recent
جديد المشاركات

سوابق قضائية عربية السودان

الحجم
                                    ﷽
وجود المتهم على مسرح الجريمة لا يقرر بالضرورة مسئوليته المشتركة
المحكمة العليا
حكومة السودان /ضد/ 1-النور محمد جـدو
                        2-موسى مبارك حميده
م ع/م ك/96/1983م
المبادئ:
·قانون جنائي – تعدد الفاعلية – القصد المشترك – المادة78 عقوبات الاشتراك في الجريمة أو التحريض عليها – المادة 88 عقوبات مسئولية الشريك قد تختلف عن مسئولية الفاعل.
·قانون جنائي – وجود المتهم على مسرح الجريمة لا يقرر بالضرورة مسئوليته المشتركة .
2- لا يمكن للمحكمة  أن تدين أشخاصاً بالاشتراك في القتل العمد بتطبيق المادة 78 من قانون العقوبات إذا لم يثبت لها قصد المتهمين المشترك في القتل فان لم يثبت القصد بل ثبت ( العلم ) يرجحان النتيجة فالمادة الواجبة التطبيق هي المادة 88 وليس المادة 78 من قانون العقوبات.
1- إن وجود المتهم في مكان ارتكاب الجريمة يكفي لتقرير مسئوليته الجنائية ولكنه لا يعني بالضرورة تقرير المسئولية المشتركة في القتل أي توافر قصد مشترك بين الفاعلين.
الحكــــم
التاريخ : 25/5/1984م
القاضي : د. مصعب الهادي بابكر.
الوقائع باختصار كما توصلت اليها محكمة الموضوع هي أن في حوالي 4/9/1982 وبكمبو 12 سالمه بمنطقة سنار جاء ستة اشخاص من بينهم المتهم الأول والمتهم الثاني الى منزل المرحومة كلثوم حاج شمس وشاهدات الاتهام الثالثة والرابعة والخامسة ( شاهدة الاتهام الثالثة بنت خالة المرحومة والرابعة والدتها والخامسة أختها ). أحد هؤلاء الأشخاص ويدعى القداني جذب " عنقريب " وفرشه وجلس عليه واعترضته المرحومة وهنا قلب السرير أو قذف به وقال للمرحومة : العفانه أنا ما أبيتها انتي تابيها ليه. ردت المرحومة بقولها " أنا دعيتك على العفانه؟ . تدخل المتهم الأول وكان في حالة سكر شديد بقوله : " البت دي ما بت حلال كان بت حلال ما كانت تحميك العنقريب " وكان يقصد المرحومة . أغضبت هذه العبارات المرحومة وردت عليه : إنت مابتعرفني وأنا ما بعرفك – ليه تقول البت دي بت حرام ؟ " واحتد النقاش بينهما واحتكما للسلاح فرفع المتهم الأول عكازاً والمرحومة " كراع عنقريب " وتدخل القداني وأمسك المتهم الأول وشاهدة الاتهام الرابعة أمسكت بالمرحومة ثم طلب أهل البيت من المتهم الأول ومن معه الخروج من المنزل إلا أنهم رفضوا. ذهبت شاهدة الاتهام الثالثة ( كلثوم إدريس احمد ) لتبلغ البوليس والذي طلب منها أن تحضر صاحبة المنزل بنفسها لتسجيل البلاغ رجعت للمنزل وأخبرت المرحومة بذلك . دخلت الأخيرة – قطيتها لتهئ نفسها وتذهب للبوليس لتسجيل البلاغ . وهنا طلب المتهم الأول من الشاهدة كلثوم أن تأخذ " البراد " الموضوع أمامه وعندما جاءت لأخذه منعها فقالت له: انت من بدري داير ليك سبب يفرقنا، أنا خليت البراد شيلـو معاك " رد المتهم الأول على ذلك بالعكاز بأن ضرب شاهدة الاتهام الخامسة حـواء حاج شمس ( شقيقة المرحومة ) وتدخلت شاهدة الاتهام الرابعة ( خميسة ادم بخيت ) والدة – المرحومة ، وزجرت المتهم الأول على فعله لأن " حواء " حبلى ، وعندما تقدمت نحوه لتمسك به عاجلها بضربة بالعكاز على رأسها فجذبت منه العكاز وقذفـت به على سطح الراكوبة ثم وقعت على الأرض مغشياً عليها وهنا صرخت الشاهدة حواء عندما رأت ما حدث لوالدتها . سمعت المرحومة الصراخ وخرجت وأمسكت بالمتهم الأول من تلابيبه وهنا سحب المتهم الأول سكينه وطعن بها المرحومة على ظهرها ثم تدخل المتهم الثاني ( موسى مبارك حميده ) وضرب المرحومة بعكاز على عنقها فسقطت المرحومة على الأرض مضرجة بدمائها وماتت في الحال. حاول المتهـم أن يطـعن الشاهـدة كلثوم ( ش. اتهام 3) فأتقت السكين بيدها فجرحتها السكين وعندما حاول المدعو أحمد الضواها ( كان من ضمن الذين حضروا مع المتهمين ) ضرب الشاهدة كلثوم جرت منه العكاز وضربت به المتهم الأول فوقع الأخير فاقداً الوعي . وعندما رأى المتهمون تطور الأحداث فروا ، ولكن تمكن شاهدا الاتهام السابع والثامن من القبض على المتهم الثاني وتسليمه للشرطة.

