلسورة. ووازنا سورة ٱلفاتحة بسورة ٱلهدروجين (وهى
سورة ٱلمآء ومنها كلّ شىء حىّ) ٱلتى تتكون من بروتون أساسه ٱلجسيدى ثلاثة كواركات
وثلاثة بوزونات. فإنّ هذه ٱلكواركات وٱلبوزونات ٱلستّ كل
منها يقابل ءاية فى سورة ٱلفاتحة ٱلتى يعلوها ٱلأمر ٱلحفّاز "بسم ٱللَّه
ٱلرحمٰن ٱلرحيم".
وأرى
فى سورة ٱلهدروجين أنّ "ٱلإلكترون" هو ٱلذى يقابل الأمر
الحفّاز "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم". وأنّ "ٱلإلكترون"
هو ٱلذى قالت عنه ٱلفيزيـاۤء "إنه جسيم أساسي على ما يبدو".[44]
إلاۤ
أننى تعترضنى صعوبة فى مقارنة "ٱلإلكترون" بٱلأمر ٱلحفّاز "بسم
ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم" لأن ٱلأمر مكون من 19 كتاب. وحتى يكون "ٱلإلكترون"
هو ٱلمقابل للأمر "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم" يجب أن يكون مكونًا
من 19 جسيد من لون ٱلبوزونات (وسيطة قوى ٱلتفاعل). أوۤ أن يكون ٱلبوزون
ٱلتاسع عشر ٱلذىۤ أشرت إلى نقصه سابقًا.
وهنا
تعترضنى كذلك مسألة جديدة تتعلق بعدد ٱلجسيدات ٱلأساس وخصوصًا ٱلليبتونات ٱلتى
يصنّـف ٱلإلكترون علىۤ أنه منها.
وٱلذى
يجعلنى أثير هذه ٱلمسألة أن ٱلفيزياۤء لم تقطع فى وصفها لـ ٱلإلكترون فى
قولها عنه "أنه جسيم أساسي على ما يبدو". وأنها وجدت أنّ عدد ٱلكواركات
هو 12 (ستة وستة مضادة). أو ستة ذكور وستة إناث. وهذه ٱلكواركات بلونيها هى
ٱلتىۤ أرىۤ أنها عدّة ٱلشهور كما بين بلاغ ٱلقرءان وليس كما تقول ٱلفيزيآء ٱلليبتونات
وٱلفيرميونات.
وما يقوّىۤ إثارتى لذلك أن ٱللَّه أنبأ
أن ٱلجسيدات ٱلأساس (ٱلشهور) عددها 12 "ٱثنَا عَشَرَ شَهرًا".
وأن عدد ٱلقوى وسيطة ٱلتفاعل عددها 19 "عليها تسعة عشر".
من هذه ٱلمقابلة بين ٱسم ٱلعدّة وٱلقوى
فى ٱلقرءان وفى ٱلفيزياۤء أجد أن ٱلاختلاف بينهما قاۤئم فى ٱلِّسان ٱلمبلِّغ. وٱلسبب
أن قوم ٱلرسول "ٱتخذواْ هذا ٱلقرءانَ مهجورًا".
وأرىۤ أنّ ٱلنّفع ٱلحاصل من هذه ٱلمقابلة
هو فى متابعة ٱلتوجه للنظر فى كتاب ٱللَّه ٱلكونى وتوجيه ٱلأمر فيه بنور ٱلبلاغ فى
ٱلقرءان.
وفى عودتناۤ إلى سورة ٱلفاتحة
تبين لناۤ أنهاۤ أول سورة فى ٱلوجود نجمت عن ترابط ٱلجسيدات ٱلـ 12 وكانت هى
ٱلسُّورة ٱلتى تمثل (ٱلشفع وٱلوتر) وهى ما تمثله سورة ٱلهدروجين فى ٱلفيزياۤء.
وإذا عدنا إلى دليل كلمة ذرة فى ٱلألسن
ٱلشامية نجد أنه أصل يدل على ٱلنثر وٱلبذر وٱلنسل!.
وسورة
ٱلفاتحة ٱلتى تمثل (ٱلشفع وٱلوتر) هى ٱلبذرة ٱلأولى لجميع ٱلتكوينات ٱلحيّة
ٱللاحقة على بنآء ٱلسُّورة ٱلأولى.
