حـكــم جنائي في مجال حقوق الانسان
بالجلسة المنعقدة علناً بمحكمة جنوب شرق الأمانة الابتدائية في يوم
الأحد الثالث من شهر ذي القعدة سنة 1429هـ، الموافق للثاني من شهر نوفمبر سنة 2008م.
برئاسة القاضي / خالد أحمد محمد الشريف القاضي الجزائي
حيثيات الحكم ومنطوقه:
وحيث إن المتهمين قد أقروا في تحقيقات النيابة العامة، وأمام المحكمة
بأنهم: دخلوا أراضي الجمهورية اليمنية، بطريق التهريب، متسللين إليها عبر البحر،
وكانت إقراراتهم تفيد ثبوت الواقعة المنسوبة إليهم، واطمأنت المحكمة إلى صحة
إقراراتهم، وكانوا قد عجزوا عن بيان وإثبات الطريقة المشروعة لدخولهم، فقد ثبت في
يقين المحكمة بذلك أن المتهمين قد دخلوا أراضي الجمهورية اليمنية بطريقة غير
مشروعة، متسللين إليها عبر البحر، دون أن يكونوا حاصلين على إذن بالدخول من الجهة
المختصة، مخالفين بذلك حكم المادة (3) من
القرار الجمهوري بالقانون رقم (47) لسنة 1991م، بشأن دخول وإقامة الأجانب، التي
تنص على أنه: " لا يجوز لأجنبي دخول أراضي الجمهورية إلا إذا كان حاصلاً على
جواز سفر ساري المفعول صادراً من السلطة المختصة ببلده أو يحمل وثيقة تقوم مقامه
من تلك السلطة وتخول حاملها حق العودة إلى بلده، ويجب التأشير على الجواز أو
الوثيقة بالإذن بالدخول، وتصدر تأشيرة الدخول على الجوازات من رئاسة المصلحة أو
أية هيئة تخولها حكومة الجمهورية لهذا الغرض". وبالتالي فاللازم إدانتهم
عملاً بالمادة ( 376) من القرار الجمهوري بالقانون رقم ( 13) لسنة 1994م، بشأن
الإجراءات الجزائية، ومعاقبتهم عملاً بالمادة (46) من القرار الجمهوري بالقانون
رقم (47) لسنة 1991م، بشأن دخول وإقامة الأجانب، التي تنص على أنه: " يعاقب
الأجنبي الذي يتمكن من الدخول بطريقة غير مشروعة بالحبس لمدة لا تزيد عن سنة فضلاً
عن إخراجه ".
وحيث إن المادة (38 /4) من القرار الجمهوري بالقانون رقم 47 لسنة
1991م، بشأن دخول وإقامة الأجانب، تقرر عدم سريان أحكام قانون دخول وإقامة الأجانب
على المعفين بموجب اتفاقيات دولية تكون الجمهورية طرفاً فيها، وذلك في حدود تلك
الاتفاقيات، ولما كانت الجمهورية اليمنية طرفاً في اتفاقية جنيف لعام 1951م الخاصة
بوضع اللاجئين، وفي البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين الذي أقره المجلس الاقتصادي
والاجتماعي للأمم المتحدة عام 1966م, وملزمة بأحكامهما، فإن المادة (31) من
اتفاقية جنيف تنص بشأن اللاجئين الموجودين بصورة غير مشروعة في بلد الملجأ، أنه:
" تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائية بسبب دخولهم أو وجودهم غير
القانوني على اللاجئين الذين يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه دون إذن قادمين مباشرة
من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريتهم مهددة بالمعنى المقصود في المادة (1) ، شريطة
أن يقدموا أنفسهم إلى السلطات دون إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو
وجودهم غير القانوني" ، فحدود الإعفاء وامتناع فرض العقوبة الجزائية وفقاً
للمادة المذكورة مشروط بأن يقدم من تتوافر فيه مبررات اللجوء نفسه إلى السلطات
اليمنية دون إبطاء، وأن يبرهن على وجاهة أسباب دخوله أو وجوده غير القانوني، ولما
كان المتهمون وفقاً لما هو ثابت في أوراق القضية لم يقدموا أنفسهم إلى السلطات
اليمنية فور دخولهم أراضي الجمهورية اليمنية، حتى تم القبض عليهم في 14/ 10/
2008م، وفقاً للثابت بأقوالهم وبمحضر الضبط المحرر بتاريخ يوم القبض عليهم؛ فلم يتحقق
بذلك شرط الإعفاء الذي اشترطته المادة المذكورة، وبالتالي فهم خاضعون لأحكام
القانون رقم (47) لسنة 91م بشان دخول وإقامة الأجانب، ومن ثم لا يمتنع تطبيق
العقوبة الجزائية المنصوص عليها في المادة(46) منه، وهي الحبس والإخراج من أراضي
الجمهورية.