أخذت جثة المرحومة للتشريح حيث ظهر الآتى :

أن عمرها (21) عاماً وتوفيت في 4/1/1982. ومن المظهر الخارجي يوجد جرح بالظهر من الناحية اليسرى للصدر مع وجود نزيف داخلى وأن بقية أجزاء الجسم سليمة والآلة المستعملة آله حادة ومن التشريح من الجهة الخلفية للصدر – الجهة اليسرى – يوجد جرح نافد خلال الضلعة الثامنة و التاسعة ، و يوجد كسر بالضلعة مخترقاً الرئة اليسرى و الشريان الأورطى مع وجود نزيف داخلي حوالي (4) لتــر و أن سبب الوفاة تهتك الرئة و الشريان الأورطى و نزيف حاد داخلي و خارجي . القرار الطبى عن المتهم الأول يوجد جرح أسفل الأنف و أعلى الشفة العليا طوله 2 سم عميق – استعمال اله حادة و توجد آثار خدوش بالصدر الجهة اليسرى و يوجد جرح سطحى بالظهر – طوله حوالي 2 سم بالإضافة إلى آثار خدوش – آلة صلبة و يوجد نزيف بالانف حجز بالمستشفى و خرج منها يوم 8/9/1982م كشف على المتهم الثاني مساعد طبي ( لم ترفق محكمة الموضوع القرار بالمحضر – لعدم حضور محرره للإدلاء بأقواله على اليمين ) و ظهر أن رائحة الخمر تنبعث منه و لكنه فى الظاهر صاحي و لا توجد اثار ضرب بالجسم .

     قدم المتهمان لتحقيق قضائي بسنار بتاريخ 16/2/1983م واحيلا في نفس التاريخ للمحاكمة أمام محكمة كبرى تحت المادتين 251/78 من قانون العقوبات لسنة 1974م ( القتل العمد بالاشتراك ). بدأت المحكمة الكبرى بسنار في 11/4/1983م وانتهت في 5/5/1983م وقد أدانت المتهمين تحت نفس المادتين (251/78) وأصدرت في حقهما عقوبة الاعدام.
   أرسلت القضية لهذه المحكمة للتأييد مصحوبة بطلب من الاستاذ عبيد حـاج على المحامي نيابة عن المتهمين طاعنا في الادانة ، ثم قدمت عريضة باسم مبارك حميده واخرى باسم الماحي فضل الله ومحمد يوسف قاياط طالبين قبول الدية حيث تم العفو والتنازل من أولياء المقتول.