إذا كانت ٱلسُّورة أو حتى ٱلأجزآء
ٱلتى تتكون منها (ٱلبروتون أو ٱلكترون) لا تحتوى هذه ٱلجسيدات فمن
أين جاۤءت ٱلجسيدات داخل ٱلمسّرعات؟
ٱلجسيدات ٱلأساس "ٱثنَا عَشَرَ".
وهى ٱلتى تمثل ٱلعدّة ٱلكاملة للوجود ٱلمادى. وهى ٱلتى جآء ٱسمها فى ٱلقرءان "ٱثنَا
عَشَرَ شَهرًا" وأفعالها هى "ٱلصافات". وهى موجودة حرة
طليقة عند ٱلفجر. وأن تفعيل ذاكرتها (ٱلهداية) يلزمه حفز تقوم به "ٱلزاجرات"
ٱلـ "تسعة عشر".
وبتفعيل
ٱلذاكرة تقوم ٱلصافات بٱلترابط حتى تصبح غير موجودة للناظر إلاّ فى مكانين:
ٱلفجر.
وفى
ٱلمسّرعات.
وهذا
خو ٱلاأمر ٱلمنطقى. لأنها لو كانت حرّة فى كل مكان لما وُجدنا نحن لنقوم بٱلنظر
إليها.
وفى
ٱختفاۤئها عبر ٱلترابط تكوّنت ٱلسُّورة وٱلجزيئات وٱلكواكب ومنهاۤ أرضنا ٱلتى
نبتنا منها.
وأستطيع ٱلقول أن ٱلسُّوَر (ٱلعناصر) ٱلواردة
فى تصنيف ٱلسُّوَر (ٱلجدول ٱلدورى) تتكون جميعها من ٱلسُّورة ٱلأولى (ٱلفاتحة) وهى
ليست فى ٱلأصل إلا جزيئات. وأن (ٱلفاتحة) هى ٱلسُّورة ٱلوحيدة فى ٱلوجود ٱلتى تكوّن
منها ٱلوجود ٱلظاهر جميعه.
إنّ أسماۤء ٱلسُّوَر فى ٱلقرءان مثلها
مثل ٱلأسماۤء ٱلأخرى هى كلمات شامية ٱلِّسان عربية ٱلبيان. فٱلسورة ٱلتى تلى ٱلفاتحة
فى تسلسل ٱلقرءان تحمل ٱسم (ٱلبقرة) ٱلذى يشير إلى ٱلتوسع وٱلإكثار وٱلإفاضة.
فٱلفاتحة بعد تكونها من (شفع ووتر) ومن ٱستمرار
فعل ٱلأمر ٱلحفّاز تبدأ أفعال ترابط جديدة بين ٱلسُّور ٱلأولى فتتكوّن (286) ءاية
(رابطة جزيئية). وهو ما تمثله سورة ٱلبقرة. وهذه ٱلروابط ٱلجديدة يجرى
تحفيزها هى ٱلأخرى فتتكوّن (200) ءاية (رابطة جزيئية) وهو ما تمثله ٱلسورة ٱلثالثة
ءال عمرٰن. ٱلتى يشير ٱسمها إلى سلسلة ٱلبناۤء وٱلتحكم فيه.
ثم يأتى دور ٱلسُّورة ٱلرابعة ٱلنساۤء.
وفيها دليل ٱلاستمهال وٱنتظار فعاليات ٱلتطور فى ٱلبناۤء وٱلتباعد فى ٱلألوان.
وعدد روابطها (176) ءاية.
ثم يبدأ تكوين ٱلسُّورة ٱلخامسة ٱلماۤئدة
ٱلتى تمثل ٱلحركة وٱلاضطراب ٱلجيولوجى ٱلذى ينشأ عنه ٱلميدان وطبقات ٱلأرض
وءاياتها (120).
ثم يأتى دور ٱلسُّورة ٱلسادسة ٱلأنعام
ٱلذى يشير ٱسمهاۤ إلى ٱلنضارة وٱلليونة وٱلمادة ٱلحيّة وعدد ءاياتها (165).