وإن كان الحبس كعقوبة أمر يمكن الحكم به على المتهمين، إلا أنه نظراً
لظروف الحرب والأوضاع السياسية المتوترة والمعيشية غير الآمنة التي تعانيها
الصومال، فإن المحكمة ترى أنه لا يكون من العدل - مع تلك الظروف والأوضاع - إخراج
المتهمين وإعادتهم إلى دولتهم؛ لما قد يلحق بهم من أذىً في أنفسهم أو حرياتهم،
ولما فيه من تعريض حياتهم وسلامتهم للخطر، ولما كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/ كانون
الأول/ ديسمبر 1948م، يقرر في المادة (14/ فقرة1) منه أنه :" لكل فرد حق
التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصاً من الاضطهاد "، وكان المتهمون
قد طلبوا منحهم فرصة لطلب اللجوء، وكانت المحكمة ترى إمكانية توافر معايير اللجوء
في المتهمين، وانطباق صفة اللاجئ عليهم وفقاً لتعريف اللاجئ الوارد في المادة
الأولى من اتفاقية جنيف لعام 1951م الخاصة بوضع اللاجئين، والمادة الأولى من
البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين لعام 1966م الذي قرر شمول تطبيق اتفاقية جنيف على
حالات اللجوء التي لم تشملها الاتفاقية، وكان النظام الأساسي لمفوضية الأمم
المتحدة لشئون اللاجئين الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها
428(د-5) المؤرخ في 14 كانون
الأول/ ديسمبر 1950م، يقرر في الفصل الأول منه - فقرة1- :" أن يتولى مفوض
الأمم المتحدة السامي لشئون اللاجئين تحت سلطة الجمعية العامة مهمة تأمين حماية
دولية تحت رعاية الأمم المتحدة للاجئين الذين تشملهم أحكام هذا النظام
......"، ولما كانت الجمهورية اليمنية بصفتها دولة متعاقدة في اتفاقية جنيف،
وطرفاً في البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين، قد تعهدت بمقتضى المادة (35/ 1) من
الاتفاقية، والمادة (2/ 1) من البروتوكول، بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشئون
اللاجئين أو أية مؤسسة أخرى تابعة للأمم المتحدة قد تخلفها، في ممارسة وظائفها،
وعلى وجه الخصوص تسهيل مهمتها في الإشراف على تطبيق أحكام اتفاقية جنيف
والبروتوكول الخاصين بوضع اللاجئين؛ فإن المحكمة إيماناً منها بحق الإنسان في أن
يحيى حياة كريمة آمنة، واحتراماً لحق المتهمين في أن يلتمسوا ملجأً لهما في اليمن
خلاصاً من الاضطهاد، وفقاً لما قرره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتعزيزاً
واستكمالاً لجهود الجمهورية اليمنية، وإسهاماتها الدائمة ودورها في تعزيز وتقدم
حركة العمل الإنساني على الصعيد الدولي، وتحقيقاً للتعاون المنشود بين الجمهورية
اليمنية ومفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في ممارسة وظائفها، وتسهيلاً
لمهمتها في الإشراف على تطبيق أحكام اتفاقية جنيف، والبروتوكول الخاص بوضع
اللاجئين، تقرر منح المتهمين مهلة معقولة يلتمسون خلالها قبولهم كلاجئين، بتقديم
طلب اللجوء إلى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في صنعاء، مع
احتفاظ المحكمة بحقها في أن تتخذ بحق المتهمين التدابير التي تعتبرها أساسية لأمن
الجمهورية اليمنية القومي، حتى يمنح المتهمون حق اللجوء، إذ قررت ذلك الحق
المادة(9) من اتفاقية جنيف لعام 1951م، بنصها على أنه : " ليس في أحكام هذه
الاتفاقية ما يمنع دولة متعاقدة في زمن الحرب أوفي غيره من الظروف الخطيرة
والاستثنائية، من أن تتخذ مؤقتاً من التدابير بحق شخص معين ما تعتبره أساسياً
لأمنها القومي، ريثما يثبت لتلك الدولة المتعاقدة أن هذا الشخص لاجئ بالفعل وأن
الإبقاء على تلك التدابير ضروري في حالته لصالح أمنها القومي".
ومن حيث تقدير عقوبة الحبس، فإنه نظراً لظروف الواقعة وملابساتها
وبواعث المتهمين على ارتكابها؛ إذ دعاهم إلى ارتكابها خوفهم على أنفسهم من مخاطر
الأوضاع السياسية والمعيشية التي تمر بها بلدهم والسابق بيانها، ورغبتهم في التماس
ملجأ لهم في اليمن هرباً منها؛ لذلك فإن المحكمة عملاً بالمادة (109) من القرار
الجمهوري رقم(12) لسنة1994م، بشأن الجرائم والعقوبات، تأخذ بتلك العوامل ظروفاً
مخففة توجب الرأفة بالمتهمين.
لكل ما تقدم حكمت المحكمة بالآتي:
أولاً:- إدانة كل من / 1- عبد الله محمد مختار إبراهيم، 2- آدم حسن
طاهر إسحاق، 3- إسحاق صلاة إسحاق، 4- يوسف بشير آدم، بواقعة الدخول غير المشروع
لأراضي الجمهورية اليمنية المنسوبة إليهم في قرار الاتهام.
ثانياً:- معاقبتهم بالحبس مع الاكتفاء بالمدة التي قضوها في الحبس
الاحتياطي.
ثالثاً:- منحهم مهلة مقدارها ثلاثة أشهر لتصحيح وضعهم غير القانوني،
يلتمسون خلالها قبولهم كلاجئين، بتقديم طلب اللجوء إلى مكتب ممثل المفوضية السامية
للأمم المتحدة في صنعاء.
على أن يتم ذلك مع اتخاذ التدابير التالية:
إخضاعهم للفحص الطبي، للتأكد من خلوهم من الأمراض المعدي-
وضعهم تحت مراقبة ومتابعة مصلحة الهجرة والجوازات، حتى يتم قبولهم
كلاجئين-.
هذا ما قضيت به، سائلاً من الله تعالى التوفيق والسداد، وهو الهادي
إلى الحق وإلى سواء السبيل.
صدر بمقر محكمة جنوب شرق الأمانة الابتدائية، يوم الأحد الثالث من شهر
ذي القعدة سنة 1429هـ، الموافق للثاني من شهر نوفمبر سنة 2008م.
المرجع/ سوابق قضائية يمنية صفحة تابعة لنادي قضاة
اليمن- https://www.facebook.com/OneDayForYemen/posts/588469417940510