حوكمت هذه القضية تحت ظل قانون العقوبات لسنة 1974م وسأنظرها تحت نفس القانون.
  وفي رأيي أن إدانة المتهمين بالقتل العمد جاءت صحيحة وسأتناول فيما بعد عما إذا كان من الأصوب إدانتهما بالاشتراك أم بالتحريض في القتل العمد . نعى محامي المتهمين على محكمة الموضوع قبولها بينه شاهدات الاتهام الثالثة والرابعة والخامسة رغم تضاربها الواضح فيما ادلين به في مراحل مختلفة أثناء التحري وفي المحاكمة وبدون الخوض في تفاصيل هذه الاختلافات التي وردت في بينة شاهدات الاتهام أرى :
أولاً أن ما جاء في مذكرة محامي المتهمين العالم فيما يختص بيومية التحري وكيفية الاستفادة منها بواسطة المحكمة عند المحاكمة صحيح. فعلاً أن يومية التحري وكيفية الاستفادة منها بواسطة المحكمة عند المحاكمة صحيح . على أن يومية التحري لا تقبل كبينة بنفس المادة 116 من قانون الاجراءات الجنائية ( حسبما جاء في قرار محكمة الموضوع ) ولكن يمكن للمحكمة في بعض الأحيان أن ترجع اليها لمعرفة كذب الشاهد من صدقه ولابد للمحكمة في هذه الحالة من أن تكون حذرة جداً اذا أن الشاهد لا يدلي باقواله على اليمين في يومية التحري ، كما أنه ليس بالضرورة أن تكون إفادة الشاهد والتي أدلى بها على اليمين أمام المحكمة كاذبة لمجرد وجود اختلافات بينهما وبين افادته في يومية التحري، وعلى أي حال لا يمكن بالطبع وضع قاعدة ثابته أو خطأ فاصلاً في هذا الخصوص ، أي متى تأخذ المحكمة بينة الشاهد رغم اختلافها مع ما أدلى به فى يومية التحري ومتى ترفضها وذلك لأن الموضوع كله يتعلق بالوقائع وهي تختلف من قضية لأخرى ، وهناك عدة سوابق لا داعي لذكرها وقد أورد بعضها محامي المتهمين العالم في مذكرته.

ثانياً أجد نفسي مختلفاً مع محامي المتهمين العالم فيما ذكره بأن ما أدلت به شاهدات الاتهام كله كذب وتلفيق. إن كذبهن في أنهن لا يدرن منزلاً لبيع الخمـور البلدية من عدم ذلك لا يغير في جوهر الأمر شيئاً إذا أنه لا اختلاف في دخول عدد من الناس من ضمنهم المتهم الأول لمنزل الشاهدات وقيام المتهم الأول بطعن المرحومة بسكين وسبب وفاتها وذلك باقرار المتهم الأول نفسه ( سأتناول اشتراك المتهم الثاني فيما بعد ) فعلاً هنالك اختلاف في تفاصيل المعركة وكيف نشبت الا أن هذا كدائماً وارد اذ من الطبيعي وفي أغلب الأحيان أن يذكر كل طرف ما يمكن أن يرمي به اللوم على الطرف الآخر والمحكمة التي استمعت للشهود ودونت أقوالهم هي دائماً في وضع أفضل من غيرها في تقييم هذه الأقوال، لم أجد بعد اطلاعي على المحضر ويومية التحري أن المحكمة الكبرى قد جانبها الصواب في ذلك والثابت وباقرار المتهم الأول انه هو الذي طعن المرحومة بالسكين .

وأما فيما يتعلق بالمتهم الثاني فرغم أنه نفى اشتراكه بل نفى مجرد دخوله المنزل المذكور بالمرة الا أنني أتفق مع محكمة الموضوع في قبولها لأقوال الشاهدات المذكورات فيما ذهبن اليه بأن المتهم الثاني كان ضمن الذين حضروا للمنزل وأنه اشترك بضرب المرحومة بالعكاز ولم أجد في المحضر ما يدعوني للاعتقاد بأن الشاهدات قد أقحمنه دون سبب ودون الأشخاص الآخرين الذين زاروا المنزل في ذلك اليوم ( وعلى سبيل الاستطراد فقط ) أن المحامي العالم لم يذكر صراحة في مذكرته لهذه المحكمة أن المتهم الثاني لم يشترك في المعركة أو أنه لم يحضر أصلاً الا في طلبه في المذكرة باخلاء سبيله لعدم اشتراكه. هذا فيما يختص بواقعة اشتراك المتهمين الاثنين في طعن وضرب المرحومة . أما فيما يتعلق بسبب الوفاة فأتفق مع محكمة الموضوع بأن سببها هو تهتك الرئة والشريان الأورطي والنزيف الخارجي والداخلي كما جاء في تقرير التشريح كذلك اتفق مع محكمة الموضوع فيما توصلت اليه بأن المتهمين كانا على الأقل يعلمان بأن نتيجة فعلهما المرجحة وليست مجرد المحتملة هي موت المرحومة إذ أن المتهم الأول استعمل سكيناً وهي آلة خطرة بالطبع وطعن بها المرحومة في مقتل وكذلك استعمل المتهم الثاني عكازاً وهو بدوره آلة خطرة وضرب به المرحومة في عنقها .