وهناۤ أجد تفسيرًا للأيام ٱلستة ٱلتى
بدأ بعدها ٱلتطور ٱلكبير فى ٱلمادة ٱلحيّة. وعن ذلك جاۤء فى ٱلبلاغ:
"قُل
أَئِنَّكُم لَتَكفُرُونَ بٱلَّذى خَلَقَ ٱلأَرضَ فى يومينِ وتَجعَلُونَ لهُ أَندادًا
ذَلِكَ ربُّ ٱلعٰلمينَ/9/ وجَعَلَ فيها رواسِىَ مِن فَوقِهَا وبٰركَ فِيها
وقَدَّرَ فِيهاۤ أَقواتَها فىۤ أَربعةِ أَيَّامٍ سَوَاۤءً للسَّـٰئلينَ/10/ ثُمَّ
ٱستَوَىۤ إلى ٱلسَّماۤءِ وهِىَ دُخَان فَقَالَ لها ولِلأَرضِ ٱئتِيا طَوعًا أو
كَرهًا قالَتَا أَتينا طائِعِينَ/11/"
فُصّلت.
وأرى ٱلأرض فى هذا ٱلنبإ وٱضطراباتها ٱلجيولوجية
ومنها ٱلبراكين ٱلتى كونت غلافًا دخانيًا حولها. وٱليوم عندنا 24 ساعة وعند ٱللَّه
يكيّل بمكيال نسبى هو ألف سنة فيما يتعلق بتدبير ٱلأمر:
"يُدَبّرُ
ٱلأَمرَ مِنَ ٱلسَّماۤءِ إلى ٱلأَرضِ ثُمَّ يَعرُجُ إِليهِ فى يومٍ كانَ مِقدَارُه
أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ" 5 ٱلسجدة.
وخمسين
ألف سنة فى ٱلمنعطفات ٱلحادة (ٱلزلازل وٱلهزات):
"تَعرُجُ
ٱلمَلـٰۤئِكَةُ وٱلرُّوحُ إِليهِ فى يَومٍ كَانَ مِقدارُهُ خمسينَ أَلفَ سَنَةٍ"
4 ٱلمعارج.
فٱلأيام
ٱلستـة قد يكون ٱليوم منها مليون سنة أو مليار سنة كما هو حساب ٱلسنين ٱلضوئية.
وأرى فى ٱلنبـإِ أنّ ٱلمادة ٱلحيّة بدأت
أفعالا جديدة منها فصل ٱلأوكسجين وإطلاقه دخانًًا فى ٱلجو. فقد جاۤء فى ٱلبلاغ:
"فَقَضٰهُنَّ
سَبعَ سَمٰوٰتٍ فى يَومينِ وأَوحَى فى كُلّ سَماۤءٍ أمرَها وزيَّنَّا ٱلسَّماۤءَ ٱلدُّنيا
بمصٰبيحَ وحِفظًا ذلك تقدِيرُ ٱلعزيزِ ٱلعليمِ" 12 فُصّلت.
وفى
هذا ٱلبلاغ أنّ قميص ٱلأرض (غلافها ٱلجوى) قد كمل. وأنّ ٱلأيام ٱلستة قد ٱنتهت.
ثم يأتى دور ٱلسورة ٱلسابعة ٱلأعراف.
ٱلذى يشير أسمهاۤ إلى ٱلملامح وتحـديد ألوان ٱلأشياۤء وميزاتها وعلامات فيها. مثل ٱللون
وٱلراۤئحة وفعل ٱلحس ٱلحىّ وءاياتها (206).
ثم يأتى دور ٱلسورة ٱلثامنة ٱلأنفال
ٱلذى يشير أسمهاۤ إلى ٱلعطاۤء وٱلزيادة وٱلكسب وءاياتها (75).
وبين ٱلسورة ٱلسادسة وٱلثامنة يومان
تكونت فيهما ٱلسماۤء ٱلدنيّا بفعل ٱلمادة ٱلحيّة.
ٱلأمر "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم"
يعلو ٱلسُّوَر ٱلثمانية من ٱلفاتحة حتى ٱلأنفال. وهذا يدلّ أنّ أحداث ٱلتكوين جرت
وفق سمة ٱلرحمٰن ٱلحفّازة وٱلمتحكمة بجميع فعاليات ٱلتكوين وٱلتطور ٱلحىّ.
أمّا ٱلارتقاۤء بفعل ٱلحسّ إلى مرتبة ٱلروح
فليس من سلطة سمة ٱلرحمٰن ٱلذى وصل بٱلمادة ٱلحيّة إلى طور ٱلحسّ. وأنّ ٱلارتقاۤء
بٱلحسِّ إلى ٱلإدراك وٱلعقل يحتاج إلى تدخل ٱللَّه وهو ٱسم لنور ٱلسّمٰوٰت وٱلأرض.