نأتي بعد ذلك الى موضوع حق الدفاع الشرعي عن النفس . في رأيي أن – المتهمين لا يمكن أن يستفيدوا من هذا الدفع . جاء في مذكرة محاميهما بأن المتهم الأول كان يدافع عن نفسه عندما طعن المرحومة بالسكين حيث كانت الأخيرة تحمل على أقل تقدير سكيناً بدليل ان اصابة وجه المتهم كانت بآلة حادة كما جاء في التقرير الطبي. في رايي أن هذا تنفيه أقوال المتهم الأول نفسه عند استجوابه بواسطة محكمة الموضوع، مؤيداً لما جاء في أقوال الشاهدات بأن المرحومة قبضت عليه من تلابيبه ولم تكن تحمل سكيناً . قال المتهم الأول ( المرحومة عمتتني من قدام ) ( نص 58 من المحضر ). ( لا أدري ربما كانت إصابة المتهم الأول بالة حادة حدثت بعد واقعة طعنه للمرحومة بالسكين ) حيث أن المتهمين كانا من المعتدين وبسبب الشجار ولـم ينجيا منه بل يحاولا حتى مجرد التراجع وبهذه المناسبة تجدر الإشارة إلى أن الانسحاب أو التراجع أو الهروب من عدم ذلك بصفة عامة، لا يفقد الشخص حقه في الدفاع الشرعي عن النفس وفقاً لقانون العقوبات ولكن تأتي موضوع الانسحاب والتراجع هنا لأهميته في مثل الحالة التي نحن بصددها الآن وذلك حسبما سأبين فيما بعد . جاء في حيثيات المحكمة الكبرى أن قضاء – المحكمة العليا قد استقر أخيـراً على أن المعتدي الذي تسبب في القتال لا يمكن أن يستفيد من حق الدفاع الشرعي وأوردت سابقتي أحمد محمد زين وأبو عيشه حامد سليمان ( مجلة الأحكام القضائية لسنة 1963 و 1966 على التوالي ) ولكني لا أرى أن هذا الموضوع قد استقر عليه الرأي بالشكل الذي أشارت إليه محكمة الموضوع بالسوابق القضائية القديمة ومنها سابقة حسين آدم فضل ( 1947) التي أشارت إليها محكمة الموضوع وضعت شروطاً يجب توافرها لكي يستفيد ذلك الشخص من حق الدفاع الشرعي عن النفس . فقد قال القاضي ( في ذلك الوقت ) كمنقذ في سابقة حسين آدم فضل الآتي :- 