وهذا ما يبينه ٱلبلاغ:
"وَنَفَختُ
فِيهِ مِن رُوحى" 72 ص.
فٱلارتقاۤء
بٱلحسّ إلى طور ٱلادراك وٱلعقل جرى بإدخال منهاج من ٱللَّه إلى ٱلذاكرة ٱلرحمانية.
وهذا من خارج سلم ٱلتطور ٱلرحمانى. ولا يمكن بلوغه من دون هذا ٱلتدخل ٱلإلٰهى وٱلذى
يمكن للإنسان ٱلصالح أن يفعله لاحقًا.[45]
وعندما نوصل إلى ٱلسورة ٱلتاسعة ٱلتوبة.
ٱلتى يشير ٱسمهاۤ إلى ٱلطاعة وٱلتحكم بٱلسلوك بقوّة وعى وموقف حرّ يتولد عن فعل ٱلرّوح.
لا نجد ٱلأمر ٱلحفّاز "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم" يعلو هذه ٱلسورة.
كما نجد أن ما تحتويه ٱلسورة لا يمثل
أنبآء رحمانية. بل هناك تعليمات عن ٱلمعاهدات وٱلقتال وإخلاۤء سبيل من تاب ودرجات ٱلمؤمنين
وفوزهم ومنع ٱتخاذ ٱلأباۤء ٱلكافرين أولياۤء الخ..
وكل ذلك ليس من سمات ٱلتوالد وٱلتطور ٱلمادى.
وجميعها تمثل معلومات للتحكم فىۤ أفعال وأعمال وعلاقات ٱلإنسان. ونجد فى هذه ٱلسورة
أن ٱلأية (36) ٱلمتعلقة بعدّة ٱلشهور لا تخبرنا عن تكوين أو تطور ولكنها تقدم لنا
معلومات عن عدّة ٱلجسيدات ٱلأساس (ٱلشهور) قبل جرى ٱلتسوية ٱلرحمانية وٱلتى يلزمها
عند ٱلبدء بٱلتسوية ٱلأمر ٱلحفّاز "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم".
كما نجد فىۤ أخر هذه ٱلسورة ءاية مكيّة
جاۤء فيها:
"فإن
تَوَلَّواْ فَقُل حَسبىَ ٱللَّه لاۤ إلَٰهَ إلاَّ هُوَ عليهِ توكَّلتُ وهُوَ ربُّ ٱلعرشِ
ٱلعظيم" 129 ٱلتوبة.
"رَبُّ
ٱلعرشِ ٱلعظيمِ" هو صاحب ٱلأمر ٱلكبير ٱلفاخر وهو ما يمثله ٱلأمر
بٱلروح. وهو وصف يفرق عما جآء فى بلاغ أخر:
"فَتَعٰلى
ٱللَّه ٱلمَلِكُ ٱلحَقُّ لاۤ إلٰهَ إلاّ هو ربُّ ٱلعرشِ ٱلكريم" 116 ٱلمؤمنون.
فـ
"ربُّ ٱلعرش ٱلكريم" هو صاحب ٱلأمر ٱلتامّ ٱلسوىّ ٱلذى لا نقص
ولا زيادة فيه. وهو ما يدلّ عليه ٱسم كريم. وهو ٱلذى يمثله "بسم ٱللَّه
ٱلرحمٰن ٱلرحيم" وفيه سلطة ٱسم ٱلرحمٰن.
فى ٱلبلاغ (116 المؤمنون) نبأ عن ٱلمالك
وٱلسيد ٱلحقّ لصاحب ٱلأمر ٱلتام ٱلذى هو ٱللَّه. سواۤء أعَقَلَ ٱلناس ذلك أم لم
يعقلوه.
وفى ٱلبلاغ (129 ٱلتوبة) إقرار عاقل
مؤمن يتوجه إلى ٱللَّه عن وعى وإرادة.
ولوۤ
أن "ونفخت فيه من روحى" كانت من سلطة ٱلرحمٰن لوجدنا ٱلكثير من ٱلكاۤئنات
ٱلحية ٱلراقية ٱلنشأة بل جميعها قد وصلت بتطورها ٱلذاتى ٱلرحمانى إلى ٱلروح وٱلأنسنة.