“ A man who wrongfully attacked another may neverthelesi be justified in subsequently using force against the person whom he attackeed if the latter puts him in fear of death or prievous hurt his original attack did not aim to cause death or prievous hurt and provided also that before such necessity arose he declined further conflict; and quitted or retreated from it as far as practicable. “
 وقال أيضاً رئيس القضاء الأسبق لتدس في السابقة القضائية حكومة السودان ضد جمعة شامي كافرين ( 1951) غير مدونة الآتي :-
“ Normally when two men fight neither party can snccenfully plead the right of self-defence but if one side gains an obvions and an unexpected advantage that it forces the other to defend himself and his actions thereafter are dictated merely by the necessity of defending himself in order to disengage and no longer by any desire to continue the fight it would no doubt be possible to find that the party in the defensive was in  exercise of his right of self – defense. “
ويبدو أن المحكمة العليا قد طبقت ذلك في سابقة حكومة السودان ضد عباس السماح   النور ( نشرة الأحكام الشهرية لسنة 1979م ( يوليو ، أغسطس ، سبتمبر)  بصفحة 68) . في هذه السابقة وجد القتيل زوجته تتحدث مع المتهم في ظروف تدعو الى الشك فضرب الزوج المتهم بعصا إلا أن الأخير جرى دون أن يبدى أي رد فعل، جرى الزوج ( القتيل ) وراءه واستمر يضربه بالعصا وهنا طعنه المتهم بسكين فارداه قتيلاً. أدانت المحكمة الكبرى المتهم تحت المادة 251 عقوبات ( القتل العمد) بعد أن رفضت دفاعه تحت المادة 55 من نفس القانون ( حق الدفاع الشرعي عن النفس )ولكن المحكمة العليا ألغت الإدانة الغت الإدانة على أساس أن المتهم كان يدافع عن نفسه وفقاً لنص المادة 55 من قانون العقوبات. جاء في مذكرة المحكمة العليا : " في هذه الحالة لا يكون ضرب الزوج المتهم خلف القطية جريمة لأن الزوج يمارس حق الدفاع الشرعي. أما عند انتهاء الخطر بهروب العشيق ، ينتهي حق الزوج في الدفاع وتصبح ملاحقته للمتهم العشيق عدواناً يكون للعشيق الحق في  صده لأن الزوج يكون متجاوزا حدود الدفاع وإذا ما صد العشيق الاعتداء وهو متخوف من الموت أو الأذى الجسيم ، لم يكن المتهم مرتكباً جريمة . ( ص 70و 71).
هذا كله يوضح أن رأي المحكمة العليا لم يستقر في هذا الخصوص بالصورة التي أشارت إليها محكمة الموضوع . هذا على سبيل الاستطراد فإن ما ذهبت اليه السوابق القضائية القديمة لا يختلف في مضمونه عن ما استقر عليه الرأي في الفقه الجنائي في الشريعة الإسلامية . فحق الدفاع الشرعي الخاص اصطلح الفقهاءعلى تسميته  " دفع الصائل " وهو حق مشروع " من المتفق عليه بين- الفقهاء  أن أفعال الدفاع مباحة فلا مسئولية على المدافع من الناحية الجنائية لأن الفعل ليس جريمة ... لأنه أتي فعلاً مباحاً وأدى واجباً أو استعمل حقاً قرره الشارع واداء الواجبات واستعمال الحقوق لا يترتب عليه أية مسئولية ( أنظر عبد القادر عوده في التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ( الجزء الأول) ص 488 و489). كما أن القاعدة العامة في الشريعة بالنسبة لدفع الصائل هي أنه ليس للصائل أن يرد دفاع المصول عليه ثم يجنح بأنه كان يدافع عن نفسه ، لأنه هو الذي اعتدى فأصبح باعتدائه عرضة لدفاع المصول عليه ...(أنظر المصدر السابق ص 480) ولكن هناك   استثناء لهذه القاعدة وهو إذا زاد أعمال الداع عن الحد اللازم لرد العدوان إعتبر – الزائد منها عدواناً وكان للصائل أن يدفعه: ( المصدر السابق بص 480 وعلى أي حال ما يهمنا أن المتهمين في كلا الحالتين لا يمكن أن يستفيدوا من حق الدفاع الشرعي عن النفس ، فكما سلفت الاشارة فإنهما كانا المعتدين وسبب الشجار كما أنهما لم يضحيا منه ولم يحاولا حتى مجرد الانسحاب بل رفضا الخروج من المنزل مما دعا شاهدة الاتهام الثالثة أن تبلغ البوليس . أثار محامي المتهمين الاستثناء الرابع للمادة 249 من قانون العقوبات ( المعركة المفاجئة )، وبدون الخوض في تفاصيل المعركة نفسها أو ذكر سوابققضائية أجد نفسي متفقاً مع محامي المتهمين العالم بأن ما حدث كان فعلاً نتيجة لمعركة مفاجئة ، فقد بدأت المعركة بمشادة كلامية وتراشق بالألفاظ ثم محاولة للضرب بالعصى ثم احتكاك وتلاحم بالأيدى افضى في النهاية الى موت المرحومة ولم تهدأ أبداً منذ بداية التراشق بالألفاظ وحتى النهاية المؤلمة ، ولم يثبت أن هناك سابق معرفة بين الطرفين أو وجود حقد قديم بينهم مما يبعد أي شبهة لتبرير هذه المعركة من جانب المتهمين ولكني لا أتفق معه على أن كل شروط هذا الاستثناء ( 249) (4) تنطبق على حالة المتهمين . ذهب محامي المتهمين إلى القول بأن المرحومة كانت على الأقل تحمل سكيناً ( سكين مطبخ مثلاً ) بينما إفادة المتهم الأول نفسه عندما تم استجوابه بواسطة المحكمة الكبرى تنفي ذلك تماماً ، قال المتهم الأول : "... والمرحومة عمتتني من قدام وباقي النسوة يضربوني من الخلف وبعد ذلك أنا طلعت السكين من ذراعي وضربت المرحومة ضربة واحدة دفاعاً عن نفسي ( ص 58 من المحضر ) " ومن هذا يتضح أنه لا المرحومة ولا أي واحدة من النسوة كانت في ذلك الوقت تحمل سكيناً أو أي نوع من السلاح وإلا لكان المتهم الأول قد ذكر ذلك ، ولهذا اتفق مع المحكمة الكبرى بما توصلت إليه بأن المتهم الأول باستعماله للسكين في تلك الظروف وتسديده طعنة في مقتل على ظهر المرحومة قد سلك سلوكاً قاسياً وغير عادي وبالتالي فإنه لا يمكن أن يستفيد من هذا الاستثناء.
ليس هناك أي استثناء من الإستثنناءات الأخرى للمادة 249 ما يمكن أن ينطبق على حالة المتهمين .
نرجع بعد ذلك لموضوع الإدانة ، فقد أدانت المحكمة الكبرى المتهمين تحت المادة 251 مقروءة مع المادة 78 من قانون العقوبات ( القتل العمد بالاشتراك ) ولكن في رأيي أن المادة 78 لا تنطبق على حالة المتهمين إذ أنه لانطباق هذه المادة لابد أن تتيقن المحكمة الكبرى من أن قصد المتهمين المشترك هو إزهاق روح المرحومة وهذا ما لم يثبت لمحكمة الموضوع فقد ذكرت محكمة الموضوع في حيثياتها " نؤكد أن المتهمين قصدا موت المرحومة أو على أقل تقدير كانا يعلمان بأن الموت هو النتيجة الراجحـة ( ص 70 أنظر كذلك البند 3 من 79 بالمحضر ) .