إن سور ٱلقرءان 114 سورة. وسورة ٱلتوبة
وحدها من بين هذا ٱلعدد لا تعلوهاۤ ءاية "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم".
وٱسم ٱلرحمٰن يفعل فى ٱلوجود ٱلحىّ من عدّته إلى نهاية ٱلتكوين بٱستثناۤء "ونفخت
فيه من روحى". لأن سلطة ٱسم ٱلرحمٰن قاۤئمة فى كلمات ٱللَّه ٱلحية ٱلتى
لا مبدل لها وفعلها فيها هو عين ٱلتشيؤ ٱلوجودى ٱلحىّ.
وأورد أمثلة عن ٱلتدخل ٱلمباشر للَّه:
"إذ
يُوحِى ربُّكَ إلى ٱلملـٰۤئِكَةِ أَنّى معكُم فَثَبِّتُواْ ٱلَّذين ءَامنواْ
سَأُلقى فى قُلُوبِ ٱلَّذينَ كفرواْ ٱلرُّعبَ فٱضرِبواْ فَوقَ ٱلأَعناق وٱضربواْ
مِنهُم كُلَّ بَنَانٍ" 12 ٱلأنفال.
"فلم
تَقتُلُوهُم ولٰكنَّ ٱللَّه قَتَلَهُم وما رَمَيتَ إذ رَمَيتَ ولٰكنَّ ٱللَّه
رَمَى" 17 ٱلأنفال.
فى ٱلبلاغين نبأ عن تدخل مباشر من قبل ٱللَّه
فى ٱلقتال لصالح ٱلمؤمنين. وفيه كشف عن وسيلة ٱلتدخل بواسطة ٱلملاۤئكة. وهذا يبين
لنـا وسيلة تدخله بٱلنسبة لـ "ونفخت فيه من روحى".
وقبل نهاية ٱلمقال أريد أن أذكّـر ببعض
ما جآء من إحصآء عند ٱلدكتور محمد رشاد خليفة يتعلق بٱلعدد 19:
عدد
كتب (حروف) "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم" 19.
عدد
سور ٱلقرءان 114 = 6×19.
تكررت
ءاية "بسم ٱللَّه ٱلرحمٰن ٱلرحيم" 114 مرّة 6×19 (ٱثنتان فى سورة
ٱلنحل).
وردت
كلمة ٱلدنيا 114 مرة.
وردت
كلمة ٱلأخرة 114 مرة.
وردت
كلمة ٱلصّراط 38 =19×2.
وردت
كلمة ٱللَّه 2698 = 142×19.
وردت
كلمة رب 152 = 19×8.
وردت
كلمة ٱلحقّ 228 = 12×19. وهو جميع ٱلحقّ فى ٱلتكوين 12 شهرًا وعليها تسعة عشر).
وردت
عبارة عمل صالحًا 19 مرة. [46]
كلمة أخيرة
كان ٱلدافع وراۤء هذا ٱلتناول لدليل ٱسم
بعض سور ٱلقرءان للتذكير بمفهوم ٱلكلمة (ٱلمصطلح) فى ٱلقرءان. وقد رأيت فى كلامه
ما يمثل مصطلحًا حقًّا فى ٱلعلم بلسان عربىّ.
وقد ٱرتبط هذا ٱلدافع بمسألة ٱلبحث عن ٱلنشأة
ٱلأولى وٱلعلم بها كما جآءنا به ٱلبلاغ من اللَّه.
وما كان هذا ٱلدافع ليتحقق إلاّ مـن ٱلأفعال
ٱلجارية فى ٱلبحث ٱلعلمى ٱلذىۤ أرىۤ أنّه يمثل طاعة للأمر ٱلإلٰهى "قل
سيرواْ فى ٱلأرض فٱنظرواْ كيف بدأ ٱلخلق".
وما مقابلتى وعقلى بين بلاغ ٱلقرءان وبلاغ
ٱلفيزياۤء وتسليطى ٱلنور على ٱلعدد 19 ومعه ٱلعدد 29 فى ٱلمكانين إلاّ لغاية إثارة
ٱلبحث وتسليط ٱلنور على هذين ٱلعددين وعلاقتهما بٱلنشأة ٱلأولى. وهى ٱلتى
تناولناها فى بحث ٱلنشأة ٱلأولى فى هذا ٱلكتاب.
هذا من وجهة.