سبق أن ناقشت هذا الموضوع في حكومة السودان ضد يعقوب محمد آدم وآخرين ( م ع/ م ك/140/1982 بتاريخ 18/2/1984 غير مدونه ) وفي هذه القضية
أدانت محكمة الموضوع المتهمين تحت المادتين 251 – 78 عقوبات رغم أنها لم تصل إلى أن قصد المتهمين المشترك كان قتل المرحوم ، ولما كان الموضوع مشابهاً في هذه الناحية فلا مانع عندي من ترديد نفس النقاش لأهميته خصوصاً وأن القضية المشار إليها غير منشورة. في رأيي أن إدانة المتهمين تحت المادة 251عقوبات جاءت صحيحة ولكن كان يجب أن تكون مقروءة مع المادة 88 من قانون العقوبات ( التحريض على القتل العمد ) وليس المادة 78 سنة الاشتراك ) . " لتطبيق المادة 78 عقوبات أشارت محكمة الموضوع إلى السابقة القضائية"

 حكومة السودان ضد الأمين هجينا وآخرين

مجلة الأحكام القضائية ( 1972) ص 189
على اعتبار أن وجود المتهم في مكان ارتكاب الجريمة وكان وجوده بسببها يكفي لتقرير مسئوليته الجنائية وهذا صحيح فقط فيما يختص بتقرير المسئولية الجنائية ولكن ليست بالضرورة " المسئولية المشتركة في القتل وهذا هو خطأ محكمة الموضوع إذ أن وقائع قضية هجينا وآخرين  تختلف كثيراً عن وقائع هذه القضية . في قضية هجينا كان المتهمون يحملون سلاحاً نارياً وسيفاً مشهوراً لارتكاب جريمة النهب وقد توصل السيد رئيس القضاء الأسبق السيد عثمان الطيب على أن قصدهم كان هو القاتل لارتكاب جريمة النهب " هذه واقعة قوية للاستنتاج على أن المتهمين قد اتفقوا على القتل وكان حدوث القتل قصداً مشتركاً لهم لتنفيذ القصد الثاني الذي هو النهب" ( ص 192) وخطأ محكمة الموضوع الثاني هو أنها رغم عدم ثبوت قصد المتهمين ( المشترك ) في قتل المرحوم ، وهو العنصر الأول لارتكاب جريمة القتل العمد، ولذا قررت أن المتهمين كانوا يعلمون بأن نتيجة فعلهم المرجحة وليست مجرد المحتملة هي موت المرحوم ، رغم ذلك أدانتهم جميعاً بالاشتراك في القتل العمد وفقاً للمادة 78 من قانون العقوبات لإدانته متهمين بالاشتراك تحت المادة 78 من قانون العقوبات  يجب أن يثبت أن قصدهم المشترك كان مصراً تماما لارتكاب الجريمة التي ارتكبت بالفعل وهي في هذه الحالة جريمة القتل العمد ، وإذا لم يثبت القصد المشترك " بالقتل بل ثبت " العلم " . فقط ، كما هو الحال في هذا القصد المشترك " بالقتل بل ثبت العلم فقط ، كما هي الحالة في هذه القضية التي نحن بصددها الآن ، لا يمكن أن يدان المتهمون بالاشتراك في القتل العمد لعدم توفر أهم عنصر في المادة 78 وهو" القصد المشترك " والقصد يختلف عن العلم ، وكما هو واضح فإن المادة 78 لا تتحدث عن العلم " بل عن " القصد " وفي رأيي أن المادة المناسبة هي المادة 88 عقوبات " التحريض على القتل العمد " وقد أوضح ذلك السيد رئيس القضاء الأسبق نفسه في السابقة القضائية :

حكومة السودان ضد الشيخ عجب الدور وآخرين

مجلة الأحكام القضائية ( 1969م) ص 78

النص باللغة الإنجليزية

“ It is important to emphasis that common intention to commit a crime is different from knowledge of each one of accused that commission of that crime would be a likely consequence of their acts. Intention and knowledge are two distinct elements lf any offence. Intention is wide enough to include knowledge, and knowledge is only one of the circumstances to be taken as proof of the existence of intention where the  law makes intention alone an ingredient of the offence, the proof of knowledge would not, by itself, incriminate him. In the case of joint acts under the p. p. c.s, 78where the existence and proof of common intention is essential, the proof of knowledge that death would be the probable or a likely consequence of the common or same or similar acts of the accuseds, would not bring them within the ambit or the section.

ولتوكيد هذا الرأي ذهبت السابقة القضائية :

حكومة السودان ضد مختار فضل المولى ويوسف أحمد نور مجلة الأحكام القضائية 1973( ص 394).

لا يعد من ذلك بأن القصد المشترك " المشار إليه في المادة 78 عقوبات ولا يتأتى إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق من المتهمين أي لابد أن يكونوا قد اتقوا مسبقاً لارتكاب الجريمة وخططوا لها ( ص 396). "

والقصد المشترك لا يثبت فقط بإثبات أن المتهمين اتفقوا على ضرب المجني عليها بل يجب أن يثبت قصدهم المشترك بارتكاب الجريمة التي ارتكبت بالفعل وهذا الرأي مأخوذ به أيضاً في سيريلانكا وقانونها العقابي مشابه في هذه الناحية لقانون عقوبات السودان.

Howard C. J. side: There seems to be some confusion, and the jury may well have been in some doubt as to whether the common intention amounting in law to a murderous one that the prosecutions has to establish, was an intention to give ( the victim ) beating .

It should have been made clear to the jury that to convict all of the accused of the offence of attempted murder, each one of them at the time of the assault must have been actuated tie a common intention not only to beat but also to cause his death. “

Herashamy ( 1946) 47 H.L.R.83 p.89.

ومعلوم أنه في في سيريلانكا كما هو في الهند أن جريمة الشروع في القتل لا تتطـلب  "  القصد " أو النية " فقط بل " العلم " أيضا كبديل للقصد.

وهذا الرأي يتمشى أيضاً مع الفقه الجنائي الإسلامي فلم يغفل فقهاء الشريعة الإسلامية هذا الموضوع الهام فقد اتفق أبو حنيفة و مالك في أن مسئولية القتل بالاشتراك تتأتى عندما تكون نية المشتركين منصرة إلى القتل ، غير أن هما اختلافا في كيفية الاشتراك المؤدي إلى المسئولية الجنائية . فالأول لا يعتبر القتل بالتسبب موجب للقصاص والثاني يعتبر الشركة بالمباشرة والشركة بالتسبب أيضاً …. مادام قد تمالأ معه على القتل وحضر. فإنه يعد قاتلاً ولو لم يباشر( أنظر الجريمة والعقوبة في الفقه  الإسلامي – لأبي زهرة ص 382 و 383).

وخلاصة هذا القول هو أنه لا يمكن لمحكمة أن تدين أشخاصاً بالاشتراك في القتل العمد بتطبيق المادة 78 من قانون العقوبات إذا لم يثبت لها قصد المتهمين المشترك في القتل , فان لم يثبت " القصد"
بل ثبت " العلم " يرجحان النتيجة كما هو الحال في هذه القضية فالمادة الأنسب للتطبيق هي المادة 88 وليس المادة 78 من قانون العقوبات.

هذا ما وجب توضيحه من الناحية القانونية الصرفة لكي لا يكون هناك خلط أو التباس في هذا الخصوص كما يحدث في أغلب الأحيان وأحب أن أشير هنا إلى أن القانون الخاص بالأفعال المشتركة " عامة وغير واضح تماماً ولهذا السبب من الخير دائماً أن تطبق المحاكم القانون الخاص " بالتحريض " في المشكلات القبلية لأنه أكثر وضوحاً وقد نبه إلى ذلك السيد رئيس القضاء الأسبق السير توماس كريد.

He said “ Generally speaking I am favour of using the abutment setions,  when possible in proference to joint acts sections, which are not so clearty framed as the abetment sections and which when used seem to lead to mistakes> The text- books are also not satisfactory on the joint acts sections ……In fight abetment  sections. “

 أنظر حكومة السودان ضد محمد إدريس وآخرين .

م ع /أج/246/42 محكمة كبرى كردافان 68/42 غير منشور . أنظر كذلك ما قاله رئيس القضاء الأسبق لندس في حكومة السودان ضد صالح العبيد وآخرين م ع/أ ج/264/50 محكمة كبرى النيل الأزرق 46/50 غير منشورة .

ومحاولة تطبيق ( الأفعال المشتركة ) كثيراً ما يقود الى الخطأ كما أشار الى ذلك بحق رئيس القضاء الأسبق والدليل هو خطأ محكمة الموضوع الواضح عندما طبقت المادة 78 من قانون العقوبات .

لهذه الأسباب مجتمعة أرى تعديل إدانة المتهمين لتكون تحت المادتين 251/88 من قانون العقوبات " التحريض على القتل العمد "

فيما يختص بعقوبة الإعدام بالنسبة للمتهمين الاثنين فإني أؤيدها أيضاً بالنسبة للمتهم الأول فليس هناك أي شرط من الشروط الواردة في المادة 65 من قانون العقوبات ينطبق عليه وأما بالنسبة للمتهم الثاني فرغم أن محامي المتهمين العالم ذكر أن المتهم عمره أقل من ثمانية عشر عاماً إلا أنه جاء في مذكرة محكمة الموضوع حول العقوبة ( ص 91) بأن المتهم نفسه قد ذكر أن عمره ثمانية عشر عاماً ثم أضافت المحكمة الكبرى بأنها ترى أن عمره أكثر من ( 18) عاماً ( هذا أيضا بالإضافة إلى تقدير عمره (18) بواسطة الطبيب ) ولهذا لا ينطبق عليه نص المادة 65 (ب) من قانون العقوبات.
إعلان منتصف المقال
google-playkhamsatmostaqltradent