أما ٱلوجهة ٱلثانية فلغاية إسقاط ٱلنظرة
ٱلخرافية ٱلساۤئدة فى عقول ٱلباحثين عن كتاب ٱللَّه.
وأقول عن نفسى فى نهاية هذا ٱلكتاب أننى
لاۤ أدّعىۤ أن ما عرضته هو ٱلفهم ٱلنهاۤئى لكتاب ٱللَّه. بل هو محاولة قد تتكرر
إذا شاۤء ٱللَّه.
وأجد أنه من حقّىۤ أن أقول من دون أن
أطلب من أحدٍ ٱلإتباع.
كذلك لست أدّعى لنفسى ٱلعلم ٱلفيزياۤئى
أو ٱلبيولوجى أو ٱلكوسمولوجى ٱلذى ظهر بعضه فى بحوث هذا ٱلكتاب. وأرجو أن يكون ما
ظهر منه لا يخالف ما جاۤء فى هذه ٱلعلوم.
لقد كانت موازنتى بين ما كشف عنه ٱلعلم ٱلإنسانى
فى ٱلوجود مع ءايات ٱلكتاب تنطلق من إيمانىۤ أن ٱللَّه عليم وأن كتابه يجب أن يحتوى
جميع ٱلعلم. وأن ٱكتشافات ٱلعلماۤء محدودة بٱلعلم فى كتاب ٱللَّه ٱلذىۤ أنبأنا عن مقداره:
"وَمَاۤ
أُوتِيتُم مِنَ ٱلعِلمِ إلاّ قليلا" 85 ٱلاسراۤء.
وأن
ٱكتشافات ٱلعلماۤء هى تأويل للنبـإِ ٱلتالى:
"وَلَتَعلَمُنَّ
نَبَأَهُ بَعدَ حينٍ" 88 ص.
وماۤ
أمر ٱللَّه لنا:
"قُل
سِيرواْ فى ٱلأَرضِ فٱنظُرواْ كيفَ بَدأ ٱلخَلقَ"20 ٱلعنكبوت.
إلاّ
هداية لناۤ إلى ٱللَّه ٱلعليم بوسيلة ما نكتشفه من سنن "كيف بدأ ٱلخلق"
وموازنته مع بلاغه لنعلم أن ٱللَّه عليم وأنه هو ٱلذى خلق هذا ٱلذى نكتشفه ونحن
منه كما يبين ٱلبلاغ:
"وٱللَّه
خَلَقَكُم وما تَعمَلُونَ" 96 لصافات.
تمَّ هذا ٱلكتاب يوم ٱلأحد 14-3-1999.
ٱللاذقية سمير حسن
مضموم ٱلكتاب
ٱلإهدآء 3
كلمة
أولى 5
مدخل
إلى ٱلبحث 7
ٱلاستنساخ 23
كسب
ٱلمعلومات 49
يوسف
وإخوته 61
ٱلنّشأة
ٱلأولى 75
ٱلعدد
19 يستحقّ ٱلاهتمام 119
كلمة
أخيرة
149
[1]ـ
إن ٱلفطور وكماة ٱلرعد ليست بذورًا. إنهاۤ أحماض أمينية وسكر وبورفين (أساس ٱليخضور).
حرّض ٱلبرق وٱلرعد على تكوينها من أسس ٱلطين. وما زال هذا ٱلفعل ٱلفيزياۤئى يعمل فى
ٱلطبيعة حتى ٱليوم.
* - زعيم سوفياتي خلف ستالين.
[27]
- عن كتاب: إنذار من السماء تأليف نيازي عز الدين ص 313 وما بعدها للمزيد من ٱلتفاصيل
يرجى ٱلمراجعة.
[28]
- "إن لهذه الفواتح مراداً معلوماً ومعنىً يمكن الوصول إليه بالنظر والبحث.
وهو المروي عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب وجمع كثير من الصحابة" الجامع
لأحكام القرءان 1/155. وانظر شكل القرءان لابن قنية: 63،64 عن كتاب من روائع
القرءان تأليف د.محمد سعيد رمضان البوطي.
[34]
- للمفسرين ثلاث آراء في البسملة، الأول أنها آية في الفاتحة وبذلك تكون الفاتحة
سبع آيات والثاني أنها ليست آية في سورة بما في ذلك الفاتحة، والثالث يقول أنها
آية في كل سورة ( ابن كثير – تفسير القرءان
العظيم ) .